أيوب صابر همان
المقدمة
عرفت المنظومة القانونية المغربية المتعلقة بالتجارة والأعمال تطورا ملحوظا، نظرا لتزايد النشاط التجاري واتساع رقعة الخدمات التي يتطلبها هذا الميدان، بات من الصعب أن يتعامل التجار مباشرة مع غيرهم من التجار أو المستهلكين، حيث أصبح من الضروري أن يمر التعامل بين التجار عبر سلسلة من المعاملات، وهذه المعطيات هي ذاتها التي أدت إلى إنشاء عقود تجارية متميزة في بعض الجوانب عن العقود المدنية، ويلاحظ على أرض الواقع أن هناك عقودا تجارية تنتشر في المجال التجاري بصفة خاصة وتكون عادة موضوع تنظيم خاص في القانون التجاري أو نتيجة تعلقها بالنشاط التجاري للتاجر. إذ نجد أن الوكالة التجارية في المغرب لم تكن منظمة بأي نص قانوني خاص قبل صدور مدونة التجارة لسنة 1996 التي خصصت القسم الثاني من كتابها الرابع لتنظيم هذا النوع من العقود الذي كان مصدرها القانون الفرنسي المتعلق بالوكلاء التجاريين الصادر في 25 يونيو 1991 الذي كان يستمد أحكامه من الأعراف السائدة في فرنسا. وقد عرفت الوكالة التجارية تطورا من الوكالة المدنية إلى الوكالة التجارية نتيجة من مجموعة من العوامل والظروف [1] والتي تمثلت في إنشاء محاكم خاصة في الفصل في المنازعات التجارية، وبعدها بدأت تتضح معالم التمييز بين القانون المدني و القانون التجاري، وعلى خلاف الاعمال المدنية التي تتسم بالبطء و الاستقرار النسبي، وعليه فإن كل هذه الظروف أدت إلى إبراز ذاتية القانون التجاري و استقلاله والذي يتميز بالسرعة و الإئتمان التي تعتبر خاصية مهمة للقانون التجاري ومن الدعامات الأساسية فهي التي تنسجم مع طموحات رجال الاعمال. [2]ومن ثم فإن العقود التجارية ترتبط بالأعمال التجارية ومن ثم يمكن القول أن العقود التجارية هي التي يكون أحد موضوعها أحد الأعمال التجارية، إن مدونة التجارة نصت على الأعمال التجارية في المادة السادسة إذ نجد أنها لم تنص صراحة على الوكالة التجارية ضمن التعداد الوارد في نفس المادة غير أنها أشارت إليها بشكل ضمني في البند التاسع كما أنها نظمتها بمقتضى المواد من 393 إلى 404، وقد عرفت المادة 393 من أو مدونة التجارة في فقرتها الأولى أن الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص من دون أن يكون مرتبط بعقد عمل، بالتفاوض، أو بالتعاقد بصفة معتادة بشأن عملية تهم الأشرية أو بيوعات، وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري أخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك، فالوكالة التجارية إذا هي عملية وساطة يتولى فيها الوكيل التجاري المتفاوض أو المتعاقد باسم ولحساب تاجر مقابل أجر. ولاعتبارها تجارية يجب أن تمارس من قبل الوكيل بصفة معتادة.
أهمية الموضوع:
إن لهذا الموضوع أهمية بالغة تتجلى لنا في الأهمية النظرية من خلال تنظيم المشرع المغربي الوكالة التجارية في القسم الثاني من الكتاب الرابع في الفصول 393 إلى 404 بحيث يمتاز هذا التنظيم مكانة مرموقة ضمن العقود التجارية التي من شأنها الرقي بالمعاملات التجارية لتستجيب لتطلعات الفاعلين في المسلسل التجاري والدفع بعجلة الاقتصاد، كما أن هناك أهمية عملية تتمثل لنا في تجسيد الوكالة التجارية على أرض الواقع من خلال الوقوف على هذه المؤسسة كعقد تجاري يشكل مظهرا من المظاهر الرئيسية لنشاط التاجر سواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا علما أن التجارة بالمغرب تعتمد على عملية الاسترداد التي يلعب فيها الوكلاء التجاريين دور الوسيط بين المنتج و المستهلك.
إشكالية الموضوع:
تأسيسا على ما سبق فإنه يمكن استخلاص الإشكال الذي يطرحه الموضوع حسب المنوال التالي: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تنظيم وتأطير عقد الوكالة التجارية؟ وتنبثق عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات الفرعية وهي:
- ما مفهوم الوكالة التجارية وما خصائصها؟
- ماهي أثار عقد الوكالة التجارية وماهي أسباب انقضاءها؟
المنهج المعتمد:
لمعالجة هذا الموضوع يقتضي منا استعمال المنهج الوصفي التحليلي وذلك من خلال وصف النصوص القانونية التي تؤطر للوكالة التجارية وتحليلها.
التقسيم المعتمد:
من أجل إجابة عن الإشكالية أعلاه قررنا وضع التقسيم الاتي:
- المبحث الأول: ماهية عقد الوكالة التجارية وانعقاده
- المبحث الثاني: تنفيذ عقد الوكالة التجارية وانقضاء
المبحث الأول: ماهية عقد الوكالة التجارية وانعقاده
قبل الخوض في التحدث عن خصائص عقد الوكالة التجارية وأطراف هذا العقد وعن تمييزه
عن غيره من العقود سنحاول التطرق لمفهوم عقد الوكالة من ناحية التشريعية والقضائية.
المطلب الأول: التعريف التشريعي والقضائي لعقد الوكالة التجارية.
نظم المشرع المغربي في مدونة التجارة عقد الوكالة التجارية بمقتضى المادة 393 من مدونة التجارة بأنه” عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري أخر يلتزم من جهته بأداء أجرة عن ذلك.”[3]
من خلال التعريف الذي أوردته المادة 393 من مدونة التجارة، يتبين أن موضوع الوكالة التجارية هو التفاوض أو التعاقد، وتقتصر مهمة الوكيل على البحث عن المتعاقدين لحساب الموكل، وهذا ما يعتمده غالبية وكالات التأمين.
فالوكالة التجارية اذن هي عملية وساطة تولى فيها الوكيل التجاري التفاوض أو التعاقد باسم ولحساب تاجر مقابل أجرة، ولاعتبارها تجارية يجب أن تمارس من قبل الوكيل بصفة معتادة.
