جريمة غسيل الأموال في التشريع المغربي

5
(2)

أشرف حامل الدين

مقدمة

     تتعدد جرائم الأموال التي تهدف إلى التلاعب بالمال حيث تشمل العديد من الأنشطة غير المشروعة التي تهدف إلى الحصول على أرباح غير قانونية أو التلاعب بالنظام المالي لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين. وتشمل بعض جرائم الأموال عمليات التلاعب بالأسواق المالية و الاحتيال المالي و الرشوة والفساد وايضا جريمة غسيل الأموال التي تقوم على تحويل الأموال المكتسبة من أنشطة غير مشروعة والتي تأخذ في الغالب إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر سواء في الاتفاقية الدولية المكافحة جريمة غسيل الأموال أو من خلال الفصل الثاني من القانون رقم 12.18 المتعلق بمكافحة جريمة غسيل الأموال والتي تعد الركن المفترض لجريمة غسل الأموال حيث يقوم المجرمون بعملية غسيل الأموال للتستر على مصدر الأموال وتجنب الكشف عن هويتهم ونشاطاتهم غير القانونية.

كما أنها تعتبر ظاهرة خطيرة ذات آثار سلبية ضارة تؤدي إلى اضطراب الأسواق وعدم الاستقرار وتذمر الاقتصاد وتعوق الاستثمار.[1]

 وتاريخيا فان غسيل الأموال هو ممارسة تقريباً قديمة كالزمن نفسه. منذ العام 2000 قبل الميلاد، كان التجار الصينيون الأثرياء ينقلون أرباحهم خارج الصين، نظراً لعدم دعم الحكومة للتجارة التجارية. ثم يستثمرون أموالهم المهربة في مشاريع أخرى، وهي تقنية ما زالت مستخدمة حتى اليوم.  وفي الولايات المتحدة الأمريكية انتشر غسيل الأموال في العشرينات من القرن الماضي خلال فترة الحظر. حيث تم تجريم الكحول في الولايات المتحدة، وظهر سوقٌ أسودٌ مربح للغاية لملء الفجوة في مجال الكحول. ازدهرت الجريمة المنظمة مع ارتفاع الطلب على الكحول.

يُشاع أن مصطلح “غسيل الأموال” نشأ من كابون، الذي كان زعيماً رئيسياً للمافيا في شيكاغو حيث أسس مغاسل ملابس عبر المدينة لإخفاء أصل الأموال المكتسبة من مبيعات الكحول. فكل أرباح غير قانونية سيتم إضافتها ببساطة إلى الإيرادات الناتجة عن مغاسل الملابس وبالتالي يتم إعادة إدخالها في النظام المالي.

يعتبر جريمة؛ كان التهرب الضريبي هو الجريمة الأكثر خطورة، وهو ما تم إرسال آل كابون فعلاً إلى السجن بسببه. مع تقدم القرن العشرين، أثبت تجارة المخدرات أنها واحدة من أكبر مصادر غسيل الأموال.

ومع نهاية الثمانينات نظمت الجهود الدولية في محاولة منها لإيجاد إطار قانوني و مؤسساتي لمكافحة عملية غسيل الأموال و الحد منها وهو ما نتج عنه إبرام و توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية تحت إشراف أكبر المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة التي أبرمت في إطارها أول اتفاقية عالمية عنيت بمكافحة غسيل الأموال و هي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية عام 1988 المعروفة باسم اتفاقية فيينا ط، التي دعت الدول إلى تجريم ظاهرة غسل الأموال و النص على عقابها.[2]

وعلى هذا الأساس و تنفيذا لهذا الالتزام الدولي عمدت العديد من الدول إلى إصدار تشريعات خاصة بمكافحة نشاطات غسل الأموال أو إلى تعديل تشريعاتها القائمة بهدف استيعاب هذه الظاهرة وهكذا برزت قناعة المشرع المغربي بضرورة الحاجة إلى إيجاد استراتيجية لمواجهة هذه الجريمة فاصدر قانون خاص بالوقاية من جريمة غسل الأموال و عدل الكثير من مواد القانون الجنائي وذلك في إطار المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الأموال .

وعليه قد أصدر المشرع المغربي قانونا لمكافحة غسل الأموال وذلك بمقتضى القانون رقم 43.05 بتاريخ 17 أبريل 2007  كما تعرض للعديد من التعديلات بموجب القانون رقم 13.10 سنة 2011 والقانون رقم 145.12  سنة 2013  والقانون 19.14  سنة 2016    والقانون  12.18 سنة 2012.

كما تجدر الإشارة إلى أن عمليات غسيل الأموال اضحت تقوم على آليات حديثة أكتر تطورا اعتمادا على التطور الهائل الذي أصبحت تزخر به تكنولوجيا المعلومات كما أنها فرصة تدعو إلى ضرورة الاهتمام  بما أصبحت توفره تكنولوجيا المعلومات وخاصة التورة التي  أحدثها الذكاء الاصطناعي حاليا.

يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة نظرا لما تخلفه هذه الجريمة من آثار سلبية  تعصف بالاقتصاد الوطني للدولة وايضا في صعوبة مواكبة و رصد وضبط عمليات غسيل الأموال في ضل الآليات الأكثر تعقيدا وتطويرا حاليا  العابرة للحدود .

هذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكالية التالية :

  ماهي اهم الجهود التي يبدلها المشرع المغربي في مواجهة  جريمة غسيل الأموال ؟

وتتفرغ عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية :

  • ما المقصود بجريمة غسيل الأموال و اهم خصوصياتها ؟
  • ماهي أركان ومراحل ارتكاب جريمة غسيل الأموال
  • ما اهم الآليات المتطورة المستعملة في غسيل الأموال وسبل مكافحتها
  • ماهي أهم الاضرار التي تخلفها جريمة غسيل الأموال الآثار المترتبة عن قيام المسؤولية الجنائية عنها

سأحاول الإجابة عن هذا الاشكال من خلال التقسيم التالي :

المحور الأول : ماهية جريمة غسيل الأموال و أهم الجهود  المبذولة من أجل مواكبتها و مكافحتها

المحور الثاني : خصوصيات جريمة غسيل الأموال و الآثار المترتبة عن قيام المسؤولية الجنائية تجاهها

ماهية جريمة غسيل الأموال و أهم الجهود  المبذولة من أجل مواكبتها و مكافحتها

سأتناول في هذا المحور الحديث عن أهم التعريفات الفقهية و التشريعية لظاهرة غسيل الأموال والأركان المكونة لهذه الجريمة بالإضافة إلى  أهم الجهود الدولية المبذولة لمكافحتها وأهم الآليات الحديث التي أصبحت تعتمد في غسل الموال وايضا أهمية الذكاء الاصطناعي في ضبط ورصد كل العمليات المشبوهة.

