من اعداد : جلال السباعي
يشكل الاستثمار في وقتنا الراهن الرافعة القوية لتحقيق الطموحات والتطلعات الاقتصادية والاجتماعية كما انه الاداة الناجعة للاندماج في المحيط الدولي.
يعتبر الاستثمار دعامة اساسية للتنمية يشكل اضافة الى الطاقة الانتاجية زيادة في الثروات لما لذلك من أثر في اشباع الحاجات وتوفير الخدمات كما انه يحتاج الى مناخ يجلبه ولا شك ان تحقيق الامن القانوني يساهم ايجابا في ذلك.
سارع المغرب كباقي الدول الاخرى وخاصة في الآونة الاخيرة الى تقديم ضمانات لتشجيع الاستثمار الخاص فيه، وتعتبر هذه الضمانات بمثابة مجموعة آليات ووسائل ممنوحة من طرف الدولة للمستثمر تكتسي طابع الامان والثقة، وقد عبر عن ذلك المغفور له صاحب
الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في قوله ” لا يمكن للمغرب ان يفتح ابوابه للمال الاجنبي إذا لم يكن ذلك المال عارفا بأنه في مأمن من الشطط وسوء الفهم فالقضاء أصبح ضرورة للنماء «.
عمل المغرب كذلك على تحسين جاذبية البلاد بالنسبة للاستثمار من خلال اتخاذ اجراءات اقتصادية ومؤسساتية وقانونية، همت على الخصوص، اعتماد نظام جبائي تحفيزي في مجال الاستثمار، يشمل عددا هاما من المزايا.
كما يمكن الإشارة أيضا إلى أن دور العدالة في تحقيق التنمية الاقتصادية و توفير مناخ ملائم للاستثمار ، لا يتحقق فقط من خلال المؤسسات القضائية الرسمية ، بل لا بد من وجود مؤسسات قضائية غير رسمية و نخص بالذكر هنا الوسائل البديلة لحل المنازعات ، و ما تقوم عليه من قواعد أصبحت تفرض نفسها كحل بديل في كثير من الأحيان خصوصا في مجال التجارة الداخلية او حتى التجارة الدولية ، بل و يمكن القول بأن مجهود الدولة و مهما بلغ من أجل النهوض بقطاع العدالة في بلادنا لا يكفي لتحقيق التنمية المنشودة و خلق المناخ الملائم للاستثمار ، مالم يعزز بمساهمة جهات أخرى لحل المنازعات من دون اللجوء إلى القضاء و عند الاقتضاء قبل اللجوء الى القضاء ، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة الى ان التحكيم و الوساطة الاتفاقية و حتى الصلح يمكن لهم أن يحققا أهدافا متميزة في حل النزاعات و ذلك مما سيساعد في الرفع من مجل التنمية و تحقيق نوع من السرعة و تبسيط و تسري ع المساطر القضائية و الإدارية ، بالإضافة الى توفير نجاعة قضائية و هذا ما سيحسن لا محال في تحسين مناخ الأعمال و تشجيع الاستثمار و حمايته بالإضافة الى المساهمة في تعزيز المكانة التي يطمح لها المغرب.
وفي هذا الإطار يمكن طرح الإشكالية التالية: الى أي حد كانت الترسانة القانونية كافية لحماية الاستثمار؟
ولمعالجة الإشكالية أعلاه يتعين علينا تقسيم الموضوع الى مبحثين أساسيين:
المبحث الأول: ماهية الاستثمار
المبحث الثاني: ميكانيزمات القانونية لحماية الاستثمار
المبحث الأول: الإطار النظري للاستثمار بالمغرب
ان كلمة الاستثمار، من الكلمات التي يصعب وضع تعريف محدد لها بحيث يتفق عليه الجميع، فنظرة الأطراف الى عملية الاستثمار وطبيعته تختلف باختلاف ظروفهم والمهن التي يشغلونها وال[1]أغراض التي يريدون تحقيقها من وراء استثماراتهم، وغير ذلك من العوامل التي تجعل من الصعب وضع تعريف واحد محدد لكلمة الاستثمار.
لذا في هذا المبحث سوف نقوم بمعالجة ماهية الاستثمار، عبر البحث في مفهومه (المطلب الأول)، ثم انواعه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: ماهية الاستثمار
الاستثمار في اللغة، استخدام المال وتشغيله بقصد تحقيق ثمرة هذا الاستخدام فيكثر المال وينمو على مدى الزمن 1.
لكن يجب الالمام بشكل دقيق لمفهوم الاستثمار وذلك من خلال الإشارة لكل من المفهوم القانوني والاقتصادي للاستثمار.
الفقرة الأولى: المفهوم القانوني للاستثمار
لم يأت المشرع المغربي شانه شان غالبية التشريعات بتعريف الاستثمار، سواء الوطني او الأجنبي، بالرغم من إصداره لقانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات[2]، وأيضا اتفاقية واشنطن التي أنشأت المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا دول أخرى (ICSID) والمؤرخة في 18 مارس 1965، من أهم الاتفاقيات المنظمة للتحكيم الدولي في مادة الاستثمار، لم يأتي بتعريف محدد للاستثمار، والجدير بالذكر ان العديد من المقترحات لتعريف الاستثمار قد طرحت اثناء اعداد معاهدة واشنطن ، حتى انه تم تبني تعريف للاستثمار ادرج في المادة 30 من المسودة الاولى للاتفاقية. ووفقا للتعريف المقترح يعد الاستثمار «اي اسهام سواء اتخذ شكلا نقديا او تقديم اصول ذات قيمة اقتصادية، لمدة زمنية غير محدودة، وفي حالة تحديد المدة فأنها يجب ان لا تقل عن خمس سنوات».
وبالواقع لم يحظ هذ التعريف على رضا المشاركين لأسباب عدة، منها يجب ادخال بعض العناصر الاخرى على التعريف، مثل فكرة الربحية والمخاطرة او المصالح التنموية للدولة المضيفة للاستثمار، كما اقترح اخرون ان تعريف الاستثمار لا يشترط تعريفا ضيقا، الا ان الغلبة في نهاية المطاف كانت للرأي المدافع عن اغفال وضع تعريف للاستثمار في معاهدة واشنطن.