أما عن تعريف الاجتهاد القضائي لعقد الوكالة التجارية فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 15 ابريل 2008 إلى أن ”الوكيل التجاري شخص طبيعي أو شركة وهو تاجر يقوم بالوكالة وبصفة مستقلة بتحقيق التصرفات القانونية لحساب التجار والصناع أو لحساب وكلاء التجاريين آخرين. ”[4]
من خلال مجمل هذه التعاريف نستنتج أن عقد الوكالة التجارية دائما ينصب على قيام الوكيل التجاري بالتصرفات القانونية المتعلقة بتجارة الموكل على وجه الاستقلال ومقابل أجرة يؤديها هذه الأخير إلا أن الملاحظة الأبرز هي ضرورة تخلي المشرع المغربي عن صياغة التعاريف لان من شان أن يجمد حركية المفاهيم القانونية علما أن هذه الأخيرة تعرف تطورا مضطردا باستمرار وتلك هذه المهمة الاجتهاد القضائي.
وبعدما حاولنا تعريف الوكالة التجارية، سنتطرق هنا لخصائص الوكالة التجارية.
الفقرة الأولى: خصائص عقد الوكالة التجارية.
تعتبر الوكالة التجارية عقد متميزا عن غيره من العقود الأخرى ويتميز عقد الوكالة التجارية بمجموعة من الخصائص.
أولا: خاصية استقلالية والصفة التجارية في عقد الوكالة التجارية
يزاول الوكيل التجاري نشاطه مستقل عن الموكل، وهذا استقلال في الاحتراف هو الذي يضفي عليه صفة التاجر على عكس ما هو عليه الامر بالنسبة للوكيل المتجول و للممثل التجاري اللذان يمارسان نشاطهم تحت رقابة و اشراف الموكل[5]. أما الوكيل فهو يمارس نشاطا خاصا به مستخدما أدواته الخاصة ومضاربا على عناصر الإنتاج التي خصصها لمشروعه الدي يمارس فيه هدا النشاط.
بالرغم من أن المشرع لم ينص صراحة على الوكالة التجارية ضمن الأنشطة التجارية المنصوص عليها في كل من المادتين 7و6 من مدونة التجارة إلا أنها وردت ضمنا في الفقرة 9 من المادة 6, وتبعا لذلك فان الوكيل التجاري الذي يمارس بشكل اعتباري أو احترافي التفاوض والتعاقد باسم ولحساب غيره من التجار يكتسب صفة تاجر على اعتبار أن الوكيل التجاري يمارس أعمال الوساطة شانه في ذلك شانه السمسار والوكيل بالعمولة.
– عنصر استقلالية هو المحدد في تكييف عقد الوكالة التجارية، فإذا توفر هذا العنصر بين الوكيل والموكل، فإن العقد يكون وكالة تجارية، وإذا لم يوجد هذا استقلالية فإن العلاقة بين الطرفين تكيف كعلاقة شغل مع كل ما يترتب على ذلك من اثار.
عمليات التسويق وله من امكانيات المادية والمعرفية ما يؤهله اكتساب رصيد مهم من الزبناء ما كان الموكل ليتعاقد معه. ومن ثم فإن استمرار الوكالة التجارية تتأثر بما قد يطرأ للوكيل التجاري من أحداث.
ثانيا: خاصية والاعتبار الشخصي في عقد الوكالة التجارية
يمكن القول انه يصنف عقد الوكالة التجارية ضمن خانة العقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي، بمعنى أن شخص الوكيل التجاري يكتسي في هذه العلاقة أهمية بالغة تكمن في مدى الثقة التي وضعها فيه الموكل والتي أدت به إلى اختياره بالذات، وذلك لتوفره على السمعة والمؤهلات الضرورية التي من شأنها أن تجلب لمؤسسة الموكل قيمة إضافية. رغم أن المشرع قد حسم بشكل نهائي في كون عقد الوكالة التجارية هو عقد متميز عن عقد العمل ، إلا انه بدوره يقوم على الاعتبار الشخصي ، بمعنى أن الوكيل لا يمنح الوكالة إلا لشخص معين بذاته و صفاته ، أي تقوم فيه المواصفات التي يعتبرها الوكيل ضرورية لتمثيله ، وان كانت هذه المواصفات أصبحت اليوم مواصفات اقتصادية بالدرجة الأولى و أكثر منها مواصفات شخصية، و بالتالي أصبح الاعتبار الشخصي اعتبارا اقتصاديا، فمن يتوفر على الملاءة المادية الكافية و القدرة على التسيير العقلاني للمشروع بالإضافة إلى القدرة على إبداع و إنتاج الأفكار الجيدة و الجديدة وتحقيق سمعة تجارية قادرة على تكوين الرصيد اللازم من الزبائن . يعتبر متوفرا على الاعتبار الشخصي اللازم لإبرام عقد الوكالة التجارية مع الموكل، ومن لا يتوفر على الأقل على احد هذه العناصر يعد مفتقدا للاعتبار الشخصي بمفهومه الاقتصادي الجديد، و بالتالي غير قادر على إبرام عقد الوكالة التجارية حتى و لو كانت عناصر الاعتبار الشخصي التقليدية متوفرة فيه.
الفقرة الثانية: تمييز الوكالة التجارية عن بعض المؤسسات المشابهة.
أولا: تمييزها عن عقد التمثيل التجاري
بمقارنتنا للمقتضيات الواردة في مدونة الشغل بالنسبة للممثل التجاري، وبين المقتضيات الواردة في مدونة التجارة بالنسبة للوكيل التجاري نحس بالصعوبات التي تمس إثبات الشروط المميزة لكل عقد عن الآخر. حيث نجد في مدونة شغل الممثل التجاري ارتباطه بمشغله بالتزامات تحدد طبيعة التمثيل التجاري.[6] وفي عقد الوكيل التجاري يلتزم هذا الأخير بالتفاوض أو بالتعاقد باسم ولحساب تاجر مقابل أجرة على ذلك.[7]
ومن هنا يتبين لنا استنتاج بعض الفروق رغم صعوبة الأمر، حيث يكمن الفرق الجوهري بين الوكيل التجاري والممثل التجاري في الطبيعة القانونية لهاتين المهنتين، فالوكيل التجاري يكون مستقلا في مزاولة مهامه ولا يكون مرتبطا بعقد عمل، فيرتبط الممثل التجاري بمشغله بواسطة عقد عمل ويترتب على ذلك خضوعه للالتزامات الأجراء ولرابطة التبعية نحو المشغل، كما يستفيد من الحماية من كل التدابير التي تطبق على كل من يحمل عقد عمل،[8] دون أن الاستفادة من الحماية القانونية التي يوفرها قانون الشغل بصفة عامة للأجراء.
