عدد الأشخاص الدين قرأو هذا المقال : 4297

ثوابت الأصل التجاري

5
(1)

من اعداد : جلال السباعي

          مما لا شك فيه، أن التجارة بشتى أنواعها وأشكالها وطرق ممارستها قديمة من الناحية التاريخية، فان نشأة هده المؤسسة القانونية المعروفة اليوم ب- الأصل التجاري –     “le mot fonds de commerce designe un groupement de valeurs diverses destinees a assurer le fonctionnement d’une entreprise commerciale[1]” أو المحل التجاري كما يسميها كل من المشرع المصري ونظيره الجزائري، أو المؤسسة التجارية كما يطلق عليها في القانون التجاري اللبناني، لم يتم بصورة فعلية إلا ابتداء من القرن التاسع عشر.

     ويرجع السبب في تأخر ظهور مؤسسة “الأصل التجاري” الى الوجود الى أن ذاتية التاجر وأهمية شخصه كانتا، قبل التاريخ المذكور، من العناصر الأساسية المهيمنة في تحديد قيمة مشروعه التجاري، وفي ارتباط زبنائه بالأمر الذي ما فتىء يتضال بالتدريج بفعل التطور الذي عرفته وسائل وتقنيات التجارة، حيث بدأ المتجر أو المصنع بأخذ قيمة مستقلة عن قيمة الشخص الذي يستغله وأصبح بالتالي الزبناء مرتبطين بالمتجر أكثر من ارتباطهم بشخص صاحبه أو مستغله.

      ومن الأسباب التي أدت إلى ظهور هده المؤسسة، أن عملت التشريعات التجارية على مواكبة هذا التطور، وذلك جراء وضع قواعد وأنظمة قانونية خاصة بالأصل التجاري باعتباره مالا ترد عليه الملكية، ويمكن تبعا لذلك أن يكون قابلا للتصرف فيه بواسطة البيع، أو لتقديمه كحصة في شركة، أو لرهنه مقابل الحصول على ائتمان بنكي، أو لتأجيره بمعزل عن العقار الذي يستغل فيه[2].

       وهكذا، فبعدما برزت أهمية الملكية الصناعية والتجارية بادر المشرع الفرنسي خلال السنوات الأولى من القرن العشرين الى تنظيم الأصل التجاري، وذلك بإصداره القانون المؤرخ في 17 مارس  1909 الذي ضمنه العديد من القواعد المتعلقة بكيفية بيع الأصل التجاري ورهنه وتقديمه حصة في شركة، مع التركيز في ذلك على الأحكام القانونية الهادفة من جهة الى توفير الحماية لصاحب الأصل التجاري من كل ما من شأنه أن يسبب في فقدانه لزبنائه، ومن جهة أخرى الى رعاية دائني هذا الأخير الذين تشكل بالنسبة اليهم عناصر الأصل التجاري الضمان الفعال لاستيفاء ما لهم من ديون على مالكه أو مستغله.

    وقد عرف المشرع المغربي الأصل التجاري حسب المادة 79 من مدونة التجارة على أنه :”مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية.”

كما نص الفصل 80 من مدونة التجارة في فقرته الأولى على أنه: “يشتمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء وسمعة تجارية”.

من خلال هده المادتين يتضح جليا أن الأصل التجاري يحتل مكانة وازنة في الأصل التجاري مما يدفع بالمشرع المغربي إلى وضع ثوابت لهده المؤسسة القانونية.

  • أهمية الموضوع:

        إن الأصل التجاري  له من الأهمية الاقتصادية والقانونية ما يكفي للفظ الغبار عن ثوابته، لكونه لازال يشكل جانبا مهما من موضوعات الدراسة القانونية والنقاش الفقهي والاجتهاد القضائي، فالأصل التجاري يشكل اطارا قانونيا واقتصاديا لممارسة أي نشاط تجاري، حيث أنه الى جانب كونه مجالا تجتمع فيه مجموعة من القواعد المنظمة لمؤسسة الأصل التجاري لها من الخصائص والمميزات ما يجعلها نظاما قانونيا فريدا من نوعه، يشكل في نفس الوقت ضمانة ودعامة للائتمان والتمويل في العلاقات الاقتصادية، ويعتبر من بين أهم الضمانات لدى الدائنين، وذلك راجع لقيمته الاقتصادية والمالية.

  • إشكالية الموضوع:

      ورغم أن جل التشريعات عمدت الى تنظيم الأصل التجاري وذلك من خلال تخصيصه بنصوص قانونية، وهو نفس المنوال الذي سار عليه المشرع المغربي، إلا أن هناك العديد من الاشكالات التي يثيرها الأصل التجاري، الشيء الذي دفع السلطة القضائية الى محاولة ايجاد حلول لهذه الاشكالات.                           

        ومن خلال بحثنا هذا ركزنا على عناصر الأصل التجاري بالإضافة الى العمل القضائي والاجتهاد القضائي للأصل التجاري، ومن خلال ما سبق، فإن الإشكالية الرئيسية للموضوع يمكن طرحها على الشكل الآتي:

    إلى أي حد توفق المشرع المغربي في خلق  ثوابت قارة في الأصل التجاري، نظرا لما يعرفه العمل الفقهي و الاجتهاد القضائي من تحولات متوالية و متغيرة في الأصل التجاري؟.

ومن خلال هده الإشكالية الرئسية، فقد تتفرع عنها إشكالية جزئية على الشكل التالي:                                                                                     

 ماهي الثوابت العامة للأصل التجاري؟

وماهي المقاربات الفقهية التي طرأت على الأصل التجاري؟

وماهي أبرز الاجتهادات القضائية المنصبة على هذا الأخير؟

  • المنهج المعتمد:

  وغاية منا لدراسة هذا الموضوع وفق الإشكالية الرئيسية والأسئلة المتفرعة عنها، لا بد لنا من الاهتداء بمناهج تسعفنا في ذلك، وبالتالي سنعتمد على المنهج الوصفي فضلا  عن المنهج التحليلي، وذلك لوصف مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالموضوع والتعريف بها، وكذلك تحليل النصوص القانونية التي لها ارتباط بالموضوع قيد الدراسة.

  • تقسيم الموضوع:

   من أجل الإحاطة بأغلب جوانب هذا الموضوع ارتأينا معالجته من خلال التقسيم الآتي:

  • المبحث الأول: الثوابت العامة للأصل التجاري.                                           
  • المبحث الثاني: الأصل التجاري بين العمل الفقهي والاجتهاد القضائي.                                            

المبحث الأول: الثوابت العامة للأصل التجاري.