المطلب الأول: مفهوم و أركان جريمة غسيل الأموال

 الفقرة الاولى : أهم التعريفات والمفاهيم المستخدمة

     تعتبر عملية غسيل الأموال نشاطا غير قانوني يجعل أموالا مهمة تم توليدها من خلال الأنشطة الإجرامية كتجارة المخدرات أو تمويل الإرهاب فتبدو وكأنها قد جاءت من مصدر مشروع . إن الأموال المحصل من الأنشطة الإجرامية متسخة ويتم اللجوء إلى غسلها لكي تبدو نظيفة .[3] وفي تعريف اخر غسيل الأموال عبارة عن عمليات تهدف إلى إدخال الأموال والثروات غير المشروعة الناتجة عن الأنشطة الإجرامية والأنشطة غير القانونية وذلك من خلال المرور بعدة مراحل تعتمد على أساليب التمويه والتستر لإخفاء حقيقتها ودمجها في النشاط الاقتصادي المشروع، وبذلك تأخذ هذه الأموال الصفة الشرعية ويستعملها أصحابها بكل حرية.

 كما تعد عملية غسل الأموال  معالجة العائدات الإجرامية لإخفاء مصدرها غير القانوني. فعلى سبيل المثال، قد يشتري أحد تجار المخدرات مطعمًا لإخفاء أرباح المخدرات من خلال الأرباح المشروعة للمطعم. وبهذه الطريقة يتم “غسل” أرباح المخدرات من خلال المطعم ليبدو الدخل وكأنه تم الحصول عليه بطريقة مشروعة. يعد غسل الأموال أمرًا بالغ الأهمية لعمليات الجريمة المنظمة لأنه يمكن اكتشاف المجرمين بسهولة إذا لم يتمكنوا من “دمج” أموالهم غير المشروعة على سبيل المثال، في عمل تجاري قانوني أو بنك أو عقارات…[4]

 كما عرف الفقه غسل الأموال بتعريفات عديدة متقاربة في المضمون فقد عرفه بأنه ” عملية أو عمليات يتم من خلالها إضفاء الصفة المشروعة على أموال ناتجة عن أفعال غير مشروعة غالبا ما تكون أفعالا إجرامية .

ويرى البعض أن غسل الأموال هو بكل بساطة تحويل النقود القذرة إلى نقود نظيفة ويوسع البعض في مفهوم غسيل الأموال ليجعله أيضا منطبقا على عمليات إدارة الأموال التي يتم غسيلها.

وتعرف كذلك بأنها عمليات تجريها العصابات الإجرامية المنظمة من خلال افراد اخرين قد يكونون على علم بالمصدر غير المشروع للأموال التي تجرى عليها عملية الغسل وقد لا يعلمون شيئا عن المصدر غير المشروع لتلك الأموال حيث يقومون بحقن هذه الأموال في الاقتصاد المشروع لإخفاء صفة هذه الأموال المتراكمة مرة أخرى لدعم الأنشطة الإجرامية وتوسعها.[5]

كما عرفها المشرع المغربي في الفصل الأول من القانون رقم 12.18 المتعلق بمكافحة  غسل الأموال  بأنها كل فعل اكتساب وحيازة أو استعمال ممتلكات أو عائداتها لفائدة الفاعل أو الغير مع العلم أنها متحصلة  من إحدى الجرائم  المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور ومن الملاحظ جدا أن المشرع المغربي سار في تعريفه لغسيل الأموال في نفس اتجاه اتفاقية فيينا لسنة 1988.[6]

تختلف التعريفات الدقيقة لغسل الأموال قليلاً  حسب مختلف التشريعات وأيضا وفقاً للمنظمات ذات الصلة المختلفة وهيئات تحديد المعايير. ومع ذلك، فإن جميع التعاريف التي مررنا بها لها عنصران رئيسيان مشتركان، يصفان بجوهرهما ما هو غسل الأموال وهما :

  • الأموال أو الأصول المحصلة من خلال الأنشطة الإجرامية أو غير القانونية.
  • الأنشطة المصممة لإخفاء المصدر غير القانوني لهذه الأموال أو الأصول.[7]
  •  

 الفقرة الثانية : أركان جريمة غسيل الأموال

تقوم جريمة غسيل الأموال على الأركان الكلاسيكية، ركن مادي وركن معنوي والإضافة إلى هذين العنصريين يتطلب لقيام هذه الجريمة شروط أولية أو عناصر مفترضة أو خاصة يكون لتخلفها وتوافرها انعكاس على وجود الجريمة أو عدمها .

الركن المفترض

للحديث عن وجود جريمة غسيل الأموال، لابد من التحقق من قيام الركن المفترض الذي يقوم على وجود جريمة سابقة على جريمة غسيل الأموال وأن يتحصل منها محل جريمة غسيل الأموال نفسها وهي العائدات غير المشروعة المراد إخراجها.

وبالتالي نكون أمام أركان جريمة أخرى سابقة لارتكاب جريمة غسيل الأموال، أو التي يطلق عليها الجريمة الأولى أو الجريمة المتبوعة أو الجريمة الأصلية والتي يتحصل منها عائدات قد تكون منقولة أو غير منقولة.

وقد حدد المشرع المغربي لائحة حصرية بالجرائم التي تعتبر محلا لجريمة غسيل الأموال وذلك في الفصل 2_574 من القانون رقم 12.18 المتعلق بمكافحة جريمة غسيل الأموال .

وبهذا أقام المشرع علاقة بين جريمة غسيل الأموال والجريمة الأصلية باعتبارها الركن المفترض لجريمة غسيل الأموال مع الحفاظ على الاستقلال في باقي الأركان، وبناء عليه فإن الجريمة الأصلية تعد متوافقة سواء تم تحريك الدعوى الجنائية ام لا مادام قد توفرت عناصرها القانونية، لذا ليس هناك لازم بين إدانة مرتكب الجريمة الأصلية وتحقق المسؤولية الجنائية لمرتكب جريمة غسيل الأموال.