نجد مفهوم الاستثمار الذي ورد في نص المادة 25 من معاهدة واشنطن 1965، والمادة 25 هي التي تنظم حدود الاختصاص الموضوعي لمركز الأكسيد. وفى ظل غياب تعريف الاستثمار تباينت أحكام الأكسيد بين اتجاهين رئيسيين:
الأول، هو الاتجاه الرضائي المحض الذي يرى أن مسألة التعريف متروكة لإرادة الأطراف دون قيد أو شرط، فتصبح كل ما يعده الطرفين منازعة متعلقة بالاستثمار ضمن الاختصاص الموضوعي لمركز الأكسيد. والاتجاه الثاني المقابل له وهو الاتجاه الرضائي المقيد يرى أن إرادة الأطراف ليست كافية لانعقاد الاختصاص الموضوعي لمركز الأكسيد، وإنما ينبغي أن تتوفر في النزاع بعض الخصائص الموضوعية ليصبح متعلقًا بالاستثمار على اعتبار أن واضعي نصوص معاهدة واشنطن 1965 كان لهم تصور محدد في أذهانهم لنوعية المنازعات التي يجوز عرضها على مركز الأكسيد. لكن كما تبين من هذا البحث أن كلا الاتجاهين غير قادرين على الوصول إلى تعريف منضبط للاستثمار لأسباب راجعة إلى طبيعة التحكيم كآلية لفض المنازعات تمتاز بضبابية مرجعيتها القائمة على هيئات ذات تكوين مؤقت غير دائم وإلى رغبة هيئات التحكيم في عدم التخلي عن النظر في الدعوى المعروضة خشية أن يكون ذلك سببًا في الإضرار بالمستثمر الذي سيضطر إلى اللجوء إلى وسائل أخرى، أقل فعالية وقوة لفض نزاعه من الدولة المضيفة للاستثمار كالحماية الدبلوماسية. فهيئات التحكيم بمركز الأكسيد أصبحت الآن تختص بنظر جميع الدعاوى التي يرفعها أجانب على الدول المضيفة للاستثمار. فلا يعد اختصاص المركز قاصرًا على نظر منازعات مرتبطة باستثمار سواء بطريق المباشر أو غير المباشر.
الفقرة الثانية: المفهوم الاقتصادي للاستثمار
للإحاطة بمفهوم الاستثمار من جانبه الاقتصادي لا بد من البحث في المنظور الفقهي الذي لا ينفصل كذلك على الرؤية الاقتصادية.
يعتبر بعض الفقهاء، ان لفظ استثمار يمكن ان يكتسب معنى واسعا او ضيقا بحسب الاستعمال، لهذا يجب ان يحدد المقصود به سواء في صلب الاتفاقية او في اتفاق لاحق يبين الجهة المختصة بإصداره، مع العلم ان معظم المشاريع تتجه للتوسع في مفهومه، إذ لا يقتصر على الاستثمارات النقدية او المادية بل يشمل كذلك كل اسهام في مشروع، عن طريق تقديم أصول فيه، سواء كانت هذه الأصول مادية وملموسة ام لم تكن كذلك[3].
وفي الاقتصاد غالبا ما يقصد بالاستثمار اكتساب الموجودات المادية، على ان توظيف في الأموال يعتبر مساهمة في الإنتاج، أي إضافة منفعة أو خلق قيمة تكون على شكل سلع وخدمات.
ويعرف أيضا بانه:
” بأنه أحد عمليات الاستغلال راس المال بهدف تحقيق فائض مالي”
يمكن القول من خلال هذه الرؤية ان الاستثمار يشمل عناصر عديدة تتمثل في وجود راس المال، ووضعه في مشاريع إنتاجية، عبر تعبئة الادخارات الوطنية التي تشكل رؤوس الأموال الوطنية، او من خلال قروض خارجية او داخلية بالنسبة للاستثمار العمومي، او بواسطة رؤوس الأموال الأجنبية لتوظيفها في مشاريع إنتاجية.
اذن فالاستثمار عملية مركبة، تجمع بين عناصر قانونية واقتصادية واجتماعية، تؤدي الى توسيع الجهاز الإنتاجي في مختلف القطاعات الإنتاجية وفروعها، مما يسهم في إنعاش التشغيل، وتنشأ علاقة اجتماعية تتدفق عبرها موارد الدخل، ويحدث بينها انتقال للموارد المختلفة.
المطلب الثاني: انواع الاستثمار
يعتبر الاستثمار من اهم المرتكزات التي أصبح الرهان عليها كبيرا لتوسيع وتمديد القطاعات ومواجهة المعضلات الاجتماعية خاصة منها انعكاسه على مجال التشغيل، كما شكل أحد الاهتمامات الرئيسية لسلطات الدولة وسياستها العمومية بالمغرب، وحظي باهتمام بالغ يروم بالأساس تشجيع وتحسين مناخ الأعمال من أجل جلب الاستثمارات الداخلية (الفقرة الأولى) والاستثمارات الخارجية (الفقرة الثانية)
الفقرة الاولى: الاستثمار الداخلي
يعتبر الاستثمار الداخلي من الاستثمارات التي لا تنتقل فيها قيم مادية او معنوية عبر الحدود، فالمستثمر وطني، والمشروع الاستثماري وطني، وراس المال وطني، ويتم داخل الوطن [4]
تشمل مجالات الاستثمار الوطنية او المحلية، جميع الفرص المتاحة للاستثمار في السوق المحلي، وبغض النظر عن نوع اداة الاستثمار المستخدمة، تعتبر من الاستثمارات المحلية جميع الاموال المستثمرة داخل الوطن، من قبل فرد (او مؤسسة) مقيم بالوطن، أيا كانت اداة الاستثمار المستخدمة من عقار، اوراق مالية، ذهب، عملات اجنبية….[5]
يسعى المغرب لتحسين الاستثمار الداخلي وذلك عبر تجويد بعض النصوص القانونية المواكبة للميثاق الجديد للاستثمار مثل قانون الشغل والخطة الوطنية لإصلاح الادارة وايجاد حل لتعقيدات المساطر الادارية التي تشكل عائقا امام فرص نمو الاستثمار بالمغرب.