ولا يعتبر الممثل التجاري من التجار، حتى إذا احترف نشاط التمثيل التجاري لأنه لا يمارس نشاطا يتحمل عنه المخاطر من جهة، ومن جهة ثانية لكونه يعتبر وسيطا مأجورا يرتكز عمله على زيادة زبناء مشغله المتواجدين بمنطقة جغرافية معينة لعرض منتجات أو خدمات هذا الأخير عليهم وتبليغه أولا بأول بطلبات أو اقتراحات هؤلاء الزبناء.[9]
ثانيا: تمييزها عن عقد المقاولة وعقد الشغل
أن الوكالة بوجه عام، بما فيها الوكالة التجارية، يكون محلها القيام بتصرف قانوني، أي أن يتفاوض أو يتعاقد باسم ولحساب الموكل، أما إذا كان محل العقد عملا ماديا، فإننا لا نكون بصدد وكالة بل نكون أمام عقد عمل أو عقد مقاولة، وهذا هو المميز الرئيسي ما بين عقد الوكالة وعقد العمل. وهذا هو الذي عنته أيضا الفقرة الأولى من المادة 393 السالفة الذكر عندما نصت على أن “الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل ….. “ ذلك أن محل العقد إذا كان يتمثل في القيام بعمل مادي فإن مقتضيات قانون الشغل هي التي تطبق لا مقتضيات عقد الوكالة، سواء تلك المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود أو تلك المنصوص عليها في مدونة التجارة. كما أن الوكالة التجارية تتميز عن عقد العمل في أن الوكيل يعمل مستقلا عن الموكل ولا يكون الموكل مسؤولا مسؤولية التابع عن المتبوع، أما العقد العمل فإن الأجير لا يعمل مستقلا عن المشغل، بل هو يعمل تحت إدارته وإشرافه، أي توجد علاقة تبعية بينهما، كما يكون المشغل مسؤولا مسؤولية التابع عن المتبوع إزاء الغير.[10]
المطلب الثاني: إبرام عقد الوكالة التجارية وإثباته
إن المشرع المغربي اكتفى بالرضا المتبادل لانعقاد الوكالة التجارية وإبرامها من أجل التيسير على المتعاقدين، أما الكتابة فهي وسيلة للإثبات و ليست للانعقاد.
نقسم هذا المطلب إلى فقرتين، نتناول في الفقرة الأولى انعقاد عقد الوكالة التجارية، ثم في الفقرة الثانية إثبات عقد الوكالة التجارية.
الفقرة الأولى: انعقاد عقد الوكالة التجارية
إن ابرام عقد الوكالة التجارية ليست له مقتضيات خاصة، وعليه فبرجوع إلى القواعد العامة في ق.ل.ع، يطبق كل ما يتعلق بإبرام العقد على الوكالة التجارية، وعلى أساس هذه القواعد الرضا بالإضافة الى المحل والسبب المشروع.
الرضا:
إن التراضي يكفي أن يكون بين الوكيل والموكل وأن يكون هذا الرضا خاليا من العيوب حسب الفصل 39 من ق.ل.ع[11]، والمشرع لم يحدد شكل معين لإبرام الوكالة.
وفي هذا الصدد يطرح تساؤل مفاده متى يمكن المطالبة بإبطال عقد الوكالة التجارية هل بمجرد وجود غلط في شخص الوكيل أو الموكل أم يجب اشتراك كلا المتعاقدين في الغلط؟
هناك من يرى أن وجود أي غلط في شخص الوكيل أو الموكل يجعل العقد قابلا لإبطال، وذلك لأن عقد الوكالة التجارية تلعب فيه شخصية المتعاقدين دورا مهما قبل التعاقد وبعده، في حين يرى اتجاه آخر أنه لكي يتم إبطال عقد الوكالة التجارية فإنه يجب اشتراك المتعاقدين في الغلط، بهدف الحفاظ على استقرار المعاملات وتعزيز الثقة بالعقود.[12]
الأهلية:
إن الفصل 880 من ق.ل.ع[13] جاء بصريح العبارة وجوب توفر شخص الموكل على أهلية التصرف، أما بخصوص أهلية الوكيل فإن المشرع لم يشترط أهلية التصرف فيه، إذ يكفي أن يكون مميزا متمتعا بقواه العقلية وإلا اعتبرت جميع تصرفاته باطلة.
المحل:
يقصد بمحل الوكالة التجارية كل تصرف قانوني يقوم به الوكيل لحساب الموكل حسب المادة 393 من م.ت[14].
استعمل المشرع المغربي في المادة أعلاه وبصفة عامة جميع العمليات التجارية. حيث يمكن إدخال عمليات مشابهة من قبيل إبرام عقود البيع والكراء يمكن أن تشكل محلا للوكالة التجارية.
ويشترط في صحة محل الوكالة التجارية ما يشترط في محل العقود بصفة عامة، أي أن يكون محلها ممكنا لا مستحيلا، ومعينا أو على الأقل قابلا للتعيين وأن يكون مشروعا لا مخالفا للنظام العام أو الأخلاق الحميدة أو القانون[15].
السبب:
يتجلى سبب الوكالة التجارية في الغرض الذي قصده كل من الوكيل والموكل تحقيقه، حيث إن سبب التزام الوكيل هو التزام الموكل بدفع العمولة أو الأجر، أما سبب التزام الموكل فيرجع إلى التزام الوكيل بتنفيذ مقتضيات ما نصت عليه الوكالة.
وكما يشترط في السبب الذي من أجله تحمل الطرفان الالتزامات المتبادلة أن يكون صحيحا ومشروعا.[16]
الفقرة الثانية: إثبات عقد الوكالة التجارية
إن المشرع لم يشترط شكلا معينا لصحة العقد، حيث يمكن منح الوكالة شفويا، كما يمكن استنتاجها ضمنيا أو من خلال تنفيذها من طرف الوكيل التجاري ورجوعا إلى المادة 397 من م.ت إن المشرع تطلب الكتابة في عقد الوكالة التجارية من أجل إثبات العقد وعند الاقتضاء، إثبات تعديلاته، وليس من اجل صحة العقد.