وكريمة غسيل الأموال تعتبر متوفرة ولو كانت الدعوى الجنائية لم تحرك ضد مرتكب الجريمة الأصلية أو حركت وقضت المحكمة ببراءته وذلك لتوافر مانع من موانع المسؤولية الجنائية أو مانع من موانع العقاب، وكذلك لا يعتبر العفو الصادر بشأن العقوبة المقضي بها في الجريمة الأصلية مانعا من المتابعة عن جريمة غسيل الأموال. [8]

يطرح التساؤل ان كان يمكن أن يكون الجاني في الجريمة الأصلية نفسه هو في جريمة غسيل الأموال؟

هناك اتجاهين فقهيين بخصوص هذه المسألة فيرى الاتجاه الأول انه لا مانع في ذلك أما الاتجاه الثاني لا يقيل هذه الفرضية، ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يشترط أن يكون مرتكب جريمة الغسل شخصا اخر، حيث نستشف ذلك بقراءتنا في مقتضيات الفصل 1_574 من القانون المذكور الذي  جاء فيه تكون الأفعال التالية جريمة غسيل الأموال عندما ترتكب عمدا وعن علم  اكتساب  أو حيازة او استعمال ممتلكات أو عائداتها لفائدة الفاعل أو الغير …[9]  فقد تبنى المشرع اتجاه الرأي الأول، كما  يتم توقيع عقوبة الجريمة الأشد في هذه الحالة.

الركن القانوني

لا يمكن إضفاء الطابع الجرمي والعقابي على الأفعال المادية دون وجود نص يجرمها، فعلى الرغم من كون جريمة غسيل الأموال منصور عليها في العديد من الاتفاقيات منذ اواخر القرن الماضي وبعض التشريعات المقارنة

الا أن المشرع المغربي تأخر نوعا ما في تأطير هذه الجريمة إلى غاية سنة 2007 بعد صدور القانون رقم 43.05  المتعلق بمكافحة فسيح الأموال الذي حدد الإطار القانوني الخاص بهذه الجريمة وحدد اركانها، وسبل مكافحتها والجزاء المترتبة عن قيام المسؤولية الجنائية تجاهها.[10]

الركن المادي

يتحقق الركن المادي وفقا لقواعد مجموعة  القانون الجنائي من خلال الاعتداء الملموس و الواقعي على المصلحة المحمية قانونا. ويتكون الركن المادي من عناصر لابد من توفرها وهي السلوك والنتيجة الإجرامية ثم العلاقة السببية بين السلوك و في هذا الإطار قد نص المشرع المغربي على مجموعة من الصور التي يتحقق بها الركن المادي لجريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 1_574 من القانون 12.18 المتعلق بمكافحة جريمة غسيل الأموال.

اولا : السلوك المادي

  كما أشرت سابقا فقد تناول المشرع المغربي السلوك المادي لجريمة غسل الأموال في الفصلين الأول والثاني من  القانون المذكور والمتمثل في اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات بهدف إخفاء أو تمويه مصدرها لفائدة الفاعل أو الغير عمدا. وايضا كل أفعال المساعدة التي من شأنها مساعدة المتورط من الافلات من العقاب ولو بتقديم مشورة.

ومن هنا يتضح أن الركن المادي للجريمة يتجلى في الأفعال المرتكبة بهدف تمويه مصدر العائدات والممتلكات الناتجة من الجرائم المحددة على سبيل الحصر في الفصل الثاني من القانون المذكور، وفي أعمال المساعدة، وادخل أيضا ضمن الأفعال المادية تقديم المساعدة والمشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. [11]

ثانيا : النتيجة الإجرامية

يعتبر المشرع المغربي أن جريمة غسيل الأموال من الجرائم ذات النتيجة المادية التي تتطلب تحقق نتيجة بذاتها وهي احداث التغيير على جوهر المال المتحصل عليه من الجريمة الأصلية أو الأولية سواء كان ذلك بالإخفاء أو التمويه بمعنى أن النتيجة هي تطهير أموال لم يكن بالإمكان التعامل فيها بسبب أنها كانت ناتجة عن عمل غير مشروع بعد مرورها بعدة عمليات معقدة على غرار المشرع الفرنسي الذي جرم السلوك بحد ذاته وبذلك نكون أمام جرائم شكلية .[12]

ثالتا : العلاقة السببية

تتمثل العلاقة السببية في جريمة غسيل الأموال في ارتباط السلوك الإجرامي المنصب على مال غير مشروع متحصل عليه من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2_574 من ق 12.18 بالنتيجة الجرمية التي توخاها الجاني والمتمثلة في تمويه أو إخفاء  المصدر غير المشروع للممتلكات أو اكتسابها أو حيازتها أو استعمالها أو استبدالها أو تحويلها.[13]

الركن المعنوي

ان الركن المادي وحده لا يكفي لنشوف المسؤولية الجنائية بل لابد من توافر الركن المعنوي الذي يعبر عن اتجاه وإرادة المجرم لمخالفة القانون. ويتكون هذا الركن من النشاط الإجرامي الذهني و النفسي للجاني، وجوهر هذا النشاط الاجرامي هو الإرادة الاجرامية التي تربط الشخص بالفعل الذي يرتكبه.[14]

للحديث عن القصد الجنائي يجرنا إلى الحديث إلى نوعي القصد الجنائي، فهناك قصد جنائي عام وقصد جنائي خاص، والأصل أن الاكتفاء بصورة العمد العامة دون التطرق إلى نية إضافية بشكل صريح يفيد القول بأن مراد المشرع من القصد المطلوب لاكتمال الركن المعنوي هو توافر القصد العام دون الحاجة الى القصد الخاص. فالمشرع المغربي ينص في الفصل الأول من القانون رقم 12.18  على أن فعل اكتساب أو حيازة، أو استعمال، أو استبدال، أو تحويل الممتلكات بهدف إخفاء أو تمويه مصدرها لفائدة الغير، وبهذا لا يكفي أن يعلم مقترف الفعل الجرمي بكون مصدر هذه الأموال غير مشروع، بل ينبغي أن يكون هدفه هو تمويه أو إخفاء مصدرها غير المشروع ط.