إن الأصل التجاري مال يجسد الفائدة الاقتصادية العائدة من الزبناء والسمعة التجارية، فهو مال منقول وليس عقارا، وعلاوة على ذلك فلأصل التجاري مال معنوي نتصوره في الذهن أكثر من الواقع الملموس، فهو عبارة عن فكرة مجردة يلامسها العقل دون تجسيد مادي. ولنكون أمام أصل تجاري حسب مقتضيات المادة 79 من مدونة التجارة المغربية. يلزم ارتباط هذا الأصل التجاري بممارسة نشاط أو أنشطة تجارية على وجه الاعتياد والاحتراف، كما يجب أن يتكون من عناصر مادية وأخرى معنوية وللحديث عن هذه العناصر سنتطرق إلى العناصر المادية (مطلب أول)، و الوقوف عند العناصر المعنوية (المطلب الثاني).

 المطلب الأول: العناصر الملموسة للأصل التجاري.

  تعد البضائع والأثات والأدوات والمعدات من العناصر الملموسة للأصل التجاري، ولا يعتبر العقار أحد عناصر الأصل التجاري ذلك أن المادة 79 والمادة 80 من مدونة التجارة أقصت العقار من تشكيلة الأصل التجاري. فالمادة 79 تشير إلا “أن الأصل التجاري مال منقول معنوي يتكون من جميع الأموال المنقولة….” والمادة 80 لا تشير إلى أن العقار كمكون للأصل التجاري. إن هذه الخلاصة يجب أن تساعد على تفادي الخلط الذي يقع بين الأصل التجاري والمحل التجاري. ذلك أن الأصل التجاري هو مال معنوي منقول يملكه التاجر صاحب الأصل التجاري. والمحل هو ذلك العقار الذي يزاول فيه التاجر صاحب الأصل التجاري نشاطه التجاري. وهذا العقار قد تعود ملكيته لصاحب الأصل التجاري وفي هذه الحالة فانه يمتلك ملكيتين مختلفتين تماما، ملكية منقولة معنوية وهي الأصل التجاري وملكية عقارية وهي العقار. فهو ان باع الأصل التجاري فإنه لا يبيع العقار. وإن باع العقار فهو لا يبيع الأصل التجاري فكل من الأصل التجاري والعقار يخضعان لنظامين قانونين مختلفين وإما أن يستغل أصله التجاري في محل تعود ملكيته لشخص آخر إذ يكون في الغالب مكتريا لهذا العقار[3] سنتناول في(الفقرة الأولى) المعدات والأدوات، ثم في(الفقرة الثانية) البضائع.

الفقرة الأولى: المعدات والأدوات.Matériel et Outillage 

وهي المنقولات التي تستعمل لفائدة استغلال المؤسسة التجارية مثل الآلات والأثاث وسيارات النقل. والرفوف والموازين وعموما كل منقول من غير البضائع لازم لاستغلال التجاري للمؤسسة تبعا لطبيعة النشاط الذي تزاوله[4].

وتنص المادة 80 من مدونة التجارة في فقرتها الثانية “ويشمل أيضا كل الأموال الأخرى الضرورية لاستغلال الأصل… والأثات التجاري … والمعدات والأدوات”…، ونلاحظ أن المادة تستعمل مصطلحات متعددة وهي المعدات والأدوات والأثات، وكلها تلتقي في خاصية أساسية وهي أموال منقولة ضرورية تكمن وظيفتها في تسهيل ممارسة التاجر لنشاطه التجاري.

وإذا كانت المعدات تلتقي مع البضائع في طبيعتها القانونية كونهما معا منقولات مادية، فإنهما يختلفان تماما من حيث وظيفتها ففي حين تعتبر البضائع هي تلك المنقولات المادية المرصودة للبيع، فان المعدات ذات الطبيعة المادية يستعملها التاجر كذلك لتسهيل ممارسته لنشاطه التجاري حيث نتحدث عن الآلات المرصودة لتسهيل عملية التصنيع والتحويل والإنتاج والسيارات وما في حكمها لنقل العمال والبضائع وتجهيزات المحل من رفوف ومكاتب وهواتف وحواسيب الى غير ذلك من المنقولات الضرورية لتسهيل ممارسة التاجر لنشاطه.

وعلى العموم فإذا كانت البضائع تتميز بخاصية الحركية الدائمة فإن المعدات وما في حكمها تتميز بخاصية الديمومة ولو نسبيا، وهو ما يجعلهما مختلفين في الأحكام القانونية الخاصة بكل واحد منهما، ويختلف حضور المعدات وما في حكمهما من حيث العدد والقيمة حسب حجم الأصل التجاري وطبيعة نشاطه قد تكون قليلة العدد وضعيفة القيمة لدى السمسار. وقد تحضر بقوة لدى مصنع للسيارات أو مصنع المواد الغذائية، هذا وإذا عمد التاجر الى بيع هذه المعدات والتجهيزات والأثاث بعد تآكلها ومرور مدة من استخدامها في إطار ما يسمى بالِاستخماد L’amortissement  ،  وقام باستبدالها بغيره، فإنها تفقد بذلك طبيعتها القانونية وتتحول إلى بضائع، على أن وجودها بالمحل للبيع أصلا دون استخدامها في تجهيز المحل وتسهيل ممارسة نشاطه، يجعل منها بضاعة تخضع لأحكام هذه الأخيرة.

ولا تعتبر المعدات من عناصر الأصل التجاري  تنتقل معه، إلا إذا كان يملكها مالك الأصل التجاري، أما إذا كانت مملوكة للغير، ولا يملك التاجر مالك الأصل التجاري سوى استعمالها إما لكونها بين يديه في إطار عارية الاستعمال (الفصل 830 ق.ل.ع)، أو في إطار الوديعة (الفصل781 ق.ل.) أو قام باكترائها في إطار القواعد العامة في إطار عقد الائتمان الإيجاري[5] (المواد من 431الى 442م.ت)، فإنها  تعتبر بأي حال من الأحوال وفق هذه الحالات من مشتملات الأصل التجاري ,وهو ما يعني عدم قدرة مالكه تفويتها اما بشكل منفرد أو مع تفويت الأصل التجاري، كما لا يملك دائنيه حق التنفيذ عليها استحقاقا كحق دائنيهم.

وعلى عكس ما سبق، فإنها تعتبر من الأموال الأصل التجاري إذا كان مالكه يملك المعدات ملكية تامة، يجوز له التصرف بها عند إما بشكل منفرد أو تفويتها مع الأصل التجاري، كما يسوغ له الاحتفاظ بها عند تفويته للأصل التجاري حتى لم تكن ضرورية لاستمرارية الأصل، وحتى تم الاتفاق على ذلك من المفوت إليه[6].