يعتبر هذا البند استثناءا من القاعدة العامة التي تنص على أن المشرع المغربي اقر مبدأ حرية الاثبات حيث جعل من الكتابة وسيلة في المادة التجارية طبقا للمادة 334من م.ت[17]، كما انه لم يشترط في هذه الكتابة ان تكون رسمية او عرفية، و انما وسع من مجال الكتابة حتى تتخذ اي شكل من الاشكال. وعليه الكتابة في الوكالة التجارية وسيلة للإثبات كما هو عليه الامر في الوكالة العادية.
وبالنظر إلى أن المشرع قيد إثبات عقد الوكالة التجارية بالكتابة، فإن حماية الوكيل التجاري تقتضي تفسير الكتابة تفسيرا واسعا، وبالتالي تعتبر الرسائل المتبادلة بين الطرفين بمثابة عقد مكتوب، لكن يشترط في الوثيقة المحررة أن توضح صفة الأطراف، فإن الكتابة المطلوبة بمقتضى المادة 397 من م.ت[18] لا تفرض في الكتابة أن تكون عبارة عن وثيقة واحدة موقع عليها من الطرفين وتحمل اسم ”عقد” وإنما كل كتابة تم التوقيع عليها من الطرف الموكل ومن شانها توضيح طبيعة العقد ومحتواه .
فالكتابة إذا هي أداة ذات أهمية كبرى،تمكن أطراف العقد من تجنب أي لبس أو غموض يتعلق بطبيعة العلاقة بينهما، إلا أن المشرع لم يلزم الموكل والوكيل بها كشرط لصحة العقد الرابط بينهما ولكنه جعلها مجرد وسيلة للإثبات تخضع لاتفاق الأطراف .[19]
المبحث الثاني: تنفيد عقد الوكالة التجارية وإنقضاءها
بعد مرحلة إبرام العقد تأتي مرحلة تنفيذه ثم مرحلة إنهائه أو انقضاءه، ويخضع تنفيد العقد في جزء منه للقواعد العامة وفي الجزء الباقي لمقتضيات مدونة التجارة المنظمة للوكالة التجارية، حيث يرتب التزامات على طرفيه منها التزامات متبادلة، ومنها التزامات خاصة بكل طرف على حدة، والتي تقوم كلها على قواعد الصدق والإعلام، والتنفيذ المهني للمهمة التي وكيلت للوكيل، وتمكين هذا الأخير من وسائل تنفيد وأداء مهمته ( المطلب الأول ) . وغني عن البيان أن الإخلال بهذه القواعد من هذا الطرف أو ذاك يؤدي إلى فسخ العقد مع إمكانية المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسبب فيه هذا الإخلال، إلا أن إنهاء العقد في غير هذه الحالة يخضع لإجراءات تستهدف حماية الوكيل التجاري على وجه الخصوص ( المطلب الثاني ) .
المطلب الأول : تنفيد عقد الوكالة التجارية
حددت المادة 395 من م.ت المبادئ الموجهة لتنفيذ عقد الوكالة التجارية وذلك حينما نصت في الجملة الأولى على أن الوكالة تبرم ” لتحقيق الغاية المشتركة للأطراف”، وأعقب المشرع المغربي ذلك بالتنصيص على التزامات متبادلة تتمثل في ضرورة مراعاة قواعد الصدق والإعلام (الفقرة الأولى)، يضاف إلى هذه بالتنفيذ الالتزامات المتبادلة التزامات أخرى خاصة بكل طرف كالتزام الوكيل بالتنفيذ الاحترافي للوكالة التجارية والتزام الموكل بأداء الأجر ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : الالتزامات المتبادلة بين طرفي عقد الوكالة
نص المشرع المغربي على هذه الالتزامات في المادة 395 من م. ت، فالعلاقات بين الطرفين يحكمها الالتزام بالصدق والإعلام.
أولا : الالتزام بالصدق
الصدق خصلة أخلاقية ودينية انتقلت من مجال الأخلاق والدين إلى المجال القانوني، ويقصد بالصدق التزام الطرفين بالنزاهة والإخلاص في معاملاتهما المستمرة، أي إحجام كل متعاقد عن القيام بأي عمل ليس في مصلحة الطرف الآخر ولو كان هذا العمل في مصلحته هو، وإذا قام بمثل هذا العمل يتعين عليه التصريح بذلك إلى الطرف الآخر، [20]ويبدو هذا الالتزام كأثر من آثار المصلحة المشتركة، ويتجلى، بالنسبة للوكيل التجاري، في الالتزام بعدم المنافسة ( 1 )، ويتجلى بالنسبة للموكل في الالتزام باحترام شرط الحصر الممنوح للوكيل ( 2 ).
- التزام الوكيل التجاري بعدم المنافسة
تم تنصيص على هذا الالتزام في المادة 393 من م.ت التي منعت من تمثيل ” عدة مقاولات متنافسة” ، وهو أثر طبيعي للمصلحة المشتركة، وإذا ما تم خرقه من قبل الوكيل فانه قد يقلص من القيمة المشتركة للموكل والوكيل، وبذلك يعد الوكيل مرتكبا لخطأ إذا ما قام بتمثيل موكل منافس لموكله، وإذا كانت نفس المادة قد خولت للوكيل صلاحية تمثيل عدة موكلين فذلك مشروط باحترام الالتزام بعدم المنافسة.
- التزام الموكل باحترام الحصر
غالبا ما يتفق الموكل والوكيل، بمقتضى شرط عدم المنافسة، على حصر نشاط الوكيل في منطقة جغرافية معينة،[21] أو ربطه بمجموعة من الزبناء المحددين أو هما معا، ويجب على الموكل احترام هذا الشرط الذي يعتبر امتيازا للوكيل التجاري، وذلك بامتناعه عن البيع المباشر، أو منح توكيل لوكيل تجاري آخر داخل منطقة نشاط الوكيل الأول أو القيام بزيارة الزبناء في غيبة الوكيل؛ وفي حالة ما إذا خالف الموكل هذا الشرط كان مسؤولا عن تعويض الوكيل عما أصابه من ضرر ناتج عن هذا الإخلال.
ثانيا : الالتزام بالإعلام
يلتزم الوكيل التجاري، بمقتضى الوكالة التجارية، بإعلام الموكل (1)، كما يلزم الموكل بدوره بتزويد الوكيل بمختلف التعليمات والوثائق الضرورية لممارسة نشاطه (2).
- التزام الوكيل بإعلام الموكل
يتمثل إعلام الوكيل للموكل في تقديم الحساب وإعلام الموكل بكل المعلومات التي يقتضيها العقد كالإدلاء بملاحظات الزبناء على البضاعة والأنشطة المنافسة وحالة السوق. لم تحدد المادة 395 من م.ت مضمون المعلومات التي يجب على الوكيل الادلاء بها للموكل، لكن تحقيقا للصدق والنزاهة في المعاملات بين الطرفين، يمكن القول إن الالتزام بالإعلام يشمل جميع البيانات التي يكون الموكل في حاجة إلها لتقديم تعليمات دقيقة ومفيدة للوكيل تساعده على حسن تنفيد الوكالة التجارية.
- التزام الموكل بإعلام الوكيل
يتعلق الأمر بتقديم المعلومات والبيانات التي تسهل على الوكيل إبرام العمليات موضوع الوكالة التجارية كتزويده بالبيانات المتعلقة بالبضاعة أو الخدمة أو الخدمة أو إعلامه في أجل معقول بقبوله أو رفضه تنفيد عملية من العمليات ويتعين عليه كذلك تمكينه من كل الوثائق المفيدة المتعلقة بالبضاعة . ويفرض عليه هذا الالتزام كذلك التصرف بما لا يتعارض مع نشاط الوكيل.
الفقرة الثانية : الالتزامات الخاصة بكل طرف في عقد الوكالة
بالإضافة إلى الالتزامات المتبادلة بين الطرفين ، تقع على عاتق كل طرف مجموعة من الالتزامات الخاصة، فالوكيل يكون ملزم بتنفيد الوكالة وتقديم الحساب، والموكل ملزم بتمكين الوكيل التجاري بسبل انجاز مهمته وبأجرته.
أولا: الالتزامات الخاصة بالوكيل التجاري
يلتزم الوكيل التجاري بتنفيد الوكالة التجارية كرجل حرفة كفء (1) وتقديم حساب عن مهامه (2) والمحافظة على سر المهني (3) .
- التنفيد الاحترافي للوكالة التجارية
يعد تنفيد الالتزامات الناشئة عن الوكالة من أهم الالتزامات الملقاة عاتق الوكيل التجاري، ويرتبط هذا الالتزام في الواقع بمدى السلطات والمهام المنوطة بالوكيل. بمقتضى عقد الوكالة، وبذلك فقد ألزمته المادة 395 من م.ت بتنفيذ مهمته كرجل كفء. وبالرغم من كون الوكيل التجاري يتصرف باسم ولحساب الموكل، فإنه بالنظر إلى استقلاله المهني يتمتع بالحرية في اختيار وسائل تنفيد مهمته، ولذلك فهو ينظم نشاطه بشكل مستقل عن الموكل، ويستعين بوسائل الدعاية والإعلان لترويج منتجات التجار الذين وكلوه عنهم، وبصفة عامة فهو يبدل أقصى جهده ويستخدم كل الوسائل الضرورية لإتمام موضوع الوكالة.
- الالتزام بالمحافظة على السر
يعتبر الالتزام بالمحافظة على السر من بين الالتزامات المفروضة على الوكيل التجاري، حتى في غياب نص قانوني صريح، وأساس ذلك علاقة الثقة التي تطبع عقد الوكالة وما تتميز من اعتبار شخصي، وكونها من عقود حسن النية التي تستلزم الصدق والإخلاص وتجميع المجهودات قصد تحقيق المصلحة المشتركة[22]. وبالتالي فإفشاء الأسرار المحصل عليها خلال تنفيد العقد يمكن أن يضر بمصلحة الموكل، كإفشاء الأسرار المتعلقة بالتصنيع أو الإنتاج، أو المعلومات ذات الطابع التقني أو المالي، فعالم الأعمال له أسراره التي إذا ما تم إفشاؤها يمكن أن تستغل من طرف التجار أو الصناع المنافسين لأصحاب هذه الأسرار قصد الإضرار بهم.
ثانيا: الالتزامات الخاصة بالموكل
يمكن إجمال الالتزامات الخاصة بالموكل في صنفين اثنين، يجب على الموكل توفير وسائل تنفيد الوكالة التجارية (1) وثانيهما أن يؤدي للوكيل أجرته (2).
- التزام الموكل بتمكين الوكيل بسبل انجاز مهمته
يعتبر التزام الموكل بتزويد الوكيل بالوسائل اللازمة لتنفيذ الوكالة أوسع واشمل بالإعلام وهو ما يبرر التنصيص عليهما في نفس المادة، ومنه حتى يتمكن الوكيل من حسن تنفيد مهمته لا يجب أن يكتفي الموكل بالإدلاء إليه بالمعلومات الضرورية لتنفيذ عقد الوكالة وإحاطته علما بالمعلومات المتعلقة بالسلع والخدمات فقط وإنما ينبغي ان يقوم إضافة إلى ذلك بما يلي :
يجب عليه أن يرد للوكيل المصاريف التي أنفقها في تنفيد الوكالة، ومثال ذلك أجور النقل والاتصالات أو التنقلات أو التخزين أو التأمين أو الضرائب وغيرها من المصاريف التي يتعذر تنفيد الوكالة بدونها، على أن تكون هذه المصاريف لازمة ومعقولة دون خطأ. كذلك يلتزم الموكل بتعويض وكيله عما يلحقه من أضرار أو خسائر بسبب تنفيذه لمهمته أو بمناسبتها ما لم تكن هذه الخسائر نتيجة فعله أو خطئه أو من أجل أسباب أخرى بعيدة عن الوكالة[23]. والوكيل لا يستحق استرداد هذه المبالغ من موكله إلا إذا كانت واقعية ومدعمة. بمستندات؛ ويجب أن تكون قد أنفقت في سبيل انجاز المهمة الموكولة إليه من طرف الموكل.
- التزام الموكل بدفع أجرة الوكيل
تعد الأجرة التزاما أساسيا يقع على عاتق الموكل ولذلك فمدونة التجارة كرست للعمولة المواد من 398 إلى 401 من م ت .ولذلك سيتم حديث بالتتابع مبلغ العمولة، والحق في العمولة ثم أداء العمولة.
- تحديد مبلغ العمولة
يعتبر تحديد مبلغ العمولة عنصرا أساسيا في العقد، ويخضع تحديد العمولة للحرية المطلقة للأطراف، فهم أحرار في تحديدها في مبلغ معين أو كنسبة مئوية من قيمة المعاملات التي توسط فيها الوكيل[24]، ومع ذلك لا يعتبر العقد باطلا لعدم تحديد مبلغ العمولة، ففي غياب مثل هذا الاتفاق يتقاضى الوكيل العمولة وفقا لأعراف المهنة،[25] وفي حالة انعدامها يستحق الوكيل أجرا معقولا تحدده المحكمة في حالة وجود نزاع، آخذه بعين الاعتبار مجمل العناصر المفيدة في العملية، من قبيل مبلغ العملية وطبيعة وثمن البضائع والخدمات المبيعة، ورقم المعاملات، وصعوبات ولوج السوق، وحجم المبيعات والخدمات المقدمة من طرف الوكيل.
- مبدأ الحق في العمولة
نص المشرع عن حق الوكيل في الأجرة بمقتضى المادتين 393 و 398 من م.ت، مستبعدا بذلك مسألة مجانية الوكالة؛ وبعد أن أوضح في هذه المادة الأخيرة بأن الأجرة يمكن أن تنصب، كليا أو جزئيا، على عمولة فإنه عرف هذه الأخيرة بأن الأجرة باعتبار وعائها يتكون” من عدد أو قيمة القضايا التي يتولاها الوكيل”؛ وبذلك فالحق في العمولة مرتبط بالعمليات التي ينجزها الوكيل في إطار عقد الوكالة التجارية، ويجب التمييز في هذا الصدد بين العمليات المبرمة خلال سريان العقد وتلك المبرمة بعد انقضاء العقد.
فالنسبة للعمليات التي تتم خلال سريان العقد، يستحق الوكيل التجاري عمولة عنها إذا أبرمها مع شخص ينتمي إلى المنطقة الجغرافية أو إلى مجموعة الأشخاص الذين كلفه الموكل بالتعامل معهم، ولايهم إن لم يتدخل الوكيل في هذه العملية وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي الأوروبي؛ كما لا يهم إن تمت العملية بواسطة وكيل آخر أو من طرف الموكل نفسه.
إضافة إلى الحالة التي يكلف فيها الوكيل بمنطقة جغرافية معينة أو بمجموعة معينة من الأشخاص، له الحق في العمولة كذلك ” عند إبرام العملية بفعل تدخله” ؛ أو عند إبرامها بمساعدة أحد من الأغيار ممن سبق أن حصل سابقا على زبائن لأجل عمليات مماثلة”[26].
ج– كيفية أداء العمولة
نصت المادة 401 من مدونة التجارة في فقرتها الثانية على أجل أداء العمولة حيث ألزمت الموكل بأدائها على الأكثر في اليوم الأخير من الشهر الموالي للأشهر الثلاث التي استحقت فيها، ومعلوم أن الطرفين هما اللذان يحددان في العقد وقت استحقاق العمولة، فقد تكون ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو كل عام، وهناك عقود تنص على أن الوكيل يستحق أجره بمجرد إبرام العقد المكلف به إن كان مفوضا في إبرام العقود أو بمجرد القيام بتسليم المبيع إن كان مفوضا في ذلك العمل[27]، وفي حالة عدم تحديد العقد لوقت استحقاق العمولة، فإنها تستحق بمجرد تنفيد العملية موضوع التوسط من طرف الموكل أو الزبون أو في التاريخ المفترض لتنفيدها تطبيقا للاتفاق الحاصل مع الزبون حسب مقتضيات المادة 401 من م ت.
المطلب الثاني: انقضاء عقد الوكالة التجارية
ينقضي عقد الوكالة التجارية كباقي العقود كباقي العقود الأخرى , وهذه المرحلة تكتسي أهمية كبيرة نظرا لما يخلفه من أثار, وقد حاول المشرع المغربي من خلال تنظيمه للوكالة تكريس حماية هامة لأطرف العلاقة التعاقدية, بحيث لم يعد كافيا توفر الإرادة لإنهاء الوكالة التجارية كما هو مقرر في القواعد العامة, وإنما خول للمتضرر من هذا الإنهاء حق المطالبة بالتعويض إذا ما تضررت مصالحه[28].
وقبل التطرق لقواعد الإنهاء لابد الإشارة للقواعد المتعلقة بمدة العقد, أي أن عقد الوكالة التجارية قد يبرم لمدة محددة كما قد يبرم لمدة غير محددة , فالعقد الذي يكون محدود المدة ويستمر أطرافه في تنفيذه بعد انصرام مدته يصبح عقدا غير محدد المدة [29], كما أن المشرع المغربي لم يميز بين العقد غير محدد المدة من حيث أثر الإنهاء.
وسنحاول في هذا المطلب التطرق لأسباب انقضاء الوكالة التجارية وكذا التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة الانهاء, حيث سنتطرق في الفقرة الأولى لأسباب انقضاء الوكالة التجارية, وفي الفقرة الثانية للتعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة الانهاء.
الفقرة الأولى: أسباب انقضاء الوكالة التجارية
تتعدد أسباب انقضاء الوكالة التجارية , وذلك حسب الفصل 929 من قانون الالتزامات و العقود , حيث حدد سبعة حالات لإنهاء عقد الوكالة التجارية, وسنقوم في ما يلي بالتطرق إليها تباعا:
- موت الموكل أو الوكيل: تنتهي الوكالة التجارية بوفاة الموكل أو الوكيل إذما تعلق الأمر بشخص طبيعي, أما إذا كان شخصا معنويا كشركة مثلا فإنها تنتهي كإطار قانوني ولا يبقى لها وجود ولك حسب الفصل 930 من قانون الالتزامات و العقود, ويلتزم الوكيل في حالة وفاة الموكل بتنفيذ الأعمال التي شرع فيها في حدود ما هو ضروري, وأيضا صيانة مصلحة الموكل إذ لم يكن له وارث متمتع بالأهلية أو لم يوجد له أو لوارثه نائب قانوني[30].
أما بالنسبة للموكل فيلتزم في حالة وفاة الوكيل بمنح تعويض لذووا الحقوق, ولكن يمكن أن يستمر في تنفيذ العقد مع الورثة , وبالتالي يستمر تنفيذ العقد و يتحلل الموكل من التعويض المقرر من الإنهاء[31] .
- عزل الوكيل : للموكل أن يلغي الوكالة متى شاء وهذا سبب من أسباب انقضاء الوكالة التجارية حسب الفصل من 929 قانون الالتزامات و العقود , و بالرجوع للفصل 931 من قانون الالتزامات و العقود نجد المشرع نص على أنه : ” للموكل أن يلغي الوَكالة متى شاء, وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر، بالنسبة إلى المتعاقدين وإلى الغير على حد سواء….”, فإن منح المشرع للموكل إمكانية إنهاء عقد الوكالة التجارية ليست قاعدة مطلقة وإنما أحاط هذه المكنة بجملة من الضمانات ورتب على ممارستها مجموعة من الأثار وذلك حماية من تعسف الموكل, فبعد أن نص على حق الموكل ف إنهاء العلاقة التعاقدية , أكد على ضرورة احترام أجال الإشعار المنصوص عليها في المادة 396 من مدونة التجارة.
