إعداد : ابراهيم الزائر
التاجر سواء كان شخصا ذاتيا أو شخصا اعتباريا فإنه يبرم العديد من العقود سواء مع الأشخاص الذين يستعين بهم كالعمال والوسطاء و مقدمي الخدمات أو مع الموردين أو مع الزبون ….
ومنه فإن التاجر يمكن أن يبرم ثلاث أنواع من العقود والتي يمكن تصنيفها إلى، عقود لا علاقة لها بنشاطه التجاري، وأخرى يبرمها مع تاجر أو تجار اخرين بمناسبة نشاطه التجاري، وعقود يبرمها مع الزبون غير التاجر. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك عقودا تجارية بذاتها وإنما ترتبط بطبيعة موضوع العقد أو بصفة المتعاقد، وإن كانت بعض التشريعات قد حسمت في بعض العقود واعتبرتها تجارية بغض النظر عن صفة المتعاقد كما فعل المشرع المغربي في الكتاب الرابع من مدونة التجارة مع عقد السمسرة، وعقد النقل، والعقود البنكية .
ونظرا لأهمية العقود التجارية في تنمية الاقتصاد فإنها تخضع للعديد من الضوابط، بداية بإبرامها ثم تنفيذها إلى غاية انقضائها.
هذا ما يدفعنا نحو طرح الإشكال التالي :
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي سواء من خلال النصوص التشريعية أو الاجتهادات القضائية في تأطير العقود التجارية بشكل يواكب تطور المعاملات التجارية ؟
سنتناول الإجابة عن هذا الإشكال عبر زاويتين :
أولا : ضوابط العقود التجارية عند إبرامها
ثانيا : ضوابط العقود التجارية بعد تنفيذها
ضوابط العقود التجارية عند إبرامها
تخضع العقود التجارية لمبادئ المادة التجارية المتمثلة في الثقة والسرعة و الائتمان في الالتزامات التجارية، ولها ضوابط يجب احترامها عند مرحلة إبرامها . كما تنقسم إلى بين التي تتطلب فقط توفر عنصر الرضا بين الأطراف، وأخرى تتطلب ضرورة التقيد بشكل معين بقوة القانون .
والأصل أنه بمجرد الإعلان عن الإيجاب والقبول يتم ابرام العقد دون فرض شكل معين من أجل صحة انعقاده، كما هو الحال بالنسبة للعقود التجارية منذ أواسط القرن 15 إلى حين منتصف القرن 20 حيث تراجعت حرية الإرادة بشكل ملحوظ أمام التدخلات التشريعية من أجل حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية ومثال ذلك أن المشرع المغربي أوجب بمقتضى الفصلين 81 و 82 من مدونة التجارة تحرير عقد بيع الأصل التجاري، وتضمينه مجموعة من البيانات تحت طائلة البطلان .[1]
لا تختلف العقود التجارية عن العقود المدنية فيما يتعلق بالأحكام الخاصة بالعقد وانعقاده وتنفيذه و انقضائه، فهي تخضع للأحكام المقررة للعقد في قانون الالتزامات والعقود و هو ما نصت عليه صراحة المادة 2 من مدونة التجارة حينما حددت مصادر القانون التجاري، لكن خلافا للمعاملات المدنية التي خاصيتها الثبات والاستقرار والبطء، تتميز المعاملات التجارية من حيث إنجازها وتنفيذها بالسرعة و الهدف يرجع إلى عدم تضييع فرصة الربح التي لا تحتمل الانتظار، إلى جانب مبدأ الائتمان الذي يضمن للتاجر الحصول على حقه .
ساهم اعتماد مبدأ السرعة إلى ظهور أحكام خاصة كرستها مدونة التجارة من بينها تقرير حرية الإثبات والتشدد في نظام الميسرة حيث يمكن للأطراف في العقد التجاري إثبات الالتزام بكل الوسائل الممكنة، حيث نصت المادة 448 من ق ل ع على أنه
” استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها “
كما تنص المادة 334 من مدونة التجارة على أنه ” تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات، غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك ” [2]
وقد نص المشرع المغربي على هذا الأصل بالنسبة للالتزامات المدنية في م 128 من ق ل ع الذي جاء فيه ما يلي ” لا يسوغ للقاضي أن يمنح اجلا أو أن ينظر إلى ميسرة مالم يمنح هذا الحق بمقتضى الاتفاق أو القانون و اذا كان الأجل محددا بمقتضى الاتفاق والقانون لم يسع للقاضي أن يمدده، ما لم يسمح القانون بذلك ” وجاء استثناء لهذه القاعدة بمقتضى الفصل 243 من ق ل ع الذي جاء فيه أنه يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين أن يمدحوه اجالا معتدلة للوفاء. [3]
غير أن هذا لا يمكن تطبيقه في المادة التجارية إلا بشكل استثنائي ، على اعتبار أنه يتنافى مع طبيعة الالتزامات التجارية التي تقوم على السرعة لأن من شأن إعطاء مهلة للمدين من أجل الوفاء الحاق الضرر بالدائن الذي يعتمد في مزاولة نشاطه على استيفاء حقوقه في مواعيدها .