بقي أن نشير أن الحديث عن المعدات وما في حكمها في القانون المغربي لا يمر دون أن يثير بعض المصاعب القانونية فبين اعتبارها طبقا للمادة 80من م.ت منقولات مادية تخضع بذلك لأحكام المنقول في ذاتها ولوحدها. ولأحكام المنقول المعنوي حيث ينظر إليها بمعية الأصل التجاري، في كونه مال منقول معنوي طبقا للمادة 79 من ق.م.ت وبين اعتبار غير ذلك حين يتصادف أن يكون الأصل، حيث تصبح طبقا لأحكام المواد 5و6و7و8 ([7]) من القانون المطبق على العقارات المحفظة لسنة 1915. عقارات بالتخصيص les immeubles par destination ، مما يفقدها تبعا لذلك طبيعتها المنقولة لتخضع لأحكام القانون المطبق على العقار[8].

ويلقى هذا التميز بظلاله على قيمة الأصل التجاري، حيث يبدو أن مالك الأصل التجاري الذي لا يملك العقار الذي يستغل فيه، أكثر قيمة من الأصل التجاري، الذي يستغل فيه  يعود إلى مالك هذا الأصل، ذلك أن  الأصل الأول يشمل ضمن عناصره المعدات وما في حكمها. كما لهذا التميز تأثير واضح على الضمانات الممنوحة لدائنين الأصل التجاري إذا ما قورنوا بوضعية نظرائهم الذين لهم ضمانات على العقار.

الفقرة الثانية: البضائع  les marchandises

يقصد بالبضائع مختلف السلع الموجودة بالمحل المخصص للاستغلال الأصل التجاري أو بالمستودعات أو المخازن التابعة لهذا المحل،  يستوي في ذلك أن تكون السلع عبارة عن مواد أولية أو نصف مصنفة أو تامة الصنع معدة للبيع.

وتختلف أهمية وجود البضائع باعتبارها تشكل عنصرا من العناصر المادية للأصل التجاري باختلاف طبيعة النشاط الممارس، إذ بقدر ما تشكل عنصرا جوهريا في الأصل التجاري الذي يمارس في إطاره مثلا نشاط شراء المنقولات المادية بقصد إعادة بيعها، فإنه يختفي في الأصول التجارية التي يمارس في إطارها أنشطة الخدمات كالبنك والنقل والسمسرة ومكاتب ووكالات الأعمال[9].

ويحظى عنصر البضائع بخاصية الحركية الدائمة. سواء أتعلق الأمر بالجزء المعروض مباشرة للبيع، أو ما يخص الجزء الموجود بمخازن الأصل التجاري، وهو ما كان له تأثير بالغ على الوضع القانوني لهذا العنصر إذا ما قسناه بباقي العناصر المكونة للأصل التجاري سواء المادية منها أو كذلك المعنوية.

فقد أخرجها القانون المغربي بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 107 من م.ت، من وعاء رهن الأصل التجاري، حيث جاء فيها “لا يجوز أن يشمل رهن الأصل التجاري سوى العناصر المحددة من المادة 80 باستثناء البضائع”.

إن استثناءها من وعاء رهن الأصل التجاري بناءا على مقتضيات المادة 80 من م.ت يبرر طبيعتها المادية القابلة للاستهلاك من جهة، ومن جهة أخرى لضرورة لاستغلال الأصل التجاري حيث تتغير وتتبدل بسرعة فائقة تبعا لسرعة نشاط هذا الأصل، وهو ما يجعلها متسمة بطابع عدم الاستقرار وعدم الثبات.

وبالإضافة إلى ما سبق فإن من مسوغات إبعاد البضائع من وعاء عقد رهن الأصل التجاري، هذا التناغم مع الممارسة التجارية التي تجعل موردي البائع يشترطون مقابل عدم الأداء الفوري أو الكامل لثمن البضائع الاحتفاظ بنقل ملكيتها، la clausse de reserve de propriété، وهو ما يعطي لهؤلاء وضعية مريحة لاستيفاء ثمن بضاعتهم غير المؤدات الثمن، وكذلك حق استردادها من بين يدي السنديك طبقا أحكام المواد: من 700 إلى 709 م.ت أو من بين يدي المنفذ في حالة التنفيذ الجبري على الأصل التجاري بناءا على طلب الدائن الذي يكون قد قام بحجز تحفظي على الأصل من أجل استيفاء دينه. وهو ما يعتبر من الأليات التحفيزية للموردين من أجل تمكين مالكي الأصول التجارية الحصول على بضاعتهم بثمن مؤجل، ويحقق ذلك تناغما وتكاملا مع الحماية المقررة لدائني مالك الأصل التجاري، سواء تعلق الأمر بهؤلاء الذين منحوه ديونهم مقابل رهن الأصل التجاري برمته، أو أولئك الذين منحوه بضاعة مقابل شرط الاحتفاظ بالملكية[10].

  المطلب الثاني : العناصر المعنوية (غير الملموسة les éléments  incorporels)

         تعتبر العناصر المعنوية كل العناصر الغير الملموسة التي يتكون منها الأصل التجاري، فحسب المادة 80 من مدونة التجارة تشمل هده العناصر الزبناء والسمعة التجارية و الاسم التجاري و الشعار و الحق في الايجار و براءة الاختراع و الرخص و المعاملات و الرسوم و جميع حقوق الملكية الصناعية أو الأدبية أو الفنية التي لها ارتباط باستغلال الاصل التجاري ليس من الضروري ان تجتمع في كل اصل تجاري كافة العناصر المعنوية المنصوص عليها في المادة 80 من مدونة التجارة المذكورة سلفا.

سنتطرق هنا الى بعض العناصر المعنوية للأصل التجاري كالزبائن و السمعة التجارية، الاسم التجاري، الشعار و الحق في الكراء.