- تنازل الوكيل عن الوكالة: يمكن للوكيل التنازل عن الوكالة التجارية بنحض إرادته, وذلك بشرط إخطار الموكل طبقا للمقتضيات العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود , كما يجب على الوكيل أن يتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على مصلحة هذا الأخير إلى أن يتمكن من رعايتها بنفسه[32].
- تنفيذ العملية التي أعطيت من أجلها: فبمجرد تنفيذ العملية التي هيا موضوع عقد الوكالة التجارية وانصرام المدة المحددة لها تنتهي الوكالة التجارية ما لم يستمر الأطراف في تنفيذه لأن المشرع اعتبر العقد الذي يستمر الأطراف في تنفيذه رغم انتهاء مدته عقدا غير محدد المدة .
- وقوع الشرط الفاسخ الذي علقت عليه، أو بفوات الأجل الذي منحت لغايته .
- بحدوث تغيير في حالة الموكل أو الوكيل من شأنه أن يفقده أهلية مباشرة حقوقه، كما هي الحال في الحَجْر والإفلاس[33] , وذلك ما لم ترد الوَكالة على أمور يمكن للوكيل تنفيذها، برغم حدوث هذا التغيير في الحالة.
- استحالة تنفيذ الوَكالة لسبب خارج عن إرادة المتعاقدين.
بالإضافة إلى ذلك تنتهي الوكالة التجارية كذلك في حالة سقوط أهلية أحد الطرفين, حيث تسقط الأهلية عن الوكيل أو الموكل في الحالة التي يرتكب أحدهما افعالا تتنافى مع أعراف التجارة و أخلاقها والتي لا يستقيم معها الائتمان التجاري باعتباره من مقومات العمل التجاري.
الفقرة الثانية: التعويض المستحق للوكيل التجاري في حالة إنهاء العقد
ألزم المشرع المغربي الموكل بمنح تعويض للوكيل في حالة إنهاء العقد من طرف الوكيل , سواء كان هذا العقد محدد المدة أو غير محدد المدة , ويعتبر هذا المبدأ أساسيا نصت عليه مدونة التجارة و نظمته وفق قواعد تهدف إلى حماية الوكيل التجاري بالدرجة الأولى.
تختلف أسباب انتهاء عقد الوكالة التجارية حسب ما إذا كانت إرادية أو غير إرادية , لكن هناك حالات يكون فيها الوكيل التجاري غير مستحقا للتعويض , وهي ثلاث حالات حددت في المادة 402 من مدونة التجارة, وهي كالاتي:
- ارتكاب خطأ جسيم: إن الوكيل التجاري لا يستحق أي تعويض إذا قام بخطأ جسيما يستوجب إنهاء العقد , إلا أن الموكل هو من يتحمل عبء إثبات الخطأ الجسيم , كما أن تقدير مدى جسامة الخطأ تبقى خاضعة للسلطة التقديرية للمحكمة.
وفي أحد القرارات الصادرة عن محكمة الدار البيضاء أعطيت مقاربة وصفية للخطأ الجسيم بالقول بأنه:”….هو الفعل الذي يجعل من غير الممكن الحفاظ على العلاقة العقدية ولو أثناء مهلة الإخطار….”[34]
- التوقف الناجم عن فعل الوكيل التجاري : وهذا المقتضى منصوص عليه أيضا في المادة 402 من مدونة التجارة, ويعتبر الوكيل في حالة التوقف غير مستحقا للتعويض ما لم يكن هذا التوقف مبررا بظروف تنسب إلى الموكلين او عن الاستحالة التي وجد فيها الوكيل التجاري بكيفية معقولة وحالت دون متابعة نشاطه بسبب سنه او عاهة او مرض.
- تفويت الوكيل التجاري حقوقه و التزاماته للغير: إذا قام الوكيل التجاري بتفويت حقوقه و التزاماته للغير فإنه لا يستحق أي تعويض طبقا للمادة 402 من مدونة التجارة , وتكمن هذه الإمكانية أيضا في الحالة التي يتوفى فيها الوكيل التجاري وتنتقل تلك الحقوق والالتزامات لورثته و بالتالي يتخلص الموكل من التعويض كما سبق أن ذكرنا.
فإذا كان الوكيل التجاري لا يستحق التعويض في الحالة السابقة فإنه يستحق التعويض عن الضرر الذي لحق به جراء إنهاء العقد من طرف الموكل, ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها , لأنها جاءت صريحة وجعلها المشرع جوهرية و يكتسيها طابع النظام العام , غير أن الوكيل التجاري يفقد حقه في التعويض إذا لم يوجه إشعار للموكل لإخباره عن نيته في المطالبة بحقه في التعويض داخل أجل سنة من تاريخ إنهاء العقد.
أما بالنسية لمبلغ التعويض فلم يقم المشرع المغربي بتحديد مبلغ التعويض المستحق للوكيل التجاري , وجعل ذلك خاضعا إما لاتفاق الأطراف أو السلطة المحكمة, ويحسب التعويض على أساس العمولة المستحقة وليس العمولة المؤداة إلى الوكيل, فإذا كان الموكل قد احتفظ ببعض العمولة فإنه يجب أخذها بعين الاعتبار من جديد وقت تحديد التعويض.
الخاتمة
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن المشرع المغربي نظم عقد الوكالة التجارية في مدونة التجارة في الكتاب الرابع من القسم الثاني مع بيان خصائصه وطرق تنفيذه وانعقاده ، وعليه يمكن القول أن الوكالة التجارية وكما تبين لنا أنها أصبحت من العقود الهامة في الميدان التجاري، كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي من خلال تنظيمه للوكالة التجارية قام بسد فراغ تشريعي إلا أن الثغرة لا زالت موجودة مادام أن هذا القانون يفتقد إلى الواقعية ، بحيث جاءت المقتضيات ناقصة وضيقة مما يتسبب في وجود الكثير من الثغرات وهذا الأمر طبيعي الأن أحكامه استمدت من أعراف التي كانت سائدة في فرنسا، مما نتج عن ذلك إفراط المشرع في تنظيم عقد الوكالة التجارية من أجل أن تكون مستقلة، الأمر الذي يجعل المشرع المغربي أن يتدخل مرة ثانية من أجل تنظيم هذا العقد بشكل منظم بفعل التطور الذي يعرفه عالم التجارة والأعمال.
[1] بوعبيد العباسي، العقود التجارية ، الطبعة الاولى2014 ، ص 5.
[2] تعد السرعة: صفة لازمة للحياة التجارية، فالتطور الهائل في مجال الإنتاج وطرق التوزيع وتقنيات التسويق وكذا اتساع نطاق الأسواق، واحتدام المنافسة بين التجار على اجتذاب اكبر عدد من الزبناء وعلى بيع اكبر كمية من البضائع وشيوع المضاربة و الوساطة والتداول كل ذلك جعل الاعمال التجارية تتسم بسرعة فائقة وبصفة متكررة في اليوم الواحد.
[3] لمادة 393 من مدونة التجارة بأنه” عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري أخر يلتزم من جهته بأداء أجرة عن ذلك.”
[4] محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 15 ابريل 2008
[5] تنص المادة 79 من مدونة الشغل على أنه :” يعد عقد الشغل كل عقد يكون التمثيل التجاري أو الصناعي محال له، أيا كان الوصف الذي أعطي له، 11 و المبرم بين الوكيل المتجول، أو الممثل، أو الوسيط، مهما كانت صفته، و بين مشغله في الصناعة أو التجارة، سواء نص العقد صراحة على ذلك أم سكت عنه…”
[6] المادة 79 من مدونة الشغل.
[7] عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2004 ص 601.
[8] عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2004 ص 603.
[9] عز الدين الماحي، الوكالة التجارية، مجلة كتابة الضبط، عدد 10، 2002.
[10] رضوان عريف،الوكالة التجارية وخصوصياتها في التشريع المقارن رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة الدار البيضاء، سنة 2005-2006 .
[11] الفصل 39 من ق.ل.ع: يكون قابلا للابطال الرضى الصادر عن غلط ,او الناتج عن تدليس,او المنتزع باكراه.
[12] مغرب القانون، أحكام الوكالة لتجارية في التشريع المغربي، مجلة مغرب القانون، سنة 2019
[13] الفصل 880 من ق.ل.ع: يلزم لصحة الوكالة، أن يكون الموكل أهلا لأن يجري بنفسه التصرف الذي يكون محلا لها. ولا تلزم نفس الأهلية في الوكيل، حيث يكفي فيه أن يكون متمتعا بالتمييز وبقواه العقلية، ولو لم تكن له صلاحية إجراء التصرف في حق نفسه. فيسوغ للشخص أن يجري باسم الغير ما لا يستطيع أن يجريه بالأصالة عن نفسه.
[14] المادة 393 من م.ت: الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل ، بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات ، وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري آخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك.
يمكن للوكيل التجاري أن يمثل عدة موكلين دون أن يلزم بموافقة أي منهم. غير أنه لا يجوز له أن يمثل عدة مقاولات متنافسة.
لا يمكن للموكل أن يلتزم للوكيل التجاري بضمان حماية مطلقة للزبائن المعهود بهم إليه ضد المنافسة السلبية لباقي وكلائه التجاريين.
[15] فصل 881 ق.ل.ع: تبطل الوكالة:
أ – إذا كان محلها مستحيلا أو مبهما إبهاما فاحشاء
ب – إذا كان محلها أعمالا مخالفة للنظام العام أو للأخلاق الحميدة أو للقوانين المدنية أو الدينية.
[16] طلبة ماستر المقاولة والقانون،الوكالة التجاريـة في ضوء الفقه والقضاء، مجلة القانون والأعمال الدولية، سنة 2014
[17] المادة 334 من م.ت: تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات. غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك.
[18] المادة 397 من م.ت: يثبت عقد الوكالة التجارية ، وعند الاقتضاء ، تعديلاته بالكتابة.
[19] كوثار شوقي، الطبيعة القانونية لعقد الوكالة التجارية في التشريع المغربي، مقال منشور
chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://kms.uac-org.org/content/uploads/InvestmentSub/170701100608710~%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A.pdf
[20] بوعبيد العباسي، العقود التجارية، دراسة تحليلية وفق القانون المغربي و المقارن معززة بأهم الاحكام والقرارات القضائية الصادرة في الموضوع، ط الأولى مطبعة الوراقة الوطنية مراكش 2013، ص : 202.
بوعبيد العباسي، مرجع نفسه، ص 203.[21]
بوعبيد العباسي، العقود التجارية، م س، ص 209. [22]
[23] هذه الالتزامات منصوص عليها في الفصل 914 من ق.ل. : “على الموكل :
أولا : أن يدفع للوكيل ما اضطر إلى تسبقيه من ماله وإلى إنفاقه من المصروفات من أجل تنفيد الوكالة، في حدود ما كان لازما لهذا الغرض، وأن يدفع له أجره عندما يكون مستحقا، أيا ما كانت نتيجة المعاملة، مالم يكن هناك فعل أو خطأ يعزى إليه؛
ثانيا : تخليص الوكيل من الالتزامات التي اضطر إلى التعاقد عليها نتيجة تنفيده لمهمته أو بمناسبتها. وهو لا يسأل عن الالتزامات التي يتحمل بها الوكيل ولا عن الخسائر التي تلحقه نتيجة فعله أو خطاه أو من أجل أسباب أخرى بعيدة عن الوكالة.
[24] محمد كرام، العقود التجارية في القانون المغربي، ط 2021، ص 42.
[25] بوعبيد العباسي، العقود التجارية، م س ، ص 213.
[26] بوعبيد العباسي، العقود التجارية، م س، ص 215.
[27] محمد كرام، العقود التجارية في القانون المغربي، م س ، ص 47.
[28]أنظر المادة 402 من مدونة التجارة.
[29] أنظر المادة 396 من مدونة التجارة.
[30] أنظر المادة 940 من قانون الالتزامات والعقود.
[31] بوعبيد عباسي, الوكالة التجارية, مقال منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد و القانون المقارن, العدد38, 2002,ص162.
[32] أنظر المادة 935 من قانون الالتزامات والعقود.
[33] انظر الهامش المتضمن في الفصل 116 من قانون الالتزامات و العقود حول مساطر معالجة صعوبة المقاولة التي عوضت نظام الإفلاس.
[34] قرار اجتماعي رقم 302 ملف عدد 81/673 بتاريخ 7/3/1983, أورده ميمون الوكيلي, المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل, الجزء الأول ,2009, ص120.
تعليقات فيسبوك