ولم يشترط توافر القصد الخاص الا في هذه الحالة وأما في باقي الحالات الأخرى المنصوص عليها بنفس الفصل فيكتفي فيها بالقصد العام على عكس قانون مكافحة جريمة غسل الأموال المصري الذي اشترط ضرورة ثبوت قصد جنائي خاص في جميع صور النشاط الإجرامي.[15]

المطلب الثاني :

 الفقرة الأولى  : الجهود الدولية المبذولة لمكافحة جريمة غسيل الأموال 

اولا : اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التجارة غير المشروعة في المخدرات والمواد النفسية المخدرة (اتفاقية فيينا)   20 دجنبر 1988

    دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 11 نونبر  1990 و تم انضمام المغرب إليها بشكل رسمي بتاريخ 28 أكتوبر 1992 كما لم يقدم أي تحفظات بخصوص بنود المعاهدة  عند التصديق أو التأكيد الرسمي .

وحسب المادة 3 من الاتفاقية المذكورة فإنها دعت الدول الأطراف  إلى اتخاد ما يلزم من تدابير لتجريم عمليات غسيل الأموال وفق قوانينها الداخلية وذلك عبر تجريم  كل عملية من شأنها اكتساب أو حيازة أو استخدام أو  تحويل و نقل أموال علما في وقت الاستلام  بأنها نتيجة فعل جرمي  أو من فعل من أفعال الاشتراك في مثل هذه الجرائم  بهدف إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو  مصدرها  أو مكانها او طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها او ملكيتها مع العلم بمصدرها غير المشروع  أو قصد مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب فعل جرمي على الافلات من العقاب .[16]

ثانيا : اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها ( معاهدة باليرمو  15 نونبر 2000)

   دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 29 دجنبر 2003  و يعد عدد الأطراف الموقعة لها ب 195 عضوا اعتبارا من 26 يوليو 2018 و قد انظم إليها المغرب بشكل رسمي بتاريخ 19 ديسمبر 2002 . تناولت هذه الاتفاقية الأحكام الخاصة بجريمة غسيل الأموال في المادتين 6 و 7 حيث تطرقت في مادتها السادسة إلى تجريم غسل عائدات الجرائم كما دعت كل الدول الأطراف وفقا للمبادئ الأساسية لقوانينها الداخلية إلى اعتماد كل ما يلزم من تدابير تشريعية و مؤسساتية لتجريم كل تحويل للممتلكات أو نقلها أو اكتسابها أو حيازتها أو استخدامها مع العلم بمصدرها غير المشروع عمدا أو إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها او كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها علما بأنها عائدات جرائم وأيضا المشاركة في ارتكاب الجرائم المذكورة أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها ومحاولة ارتكابها والمساعدة أو التحريض على ارتكابها أو تسهيل  ذلك  بل وحتى اسداء المشورة بشأن ذلك .

كما تطرقت المادة الموالية إلى التدابير التي يمكن من خلالها مكافحة غسل الأموال حيث دعت إلى ضرورة حرص كل الدول الأعضاء على انشاء أنظمة داخلية شاملة للرقابة والإشراف على المؤسسات المالية وكذلك العمل من خلال كل الأجهزة المعنية من أجل ردع وكشف جميع أشكال غسل الأموال  ط والابلاغ عن أي معاملات مشبوهة كما دعت إلى أهمية انفاد القانون من طرف الأجهزة الادارية والرقابية والقضائية وكل الجهات المعنية على التعاون وتبادل المعلومات على الصعيدين الوطني والدولي ضمن نطاق الشروط التي يفرضها نظامها الداخلي . [17]

ثالثا : مجموعة شرق وجنوب أفريقيا لمكافحة غسل الأموال ESAAMLIG

تأسست رسمياً في عام 1999 في أروشا، تنزانيا، وبحلول يناير 2020، أصبحت تضم 18   دولة وعددًا من المراقبين الإقليميين والدوليين مثل AUSTRAC، COMESA، الأمانة العامة للكومنولث، الجماعة الاقتصادية لدول شرق وجنوب إفريقيا، مجموعة إيجمونت لوحدات المعلومات المالية، FATF، GIZ، IMF، SADC، المملكة المتحدة، الأمم المتحدة، UNODC، الولايات المتحدة الأمريكية، البنك الدولي ومنظمة الجمارك العالمية.

يظل أعضاء ومراقبو ESAAMLG ملتزمون  تنفيذ المعايير الدولية المقبولة بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة، بما في ذلك توصيات FATF بشكل فعال.[18]

 الفقرة الثانية : الآليات الحديثة لغسيل الأموال و مكافحتها

غسيل الأموال من خلال العملات المشفرة

يلجأ الكثير من المجرمون حاليا إلى غسل الأموال المتحصلة بطريقة غير مشروعة عن طريق شراء العملات الرقمية حيث يساعدهم في ذلك كون العملات الرقمية تكون مجهولة المصدر عند انشاءها . كما يمكن انشاء الحساب في بضع ثواني واستخدامه لاستقبال الأموال  ثم تحويلها إلى مكان آخر حيث يعتبر من السهل تبرير الثروة غير المتوقعة من خلال العملات الرقمية في ظل نمو العديد من العملات الرقمية بشكل كبير و أحيانا بشكل خيالي كما هو الحال بالنسبة لعملة البيتكوين التي كانت تقدر في حدود دولار واحد خلال العقد الماضي بينما تصل الان إلى أكتر من 60000 الف دولار[19].

استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف جرائم الأموال

   يجعل الذكاء الاصطناعي الآليات تتصرف بشكل أكثر ذكاءً. كجزء من مكافحة غسيل الأموال والضوابط المالية الأخرى، يعتبر الذكاء الاصطناعي تدبيرًا رقميًا موضوعًا للكشف عن غسيل الأموال وغيرها من الأنشطة غير القانونية. تقوم هذه الخوارزميات بتحليل عددا هائلا من  بيانات العملاء بما في ذلك البحث عن العملاء المحتملين، والفحص ومراقبة المعاملات لاكتشاف الأنشطة المشبوهة واتخاذ إجراءات لمعالجتها. يمكن أن يُستخدم حتى لتحليل تسجيلات الصوت التي يمكن أن توفر دلائل عن الأنشطة الاحتيالية.

يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تنفيذ إجراءات مكافحة غسيل الأموال ومنع الاحتيال المالي الأخرى بشكل أسرع بكثير من معدل البشر، بالإضافة إلى القدرة على القيام بذلك في الوقت الحقيقي. وهذا يسمح للمؤسسات المالية بالتفاعل بشكل أسرع مع أي نشاط مشبوه والبقاء قدمًا من الجرائم.[20]

خصوصيات جريمة غسيل الأموال و الآثار المترتبة عن قيام المسؤولية الجنائية تجاهها

سأتناول في هذا المحور الحديث عن خصوصيات جريمة غسيل الأموال وايضا  على مراحل ارتكابها  بالإضافة إلى المسؤولية الجنائية في جريمة غسيل الأموال .

 المطلب الاول :  خصائص و مراحل ارتكاب جريمة غسيل الأموال

الفقرة الأولى  : مراحل ارتكاب جريمة غسيل الأموال

مرحلة الإيداع:

تتضمن المرحلة الأولى من غسيل الأموال إدخال “الأموال القذرة” في النظام المالي عن طريق تقسيم مبالغ كبيرة إلى العديد من المبالغ الأصغر التي يتم إيداعها مباشرة في حساب مصرفي أو من خلال شراء أدوات نقدية مثل الشيكات أو أوامر الدفع التي يتم جمعها وإيداعها في مكان آخر في الحسابات. أو من خلال  إضافة الأموال المشتقة من الجريمة إلى الإيرادات الشرعية للشركات، خاصة تلك التي لها تكاليف متغيرة قليلة أو معدومة. الفواتير الزائفة”

او من خلال عمليات التحويل الذي يتمثل في إيداع مبالغ نقدية أقل من حد الكشف لأجهزة مكافحة غسيل الأموال في حسابات مصرفية أو بطاقات ائتمان، والتي سيتم استخدامها لدفع النفقات، إلخ…

وإخفاء هوية المستفيد الفعلي من خلال العائلات والشركات الأجنبية. وايضا عبر تصدير مبالغ صغيرة من النقد الورقي أقل من حد الإبلاغ الجمركي وإيداعها في حسابات بنكية أجنبية قبل إعادة إرسالها.[21]

مرحلة التمويه :

وتأتي مرحلة التمويه بعد مرحلة الإيداع  ويشار إليها أحياناً باسم “الهيكلة”. وهذه هي المرحلة الأكثر تعقيداً لغسل الأموال وغالباً ما تستلزم نقل الأموال غير المشروعة دولياً. والغرض الأساسي من مرحلة التمويه هو فصل الأموال غير المشروعة من مصدرها الأصلي. ويتم ذلك من خلال عملية معقدة تتضمن الكثير من العمليات المالية، والغاية منها إخفاء مسار الحسابات وقطع الصلة مع المصدر الأصلي للنشاط الإجرامي

مرحلة الدمج :

والمرحلة الأخيرة من عملية غسيل الأموال تسمى “الاندماج”. وخلال هذه المرحلة، يتم إعادة الأموال إلى الجناة بعد إضفاء صفة الشرعية على مصدرها. وإذ إن العائدات الإجرامية، التي تم وضعها في البداية على شكل نقود وخضعت لعدة عمليات مالية، أصبحت الآن مدمجة بالكامل في النظام المالي للجاني ويمكن استخدامها لأي غرض مشروع.  [22]

 الفقرة الثانية  : خصائص جريمة غسيل الأموال

اولا : خاصية اعتبار جريمة غسيل الأموال جريمة تبعية

إن جريمة غسيل الأموال جريمة تستوجب وقوع جريمة أصلية سابقة عليها حقق مرتبها فائدة أو منفعة مادية معينة وهي مصدر الأموال غير المشروعة. وعلى اعتبار ذلك فإن جريمة غسيل الأموال مستقلة تماما عن الجريمة الأصلية التي تأخذ إحدى الصور التي تناولتها المادة الثانية من القانون رقم 12.18 سواء تمت عملية الغسيل عن طريق مرتكب الفعل أو غيره.

خاصية البعد غبر الوطني لجريمة غسيل الأموال

تعتبر جريمة غسيل الأموال من الجرائم العابرة للحدود حيث أصبحت التنظيمات الإجرامية تمارس أعمالها عبر مختلف الدول مما يقودنا إلى القول بعالمية الجريمة التي تشكل تهديدات للاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي، حيث يمكن ارتكاب الجريمة الأصلية أو الركن المفترض في جريمة غسيل الأموال في بلد معين بينما تسري عمليات الغسيل خارج حدود تلك الدولة حيث نجد أن الجريمة ارتكبت في اكتر من إقليم بمساعدة أشخاص بجنسيات مختلفة .[23]

خاصية اعتبار جريمة غسيل الأموال جريمة منظمة

تعتبر جريمة غسيل الأموال ضرورة للتنظيمات الإجرامية من أجل إخفاء الأرباح التي يتم الحصول عليها وادخالها في النظام المالي المشروع مما تتحقق معه اهداف الجماعات الإجرامية من حيث الانتفاع بالأموال القذرة التي يتم غسلها و الحيلولة دون اكتشافها للإفلات من العقاب.

خاصية اعتبار جريمة غسيل الأموال جريمة اقتصادية

ترتبط جريمة غسيل الأموال بالنظام الاقتصادي وبطموح سياسة الدولة لتحقيق معدلات نمو عالية لتحقيق الرفاهية والكسب والثراء. كما أن لجريمة غسيل أثار اقتصادية بالغة الخطورة على الدخل القومي وعلى توزيعه ومعدل التضخم وقيمة العملة الوطنية ومعدل البطالة.[24]

المطلب الثاني المسؤولية الجنائية في جرائم غسيل الأموال والاضرار التي ترتبها

الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية في جريمة غسل الأموال

المتابعة الجنائية:

اولا : الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية :

   تعتبر النيابة العامة مبدئيا هي المختصة بتحريك وممارسة الدعوى العمومية وفقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية ويمكنها تحريكها من طرف أجهزة أخرى متمثلة في :

  • الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى ( 267_268 من ق م ج )
  • ادارة الجمارك وإدارة المياه والغازات ( ف 249 من ق م ج ) وفي المادة 57 من ظهير 10_10_ 1917 المتعلق بالمياه والغابات
  • مجلس النواب ( ف83 _ 48 من الدستور)
  • المتضرر ( م 92 _348 من ق م ج )