في هذا الإطار عمل المغرب على غرار البلدان الصاعدة، على جعل الاستثمار رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس[6]، “الذي حث على مواصلة الجهود لعصرنة القضاء بعقلنة العمل، وتبسيط المساطر وتعميم المعلومات كما أمر بتنوير مساطر التسوية التوفيقية لما ينشأ بين التجار”، فقد تم اتخاذ عدة تدابير تهدف إلى إصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار وتشجيع المبادرة الحرة للمستثمرين المغاربة والأجانب، حيث تم العمل على تحسين فرص جاذبية الاستثمار من خلال اتخاذ إجراءات اقتصادية وقانونية و مؤسساتية و قضائية[7] . وهو ما تمثل في إخراج قانون الإطار بمثابة ميثاق للاستثمارات رقم 18.95 [8] إلى الوجود، كما تم إصدار قانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار [9]، كما أضاف جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2009 بتطوان أنه “… وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية والبديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح…” [10] وهو ما تجسد في تنظيم هذه الآليات في العديد من القوانين الوطنية، وكان آخر تعديل عرفته هذه الآليات هو صدور القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية [11] المعدل للقانون رقم 08.05 من قانون المسطرة المدنية
الفقرة الثانية: الاستثمار الخارجي
يعد الاستثمار الاجنبي كل استخدام يجري من الخارج لموارد مالية يملكها بلد من البلدان[12] او الاستثمار الذي يقوم به الافراد او الشركات او الهيئات التي تتمتع بالجنسية الاجنبية[13] كما يمكن اعتباره تحريكا لرؤوس الاموال من بلد الى بلد آخر و يغلب عليها طابع الاستثمار، و تكون عادة مصحوبة بنية اعادة تحويل رأس المال و عائده الى موطنه الاصلي[14].
تعتبر التنمية الاقتصادية من أبرز وأكبر الرهانات التي تسعى أي دولة إلى تحقيقها، يستطيع الاستثمار الاجنبي أن يلعب دورا أساسيا في تحقيق الخطط التنموية للدول المضيفة له، فهو يمكنه من استغلال مواردها الطبيعية، كما يسهم في تحقيق بنيتها التحتية، وتطوير مختلف القطاعات الإنتاجية من خلال ما يقدمه من أصول متنوعة منها رأس المال والتكنولوجيا اللازمة، وما يوفره من إمكانية الانفتاح على الأسواق الدولية[15]
وبما أن الاستثمار أصبح يلعب دورا أساسيا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن صناع السياسات الاقتصادية في الدول النامية، أصبحوا يولون أهمية بالغة للشراكة الأجنبية عند صياغتهم لمخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بهذه الدول، بعد أن أدت هذه الاستثمارات دورا متميزا في كل من الدول المتقدمة وحديثة التصنيع على حد سواء[16].
اتخذ المغرب مجموعة من الاصلاحات التي تروم تعزيز الاقتصاد الماكرو -اقتصادي وتقوية انفتاح الاقتصاد المغربي من خلال التوقيع على العديد من اتفاقيات التبادل الحر الذي يساعد في جذب الاستثمارات الاجنبية وتحقيق التنمية.
من أهم العوامل والأسباب التي يبني عليها المستثمر الأجنبي قرار استثمار أمواله في دولة ما، خاصة إذا كانت هذه الأخيرة من الدول النامية، فأول ما يأخذه المستثمر الأجنبي بعين الاعتبار عند إقدامه على توظيف أمواله هو النظام القانوني الذي سيتم في ظله إنجاز عملية الاستثمار، من خلال ما يقدمه من حقوق و تسهيلات و مستوى الحماية التي يضمنها ، وتتمثل هذه الأخيرة في مدى توفر الدول المضيفة للاستثمار على آليات قانونية تكفل الطابع الحمائي ضد المخاطر التي تخرج عن التوقعات التجارية للمستثمر الأجنبي، والتي قد يتعرض لها مشروعه الاستثماري على إقليمها، وبذلك فإن الضمانات القانونية التي تمنحها الدول للمستثمر الأجنبي تجعل هذا الأخير يتمتع بالحماية الضرورية من هذه المخاطر. لهذا سعت الدول إلى إيجاد نظام دولي موحد من شأنه توفير القدر الكافي من الحماية اللازمة للتدفق الدولي لرؤوس الأموال، سواء كان نظاما قانونيا يأخذ شكل اتفاقيات دولية متعلقة بحماية وتشجيع الاستثمارات، أو كان نظاما هيكليا متمثلا في مؤسسات متخصصة في ضمان الاستثمارات، إلى جانب وعي الدول بضرورة تضمين تشريعاتها الداخلية لآليات حماية الاستثمار الأجنبي من خلال التعهد بحمايته من المخاطر غير التجارية التي يمكن أن تلحق به [17]
المبحث الثاني: الميكانيزمات القانونية لحماية الاستثمار
يعد الاستثمار عاملا أساسيا في ضمان نمو اقتصادي مستديم، بالتالي كان من الضروري وضع إطار قانوني من أجل تنمية المقاولة وتشجيع الاستثمار، وكذا توفير الأمن القانوني الذي يعد ركن أساسي من اجل التنافس الاستثماري بالمغرب، الذي يعد من الدول التي انخرطت في تحرير اقتصاد، وذلك بتنمية قوانين جديدة تهدف إلى خلق إطار قانوني للاستثمار، ومن هذه القوانين نجد تعديل القانون التجاري، والقانون الاجتماعي وقانون الشركات والقانون المتعلق بالضمانات المنقولة وميثاق الجديد للاستثمار بمثابة مشروع قانون إطار رقم 03.22.
