إعداد: أيوب الطاهيري
يعتبر الضمان الاجتماعي حقا من حقوق الانسان بحيث ظل يحتل مكانة رئيسية في اهتمامات كافة المجتمعات المعاصرة التي عملت على تأطيره بنظام يحدد الأشخاص المستفيدين منه وشروط هذه الاستفادة ، كما تعد التبعية القانونية هي التي تميز عقد الشغل، فعقد خدمة الفئة المستبعدة من الحماية الاجتماعية يعد عقد شغل متوفر على جميع أركانه إلا أنه لا يستفيد من أحكام المدونة، رغم وجود التبعية، بل نجد هناك التبعية الاقتصادية والتي تعني اعتماد العاملة المنزلية في عيشها على الأجر الذي تتقضاه من رب العمل، وأن هذا الاجر هو المصدر الوحيد لها. وعليه نستشف أن التبعية القانونية مقترنة بالتبعية الاقتصادية، كما أنه نجد أن المادة 4 من مدونة الشغل حددت قانون خاص يحدد شروط التشغيل المتعلقة بخدم البيوت التي تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت، بحيث يعتبر الضمان الاجتماعي اليوم مطلبا اجتماعيا إنسانيا حقوقيا، تسعى الدول إلى توفيره لمواطنيها، بحيث حضي هذا النظام بمكانة دولية مهمة بهدف استفادة أكبر عدد من المواطنين من هذا القانون، بحيث نجد أن المادة 4 من الاتفاقية العمل الدولية رقم 177 بشأن العمل المنزلي، التي نصت على ضرورة تعزيز المساواة بين الأجراء المشتغلون في المنازل وباقي الأجراء عن طريق توفير الحماية القانونية في مجال الضمان الاجتماعي. وعلى هذا الأساس قد بادر المشرع المغربي بإصدار القانون رقم 19.12 الذي حدد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين، وذلك استجابة لكل المواثق الدولية الرامية إلى حفظ حقوق وكرامة الإنسان، وتوفير العمل اللائق بهم. والذي كان من المتوقع أن يسد ثغرة كبيرة. إلا أن الثغرة لازلت موجودة مادام أن هذا القانون يفتقد الواقعية، بحيث نجد من بين شروطه الجوهرية هو اشتراطه على ضرورة توفر على عقد مكتوب بين العاملة المنزلية والمشغل. إن لهذا الموضوع أهمية بالغة وتكمن في أهمية النظرية من خلال تنظيم المشرع المغربي لهذه الفئة العاملة بالمنازل من خلال القانون 19.12 الذي جاء تفعيلا للمادة 4 من مدونة الشغل والذي جاء بمجموعة من الأهداف والشروط، وكذا قانون الضمان الاجتماعي من اجل توفير حماية لازمة لهذه الفئة. كما نجد أهمية عملية من خلال تطبيق هذه القوانين على الأرض الواقع. وتمكين العمال من حقوقهم الاجتماعية وضمان لهم عيش كريم .
ومن خلال ما سبق نطرح إشكالية التالية مفادها: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي توفير الحماية اللازمة للعاملات المنزليات من خلال استفادتهم من نظام الضمان الاجتماعي ؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤلات الفرعية :
- ما مدى استفادة العاملات المنزليات من نظام الضمان الاجتماعي؟
- كيف يمكن تمديد نظام الضمان الاجتماعي على العاملات المنزليات؟
ومن خلال هذه الإشكالية سوف نعتمد على التصميم الاتي الذي سوف اعالج فيه هذا الموضوع من زاويتين.
- أولا: استفادة العاملات المنزليات من نظام الضمان الاجتماعي
- ثانيا: ضرورة تمديد نظام الضمان الاجتماعي على العاملات المنزليات
أولا: استفادة العاملات المنزليات من نظام الضمان الاجتماعي.