ثانيا : المحكمة المختصة

يتوفر المغرب على قضاء متخصص في مجال مكافحة الإرهاب و الجرائم المالية والتي تعد جريمة غسيل الأموال من ضمنها . بناء على مقتضيات المادة 7 من ق رقم 03_03  المتعلق بمكافحة الإرهاب والتي تنص على أنه بصرف النظر عن قواعد الاختصاص المقررة في ق م ج وفي نصوص أخرى تختص محكمة الاستئناف بالرباط بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم الإرهابية وايضا المادة 38 من ق 12.18 تنص على أنه تختص محاكم الرباط فيما يتعلق بالمتابعات والتحقيق والبث في الأفعال التي تكون جرائم غسل الأموال. [25]

الجزاء في جرائم غسيل الأموال

بالعودة إلى قانون مكافحة غسيل الأموال المغربي يلاحظ تنوع العقوبات الواردة فيه تبعا لاختلاف جسامته الأفعال المرتكبة والخطورة الاجرامية التي يجسدها مرتكب  الفعل الجرمي كما أن مرتكبي جريمة غسيل الأموال ليسوا دائما أشخاص ذاتيين فقد يكونون أشخاصا اعتباريون.

العقوبات الأصلية :

تتمثل في عقوبات سالبة للحرية والغرامة سواء في صورة الجريمة البسيطة أو المحددة

  • عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة

ينص المشرع المغربي على هذه الصورة في الفصل 3_574 من القانون رقم 12.18 حيث يعاقب عليها :

بالنسبة للأشخاص الذاتيين بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000  500.000  درهم . و بالنسبة للأشخاص الاعتباريين بغرامة من 500.000 إلى 3.000.000  درهم دوم الإخلال بالعقوبات الاي يمكن إصدارها في حق مسيريها أو المستخدمين العاملين بها المتورطين في الجرائم

وتجدر الإشارة إلى قانون مكافحة جريمة غسيل الأموال عاقب على المحاولة بنفس العقوبات المقررة للجريمة في صورتها البسيطة.[26]

  • عقوبة الجريمة المقترنة بظرف التشديد

نص الفصل 4_574  على رفع عقوبات الحبس و الغرامة إلى الضعف في الحالات التالية :

1 _ عندما ترتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها مزاولة نشاط مهني خصوصا اذا علمنا أن جريمة غسيل الأموال تتم عن طريق تظاهر جهود مجموعة من خبراء المال والمصارف وخبراء المعلوماتية في حالة غسل الأموال بالطريقة الإلكترونية وخبراء القانون .

2_ عندما يتعاطى الشخص بصفة اعتيادية لعمليات غسل الأموال.

3_ عندما ترتكب الجرائم في إطار عصابة إجرامية منظمة

4_ في حالة العود

العقوبات الإضافية :

هاته العقوبات هي عقوبات يحكم بها القاضي بالإضافة إلى عقوبات أخرى لابد من الحكم بها حيث لا يمكن تطبيقها منفردة بل لابد أن تأتي مضافة إلى عقوبات أصلية. وقد نص القانون رقم 12.18 على عقوبات تكميلية حددها الفصل الخامس من القانون المذكور كما يلي :

  • المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة من هذه الأموال مع حفظ حق الغير حسن النية ويحكم بها الزاميا في حالة الادانة.
  • حل الشخص الاعتباري الا أن هذه العقوبات لا يتم اللجوء إليها الا بعد فشل مسطرة معالجة صعوبات المقاولة.
  • نشر المقررات المكتسبة لقوة الشيء المقضي به الصادرة بالإدانة بواسطة جميع الوسائل الملائمة على نفقة المحكوم عليه.
  • يمكن علاوة على ذلك الحكم على مرتكب الجريمة بالمنتج المؤقت أو النهائي من مزاولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة واحدة أو أكثر من المهن أو الأنشطة أو الفنون التي ارتكبت الجريمة أتناء مزاولتها. [27]

حالات تخفيض العقوبة أو الإعفاء منها :

بناء على الفصل 7_574 يستفيد الفاعل أو المساهم أو المشارك من الأعذار المعفية وفقا للشروط المنصوص عليها في الفصول من 143 إلى 145  من ق ج اذا بلغ السلطات المختصة قبل علمها بالأفعال المكونة لمحاولة ارتكاب جريمة غسل الأموال، كما نص على تخفيف العقوبة إلى النصف إذا تم التبليغ بعد ارتكاب الجريمة. [28]

 الفقرة الثانية : آثار جريمة غسيل الأموال 

  • التأثير على الطلب على النقود

يحدث هذا بشكل أكثر تواترًا في الدول حيث يكون خطر غسيل الأموال أدنى. في الاقتصادات التي لا توجد فيها تنظيمات للغسيل، وحيث يوجد نظام يخزن معلومات البنوك أو العملاء، وحيث يتم فرض سرية مصرفية بشكل صارم، تكون نسبة الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الوطني مرتفعة. يكون من السهل على الغسالين تدفق النقدية وتدفقها. مع التدفق السريع وغير المسيطر عليه للأموال إلى البلاد، تزيد معدلات الاستهلاك وخاصة الاستهلاك الفاخر. ومع ذلك، قد تكون الزيادات الكبيرة في الصادرات والواردات والعجز في المدفوعات الأجنبية والتضخم والفائدة ومعدلات البطالة هامة. هذه الاضطرابات في الطلب على النقود الناتجة عن الأموال السوداء ستؤثر سلبًا على السياسة النقدية.

تعطل الإشارات الزائفة لأنشطة غسيل الأموال اتخاذ التدابير اللازمة لحل المشاكل مثل العجز في الميزانية والتضخم العالي، خاصة في الدول النامية، وتؤثر سلبًا على إدارة الاقتصاد بشكل فعّال. من خلال الجانب العالمي لهذه الأنشطة، يتأثر استقرار الأسواق، ويمكن أن تنعكس الأزمات المالية في بلد على بلد آخر. يعتمد تأثير المصارف المركزية على السياسات النقدية على ما إذا كان الطلب على النقود متوقعًا أم لا. نتيجة للأموال السوداء على الطلب على النقود، يمكن مراقبة فشل سياسات المصارف المركزية.