الفقرة الأولى: الزبائن و السمعة ال تجارية كعنصر معنوي في الاصل التجاري: 

       يعنى بالزبائن او العملاء مجموع الاشخاص الذين يتعاملون مع التاجر بصفة دائمة ، فالارتياد الدائم للمتجر من قبل الزبائن هو الذي يجعل من هؤلاء الأخيرين عنصرا ذا قيمة مالية في تكوين الأصل التجاري[11] ، لأنه يعكس و يجسد نشاط المؤسسة و مدى حضورها في السوق و يترجم حسابيا بمقدار رقم الأعمال الذي تحققه ، و يرجع ارتباط الزبائن بالأصل التجاري الى خصائص تتوفر فيه ( نوع الخدمات المقدمة ، الموقع ، تهيئته الداخلية و الخارجية … ) او تتوفر في صاحبه ( النزاهة و الصدق ، حسن المعاملة ، الخبر.                                                

يقصد بالسمعة التجارية قدرة المتجر على استقطاب الزبائن، و امكانية الاعمال حيت ترتبط ارتباطا وثيقا بعنصر رصيد التاجر من الزبائن , إلى درجة صعوبة التمييز بينهما.[12]

اعتبر القانون الفرنسي الزبائن العابرين أو السمعة التجارية المجسدة بعبارة ” l’achalandage” والتي ترجمت في المشرق العربي بالسمعة التجارية كعنصر أساسي وجوهري في الأصل التجاري، تم استخدم عبارة الزبائن “la clientèle” مما أدى بالباحثين الى الخوض في التمييز بين الزبناء القارين والعرضيين أو السمعة التجارية.

الفقرةالثانية: الاسم التجاري و الشعار: 

         الاسم التجاري هو ذلك الاسم الذي يطلقه التاجر على متجره لتمييزه عما سواه من المتاجر، و قد يكون هذا الاسم ، بالنسبة للأشخاص الطبيعيين ، إما مبتكرا لجذب الزبائن و إما مركبا من كنية التاجر او اسمه المستعار ، كما تنص ذلك الفقرة الاولى من المادة 42 من مدونة التجارة التي تحدد البيانات الواجب على التجار الاشخاص الطبيعيين الاشارة اليها في تصريحات تقييدهم في السجل التجاري و بتسجيل الاسم في السجل التجاري يدخل في تكوين الاصل التجاري باعتباره عنصرا من عناصره المعنوية و من تم ، يستفيد صاحبه من الحماية القانونية ضد اي تقليد بحيث لا يمكن لاي شخص اخر ان يستعمل نفس الاسم التجاري ، المسجل في السجل التجاري ، لمتجر تزاول فيه تجارة مماثلة لتلك التي تمارس من طرف صاحب الاسم [13]حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 70 من مدونة التجارة انه لا يجوز ان يستعمل ( الاسم التجاري ) من طرف اي شخص آخر ، و لو من طرف من له اسم عائلي مماثل ، و يتعين على هذا الاخير حين انشاء عنوان تجاري ان يضيف الى اسمه العائلي بيانا آخر يميزه بوضوح عن العنوان التجاري الموجود سابقا.                                   

       الشعار تسمية مبتكرة او رمز اوصورة او اشارة يستخدمها التاجر لإعطاء زبنائه علامة يميزون بها مؤسسته عن غيرها . و غالبا ما يستعمل الاسم التجاري كشعار، يمكن تعريفه ايضا بشعار او اسم يوحد به التاجر محله و يتمتع بنفس الحماية المقررة للاسم التجاري [14]، فإذا كان الشعار يلتقي مع الاسم التجاري في كونهما يدلان على تمييز المتجر عن غيره من المتاجر و يتضمنان  معا خاصية الابتكار، فإن الاختلاف يظل قائما، فالاسم التجاري يكون مركبا من كلمات تدل على الاسم الخاص لصاحب المتجر، أما الشعار فيكون في شكل رسومات أو صور أو أحرف معينة تهدف إلى تمييز المتجر .

الفقرة الثالثة: الحق في الكراء .

       غالبا ما يمارس التاجر تجارته في عقار لا يملكه و لكن يكتريه [15]، يعتبر الاصل التجاري الداعم الاساسي لممارسة التاجر لإعماله [16]، و يقصد بالحق في الكراء المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 80 من مدونة التجارة ضمن العناصر المعنوية للأصل التجاري ذلك الحق المخول للتاجر ، المستأجر للعقار الذي يباشر فيه تجارته ، من جهة ، في البقاء في هذا العقار عن طريق تمتيعه بتعويض عادل عن الاخلاء في حالة رفض المؤجر تجديد عقد الكراء عند انتهاء مدته و من جهة اخرى ، في التنازل عن الكراء للغير في الحالة التي يعمل فيها على التصرف في الاصل التجاري بالبيع او بأحد اوجه التصرف المنصوص عليها في المادة 81 . [17]

المبحث الثاني: الأصل التجاري بين العمل الفقهي والاجتهاد القضائي.

         إن دراسة الأصل التجاري وتمحيص مختلف جوانبه من زاويتي العمل الفقهي والاجتهاد القضائي، يتطلب منا إعادة النظر في الثوابت والمستجدات القانونية والتنظيمية التي تفرضها مختلف التحولات  الاقتصادية و الاجتماعية التي يعرفها العالم، من جانب المعاملات التجارية والتصرفات القانونية والتي ترد على الأصل التجاري باعتباره نواة التجارة، والعنصر الهام في إطار المعاملات التجارية.

    ومما يستفاد من أحكام المادتين 79 و80 من مدونة التجارة، أن المشرع المغربي يجعل من الأصل التجاري تجمعا للعناصر التي تدخل في تكوينه في حدود ما تقتضيه حاجة استغلاله، هده العناصر التي تظل خاضعة لبعض الأحكام الخاصة بها، ولا سيما فيما يتعلق بتكوينها، و نظامها القانوني، الأمر الدي يدعو الى دراسة المقاربات الفقهية للعمليات الواردة على الأصل التجاري (المطلب الأول)، و الإحاطة بالاجتهادات القضائية المقاربة للعمليات الواردة على الأصل التجاري (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المقاربات الفقهية للعمليات الواردة على الأصل التجاري.

       يتكون الأصل التجاري حسب ماورد في المادة 80 من مدونة التجارة، من عناصر مادية و أخرى معنوية، و تختلف هده العناصر من أصل تجاري الى اخر وفق ما تقتضيه ضرورة و طبيعة الاستغلال ونوعية النشاط التجاري أو الصناعي المزاول من طرف مالك أو مستغل كل أصل تجاري على حدة، وعليه سنعالج موضوع العلامة التجارية باعتبارها عنصرا هاما من العناصر المعنوية المكونة للأصل التجاري من خلال بعض المقاربات الفقهية  (الفقرة الأولى) على أساس أن نعرج  في الفقرة الثانية  أحد أهم الحقوق  التي ترد على الأصل التجاري وهو الحق في الكراء ( الفقرة الثانية).

     الفقرة الأولى: العلامة التجارية كعنصر معنوي في الأصل التجاري.