مما لا شك فيه أن الضمان الاجتماعي يعد اليوم مطلبا اجتماعيا وحقوقيا، تسعى الدول توفيره لمواطنيها، فارتباط أهداف هذا القانون بصميم الواقع الاجتماعي، يوجب على التشريعات الاجتماعية، ليس فقط وقوفها عند حد وضع الإطار العام للعلاقات التأمينية، أو وضع مجرد القواعد والمبادئ العامة. بل أن تتعدى ذلك إلى وضع التفاصيل الدقيقة الخاصة بالحالات الواقعية، وتفريد الأحكام التي تتوافق معها، من أجل تحقيق حماية اجتماعية للمستفيدين من هذا النظام، ضد أي خطر من الأخطار الاجتماعية التي تهدده بالفقر والحاجة، كالمرض و العجز والشيخوخة وغيرها، إذ نجد أن الفصل الثاني من نظام الضمان الاجتماعي ينص[1] على أنه يخضع العمال المنازل إجباريا لهذا القانون، إلا أنه يشترط لتطبيق هذا الفصل صدور مرسوم يحدد كيفية تطبيقه من أجل حماية اجتماعية تكفل لهم سبل الحياة، خصوصا أنها فئة هشة تنشأ في أوساط فقيرة وتتجه إلى العمل في القطاع غير المنظم، كما يجب أن يستفيدون من التعويضات المالية عند عدم قدرتهم على توفير كفايتهم نظرا لإصابتهم بالأمراض أو حوادث أوعجز أو شيخوخة، كما نجد أن القانون 19.12[2] الذي جاء من أجل تحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعملات والعمال المنزليين الذي نص على أن العاملة المنزلية هي التي تقوم بصفة دائمة واعتيادية، مقابل اجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة. وعليه ومن خلال هذا المنطلق نستشف أن العمل المنزلي هو العمل المنجز لدى أسرة أو عدة أسر، مقابل اجر، ويتم ذلك بمقتضى عقد عمل مكتوب محدد أو غير محدد المدة، إذ نجد أن الواقع المزري لهذه الفئة الشغيلة أثبت أنه من اللازم إخضاع هذه الفئة لهذا القانون، وعليه فإنه بالرغم من هذا القانون فإنه لم يأتي بجدية فيما يخص خضوع المستفيدين من نظام الضمان الاجتماعي، ومن ثم فإن العاملات المنزليات في بعض الأحيان يلجؤون إلى القطاع غير منظم وذلك نتيجة ظروف العيش والفقر، كما أن استفادة العمال المنزليين من نظام الضمان الاجتماعي، موقوفة على ضرورة تطبيق مقتضيات قانون الشغل في بعض بنوده، ومنها على الخصوص مدة الشغل والعطلة السنوية والراحة الأسبوعية وغيرها، إلا أن إقصاء مدونة الشغل للعمال المنزليين، وإحالتهم على قانون خاص بهم قد ساهم في تأخير استفادتهم، ولا ندري كم يلزم من الوقت لرفع التهميش والظلم الاجتماعي الذي يطال العاملات المنزليات والعمال المنزليين بصفة عامة، بسبب النظرة الدونية للعمل الجين يقومون به وتقزيم دوره داخل المنظومة الاقتصادية المجتمعية، إذ نجد أن هذه الفئة تتوفر فيها كل الشروط الاستفادة من أداء العمل مقابل اجر وتحت تبعية مشغل، فعوض أقصائها بهذا الشكل كتن من الأولى إعطائها أهمية، واتخاد أنجع السبل التي تمكنها من الاستفادة من نظام الضمان الاجتماعي[3]. وما يمكننا قوله بهذا الخصوص أن قانون الضمان الاجتماعي سوف يظل ناقصا وعديم المفعول ما لم يتسع نطاق تطبيقه الاستيعاب العمل المنزلي، ليس فقط في نص القانون وإنما في الواقع العملي من أجل تعميم هذه الاستفادة.