  • التأثير على معدلات النمو

يمكن أن تعاني القطاعات الحقيقية بشكل كبير من عدم الاستقرار المالي في البلاد. نتيجة لذلك، أصبح المستثمرون الأجانب أمرًا حاسمًا للشركات. ومع ذلك، ليس من السهل جذب المستثمرين الأجانب إلى البلدان التي تعاني من غسيل الأموال. لأن عدم الاستقرار في الأسعار الناجم عن الأموال السوداء في النظام المالي سيؤثر على مصداقية الاقتصاد في البيئة الخارجية، وسيجد رجال الأعمال العاقلون أنه من غير المريح الاستثمار في البلد لأنهم سيأخذون أيضًا في اعتبارهم المخاطر التي تواجه البلد أثناء الاستثمار. إذا هربت الأموال القانونية من دخول البلد، فسيؤدي ذلك إلى عدم زيادة معدلات الاستثمار. لذلك ستحدث انخفاضاً طويل الأمد في معدلات النمو المستدام.

تُعتبر البلدان ذات الحجم الكبير من الأموال أماكنًا محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمستثمرين. بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في جذب رؤوس الأموال الدولية إلى بلادهم، فإن مكافحة الأموال السوداء هي رسالة مهمة توفر للمستثمرين الثقة. من خلال فعالية الكفاح، سيزداد عدد المستثمرين، مما سيؤثر بشكل إيجابي على معدلات النمو والاقتصاد.

  • التأثير على توزيع الدخل

يسبب الخسائر الشديدة الناتجة عن الأموال السوداء لمصادر الدخل مشاكل كبيرة في وظيفة النظام المالي. هذه المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد لها أيضًا عواقب اجتماعية. يسبب الثراء المتزايد لأفراد ومجموعات معينة تدهورًا اجتماعيًا. أحد أهم الأضرار الناتجة عن الأموال السوداء التي يجب تحديدها هو تأثيرها السلبي على توزيع الدخل. على الرغم من أن التأثير السلبي لانخفاض مصادر الدخل والتفاوت.

  • التأثير على عائدات الضرائب

تمثل عائدات الضرائب الحصة الأكبر في الإيرادات العامة. إذا كانت هذه الإيرادات منخفضة، فسيزيد من احتمال عدم تلبية الإيرادات العامة للنفقات العامة، وإذا حدثت هذه الإمكانية، ستحدث عجزاً في الميزانية. الدخل الذي يتم توليده من الأموال السوداء هو أرباح لا تخضع للضريبة في البلدان. ستؤدي هذه الأرباح إلى تقليل الإيرادات الضريبية.

لدولة تتضاءل فيها عائدات الضرائب خياران، الأول منهما هو الاقتراض. يقلل الاقتراض من الاستثمارات الإنتاجية للقطاع الخاص بتأثير الإقبال الحكومي، الذي يجذب المستثمرين الإنتاجيين من خلال القطاع الخاص بالاقتراض. بالإضافة إلى ذلك، مع زيادة قيم السندات نتيجة للاقتراض، تزيد أسعار الفائدة في السوق، مما يخلق العديد من المشاكل، طريقة أخرى لسد العجز هي سياسة الإصدارات. نتائج هذه السياسة مماثلة للخيارات الأخرى. ونتيجة لذلك، يمكننا القول بأن الخيارين يؤثران سلبًا على الاقتصاد.

  • التأثير على المؤسسات المالية

قد تحدث تغييرات مفاجئة في الأصول والالتزامات للمؤسسات المالية التي يتم استخدامها بشكل غير مدرك في غسيل الأموال، مما سيخلق مخاطر للمؤسسات. تجذب أخبار غسيل الأموال لهذه المؤسسات المالية انتباه السلطة العامة. في هذه الحالة، ستزداد الضغوط على التدقيق لهذه المؤسسات، وسيتعرض سمعة المؤسسة للضرر.

  • أضرار غسيل الأموال على قطاع الخدمات المالية في البلاد

كما تظهر العديد من التحليلات الاقتصادية، تعتبر المؤسسات مثل البنوك والمؤسسات المالية غير البنكية لاعبين مهمين جدًا في تنمية الاقتصاد في البلدان. تتألف هذه المؤسسات المالية من رأس المال المحلي والرأس المال الأجنبي للاستفادة من تنمية الاقتصاد. ومع ذلك، يؤثر غسيل الأموال سلبًا على تطور هذه المؤسسات المالية في هذا النقطة. تظهر التدابير المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال المطبقة داخل المؤسسات المالية ذات الصلة أن الموظفين يقومون بتوثيق علاقة بين غسيل الأموال والأنشطة الاحتيالية، وبالتالي فإن عملهم المشترك يضر بالمؤسسات. إذا حدث غسيل الأموال بمعدلات عالية، يستخدم الجناة المؤسسات المالية لتصريف الأموال التي يحصلون عليها، مما يؤثر سلبًا على هذه المؤسسات.

تضع هذه الآثار السلبية أيضًا في خطر ثقة العملاء. لذلك، فإن ثقة العملاء والمؤسسات المتعلقة ضرورية لتطوير المؤسسات المالية، على التوالي، لتحقيق قطاع مالي مستقر وتطوير الاقتصاد من خلالها. يعتبر انطباع الاحتيال في المؤسسات ذات الصلة، مثل المودعين والمستثمرين، والمجتمع بأسره، بالإضافة إلى العملاء، عائقًا رئيسيًا أمام الثقة فيها. و بعبارة أخرى، يضر غسيل الأموال بصورة المؤسسات المالية؛ ونتيجة لذلك، يفقد العميل ثقته في المؤسسات ذات الصلة.

  • الاقتصاد الناشئ

قد تجد الاقتصادات الناشئة صعوبة في كسر دائرة الفساد على الرغم من أن لديها أقل تشريعات مكافحة غسيل الأموال. يتجه الجناة بشكل أكبر نحو استهداف الأنظمة الأضعف. وهذا يعني فقدان الكثير من المال لغسيل الأموال، ولكن الحكومة تفتقر إلى التمويل لمنع هذا. ونتيجة لذلك، تحتاج الدول النامية إلى الحصول على مساعدة دولية وإقليمية لتأمين أنظمتها الاقتصادية. لقد ضعفت وفشلت غسيل الأموال وتمويل الإرهاب العديد من المؤسسات المالية بسبب عدم الامتثال لبرامج مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. اضطر بعض البنوك إلى الإغلاق بعد فقدان التنظيمات نتيجة لانتهاكات الامتثال لبرامج غسيل الأموال / تمويل الإرهاب. المؤسسات المالية هي عمود الاقتصاد، لكن المشكلة تبدأ عندما يتم إنشاء قنوات لغسيل الأموال.[29]

خاتمة

      غسيل الأموال يشكل تهديداً خطيراً، حيث يتسبب في عواقب وخيمة على النظام المالي وعلى الأمن القومي، حيث يوفر تمويلًا للإرهابيين وتجار المخدرات وتجار الأسلحة والجماعات الإجرامية. يمكن للمجرمين الاعتماد على الأموال القذرة لتمويل كياناتهم القانونية باستخدام عائدات إجرامية، مما يشوه المنافسة بين المشاريع القانونية والغير قانونية. على الرغم من الجهود المبذولة لتنفيذ تدابير لمكافحة غسيل الأموال، إلا أن المجتمع الدولي والدول الفردية مستمرة في مواجهة اتجاهات جديدة في أنشطة غسيل الأموال قد تجعل تلك التدابير قديمة وغير فعالة.

من الواضح أن التشريع بحد ذاته ليس كافياً بأي حال من الأحوال لمكافحة غسيل الأموال بشكل فعال. يتطلب الأمر استراتيجية شاملة ومتكاملة. أحد الأهداف الرئيسية هو جعل الجريمة أقل ربحية من خلال استصلاح عائدات الجريمة. علاوة على ذلك، فإن المساعدة الدولية ضرورية لمحاربة عمليات غسيل الأموال التي تتم على المستوى العابر للحدود. الاتفاقيات الثنائية المصممة خصيصاً للظروف الخاصة هي أكثر وسائل فعالة لتسريع العمليات التحقيقية والقضائية وتجاوز الصعوبات والتأخيرات.


[1] السيد عبد الوهاب عرفة ” الشامل في جريمة غسيل الأموال  ” المكتب الفني للموسوعات القانونية  ت 7274471/12 ص 6

[2] مقال منشور بالموقع الرسمي www.kyc-chain.com      بتاريخ 25 أبريل 2019 .تاريخ الاطلاع 05\05\2024

[3]  « What is money landing »   JAMES CHEN  مقال منشور بالموقع الرسمي www.investopedia.com  بتاريخ 11 أبريل 2024، تاريخ الاطلاع  19\04\2024 .

[4]  مقال منشور بالموقع الرسمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتاريخ النشر أبريل 2018 توقيت الاطلاع : 21:00  بتاريخ 20 أبريل 2024 .

[5] عادل عبد الجواد محمد الكردوسي  ” المكافحة القانونية لغسل الأموال في بعض الدول العربية مصر _ الإمارات _ السعودية ، الطبعة الأولى،  ص 8 .

[6]  – القانون رقم 18.12 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم  43.05 المتعلق  بمكافحة غسل الأموال الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 56.21.1 بتاريخ 27شوال 1442( 8 يونيو 2021 ،)الجريدة الرسمية 6995 بتاريخ 3 ذو القعدة 1442( 14 يونيو

2021 ،) ص 4162.

[7] What Is Money Laundering? Definitions And Characteristics O f Money Laundering »  مقال منشور بالموقع الرسمي  لوكالة الجريمة المالية  Financial Crime Agency.   في 11 مارس 2024 .

[8]  عدنان العوني ، تقديم الدكتور محمد بوزلافة “السياسة الجنائية في مواجهة جرائم غسيل الأموال ” ط 1،  2010 ص 56

[9] قانون  رقم 18.12 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05المتعلق بمكافحة غسل الأموال الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 56.21.1 بتاريخ 27شوال 1442( 8 يونيو 2021 ،)الجريدة الرسمية 6995 بتاريخ 3 ذو القعدة 1442( 14 يونيو 2021 ص 4162.

[10]  تم تغييره وتتميمه بمقتضى:

  • القانون رقم 18.12 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05المتعلق بمكافحة غسل الأموال الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 56.21.1 بتاريخ 27شوال 1442( 8 يونيو 2021 ،)الجريدة الرسمية 6995 بتاريخ 3 ذو القعدة 1442( 14 يونيو

2021 ،)ص 4162.

[11] عدنان العوني مرجع سابق الصفحة  62 .

[12] النتيجة لا تكون عنصرا من عناصر الركن المادي في الجريمة الا بالنسبة لجرائم النتيجة أو جرائم الضرر أو الجرائم المادية خلافا لجرائم الخطر أو الجرائم الشكلية التي لا يتوقف قدامها والعاقبة عليها على حدوث نتيجة.

[13] عدنان العوني مرجع سابق الصفحة 66

[14] رباب مصطفى عبد المنعم الحكيم ” جريمة غسيل وأثرها على المصلحة العامة ” المؤتمر الدولي الثالت، حماية المصلحة العامة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي الجزء الثاني.

[15] عدنان العوني م سابق ص 69

[16] اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التجارة غير المشروعة في المخدرات والمواد النفسية المخدرة (اتفاقية فيينا)   20 دجنبر 1988

[17]  المادتين 6 _7 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها معاهدة باليرمو لسنة 2000

[18] مرجع سابق، الموقع الرسمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

[19] مقال منشور بالموقع الرسمي الخاص بمجموعة أدوات الأمم المتحدة بشأن المخدرات الاصطناعية

[20]  مقال منشور بالموقع الرسمي لشركة eastnets   المختصة في توفير حلول الامن المالي ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

[21] مقال منشور بالموقع الرسمي complyadventage      بتاريخ 23 نونبر 2023   تاريخ الاطلاع 26 أبريل 2024 على الساعة  20:00

[22]  مقال منشور بالموقع الرسمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة

[23]  جميلة بنعيش ، سميرة قرمونا ” جريمة غسل الأموال و آليات مكافحتها على ضوء التشريع الوطني والعمل القضائي والتعاون الدولي ، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء 2013_2015 ص 9 .

[24]  جميلة بنعيش ، سميرة قرمونا مرجع سابق ص 10

[25]  عدنان العوني م س ص 75

[26]  عدنان العوني  مرجع سابق الصفحة 77

[27] عدنان العوني  مرجع سابق ص 78

[28]  عدنان العوني مرجع سابق الصفحة 81.

[29] مقال منشور بالموقع الرسمي   sanction scanner     الخاص بتقديم خدمات لمكافحة جرائم غسيل الأموال  ، تاريخ الاطلاع  04\05\2024

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 5 / 5. عدد التقييمات 2

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك