إعداد : أيوب صابر همان
المقدمــــة: مما لا شك فيه فإن ما يسعى إليه المشرع من خلال سن قواعد زجرية وعقابية، هو تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع بشكل عام. فالقاعدة القانونية الزجرية، التي تتصف بالتجرد والعموم، تخاطب كافة فئات المجتمع دون تمييز بين أفراده وطوائفه وطبقاته. لكن تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الحديثة، دفعت المشرع إلى سن قواعد قانونية تطبق على فئات معينة وأنشطة ومهن محددة. المال و الأعمال والتجارة هو من أهم المجالات التي حظيت باهتمام كبير من طرف المشرع حيث خصها بقوانين ترمي إلى تنظيمها، وقواعد جزائية لزجر المخالفين للنظم الاقتصادية والتجارية المعمول بها. فتدخل المشرع بسن قواعد زجرية وعقابية في مجال المال والأعمال والتجارة، يرمي إلى إسباغ الحماية الجنائية على مصالح معينة أدى التطور الاجتماعي والاقتصادي إلى وضعها على رأس اهتمامات المسؤولين والحكومات، في كل بلدان العالم كيفما كانت توجهاتها السياسية وقناعاتها الإيديولوجية . فوجود قانون جنائي للأعمال غير مرتبط بنوع النظام الاقتصادي المتبع في بلد معين . فكما يوجد هذا القانون بالنظام الاشتراكي، فهو يوجد كذلك بالنظام الرأسمالي .
وإذا كانت ثمة علاقة بهذا الشأن فهي قائمة بين وجود قانون العقوبات الاقتصادي وانتهاج الدولة سياسة التدخل لحماية توجه اقتصادي معين ، سواء من أجل حماية الحرية الاقتصادية والمنافسة المشروعة أو من أجل تقييد هذه الحرية ووضع ضوابط صارمة لها. فنوع التصرفات والأفعال المجرمة، بهذا الخصوص، مرتبط بنوع المصالح التي يريد المشرع حمايتها تحقيقا لسياسة الدولة الاقتصادية. وفي هذا الإطار فإن القانون الجنائي أو قانون العقوبات، وجد نفسه عاجزا عن ملاحقة تطور جرائم رجال الأعمال ، فكان لزاما على المشرع أن يحدث تغييرا في مشهد السياسة الجنائية، ويقدم على إصدار العديد من القوانين الخاصة. فما مفهوم القانون الجنائي للأعمال؟ و أين تتجلى خصوصيته؟
لملامسة هذه الإشكاليات تم تناول الموضوع في فصلين ، تم خص الأول للنظرية العامة للقانون الجنائي للأعمال و دلك من خلال القواعد الموضوعية، فيما تم التعرف في المبحث الثاني، على خصائص الإجراءات الشكلية أو المسطرية في القانون الجنائي للأعمال .
وعليه فمن خلال قراءتنا للرسالة خلصنا إلى النتائج والمقترحات التالية: – أن جرائم الأعمال في كثير من الأحيان تخرج عن القواعد العامة للقانون الجنائي، حيث أصبحت تنفرد بقوانين خاصة (موضوعية)، كما أن الإجراءات الشكلية أو المسطرية الخاصة ببعض هذه الجرائم تختلف عما هي عليه في القواعد الشكلية لقانون المسطرة الجنائية. – كثرة القوانين الخاصة التي تكون القانون الجنائي للأعمال مما يصعب الإلمام بها من طرف المكلفين بمقتضياتها والمهتمين بها. على مستوى العقوبات فإنه ونظرا لطبيعة مجال الأعمال فإن العقوبات المالية أصبحت طاغية أكثر على حساب باقي العقوبات المنصوص عليها في ميدان القانون الجنائي للأعمال والتي تتميز بتنوعها وتعدد مصادرها. كما أن بدائل العقوبات السالبة للحرية تحضى بأهمية كبرى هنا خاصة في الدول المقارنة أما التشريع المغربي فلازال متأخرا من الأخذ بهذه البدائل ولا نقصد هنا البدائل التي أصبحت في حد ذاتها بدائل تقليدية وإنما البدائل الحديثة والتي تجد تطبيقاتها الفعلية في مجال القانون الجنائي للأعمال. تعدد الجهات الإدارية التي لها حق تحريك الدعوى العمومية إلى جانب النيابة العامة، إضافة إلى تدخل الجمعيات على مستوى المطالبة بالحق المدني خاصة منها جمعيات حماية المستهلك. أما بالنسبة لوسائل الإثبات وطرق الكشف عنها فهي تعرف تطورا في هذا الميدان نظرا لتدخل أشخاص مختصين لهم علم بخبايا هذا العالم، والذي لا تستطيع قواعد الإثبات المنصوص عليها ضمن قانون المسطرة الجنائية وحدها الإحاطة به، ومن هؤلاء نذكر الخبراء والتقنيين التابعين لوزارة الفلاحة و وزارة الصحة وذلك فيما يتعلق بزجر الغش …البضائع… كما أن التحوير في القواعد الموضوعية والإجرائية قد أثر بشكل كبير على نطاق المسؤولية الجنائية في مجال الأعمال، والتي تقوم غالبا على مجرد افتراض وقوع الخطأ دون الحاجة إلى الإثبات المادي لهذا الخطأ مما يشكل إرهاقا للمتهم المطالب بإثبات العكس وتخفيفا على أجهزة القضاء من حيث عبء الإثبات، كما يلاحظ ميل للقضاء في الاعتداد بالخطأ المفترض كذلك أحيانا في ما يمكن تسميته بالافتراض القضائي. هذا وفيما يتعلق بإسناد الاختصاص في جرائم الأعمال فالملاحظ أن القضاء المغربي بعيد كل البعد عن التخصص في النضر فيها، بعكس التشريعات المقارنة كفرنسا ومصر اللذان كرسا مكانا متميزا للقضاء المتخصص في جرائم الأعمال. ملخص الاقتراحات – تجميع النصوص المكونة للقانون الجنائي للأعمال في جانبها الزجري في منظومة جنائية موحدة متكاملة ومنسجمة مع بعضها البعض حتى نتفادى الجهل بها. وفي هذا الإطار نقترح ما يلي:
تفعيل دور القضاء في هذا المجال ونخص بالذكر المجلس الأعلى، بحيث يصبح له الحق في المشاركة في مشاريع القوانين التي لها علاقة بالجانب الزجري لميدان الأعمال، حيث يمكن تفادي الثغرات التي تشكو منها النصوص القانونية في هذا الإطار ومن بينها غموض المصطلحات التي يتم استخدامها وعدم دقتها نظرا لكون الأشخاص المكلفين بوضع هذه النصوص غالبا ما تنقصهم الدراية بمجال الأعمال وبجزئياته وخفاياه مما يجرنا للقول بضرورة برمجة دورات تكوينية للقضاة في هذا الإطار، إضافة إلى وضع جسر للتواصل بين جميع الفاعلين سواء كانوا فاعلين قانونيين، اقتصاديين أو مهنيين أو جمعويين…. وذلك بتنظيم ندوات للتقريب من وجهة نظرهم حول كل ما يهم الجانب الزجري تفعيل التوصيات الملكية السامية بشأن حماية الاقتصاد ودعم الاستثمار وكذا السادس ترسيخ دولة القانون في ميدان الأعمال خطاب جلالة الملك محمد بالجرف الأصفر بتاريخ 25 شتنبر 2000 اما رؤساء غرف التجارة والصناعة ورؤساء المكاتب الوطنية وعدد من الفاعلين الاقتصاديين. إعادة النظر بشأن المقتضيات الخاصة بجرائم الشركات التجارية خاصة شركات المساهمة التي أصبح يشكل التدخل القانوني (المتكرر) هاجسا يقض مضجع الفاعلين الاقتصاديين بها، خاصة من حيث ارتفاع عدد الجرائم التي يمكن ارتكابها في إطار هذه الشركات، وتبني المشرع للمسؤولية الجنائية عن فعل الغير ضمنها … هذا من جهة ومن جهة أخرى نقترح التخفيف قدر الإمكان من اللجوء للعقوبات السالبة للحرية فيما يخص جرائم الشركات التجارية، والاعتماد على الغرمات المالية. كما نقترح تفعيل اللجوء لبدائل العقوبات السالبة للحرية في هذا الإطار، لكون التجربة أثبتت فعالية هذه البدائل في التخفيف من وطأة جرائم الشركات التجارية خاصة وجرائم الأعمال على وجه العموم. أما بخصوص جريمة تبييض الأموال فنقترح تقنين اللجوء لتقنية التصريح بالاشتباه التي جاء بها قانون غسيل الأموال حتى لايتم زرع الخوف في أنفس المستثمرين، وبالتالي عوض الرفع من وثيرة الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار يحدث العكس. كما نقترح من جهة أخرى، وفيما يتعلق بالتهرب الضريبي تجريم عدم التصريح الضريبي كما ذهبت إلى ذلك بعض التشريعات كالتشريع الفرنسي. ومن زاوية العقاب نقترح عدم جعل العود إلى جريمة التهرب الضريبي شرطا لتطبيق العقوبة وإنما جعله ظرفا مشددا لها، كما هو الحال في القاعدة العامة التي تحكم باقي أنواع الجرائم.
هذا ونقترح في ميدان المخالفات الجمركية إعادة النظر في المقتضيات المضمنة في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، من قبيل افتراض الخطأ لدى الظنين وحجية المحاضر التي لا يطعن فيها إلا بالزور وبالتالي فتح المجال للظنين لإثبات عكسها. وأخيرا لا يسعنا القول إلا أن أهم ضمان يحظى به اقتصاد كل بلد بغض النظر عن قوانينه والتقنيات المجندة لحمايته هو أخلاق مجتمعه وضمائر أفراده. وهكذا إذا كنا قد تطرقنا من خلال هذه الدراسة إلى خصوصية القانون الجنائي للأعمال من زاوية القواعد القانونية التي تنضمه وكذا من زاوية الجرائم التي تشكل تطبيقا له. فإن السؤال الذي يمكن أن يطرح ويشكل موضوع دراسة مستقلة هو أين تتجلى خصوصية القانون الجنائي للأعمال من حيث طبيعة الأشخاص المرتكبين لجرائم الأعمال؟
أي هل يمكن اعتبار العامل الطبقي والثقافي له تأثير على ارتكاب جرائم الأعمال لقانون الأعمال؟
تعليقات فيسبوك