ثانيا: ضرورة تمديد نظام الضمان الاجتماعي على العاملات المنزليات
عرف المكتب الدولي للشغل، الضمان الاجتماعي بأنه الضمان الذي يؤمنه المجتمع عن طريق تنظيم مناسب ضد بعض المخاطر التي يتعرض لها الأفراد، ويعتبر العمال المنزليون من أولى الفئات التي يجب على المجتمع والمشرع الحرص على استفادتها من نظام الضمان الاجتماعي، نظرا للوضعية الهشة التي تعيشها هذه الفئة، فالعمل المنزلي هو من أقدم الممارسات البشرية عبر التاريخ. إلا أن ثقافة السخرة ضلتا حاضرتين في السلوكيات المرتبطة بالخدمة المنزلية، لهذا فإن العاملة المنزلية أولى الفئات التي من المفروض أن تتمتع بحماية اجتماعية على أقل تضمن لها حياة كريمة وتضمن لها مجموعة من الضمانات، وما يحز في النفس أن هذه الفئة تتصف دائما بالتهميش كما نجد أن النص القانوني بعيد كل البعد عن الواقع العملي، كما أن هذه الفئة تعرف إقصاء من الحماية الاجتماعية التي يمنحها قانون الضمان الاجتماعي وهذا ناتج على أن بعض العاملات يشتغلن في القطاع غير المنظم، ومن هذا المنطلق نستشف أن الظروف هي التي تحتم عليهم ذلك في العمل بالمنازل من أجل لقمة العيش، إذ نجدهم تارة يشتغلون بصفة دائمة وتارة بصفة متقطعة وهذا ما يجعل العقد شفوي نتيجة عدم استقرار طبيعة هذا النشاط، وعليه فإن هذا العمل يبقى خارج الإطار التنظيمي، ولا يخضع إلا لإرادة الأطراف، بحيث نجد أن العاملة المنزلية تخضع للشروط التي يمليها عليها المشغل أو صاحب البيت، وبالرغم من وجود القانون 19.12 الذي جاء من أجل حماية حقوقهم وتنظيم العلاقة الشغلية، وبهذا الأساس يثور اشكال هل هذا القانون استطاع فرض تطبيقاته داخل المجتمع المتشبع بعقليات وموروث ثقافي تصوري عن علاقة الخدمة المنزلية، التي تتسم بدونية والتحقير وهذا كله ساهم في عدم توسيع نطاق الحقوق الأساسية والحماية الاجتماعية. فمفهوم الحماية الاجتماعية يشمل جميع الأجراء والعاملين، سواء كانوا في إطار علاقات شغل رسمية أو غير رسمية ، فالهدف من هذا كله هو توفير الحماية وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما نجد من قصور هذا القانون أنه وضع في بيئة غير بيئته باعتماده على معايير دولية، فمثلا نجد أن التشريع الفرنسي قد خول للعمال بالمنازل مجموعة من الضمانات، وأصبح عمال المنازل يستفيدون من التأمين الاجتماعي عن حوادث الشغل والأمراض المهنية بحيث اعتبر التشريع الفرنسي العاملات والعمال المنزليين هم كل الأجراء المشغلين عند الخواص في أعمال منزلية [4]. كما نستشف أن الثقافة الاجتماعية السائدة في فرنسا ليس هي ثقافة السائدة في المغرب، وهذا ما نجده في مجتمعنا أي اختلاف الثقافات، كما نلاحظ أن الأجانب المقيمين بالمغرب والذين يشغلون العمال المنزليين والعاملات المنزليات يصرحون بهم لدى الصندوق الوطني لدى الضمان الاجتماعي. عكس المغاربة بحيث نجد معظمهم لا يصرحون بهذه الفئة. وهنا يبقى إشكال مطروح بخصوص هذه الفئة، ومن ثم فإنه نجد على أنه يجب تعميم الحماية الاجتماعية للعاملات المنزليات الانه غالبا ما يتعرضن للمهام الصعبة على أقل هذه الحماية تضمن لهم العيش الكريم، كما نجد في بعض الأحيان أن ظروف العيش في بعض الأحيان تحتم عليهم الاشتغال بدون حماية الاجتماعية ولا يفكرون في حقوقهم، يفكرون فقط في لقمة العيش.
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن هذه الدراسة التحليلية لوحدها غير كافية لمعالجة هذا الموضوع نظرا لارتباطه ليس فقط بالجانب القانوني وإنما أيضا علاقته الوطيدة بالجانب الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي ذات البعد الواقعي الذي يحدث داخل المجتمع، لأنه أولا يجب معرفة الواقع الذي تعيشه هذه العاملة المنزلية الذي يجب أن يكون مبني على دراسات علمية واقعية، وأبحاث ميدانية حتى نتمكن من معرفة القاعدة القانونية التي تتناسب لهذه الفئة، والتي يمكن تنفيذها على أرض الواقع. إذ لا فائدة من قاعدة قانونية لا تحاكي الواقع المعيش ولا تعبر عنه، ولا تستطيع فرض احترامها من طرف المخاطبين لها كقاعدة ملزمة مطبقة واقعيا. فالهدف الأول لكل قاعدة قانونية يبقى هو ضمان قوتها التنفيذية. كما يجب على العاملة المنزلية أن تكون على وعي تام بحقوقها وأنا عملها يجب أن يكون عن طريق عقد عمل مبرم بينها وبين المشغل من أجل ضمان لها حماية اجتماعية وتحديد ساعات العمل وبيان حقوقها وواجباتها من أجل أن يكون هذا العقد دليل إثبات في حالة وقوع مشكل وأن يتم تصريح بها لدى الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي كما يمكن اثبات عقد الشغل المرتبط بالعاملة المنزلية بجميع وسائل الاثبات وهذ ما أكدته المادة 9 من قانون 19.12 [5]، كما تجدر الإشارة على أن العمل المرتبط بالعمال المنزليين له طبيعة خاصة والتي تربط العاملة المنزلية بصاحب البيت و الذي ينتج عنه تكوين روابط قوية بين الطرفين وكذلك طبيعة العلاقة التي تربط العاملة بالمشغل، التي لا تشترط وجود تبعية قانونية ولا تفرض على هذه العاملة العمل تحت نظير المشغل بمنزله وهذا يجعل من المرغوب فيه استكمال معايير الحماية، ومن ثم فإنه بالرغم من كل الموانع التي تحول دون تمديد نظام الضمان الاجتماعي إلى العاملات المنزليات، فإنه لا ينبغي اعتبار ذلك موانع أبدية لا يمكن تجاوزها، إنما يمكن اعتبارها عراقيل يمكن التغلب عليها بتمديد التغطية الاجتماعية للضمان الاجتماعي، كما يمكن التغلب على هذه الموانع بالدراسات العملية والتقنية عن طريق إيجاد أنجع السبل لتزويد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالموارد المالية اللازمة، ومن ثم فإنه من الضرورة الاعتماد على مساهمة الدولة أو فرض ضرائب خاصة كما جري به العمل في كل من فرنسا، هولندا، بلجيكا…. وحتى يتم تمديد نظام الضمان الاجتماعي إلى مختلف الفئات المحتاجة إلى حمايته.
لائحة المراجع
. الكتب
. صفاء الخشاني، النظام القانوني للشغل بالمنازل، الطبعة 2021
. رشيدة أحفوض، القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال
المنزليين والفئاة المستثناة من مدونة الشغل.
. القوانين
. القانون 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل العاملات والعمال المنزليين
. مدونة الشغل
. قانون الضمان الاجتماعي
. قرارات قضائية
قرار محكمة النقض رقم 77 الصادر بتاريخ 31 يناير 2023 في الملف عدد 1555/ 5/1/ 2022.
[1] ينص الفص الثاني من قانون الضمان الاجتماعي على أنه يجري وجوبا على من يأتي :
العاملات أو العمال المنزليين.
[2] تنص المادة الأولى من هذا القانون العاملة أو العامل المنزلي هو الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية، مقابل أجر ، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة 2 من هجا القانون، سواء عند مشغل واحد أو أكثر.لا تعتبر عاملة أو عاملا منزليا العامل والعاملة الذي يتم وضعه رهن إشارة المشغل من قبل مقاولة التشغيل المؤقت.
[3] صفاء الخشاني ، النظام القانوني للشغل في المنازل بالمغرب، الطبعة الأولى 2021.ص 355.
عرف المغرب أول نظام للضمان الاجتماعي بصدور ظهير 1959 الذي تم تعديله بموجب ظهير 1972 والذي عدل أيضا سنة 2004 وقد استهدف هذا القانون ضمان مجموعة من المخاطر وهذه المخاطر هي: التأمين على المرض أو الحادث، التأمين على الولادة ، الإعانة الممنوحة عن الوفاة، التعويض عن العجز أو راتب الزمانة أو الشيخوخة.
[4] المادة 1.772 من مدونة الشغل الفرنسية.
[5] قرار صادر عن محكمة النقض رقم 77 الصادر بالتاريخ 31 يناير 2023 في للملف الاجتماعي رقم 1555/2022 منشور بموقع محكمة النقض جاء في حيثياته أنه تم فصل عاملة منزلية بصفة تعسفية وثم فيه إثبات علاقة الشغل بإقرار الطاعن بهذه العلاقة وثم الحكم للمطلوبة أي العاملة المنزلية بالتعويضات المستحقة.
تعليقات فيسبوك