المطلب الأول: الإطار القانوني للاستثمار
سنتطرق في هذا المطلب إلى أهداف تشجيع الاستثمار وذلك من خلال الفقرة الأولى على أن نخص الفقرة الثانية لمخرجات الميثاق الجديد للاستثمار.
الفقرة الاولى: أهداف تشجيع الاٍستثمار.
نظرا للأهمية التي يحتلها الاستثمار في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عمل المغرب كباقي الدول الأخرى وخاصة في الآونة الأخيرة على اتخاذ عدة تدابير تشريعية عصرية لمواكبة ما هو موجود على الساحة العالمية في مجال الاستثمار بهدف ضمان تشجيع المستثمرين على إقامة مشاريعهم الاستثمارية بالمغرب تمثلت في وضع القانون المسمى ” ميثاق الاستثمار”[18] كي يوحد عدة نصوص قانونية سابقة كانت تختص بقطاعات مهنية محددة أو جهات جغرافية معينة ، وبمقتضى هذا القانون أصبح أي مشروع استثماري بغض النظر عن القطاع خاضعا لقانون موحد ومعمم على كل الجهات الاقتصادية بالمغرب ، كما صارت الايجابيات والحوافز التي يتضمنها معممة على جميع القطاعات ، وقد تميز الميثاق بانخفاض ملحوظ للضغط الجبائي وإعفاءات ضريبية مهمة أثناء مراحل إحداث واستغلال المقاولة .
كما تم سن المدونة العامة للضرائب والمدونة الجديدة للتجارة وقانون إحداث المحاكم التجارية وقانون المجموعات ذات النفع الاقتصادي وقانون حرية الاسعار والمنافسة وقانون شركات المساهمة ومدونة الشغل وقانون الملكية الصناعية والفكرية والقانون البنكي وقانون المحاكم المالية وقانون الشركات إلى غيرها من القوانين ذات الأهمية.
كما ان الحكامة القضائية تعتبر من الضمانات تشجيع على الاستثمار بالمغرب وذلك من خلال النطق الملكي امام قضاة مجلس الأعلى حينما تشرفوا بالمثول امام جلالة الملك حفضه الله:
إذا اراد المغرب الانفتاح على العالم فيجب أن يكون قضاءه متفتحا وفي مستوى قضاة العالم
كما تعزيز أسس الحكامة في المجال القضائي والتي توطدت بعد مصادقة الشعب المغربي على الدستور الجديد في فاتح يوليوز 2011 من ضمانات التشجيع على الاستثمار بالمغرب، وتحقيق هذه الحكامة رهين أساسا بجودة عمل الجهاز القضائي بالإضافة إلى وجود وسائل بديلة لحل المنازعات ويأتي في مقدمتها التحكيم والوساطة.
حيث أن المؤسسة القضائية تعتبر القاطرة التي يعول عليها لقيادة ركب التنمية.
كما أشار جلالة الملك في خطابه الملكي[19] إلى ضرورة ضمان تبسيط ورقمنه المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار والطاقات الخضراء، والدعم المالي لحاملي المشاريع كما أن المقاولة المنتجة تعتبر أحد الحلول الكفيلة بالرقي بالاستثمار الوطني، وأحد الآليات والميكانزمات التي يمكن من خلالها التقليل من الأزمة المرتبطة بالتشغيل والبطالة التي تمس بالدرجة الأولى الشباب المغربي.
والعمل على فتح العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات [20] وتعزيز قواعد المنافسة الشريفة.
إضافة إلى التنزيل الفعلي لآليات التحكيم والوساطة لتسوية النزاعات.وتوفير مناخ قانوني سليم للاستثمار وايجاد الالية المحفزة للاستثمار وسيادة دولة القانون في ميدان الاعمال.
الفقرة الثانية: مخرجات مشروع قانون إطار رقم 03-22
بعد احالة الحكومة مشروع قانون إطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار على مجلس النواب، في أفق مناقشته في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية.
ويتضمن هذا النص مقتضيات جديدة تسعى للرفع من مردودية الاستثمار في المغرب ليساهم في النمو الاقتصادي للبلاد وتحريك عجلة الاقتصاد.
ويهدف الميثاق إلى تحقيق ثمانية أهداف أساسية، هي إحداث مناصب شغل قارة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمارات، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل، وتعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطباً قارياً ودولياً للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشجيع الصادرات وتواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي، وتشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي، وتحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، والرفع من مساهمة الاستثمار الخاص، الوطني والدولي، في مجموع الاستثمارات المنجزة[21].
وينص الميثاق على قيام سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمار على مبادئ حرية المقاولة والمنافسة الحرة والشفافية والمساواة في معاملة المستثمرين كيفما كانت جنسيتهم، والأمن القانوني ومبادئ الحكامة الجيدة.
جدير بالذكر أن القانون الإطار المتعلق بميثاق الاستثمار يأتي بعد 26 سنة من تطبيق القانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات.
ويأتي القانون الجديد بهدف تنفيذ إصلاح في سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمار وتشجيعه من أجل ملاءمتها مع متطلبات النموذج التنموي الجديد.
المطلب الثاني. وسائل حماية الاستثمار.
تلعب الظروف دورا بارزا في استقرار الشيء وإيجاده، والمراحل التي مر بها الاستثمار والظروف التي أحاطت به، استدعت ضرورة البحث عن وسائل أخرى أكثر فاعلية.
يقبلها وينجذب نحوها الجميع، تتميز بالإسراع والسهولة والمرونة وقلة الكلفة وفي نفس الوقت تكون الأطراف مقنعة بها ومفضلة لديها كوسائل أو أساليب لحل منازعاتها ومرجعية للجميع في تحقيق المساواة والعدالة، متصفة بالسرية والحيادية، مختصرة الجهد والاعباء والوقت، مقارنة بالطرق والإجراءات القضائية الأخرى سواء الدولي أو المحلي، أضف إلى ذلك تخفيف وتقليل الشروط المطلوبة للمثول أمام القضاء، والمحاكم الدولية وقبول الدعوى لديها.
ومما لا شك فيه أن الطرق البديلة لتسوية المنازعات تهدف إلى تسهيل الولوج للعدالة، وتليين المواقف بصدد المنازعات وأيضا البعد عن تعقيدات الأنظمة القضائية.
ونظرا لما يلعبه كل من التحكيم والوساطة من دور بارز في تسوية المنازعات الاستثمارية، فإنه من الضروري أن نتقدم بتعريف لكل من هذه المفاهيم الأساسية بشكل مفصل. وذلك من خلال توضيح لمفهوم التحكيم وما هي إيجابياته وسلبياته كجزء تابع ومتمم للمفهوم. (الفقرة الأولى.) ثم نتطرق إلى مفهوم الوساطة ومميزاتها والأثر القانوني المترتب عنها. (الفقرة الثانية.)
الفقرة الاولى. التحكيم كألية لحماية الاستثمار.
يراد في مدلول هذا القانون رقم 95,17 بما يلي التحكيم عرض نزاع على هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم.
و يقصد بالتحكيم في اللغة التفويض ومصدره حَكَّمَ بتشديد الكاف مع الفتح ويقال: حكَّمتُ فلانا في مالي تحكيما[22]وحكموه بينهم أمروه أن يحكم ، ويقال حكمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا ، وحكمه في الأمر فاحتكم جاز فيه حكمه… ويقال: حكمته في مالي إذ جعلت إليه الحكم فيه فاحتكم علي في ذلك ، وأحتكم فلان في مال فلان إذ جاز فيه حكمه [23]، ويطلق الحكم على من يختار للفصل بين المتنازعين[24] ، ومنه قوله تعالى:( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)[25]، كما يطلق أيضا المحكم على من يفوض إليه الحكم في الشيء [26]، ومنه قوله تعالى: “فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”[27].
أما فيما يتعلق بالإصلاح القضائي فقد عرفته العديد من أحكام القضاء بأنه: يتمثل في سلطة القرار التي يعترف بها لطرف ثالث، والتسليم بصفة قضائية لقرار المحكم، وهذا ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي.[28]
كما عرفته محكمة النقض المصرية: طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية.[29]
وحسب التعريف الفقهي نجد أن هناك تضارب أراء الفقهاء في تعريف التحكيم حيث ذهب فريق منهم إلى القول يأن التحكيم هو (الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة)[30].
ويعرفه فريق آخر أنه: (مؤسسة قضائية اختيارية يوجدها الخصوم باختيارهم لحسم النزاع القائم فيما بينهم)[31].
ايجابيات التحكيم وسلبياته
تفضل غالبا الأطراف المتنازعة اللجوء إلى التحكيم، لفض نزاعهم بواسطته على القضاء، لأنه كما يقول أحد فلاسفة اليونان القدامى: «إن هذا يرجع أن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع».[32]
وانطلاقا من هذا المبدأ، فقد أصبح التحكيم الوسيلة المعتادة والمشهورة لفض كثير من المنازعات ذات الطابع التجاري، نظرا لما يتميز عماً سواه من طرق ووسائل قضائية في أمور هي:
حرية إرادة الاطراف: قد يلاقي المستثمر الاجنبي صعوبة بسبب الجمود الذي يفرضه النظام القانوني في البلد المضيف بالإضافة إلى تعقيدات إجراءاته ومساطره عوضا عن اختلافها من بلد الى بلد، والقيود التي يفرضها، كل هذه أمور ومسائل يترتب عليها عدم الاتفاق الأمر الذي يؤدي الى تعارض في المصالح بين طرفي او أطراف النزاع[33].
السرعة: يرى البعض [34]ان مما يميز التحكيم عن غيره من أجهزة القضاء الرسمي السرعة، بل و اسرع من قضاء المحاكم أو الدوائر التجارية [35] و البساطة [36] ، حيث إن الروتين الممل في الإجراءات القضائية يعكس هذه الميزة على التحكيم ، فمعظم المواثيق الدولية التي عنت بالموضوع، عادة ما تحدد مدة قصيرة يجب ألا يتجاوز ها المحكم و يصدر مقرره أثناءها، و التشريعات الداخلية بدورها حرصت على قصر مدة التحكيم و جعلتها بين ثلاثة أشهر و ستة أشهر، مع إمكانية إطالة المدة إذا دعت الضرورة لذلك ، و لم تجعل التشريعات هذه المدة من النظام العام.[37]
السرية: تعتبر السرية لها أهمية كبيرة في سير عملية التحكيم، الشيء الذي يشكل من حيث المبدأ امتيازا عمليا للتحكيم[38]، إذ أنها احدى الضمانات الهامة للشركات ذات الطابع الدولي، التي تكون قيمة العقود المتعلقة بها كبيرة، لأن العلنية قد تؤدي الى الحاق أضرار بالغة في مجال معاملاتها، ويتعذر حينها إخفاء نوع المعاملات بين الطرفين المتنازعين وحجم النزاع أو مقدار الأموال التي تتعلق بها[39].
الاقتناع بالمحكمين: تلعب القناعة دورا كبيرا بالنسبة للأطراف المتنازعة في اختيار المحكم من حيث اهليته وخبرته وتخصصه، وهذا يعتبر من الدوافع الأساسية للتحكيم، حيث انه يمنحهم الحرية الكاملة في اختيار المحكمين الذين يثقون بهم وتحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، وعلى موضوع النزاع.[40]
المرونة: أظهر القضاء النظامي في مناسبات كثيرة انه عاجز عن مواكبة التطورات الحديثة و اعتماده الطرق التقليدية في التفسير و التحليل ،و هذه السلبية استطاعت الهيئات التحكيمية ان تتفاداها بخلق مراكز متخصصة حسب طبيعة المنازعات ، الشيء الذي أضفى على التحكيم قاعدة المرونة ،فالمحكم غير ملزم امام غياب إرادة الاطراف الصريحة باتباع قانون معين بذاته، فهو و إن كان ملزما باحترام المبادئ الأساسية للتقاضي [41]، و مبادئ النظام العام الدولي و الوطني ، فهو مقيد باتباع قوانين مسطرية او موضوعية معينة تكون اكثر ملائمة لموضوع النزاع [42]، عكس القاضي الوطني الذي يبقى أسير النص القانوني ²³ ، و من مظاهر مرونة التحكيم ايضا انه يمكن أن ينعقد في اي زمان ومكان .[43]
الثقة: تلعب ثقة المستثمر دورا كبيرا في تشجيعيه على الاستثمار وجذبه وصمام امان للمخاوف التي تعتري المستثمر الاجنبي ولعل الميزة الاكثر حظا عند المستثمرين هي تلك الميزة، وإن كانت غير معلنة من قبلهم، لانعدام ثقتهم بالمحاكم الوطنية، لأنه في الدول النامية كثيرا ما يخشى على القضاء من تأثره بضغوطات خارجية امام انعدام اي اعتراف لهذه المؤسسة الدستورية بالسلطة كما هو الحال عند المشرع المغربي الذي جعل القضاء فقط مستقلا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.[44]
سلبيات التحكيم:
أوضحنا فيما سبق ايجابيات التحكيم والمبررات التي تجعل الاطراف يفضلونه على غيره لفض منازعاتهم، إلا أن له سلبيات تدعو الى أخد الحيطة والتعامل بحذر من جانب الدول النامية والاقل نموا وذلك في مسائل عدة منها:
استغلال التحكيم كآلية لفرض الهيمنة: تعتمد الدول المتقدمة اقتصاديا على التحكيم، كإحدى الضمانات لفرض هيمنتها وتحقيق مطامعها، إذ أنه يوفر لها كثيرا من الفرص ويختزل لها كثيرا من الطرق والاساليب التي تستعملها لفرض هيمنتها[45]، والتي تنهك اقتصاداتها، واستغلال التحكيم كذريعة تفرض من خلاله ما تريد.
دفع المصاريف والتكاليف: التحكيم ليس كالقضاء الوطني التابع للدولة التي تقوم بتغطية كافة التكاليف التي تتعلق بالقضاء والعاملين فيه كما تقوم بتوفير المكان، فعند اللجوء اليه كل الذي بتغطية تلك النفقات هو الدولة، ولا يدفع من يرفع الدعوى سوى الرسوم القضائية[46]. بينما التحكيم يتحمل أطراف النزاع كافة تكاليف وأجور وأتعاب المحكمين، بالإضافة إلى الرسوم، والمصاريف الإدارية، وهذا يدل على ان نفقات التحكيم تكون أكثر من القضاء العادي الذي لا يدفع فيه إلا رسوما رمزية ومقررة قانونا.
عدم تنفيذ أحكام التحكيم: يفترض أن يتم تنفيذ الحكم طوعيا في حالة قبول الاطراف به، حينها يتم الاتفاق على صيغ تنفيذه بين الأطراف، إلا أنه قد تحصل اشكالات او عراقيل، وربما احيانا تمرد من جهة المحكوم عليه وتمنعه من تنفيذه فإذا افترضنا أن أحد الأطراف المتنازعة كسب الدعوى، فان كسبه لتلك الدعوى يعني حصوله على حقه، وهذا جزء من هدفه هنا لكن مشكلة جديدة تفتح امامه، وهو امتناع الطرف المحكوم عليه او عدم قدرته على التنفيذ أو تكون قدرته محدودة، هنا يضطر الطرف الآخر إلى القضاء لوضع الصيغة التنفيذية، وهذا امر او إشكالية تجنبها الاطراف بداية، لكنها فرضت عليهم في الأخير.
الفقرة الثانية: الوساطة كآلية لحماية الاستثمار.
الوساطة هي وسيلة لحل المنازعات، بمقتضاها يقوم شخص من الغير، محايد يسمي الوسيط بتسهيل وتنسيق المفاوضات التي يعقدها أطراف النزاع عن أجل التوصل إلى اتفاق بينهم.
حسب المادة 87 من القانون رقم 17.95 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية. اتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط، يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد.
والوساطة عملية تطوعية بطبيعتها ولا يملك الوسيط سلطة اتخاذ قرار بات في جوهر النزاع، بل إن دورة ينحصر في تقريب وجهات نظر أطراف النزاع وحثهم على قبول اقتراحاته وتوصياته، والعمل على استخراج الحلول البديلة، وعرضها على أطراف النزاع وحثهم على قبول اقتراحاته وتوصياته، والعمل على استخراج الحلول البديلة وعرضها على أطراف النزاع دون فرضها عليهم، فدوره إذا يشبه الحلل النفسي الذي يشخص مكامن الخلل ليقوم بعد ذلك باقتراح الحلول المناسبة وذلك بتلخيصه وجهات النظر قصد تقريب الأطراف من الحل الذي يحظى بقبولهم.[47]
ففي إطار الوساطة إذن تجد أن أطراف النزاع هم الذين يتوصلون إلى التسوية، أي هم الذين يصنعون النتيجة، أما دور الوسيط فلا يتجاوز تيسير التواصل والتفاوض بين أطراف النزاع واستخدام مجموعة من المهارات التقنية والفنية التي تعزز قدرة الأطراف على التفاوض قصد الوصول إلى النتائج المرضية لجميع المتنازعين.
مميزات الوساطة:
تمتاز باستعانة الاطراف المتنازعة بشخص او اشخاص او جهة محايدة غير داخلين في النزاع لا من قريب ولا من بعيد، شريطة أن يكونوا على قدر كبير من الخبرة والدراية والمؤهلات الشخصية التي تسهم في حل النزاع واقناع اطرافه، ويسمى هؤلاء الأشخاص بالوسيط او Médiator، مجموعها يسمى الوساطة.
تمتاز الوساطة ايضا بأنها تحاول لم الأطراف، وجمعهم في لقاءات للتفاهم والتشاور والحديث حول النزاع، لإزالة سوء التفاهم واللبس وتوضيح نقاط الخلاف ومحاولة معالجتها، وذلك من أجل تجنب اللجوء إلى ساحة القضاء. [48]
تمتاز الوساطة ايضا باختصار الوقت والجهد، وتخفيف الاعباء مقارنة بالتقاضي والتحكيم، ولاسيما السرية والخصوصية اثناء الجلسات والتسوية للنزاع.
وتمتاز بأنها ملزمة بحل النزاع، وتعتبر الحلول و المقترحات التي يقدمها الوسطاء مجرد توصيات ليس لها سوى قيمة أدبية محضة [49] ، وليست فرضية او ملزمة للطرفين ، ومن ثم فإن الوسيط او الموفق ، يصدر حلا لا يعد ملزما الا اذا تم قبوله من الاطراف[50].ونظرا لتلك المميزات التي تمتاز بها الوساطة فانه يعرفها البعض “انها اتفاق طرفين او اطراف على اللجوء الى طرف اخر لمساعدتهم و معاونتهم لإزالة التفاهم فيما بينهم و للوصول الى اتفاق قد يجنبهم الكثير من الجهد و الوقت و النفقات الباهظة اذا ما اتجهوا الى التحكيم او ساحات القضاء” .[51]
الاثر القانوني المترتب عن الوساطة
على الرغم من أن الوساطة اكثر الاساليب فاعلية من ذي قبلها الا ان قراراتها ليست ملزمة و لا تنطبق عليها اتفاقية نيويورك لسنة 1958م الصادرة بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ، ولا تضفي عليها القوة التنفيذية، كون الوساطة ليست كالتحكيم و قراراتها ليست احكام تحكيم ، فلا ينطبق عليها هذا الوصف، والاختلاف الجوهري بينهما و بين التحكيم ان المحكم يصدر مقررا حائزا لحجية الأمر المقضي به، في حين أن الوسيط لا يحظى قراره بأي حجية [52]،اما إذا قبل الأطراف بها فإنها تعامل كسابقتها من الاساليب الودية لحل النزاع، كالتوفيق او المفاوضات و هو ان يحرر محضر بين الطرفين يذكر فيه ما تم الاتفاق عليه و توقع عليه الأطراف المتنازعة و مصادقة الوسيط او الوسطاء، اضافة الى تحديد مدة يلتزم به كل طرف بما يتم خلالها انجاز التزامه نحو الطرف الآخر ، واذا فشلت الوساطة في حل النزاع فإنه يعتبر النزاع مازال قائما ، ولا تتأثر حقوق الاطراف باي حال ،و يتعين عليهم اللجوء الى وسيلة اكثر فاعلية، وهي التقاضي.
[1] ابن منظور الافريقي المصري “لسان العرب” الجزء14 دار صادر للطباعة و النشر بيروت لبنان 1956
[2] أطروحة لنيل الدكتوراه الوساطة كألية بديلة لتسوية منازعات الاستثمار، د فيصل بجي ص 75
[3] أطروحة لنيل الدكتوراه الوساطة كألية بديلة لتسوية منازعات الاستثمار، د فيصل بجي ص77
4عبد الله عبد الكريم عبد الله “ضمانات الاستثمار في الدول العربية، دراسة قانونية مقارنة لأهم التشريعات العربية والمعاهدات الدولية مع الاشارة إلى منظمة التجارة العالمية ودورها في هذا المجال ” دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى، 2008 ص 19 وما يليها
[5]دراسة قانونية مقارنة لأهم التشريعات العربية والمعاهدات الدولية مع الاشارة إلى منظمة التجارة العالمية ودورها في هذا المجال ” دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى، 2008 ص 19 وما يليها
محمد مطر، ” ادارة الاستثمارات، الإطار النظري والتطبيقات العملية «، دار وائل للنشر الطبعة الرابعة، الاردن، 2006 ص 75
[6]طاب الملكي السامي بأكادير بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2003 بتاريخ 29 يناير 2003.
[7]دريس الضحاك: “التحكيم التجاري الداخلي والدولي” ندوة نظمت من طرف وزارة العدل والاتحاد العام لمقاولات المغرب بإشراف وإعداد المجلس الأعلى 3 و4 مارس 2004، مركز النشر والتوثيق بالمجلس الأعلى العدد 6/ 2005، الصفحة: 21
[8]هير شريف رقم 1.95.213 صادر في 14 جمادى الثانية 1416 (8 نونبر 1995) بتنفيذ القانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات، الجريدة الرسمية عدد 4335
[9]ظهير شريف رقم 1.19.67 صادر في 11 جمادى الأخرة 1440 (13فبراير 2019) بتنفيذ القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح
المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار
[10]بد الكبير الصوصي العلوي: “رقابة القضاء على تشكيل هيئة التحكيم”، مجلة الأبحاث في القانون والاقتصاد والتدبير، العدد 3 سنة 2017 الصفحة: 33
[11]هير شريف رقم 1.22.34 صادر في 23 من شوال 1443 (24 ماي 2022) بتنفيذ القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية منشور بالجريدة الرسمية عدد 7099، 13 ذو القعدة 1443 (13 يونيو 2022)
[12]يل بارتان “الاستثمار الدولي ” ترجمة علي مقلد و علي زيعور، منشورات عويدات، الطبعة الثانية بيروت 1970 ص7
[13] United nations “ economic and social commission of western assia “ comparative study of national stratégies and policies with regard foreign direct investment in the ESCWA region,Newyork, October 2001 p 3
[14]مصطفى خالد مصطفى النظامي، ” الحماية الاجرائية للاستثمارات الأجنبية الخاصة ” ص 13
[15]عبد الخالق الدحماني: “ضمان التوازن المالي لعقود الاستثمار في إطار التحكيم الدولي”، دار الآفاق المغربية، الطبعة 2015، الصفحة 5
[16]ياسين النيجي “اختلال التوازن المالي لعقود الاستثمار الاجنبي ودور الوسائل البديلة في معالجته ” اطروحة ماستر
[17]الم ليلى: “الضمانات القانونية الممنوحة للمستثمر الأجنبي”، مذكرة لنيل شهادة ماجستير تخصص قانون عام اقتصادي، جامعة وهران، كلية الحقوق، السنة الجامعية 2011-2012، الصفحة: 3.
[18] ظهير شريف رقم 213-95-1 بتاريخ 8 نونبر 1995 بتنفيذ القانون الاطار رقم 95-18 بمثابة ميثاق الاستثمار ، جريدة رسمية عدد 4335 بتاريخ 29 نونبر 1995 .
[19] خطاب الملكي لافتتاح الدورة التشريعية الحادية عشر
[20] مقتطف من مداخلة السيد رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة خلال الدرس الافتتاحي حول موضوع المقاولة والاستثمار بكلية العلوم القانونية والاقتصادية سلا يوم الخميس 17نونبر 2022
[21] مشروع قانون إطار رقم 03-22 بمثابة ميثاق الاستثمار
[22] ابو بكر الرازي، مختار الصحاح، دار القلم، بيروت، 1999م، ص 147
[23] ابن منظورا، معجم لسان العرب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، ج 15، ص 31_32.
[24] المعجم الوجيز في مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1990/1991، ص165.
[25] سورة النساء، الآية رقم 65.
[26] المجمع الوجيز، م. س، ص165.
[27] سورة النساء، الآية رقم 65.
[28] يراجع بهذا المعنى، د. منى محمود مصطفى، الحماية الدولية للاستثمار الاجنبي المباشر، ص37.
[29] د. احمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي، تنظيم وتطبيق مقارن، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الاولى ،2004م، ص127.
[30] د. حسني المصري، التحكيم التجاري الدولي، م.س، ص8.
[31] د. محمد بومدين اوراغ، آلية الضمانات في التأمين البحري والنقل في القانون المغربي والمقارن، منشورات دار الامان، الرباط الطبعة الاولى ،2007م، ص367.
[32] . محمد بومدين أوراغ، آلية الضمانات في التأمين البحري والنقل في القانون المغربي والمقارن، منشورات دار الامان، الرباط الطبعة الاولى ،2007م، ص367.
[33] محمود السيد التيحيوي «الصلح والتحكيم في المواد المدنية والتجارية”، دار الفكر الجامعي، ط الاولى ،2003، ص4.
[34] برونو لورنت، إثر التحكيم الدولي على الاستثمارات وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، بحث مقدم الى مؤتمر الكويت للتحكيم التجاري الدولي ،1197م، ص626
[35] د. صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم والرقابة القضائية عليها، م.س، ص18.
[36] بهذا المعنى: ابراهيم المؤيد، التامين على الاستثمار الاجنبي.ص175.
[37] د. صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم والرقابة القضائية عليها، م.س، ص18.
[38] محمد بومدين اوراغ، آلية الضمانات في التأمين البحري والنقل في القانون المغربي والمقارن، م.س، ص368.
[39] د. صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم والرقابة القضائية عليها، م.س، ص19.
[40] تمتد الهيمنة الى جميع الجوانب، و منها الفكرية و قد امتدت هذه الأخيرة لتؤثر حتى على هيئات التحكيم، فالمحكمون يطغى عليهم الفكر الليبرالي، و الذي يجعلهم غير مستقلين في فصلهم للنزاع، و هذه إشكالية تطرح و بشدة امام مركز تسوية الخلافات الناشئة عن الاستثمار بواشنطن، يراجع بهذا الشأن: د. صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم و الرقابة القضائية عليها، م.س، ص19,هامش51.
[41] د. حمزة حداد، مبادئ التحكيم التجاري، بحث منشور في مجلة التحكيم الصادرة عن المركز اليمني للتوفيق والتحكم، العدد [10] ابريل 2001م، ص30.
[42] اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص في موضوع التنظيم الدولي لحماية وتسوية منازعات الاستثمارات الأجنبية، للباحث محمد احمد عبد الرحمن الحميقاني 2010/2011 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي
[43] محمد بومدين اوراغ، آلية الضمانات في التأمين البحري والنقل في القانون المغربي والمقارن، م.س، ص368.
[44] د. صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم والرقابة القضائية عليها، م.س، ص19.
[45] تمتد الهيمنة الى جميع الجوانب، و منها الفكرية و قد امتدت هذه الأخيرة لتؤثر حتى على هيئات التحكيم، فالمحكمون يطغى عليهم الفكر الليبرالي، و الذي يجعلهم غير مستقلين في فصلهم للنزاع، و هذه إشكالية تطرح و بشدة امام مركز تسوية الخلافات الناشئة عن الاستثمار بواشنطن، يراجع بهذا الشأن: د. صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم و الرقابة القضائية عليها، م.س، ص19,هامش51
[46] د. حمزة حداد، مبادئ التحكيم التجاري، بحث منشور في مجلة التحكيم الصادرة عن المركز اليمني للتوفيق والتحكم، العدد [10] ابريل 2001م، ص30.
[47] من صفحات الويب
[48] يراجع هذا في: Baker and McKenzie، dispute résolution Under oïl and gras con trac in Azerbaïdjan and Kazakh Stan، june2002,p:2.
[49] د. عبد الحميد عثمان الحنفي، التحكيم في منازعات العمل الجماعية، نطاق تطبيقه ودوره المنشئ، دراسة مقارنة، الطلعة الاولى، مطبوعات جامعة الكويت، 1995م، ص43.
[50] حفيظة السيد الحداد، ” الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي” ص83.
[51] د. محمد عبد المجيد اسماعيل، عقود الاشغال الدولية، دراسة لأثر الطبيعة القانونية الجديدة لهذه العقود على الأحكام الخاصة بها، القانون المصري، القانون المقارن، الاعراف الدولية، القاهرة 2000، بدون دار نشر، ص.268
[52] صالح يوسف العلوان حجية مقررات التحكيم والرقابة القضائية عليها. م.س.ص.16.
تعليقات فيسبوك