           إن دراسة الأحكام المنظمة للعلامات تقتضي الإشارة إلى مفهوم العلامة بين التشريع والفقه (أولا) مع بيان خصائصها بالنظر إلى أن التسجيل إنما يشمل المنتجات والخدمات التي تم تعيينها عند التسجيل وهو ما يعرف بقاعدة التخصيص (ثانيا).

أولا: مفهوم العلامة بين التشريع والفقه.

             تختص العلامات الفارقة أو علامات الصنع في أنها توضع على بضاعة التاجر تمييزا لها عن غيرها من البضاعة المنافسة لها، وقد تكون علامة الصنع عبارة عن اسم مميز أو رمز أو دمغة أو  طابع أو نقش أو حروف أو صوت أو شارات موسيقة أو أرقام ، وكل العلامات الأخرى التي تميز منتوج مصنع أو استغلال زراعي أو غابوي أو استخراجي أو مواد تجارية[18].

        وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 133 من قانون 17. 97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، يتبين أن المشرع وضع تعريفا للعلامة بنصه على أنه ” يراد في هذا القانون بعلامة الصنع أو التجارة أو الخدمة كل شارة قابلة للتجسيد الخطي تمكن من تمييز منتجات أو خدمات شخص طبيعي أو معنوي.

        كما ذهب بعض الفقه [19] إلى تعريفها بكونها العلامة التجارية أو الصناعية التي يمكن بواسطتها تمييز المنتجات عن طريق استخدام أشكال أو إشارات أو تسميات أو رموز تصبح بدورها دلالة على هذه المنتجات أو على مصدرها، في حين عرفها البعض الآخر بكونها الشارة التي تضعها المقاولة على منتجاتها أو خدماتها قصد تمييزها عن غيرها من المقاولات الأخرى، بشكل يساعد الزبناء على سهولة التعرف عليها وتمييزها عن غيرها من المنتجات والخدمات المتواجدة بالسوق[20].

     ويتبين من خلال استقراء هذه التعاريف أن العلامة هي الشارة الخطية التي تستخدمها المؤسسة لتمييز منتجاتها أو خدماتها عن باقي المنتجات أو الخدمات المماثلة أو المشابهة لها، حتى يمكن معه التعرف عليها بسهولة من ناحية ويتم جذب المستهلك إليها من ناحية أخرى، وبالرجوع إلى نص المادة 133 أعلاه يتبين أن المشرع ميز بين علامة الصنع وعلامة التجارة وعلامة الخدمة [21] ، فعلامة الصنع هي الشارة التي يضعها المنتج أو الصانع على بضائعه تمييزا لها عن غيرها من البضائع المماثلة أو المشابهة لها، أما علامة التجارة فهي الشارة التي يضعها التاجر أي الوسيط على البضائع التي يشتريها من الغير ويقوم بعرضها وبيعها للمستهلك.

ثانيا: خصائص العلامة التجارية.

          أ: تتميز العلامات بكونها اختيارية مادام الصانع أو المنتج غير ملزم باستعمال علامة لتمييز منتجاته أو خدماته، الامر الدي أكدته المادة 139 من قانون 17.97 بنصها على أنه: وتعتبر علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة اختيارية مع مراعاة الأحكام القانونية المخالفة.

         ب: تتميز العلامة بكونها دائمة باعتبارها غير مرتبطة بمالك البضاعة أو صاحب الخدمة بل هي مرتبطة بملكية الأصل التجاري لكونها تعد عنصرا من عناصره وتنتقل بانتقال ملكيته حتى ولو لم تتم الإشارة إليها عند البيع، وهدا ما أكدته المادة 152 من القانون 17.97 أنه: يسري آثار تسجيل العلامة ابتداء من تاريخ الإيداع لمدة عشرة سنوات قابلة للتجديد إلى مالا نهاية.

         ج: تتميز العلامة بكونها ظاهرة إد يمكن التعرف عليها بسهولة من خلال النظر إلى البضاعة التي تحملها.

       د: تتميز العلامة بقاعدة التخصيص ومؤدى هده القاعدة أن مالك العلامة يتمتع بحق تخصيصها على منتجاته أو خدماته بشكل استئثاري ومطلق[22].

  الفقرة الثانية: الحق في الكراء كتصرف قانوني.

     اختلف الفقه في تعريف الحق في الكراء لتقاعس المشرع عن فعل دلك لأن التعاريف عمل فقهي أكثر منه كونه قضائي، فجكلار و إبوليتو عرفاه تعريفا عاما قاصرا عن إبراز كل الخصائص المميزة له، قائلين: (الحق في الكراء حق أو دين (droit de créance، المكتري التاجر تجاه مالك العقار الدي يستغل فيه الأصل التجاري أو موضوع الانتفاع  la jouissance ، من الأماكن (des lieux ، المكتراة).

أما الفقه المصري والسوري فيعتمدان تعريفا مستمدا من مبادئ القانون المدني و بعيدا عن التطور الحديث الدي طرأ على كراء العقارات أو المحلات المعدة للاستغلال التجاري، فعارف الحمصاني يعرف الحق في الإيجار بقوله: يقصد بالحق في الإيجار حق التاجر المستأجر في البقاء في العقار الدي يشغله بشأن تجارته المدة المتفق عليها في عقد الإيجار و المدة الممددة بحكم القانون و الحق في التنازل عن هدا الحق للغير متى كان القانون أو العقد لا يتضمن شرطا يحرم هدا التنازل[23].

ووضع علي حسن يونس تعريفا عاما يصدق على الكراء التجاري والكراء المدني قائلا: (يعني الحق في الإيجار حق المستأجر في الانتفاع بالمكان المؤجر) [24]،

قد يثور تساؤل ما إدا كان تفويت أو بيع الحق في الكراء يعد تفويتا وبيعا للأصل التجاري أم لا؟

   لقد كان موقف التشريع المغربي موفقا عندما جعل الحق في الكراء مجرد عنصر اختياري (élément facultatif) وليس وجوبيا (obligatoire) على خلاف الزبناء والسمعة التجارية: يوجد الأصل التجاري بوجوده و دون و جوده، إلا أنه يعتبر عند وجوده من بين العناصر الجوهرية المؤلفة للأصل التجاري، و الأكثر من دلك قد يترتب على تفويته تفويت الأصل التجاري تلقائيا .

عندما يكون الأصل التجاري في عقار على ملك الغير تربطه بهذا العقار علاقة تعاقدية، هي عقد الكراء فإن المكتري إدا توفرت فيه الشروط القانونية فإنه يحق له التصرف فيه من خلال بيعه أو رهنه أ كرائه من الباطن.

للمكتري طبقا للفصل 668 من ق.ل.ع، حق تولية الكراء أو التخلي عنه للغير، إلا إدا ورد في العقد شرط يمنع عليه دلك، وحين يوجد هدا الشرط فيجب أن يفهم على اطلاقه، بحيث لا يجوز تولية الكراء ولو جزئيا، كما لا يجوز التخلي عن الحق في الكراء، ولو على سبيل التبرع [25].

    تعتبر التولية في الكراء (الكراء من الباطن) بمثابة العقد الدي بموجبه يعمد المكتري الأصلي على إكراء ما اكتراه من المكري إلى طرف ثالث يسمى المكتري الفرعي مقابل كراء معين، وتمكين التولية من إبرام عقد كراء فرعي يربط المكتري الفرعي والمكتري الأصلي من جهة، وعقد الكراء الأصلي الرابط بين هدا الأخير والمكري من جهة ثانية.

وخلافا لما كان معمول به في ظل مقتضيات الفصل 22 من ظهير 24 ماي 1955 الملغى الدي كان يمنع على المكتري أن يقوم بتولية الكراء  إلا إدا تضمن عقد الكراء شرطا مخالفا أو وافق رب الملك على التولية، فإن قانون 49.16 و في مادته 24 أجاز للمكتري أن يكري للغير المحل المكترى كلا أو بعضا، مالم ينص العقد على خلاف دلك، ولما كان الكراء من الباطن عقد بموجبه يحدد طرفاه أي المكتري للأصل التجاري و المكتري الفرعي مبلغ السومة  الكرائية، فإن قيمتها ستنعكس على قيمة السومة الكرائية المحددة بين المكتري للأصل التجاري ومالك العقار أو المحل التجاري.

وبالرجوع الى الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون رقم 49.16 نجد أنها أقرت حق المكري بمراجعة السومة الكرائية، بحيث منح المشرع إمكانية للمكري قصد المطالبة بالزيادة في الكراء الأصلي إدا كانت قيمة الكراء الفرعي تزيد عن الكراء الأصلي، و تتم مراجعة السومة الكرائية إما بالتراضي، وفي حالة عدم حصول التراضي بين المكتري الأصل و المالك ، فإنه يحق لهدا الأخير  أن يطالب بالزيادة في الكراء الأصلي لدى القضاء الدي له السلطة التقديرية الواسعة لتقدير الزيادة استنادا إلى قيمة السومة الكرائية في الكراء الفرعي مع مراعاة الفرق بين السومتين[26].

         و الملاحظ أن المشرع المغربي في هده الحالة منح للأطراف و للمحكمة السلطة التقدرية في تحديد مبلغ السومة الكرائية من غير التقيد بالشروط التي أوجبها القانون رقم 07,03 كشرط مرور ثلاث سنوات على مراجعة السومة الكرائية أو احترام النسبة المقررة قانونا ، بحيث يمكن للمحكمة أن تستعين بالخبرة في تحديد السومة الكرائية الجديدة، باعتبار أن هده الأخيرة تدخل ضمن المسائل الفنية التي  تقتضي تدخل الخبير قصد تحديد نوعية النشاط المزاول بالمحل التجاري وكدا موقعه و مساحته.

  هدا، وقد يثور التساؤل حول ما إدا كان بإمكان المشتري استغلاله من دون أن يكون الحق في الكراء قد انتقل إليه ضمن العناصر التي يتكون منها الأصل التجاري؟.

       في الحقيقة أنه ماعدا الحالة التي يقوم فيها المالك بإبرام عقد مع المكتري يتضمن في نفس الوقت كراء العقار و تفويتا للأصل التجاري الدي يستغل فيه هدا العقار، فإن شراء أصل تجاري مجرد من الحق في الكراء أمر نادر الوقوع من الناحية العملية وإن كان جائز قانونا، فالحق في الكراء يعتبر كما أشرنا على دلك آنفا من أهم العناصر التي يتكون منها الأصل التجاري لأن عدم تجديد الكراء ينتج عنه الإخلاء مقابل تعويض معين و بالتالي اندثار عنصر الزبائن الدي يعد بدوره العنصر الرئيسي في نشأة و ميلاد الأصل التجاري.

ومما يجب التأكيد عليه بهذا الخصوص أن الحق في الكراء كعنصر من عناصر الأصل التجاري، لا يثبت للمكتري إلا إدا كان الاتفاق الكتابي أو الشفوي المبرم بينه وبين المكري صاحب العقار المعني بالأمر يعطي لهدا المكتري الحق في مزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو حرفي بهذا العقار.

وهكذا مثلا ، فإدا كانت وجهة كراء عقار معين مخصص  للسكنى أو الاستعمال مهني وقام المكتري بعلم أو بدون علم من المكري[27] بتغيير هده الوجهة عن طريق استعمال العقار المكترى و الحالة هده لغرض تجاري أو صناعي أو حرفي ، ثم عمد بعد مرور مدة السنتين أو الأربع سنوات المشار إليها من قبل ، إلى تفويت استعمال أو  استغلال هدا العقار لشخص آخر ، فإن هدا التفويت ، بالإضافة إلى كونه لا يعد في نظرنا تفويتا للأصل التجاري، لا يشمل الحق في الكراء الدي يسري في مواجهة مكري العقار المعني بالأمر و دلك بسبب عدم موافقة هدا الأخير على مزاولة نشاط تجاري أو صناعي  أو حرفي بعقاره المكترى أصلا بهدف الاستعمال المهني أو من أجل السكنى[28].

   و الملاحظ أنه إدا قبل المكري كتابة بأن المكتري له أن يولي الكراء للغير،فأنه يستدعي للمشاركة في عقد تولية الكراء عن طريق و سائل التبليغ الرسمية، و على المكتري أن يعطيه أجل ثلاثين يوما ليرد على الاستدعاء إما بالإيجاب أو الرفض فإدا كان  رد المكري بالإيجاب فإنه يشارك في إبرام العقد فيكون من حقه أن يطالب بزيادة مقدار الأجرة   المحددة للكراء الأصلي بما يتناسب مع مقدار أجرة تولية الكراء[29].

      لقد أغفل المشرع وضع تعريفا للكراء التجاري ولم يوضح ماهيته على غرار التشريعات المقارنة، حيث أن الامر متروك للفقه إلا أنه يعرف تضاربا في الآراء، مما يطرح إشكالا حول الطبيعة القانونية للحق في الكراء فهناك من يدعي أنه حق عيني وهناك من يعده حق شخصي و بضع آخر من الفقه يعده حق مختلط، و سنرى كل اتجاه على حدة.

 أولا : الحق في الكراء حق عيني: يعتبر الفقيه Merlin أن الفصل 1743 من القانون الفرنسي، قد أحدث تغييرا مهما مفاده أن الكراء أصبح بمثابة تجزئة للملكية يمكن  المكتري من اكتساب الحق على الشيء داته مادام انتقال الملكية لا يؤثر على الكراء، و يعتمد أصحاب هدا الموقف لتبرير موقفهم دلك على مجموعة من الأمثلة منها أن المالك عندما يكتري كأنه يبيع الانتفاع للمكتري وأن الحق في الكراء يخول للمكتري حقوقا، لها خصائص و سمات حق الملكية كحق التتبع و حق الأفضلية وهي حقوق متميزة عن مجرد العلاقة الدائنية.

ثانيا : الحق في الكراء حق شخصي: و يتزعم هدا الموقف الفقيه Pothier ، الدي يدهب إلى أن المكتري له حق شخصي فقط، إد يعتبر هدا الأخير دينا إيجابيا يدخل في دمة الدائن وينقص من دمة المدين، فالدائن و المدين في عقد الكراء هما المكري و المكتري، فالمكتري دائن للمكري بتسليم العين المكتراة و هو مدين بأداء الواجب الكرائي، و المكري مدين بتسليم المكتري العين المكتراة و دائن له بالواجب الكرائي.

ثالثا: الحق في الكراء حق مختلط: يرى أصحاب هدا الموقف أن الحق في الكراء هو حق عيني و شخصي في نفس الوقت، لأن عقد الكراء ينشئ حقوقا شخصية بين الأطراف وحقا عينيا  في مواجهة الغير، ويفسر بعض الفقه هدا التداخل بين الحق العيني والشخصي على أن القانون يعتد بطبيعة كل التزام، فالالتزام الدي يكون محله انتفاعا بشيء معين  لا يماثل من جيع الوجوه الالتزام الدي يكون محله مبلغا  من النقود[30].

المطلب الثاني: الاصل التجاري على ضوء الاجتهاد القضائي:

           بناء على ما سبق، يمكن القول بأن ظهور الاصل التجاري كمؤسسة قانونية مع نهاية القرن التاسع عشر و تكريسه رسميا مع بداية القرن العشرين شكل انتصارا حاسما لفئة التجار من حيث تمكينهم من التجذر من المستوى القانوني و الاقتصادي ، و نظرا لأهمية هذه المؤسسة القانونية فقد تدخل المشرع المغربي عن طريق مجموعة من الإصلاحات المتتالية لجعلها مؤسسة قانونية تساهم في خدمة الحاجيات الاقتصادية ، و هو ما تجلى من خلال مجموعة من المبادرات التشريعية ، ثم عبر مجموعة من الاجتهادات القضائية من اجل المحاولة في مقاربة اهم الاشكالات التي يطرحها الاصل التجاري و محاولة إيجاد حلول لمختلف اشكالاته العملية ، و عليه ارتأينا ان نخصص هذا المطلب لمناقشة بعض القرارات القضائية على النحو التالي:

        يعد عقد التسيير الحر من العقود ذات الأهمية البالغة في الحياة التجارية ، و هو كثير الحذوث في الحياة العملية ، و يرد على الاصل التجاري الذي يعتبر مالا منقولا له قيمة اقتصادية مختلفة عن القيمة الذاتية لكل عنصر من عناصره المادية و المعنوية السالفة الذكر، و هو من العقود التجارية التي نظمها المشرع المغربي بمقتضى الكتاب الثاني من مدونة التجارة في اطار المواد من 152 الى 158 ، بحيث عرفته المادة 152 من نفس المدونة انه:” كل عقد يوافق بمقتضاه مالك الاصل التجاري او مستغله على إكراءه كلا او بعض لمسير يستغله تحت مسؤوليته”.

<< لدينا القرار التالي : اصل الحكم المحفوظ بكتابة ضبط المحكمة التجارية بالدارالبيضاء ، الحكم عدد:10293, الصادر بتاريخ: 03/11/2009، في الملف رقم: 2009/9/7753.

و جاء فيه : عقد تسيير حر محدد المدة انتهاء المدة _تعويض المسيرلا، انهاء عقد التسيير الحر لا يمنح قانونا للمسير اي تعويض ، و هو ما اكده الطرفان في العقد بالتنصيص فيه على أن الفسخ لا يعطي الحق في اي تعويض ، ي بالتالي فإن ما تذرع به المدعى عليه من ضرر و مساس بمصالحه المالية غير مؤثر على نتيجة الدعوى إعمالا للعقد الذي يعتبر شريعة المتعاقدين.

بعد المداولة وطبقا للقانون،

في الشكل: حيث إن المقال مستوفي للشروط الشكلية المطلوبة قانونا وأديت عنه الرسوم القضائية فيتعين التصريح بقبوله شكلا، اما في الموضوع ، حيث إن الطلب يهذف الى الحكم بما طلب ، حيث اجاب المدعى عليه بالدفوع المشار إليها صدره، لكن حيث ان المحكة بعد اطلاعها على وثائق الملف خاصة عقد التسيير الرابط بين الطرفين تبين لها أنه ابرم لمدة غير محددة ، و أعطي لكل طرف حق طلب فسخه بشرط إعلام الطرف الآخر و منحه مهلة 3 اشهر، الى اخره من الاسباب المضمنة في القرار القضائي فقد تم قبول الدعوى شكلا، و في الموضوع: بفسخ عقد التسيير المؤرخ في 19/06/1996، و افراغ المدعى عليه من المحل هو و من يقوم مقامه او باذنه و امتعته مع النفاذ المعجل و الصاءر و رفض ما زاد على ذلك.>>

 و من منظوري الشخصي ارى بأن قرار فسخ فسخ عقد التسيير بين الطرفين هو في محله كون ان المدعي قد وجه اشعار الفسخ الى المدعى عليه و توصل به هذا الأخير ،

<< و حيث إن انهاء عقد التسيير لا يمنح للمسير اي تعويض ،

و حيث إن الحكم بالفسخ يقتضي الحكم فإفراغ المدعى عليه من المحل و تحمل الصائر تطبيقا للفصول 1_3_26_31_32_49_124 من قانون المسطرة المدنية و المادة 5 من قانون احداث المحاكم التجارية، و بالتالي لا يسعنا الى ان نؤيد قرار المحكمة في قرار الفسخ لتوفر اسبابه[31].