و يظهر التشدد في مهلة الوفاء أيضا في تنفيذ الالتزام التجاري في ترتيب جزاء التصفية القضائية ضد كل تاجر توقف عن دفع ديونه الحالة و المستحقة بشكل لا رجعة فيه عملا بمقتضيات المادتين 545 و 651من مدونة التجارة . و مع ذلك فقد أجاز المشرع المغربي للتاجر الذي لا يتوقف عن دفع ديونه بشكل لا رجعة فيه او عندما يعاني من صعوبات دون أن تصل إلى درجة التوقف عن الدفع ، الاستفادة من مسطرتي الإنقاذ و التسوية القضائية عمال بمقتضيات المادتين 560 و 575 من مدونة التجارة. [4]
من أجل دعم الثقة و الائتمان اللذان يطبعان المعاملات التجارية، وأيضا من أجل تمكين الدائنين من استخلاص ديونهم التجارية في تاريخ استحقاقها وضع المشرع لفائدتهم ضمانة أساسية تكمن في قاعدة افتراض تضامن المدينين بديون ناشئة عن عقود تجارية وذلك بمقتضى المادة 335 من م ت التي جاء فيها ما يلي : ” يفترض التضامن في الالتزامات التجارية ” وبناء على هذا المبدأ يحق للدائن مطالبة أيا كان من المدينين في عملية مشتركة بينهم بكل الدين لا بنصيب حصته فيه، و يمكن أيضا أن يطالبهم به منفردين كانوا ام مجتمعين.[5]
ضوابط العقود التجارية بعد تنفيذها
تخضع العقود التجارية للعديد من الضوابط الأخرى على مستوى انقضائها من خلال تنفيذ الالتزام أو عدم تنفيذه، وأيضا على مستوى التقادم فإن التقادم في المادة التجارية يتميز بخاصية مهمة تتمثل في تقصير اجال التقادم و أيضا على مستوى الاختصاص القضائي.
قد تنتهي العقود التجارية بوفاة أحد الطرفين كما هو الحال بالنسبة لعقد الوكالة التجارية متى تعلق الأمر بشخص ذاتي وايضا في الحالة التي ينتهي فيها الشخص الاعتبار.[6]
و المتعارف عليه أن العقود التجارية تقوم على السرعة و الثقة و الائتمان فمن الطبيعي أن يكون أجل التقادم ملائما لهذه المبادئ، وعليه فإن أجل التقادم في المادة التجارية يحدد في خمس سنوات كحد أقصى بينما خص المشرع بعض الالتزامات بمدة اقل كما هو الحال بالنسبة للالتزامات الناشئة عن الأوراق التجارية والتي تتقادم إما بمرور ستة أشهر أو سنة أو ثلاث سنوات في بعض الحالات
وعملا بما تفتضيه هذه المبادئ في المادة التجارية فإن الفصل في المنازعات التجارية يتطلب أن يكون على وجه السرعة وخلال اجال قصيرة طبقا لإجراءات خاصة تتميز بالمرونة وعدم التعقيد ، و بناء على ذلك أحدث المشرع المغربي سنة 1997 جهازا قضائيا مستقلا من القضاء المدني يعنى بالنزاعات التجارية بموجب القانون 53.95 المحدث للمحاكم التجارية.
ومنه فإن هذه المحاكم مختصة في العديد من القضايا المذكورة على سبيل الحصر في هذا القانون وبالتالي فإن النزاعات المتعلقة بالعقود التجارية يعهد فيها الاختصاص إلى المحاكم التجارية متى كان طرفي النزاع تجارا أما الحالة التي يكون فيها أحد الأطراف مدنيا فإن لهذا الأخير إمكانية ولوج الطريق المدني للمطالبة بحقوقه في مواجهة التاجر باعتباره طرفا ضعيفا في العقد وهذا ما نستشفه من قانون حماية المستهلك الذي كان واضحا بالنسبة لهذه النقطة .
[1] بوعبيد عباسي، العقود التجارية، الطبعة الأولى 2013 ص، 13
[2] نورة غزلان الشنيوي، الوسيط في العقود الخاصة، العقود المدنية ، التجارية، البنكية، الجزء الأول، ط الأولى 2017 ، ص 313
[3] بوعبيد عباسي مرجع سابق ص 19
[4] محمد كرام، العقود التجارية في القانون المغربي ط 2021 ص 18
[5] بوعبيد عباسي م س ص 18
[6] محمد المقريني العقود التجارية ط 2021
تعليقات فيسبوك