خاتمة:

     في ختام بحثنا، فإن الاصل التجاري يعد من بين أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها التاجر لمزاولة نشاطه التجاري، وقد حظي هذا الموضوع باهتمام كبير من قبل التشريع المغربي حيث خصص له 80 مادة، من المادة 79 الى المادة 158 من مدونة التجارة و ذلك في الكتاب الثاني منها.

     و بالرغم من هذا التنظيم الذي اولاه المشرع للأصل التجاري، الا أنه ترك مجموعة من الثغرات التشريعية في هذا الباب، مما أتاح الفرصة للقضاء للتدخل اجتهادا من اجل سد هذا الفراغ و ذلك من أجل معالجة مجموعة من الاشكالات التي تواجه القضاء في تطبيق هذه النصوص القانونية على غير التصرفات التي لم يرد بشأنها نص في مدونة التجارة.

    و في رأينا المتواضع يبدوا انه آن الأوان على المشرع المغربي لإعادة النظر في شأن هذه التصرفات التي ترد على الاصل التجاري نظرا لأهميتها في المجتمع و لكثرة تداولها، و السلام.


[1] Azambre Paul, de la nature juridique et du nantissement des fonds de commerce, paris, 1903

[2] امحمد الفروجي، الأصل التجاري عناصره و طبيعته القانونية كما يستغل في إطار التسيير الحر، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، الصفحة 31.

[3]عبد الرحيم شميعة، القانون التجاري الأساسي ط 2019، ص167-168.

[4]– فؤاد معلال، شرح القانون التجاري، نظرية التاجر والنشاط التجاري، ط السادسة 2022، ص237.

[5]– عرفت مدونة التجارة الائتمان الإيجاري على أنه: يعد عقد الائتمان الإيجاري وفق مقتضيات المادة 8 من الظهير الشريف رقم 147-93-1 الصادر في 15 من محرم 1414 (6 يوليوز 1993) المعتبر بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها:

1- كل عملية إكراء للسلع التجهيزية أو المعدات أو الآلات التي تمكن المكتري كيفما كان تكييف تلك العمليات من أجل أن يتملك في تاريخ يحدده مع المالك كل أو بعض السلع المكراة لقاء ثمن متفق عليه يراعى فيه جزء على الأقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الكراء (الائتمان الإيجاري للمنقول).

2- كل عملية إكراء للعقارات المعدة لغرض مهني تم شراؤه من طرف المالك أو بناءا لحسابه، إذا كان تكييفها أن تمكن المكتري من أن يصير مالكا لكل أو بعض الأموال المكتراة على أبعد تقدير عند انصرام أجل الكراء. (الائتمان الإيجاري للعقار).

[6]– عبد الرحيم شميعة، م.س ، ص170 وما يليها.

[7]– تنص مدونة الحقوق العينية من خلال المواد الآتية على:

– المادة 5: “الأشياء العقارية إما عقارات بطبيعتها أو عقارات بالتخصيص.

– المادة 6: “العقار بطبيعته هو كل شيء مستقر بغيره ثابت فيه لا يمكن نقله دون تلف أو تغيير في هيئته.

– المادة 7: “العقار بالتخصيص هو المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحق بصفة دائمة”.

– المادة 8: الحق العيني: هو سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين، ويكون الحق العيني أصليا أو تبعيا.

[8]– عبد الرحيم شميعة، مرجع سابق، ص173.

[9]– إلهام الهواس، محاضرات في القانون التجاري الأساسي، طبعة 2019، ص145.

[10]– عبد الرحيم شميعة، م.س ، ص169-170.

[11]  محمد لفروجي , م.س ، صفحة 22

[12]  فؤاد معلال ، شرح القانون التجاري الجزء الاول نظرية التاجر و النشاط التجاري ,دار الافاق المغربية ط،  الخامسة صفحة 178

[13] امحمد لفروجي , مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء ص، 25

[14]  Le juridique édition auzou,2016,philippe auzou page 131

[15] شرح القانون التجاري الجزء الاول نظرية التاجر و النشاط التجاري , فؤاد معلال ,دار الافاق المغربية ط. الخامسة صفحة 182

[16] Le juridique édition auzou,2016,philippe auzou page 131

[17]  امحمد لفروجي  مرجع سابق ، صفحة 30

[18] أحمد عاصم . الحماية القانونية للكراء التجاري . طبعة الثالثة 1988. دار النشر المغربية ، الدار البيضاء 1988 .الصفحة 202.

[19]   عبد الله درميش ” الحماية الدولية للملكية الصناعية وتطبيقاتها القانونية ” أطروحة لنيل دكتورة الدولة 1888 صفحة 552 .

[20]  يونس بنونة  – العلامة التجارية بين التشريع و الاجتهاد القضائي *الطبعة الأولى 1427 ، 2006 الصفحة 10.

[21] تعتبر علامة الخدمة من مستجدات القانون 17.97 باعتبار أن مقتضيات ظهبر يونيو 1916 لم تكن تعرف هدا النوع من العلامات والتي تعتبر و ليدة تطور قطاع الخدمات في الوقت الحالي.

[22]  يونس بنونة، مرجع سابق

[23]  أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأصل التجار ، الطبعة الثانية ،دار نشر المعرفة ، الرباط المغرب، الصفحة 11.

[24]  جاء في المادة 627 ق.ل.ع. ما يلي: كراء الأشياء عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة شيء منقول أو عقار، خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الآخر بدفعها له.

[25] احمد عاصم ، الحماية القانونية للكراء التجاري . مرجع سابق. الصفحة 205

[26] جواد الرفاعي. الكراء التجاري الثابت و المتغير في ضوء القانون رقم 49.16، الطبعة الأولى 2018 صفحة 82 .

[27] دلك أن هناك اختلاف في الراي حول ما إدا كان عيم المكري بتغيير وجهة الكراء و سكوته عن دلك مدة معينة يفيد موافقته الضمنية على هدا التغيير أم لا، وفي رأينا  فمجرد العلم وحده لا يكفي للقول بهده الموافقة الضمنية ما لم تكن هناك بعض التصرفات الصادرة من المكري تؤكد موافقته على سلوك المكتري.

[28] محمد الفروجي، م.س, الصفحة 31.

[29]  محمد بونبات، الكراء التجاري، الطبعة 1999، مطبعة الأوراق الوطنية، الصفحة 136.

[30] عمر السكتاني، سلسلة قانون الاعمال و الممارسة القضائية، الأصل التجاري بين القانون والعمل القضائي،مطبعة الأمنية، الرباط، ط، 2021، ص155.

[31] عمر السكتاني ، الأصل التجاري بين القانون و العمل القضائي،م.س

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك