المنهج المقارن

5
(1)

إعداد: عزيز الحريري

مقدمة

يعد البحث العلمي وتطبيق مناهجه مسألة ضرورية للمجتمعات، وليس مجرد ضرورة أكاديمية أو مادة دراسية فقط، إذ أن البحوث التي يقوم بها المختصون في المجالات المختلفة أصبحت تشكل مرشدا وهاديا إلى رسم طريق التقدم في المجتمع، وذلك بالنظر لما توفره له من معلومات ومعطيات صحيحة حول المسألة البحثية ومشاكلها وعيوبها واحتياجاتها، فكلما تراكمت البحوث كلما زاد معرفة الإنسان بمجتمعه ومحيطه وبيئته، الأمر الذي من شأنه تسهيل عملية إيجاد الحلول لما يعترضه من مشاكل وظواهر سلبية وهدامة.

ويعتبر البحث في العلوم الاجتماعية بصفة عامة وفي العلوم القانونية بصفة خاصة، محاولة علمية جادة لاستجلاء جانب من جوانب المعرفة في صورة محكمة من التحقيق والتدقيق والشمول والعمق فالبحث هو الوسيلة التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي فرع من فروع العلم والمعرفة، وعلم القانون لم يتقدم إلا بفضل البحث الذي قام به رجال القانون في مختلف الشرائع وعبر مختلف الحقب.¹

والمقصود من المنهج الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسة موضوع ما للوصول إلى قانون عام أو مذهب جامع، أو هو فن ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا بحيث يؤدي إلى كشف حقيقة ما، وقد تعددت المناهج التي يستخدمها الباحث فمنها المنهج التاريخي الذي يفسر الوقائع التاريخية ويحدد أسبابها الحقيقية، ومنها المنهج الوصفي الذي يدرس الظاهرة بجميع خصائصها وأبعادها، ومنها المنهج المقارن، هذا الأخير هو ما يهمنا والذي سيكون قيد الدراسة، ويتجسد المنهج المقارن في مقارنة ظاهرتين أو قانونين ليبين أوجه الشبه والاختلاف بينهما، والغاية المستهدفة من هذه المقارنة والمقاربة الوصول إلى الحقيقة العلمية والعملية المرجوة من البحث .²

تشير المؤلفات في مجال الدراسات المقارنة إلى أن تطبيق المنهج المقارن يعود إلى الفكر السياسي اليوناني، فقد كان أرسطو من أكثر المفكرين اليونانيين الذين استخدموا المنهج المقارن في دراساته الاجتماعية والفلسفية والسياسية، بحيث تم تطور المنهج المقارن ليصبح جزءا لا يتجزأ من مضمون الدراسات الاجتماعية بشكل خاص، وذلك بعد أن أصبحت الدراسات المقارنة تستخدم في تعزيز مبادئ علم الاجتماع.

وكان للعلماء والمفكرين العرب المسلمين دور مهم في تطوير هذا المنهج، ومن أشهر هؤلاء العلماء ابن خلدون والفارابي اللذان اعتمدا على المنهج المقارن في دراساتهما الاجتماعية.

وتبدو أهمية دراسة موضوع المنهج المقارن في كونه يمكن الباحث من التحقق من النتائج المتحصل عليها والتعرف على مدى أهميتها وصلاحيتها، وذلك بمقارنتها بنظيراتها في التجارب والقواعد القانونية الموازية.

إشكالية الموضوع

ونحن بصدد دراسة هذا الموضوع اعترضتنا إشكالية مركزية تتمحور حول ماهية المنهج المقارن وأهم مجالات تطبيقه؟

سأحاول ثناول هذا الموضوع من خلال زاويتين :

  • الأحكام العامة للمنهج المقارن
  • أنواع المنهج المقارن تطبيقه ومجاله

الأحكام العامة للمنهج المقارن

قبل الحديث عن شروط المنهج المقارن وخطواته (الفقرة الأولى)، لابد من دراسة ماهية المنهج المقارن ونطاقه (الفقرة الأول).

الفقرة الأولى : ماهية المنهج المقارن ونطاقه

أ‌- تعريفه

هو منهج دراسي يستخدم للمقارنة بين ظاهرتين أو أكثر أو بين مجموعة من الظواهر … هذا المنهج الذي كانت الدراسات الاجتماعية أولى محطاته أو بالأحرى هي أولى الدراسات التي اعتمدت المنهج المقارن.

هو عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بين حادثتين اجتماعيتين أو أكثر تستطيع من خلالها الحصول على معارف أدق نميز بها موضوع الدراسة أو الحادثة في مجال المقارنة والتصنيف.

ويعرف أيضا المنهج المقارن بأنه من أحد الأدوات الدراسية التي تساعد في استخراج مفاهيم دراسية من نصوص منهجية معتمدة التحليل الفكري والمعرفي القائم على معرفة انواع الدراسات المستخدمة في مجال معين…

وقد عرفه الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركاييم أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث بانه الأداة المثلى للطريقة الاجتماعية .³

فيما قد اطنب المفكرون في التعريف بهذا المنهج حيث قالوا عنه انه الأسلوب الذي يساعد الباحث على فهم النص الدراسي من خلال الاعتماد على وضع مجموعة من المقارنات التي تبين اوجه الاتفاق، واوجه التباين الواردة فيه.

أنواع المقارنة

  • المقارنة المغادرة:

وهي المقارنة بين ظاهرتين أو أكثر أو حادثتين اجتماعيتين أو أكثر تكون أوجه التباين فيها أكثر من أوجه التشابه.

المقارنة الخارجية :

وهي مقارنة حوادث وظواهر اجتماعية مختلفة عن بعضها البعض.

المقارنة الداخلية :

تدرس حادثة واحدة داخلية لبيان أسبابها وتوضيحها

المقارنة الاعتيادية:

وهي مقارنة بين حادثتين أو أكثر من جنس واحد تكون أوجه التشابه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف.

ت _ خصائص المنهج المقارن

تتعدد وتختلف خصائص المنهج المقارن، ولكن هناك خصائص بارزة، أهمها: يهدف البحث المقارن إلى توضيح أوجه التشابه والاختلاف بين الكيانات أو البلدان أو الأفكار وندكر على سبيل المثال:

  • أن الدراسة المقارنة تعتمد على” التطبيقات”، بحيث لا دراسة مقارنة من دون تطبيقات يقيمها الباحث وينطلق منها.
  • تحديد سبب المقارنة ودوافعها، وهذا يذكر في المقدمة بكل وضوح، لأن تحديد السبب يعين على الوصول إلى النتيجة بسلام.
  • تحديد الهدف والقصد من المقارنة، وهي خاصية أساسية مثل السابقة، تذكر في المقدمة أيضا، وتُحدَّد بوضوح وإلا كان البحث عبثا.
  • تعيين الدراسات السابقة، وذكر من سبق إلى هذا الموضوع، ومن تكلم فيه، وما الجديد الذي ستضيفه هذه الدراسة، تُذكر في المقدمة، وتُحدد بدقة، وإذا ذُكِرتْ يُعلق الباحث عليها تعليقا علميا.
  • من خصائص المقارنة التحلي بروح العلم والإنصاف، والبعد عن الغلو والتطرف، ونبذ التعصب للمذهبية والطائفية والعرقية إلخ، وهذا من أخلاق وآداب العلماء التي يجب التحلي بها في المقارنة وفي غيرها من المناهج المعتمد في البحوث الأكاديمية القانونية.

الفقرة الثانية: شروط المنهج المقارن وخطواته

من المعلوم أن المنهج المقارن يستخدم استخداما واسعا في الدراسات القانونية والاجتماعية كمقارنة ظاهرة اجتماعية بنفس الظاهرة في مجتمع آخر أو مقارنتها في بعض المجالات الاقتصادية والسياسية والقانونية .⁴

ومما لا شك فيه أن المنهج المقارن لديه شروط وخطوات يتعين الالتزام بها وذلك للوصول إلى الغاية المرجوة من المقارنة المنهجية وبالتالي سنتطرق في هذه الفقرة إلى الشروط المقارنة (أ) ثم لمراحل وخطوات التي يتعين سلوكها في المنهج المقارن (ب).

أ _ الشروط

للوصول الي مقارنة منهجية سليمة التي تهدف إلى تحقيق دراسة أدق وأوفي تفصيلا في ميدان المقارنة التطبيقية يجب توافر شروط التالية في الدراسة القانونية المقارنة.

  • يجب علي الباحث أن لا ترتكز المقارنة على دراسة ظاهرة واحدة وإنما تستند المقارنة إلى دراسة مختلف أوجه الشبه والاختلاف بين ظاهرتين أو أكثر.
  • أن يسلط الباحث على الشيء موضوع الدراسة ويجمع معلومات كافية وعميقة حول الموضوع.
  • أن تكون هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف فلا يجوز مقارنة ما لا يقارن لأنه أساس المقارنة البحث عن أوجه التشابه وأوجه الاختلاف.
  • تجنب المقارنات السطحية والتعرض من الجوانب أكثر عمقا لفحص وكشف طبيعة الواقع المدروس وعقد المقارنات الجادة والعميقة.
  • تكون مقيدة بعاملي الزمان والمكان فلا بد أن تقع الحادثة الاجتماعية في زمان ومكان نستطيع مقارنتها بحادثة مشابهة وقعت في زمان ومكان آخرين .⁵
  • يجب ان تكون المقارنة بين نماذج أكثر منها قيمة حتى تكون هناك استفادة منها.

ب : الخطوات

فلا شك أن المنهج هو عبارة عن مجموع القواعد المتبعة في دراسة الظواهر الكشف حقائقها وأيضا لا يختلف اثنان في كون المنهج المقارن كغيره من المناهج يمر في دراسته بخطوات تتضمن لزوما تحديد المشكلة واختيار وحدات تحليلها وصياغة الفروض وتحديد المتغيرات.

تحديد إشكال البحث الخاضع للمقارنة:

يجب على الباحث بصفة عامة والباحث القانوني بصفة خاصة قبل أن يختار المنهج الذي سيعتمده في بحثه أن يقوم بتحديد إشكال البحث أو إشكالية البحث بدقة واضحة.

صياغة الاحتمالات وتحديدها:

عندما نقوم بتحديد الاشكال المبحوث عنه واختيار المنهج المعتمد تأتي مرحلة الاحتمالات التي يتعين على الباحث وضع فروض واحتمالات عدما يكون يقارن بين نظامين مختلفين كالقانون المغربي والقانوني المصري أو التونسي يعني يحدد الفرق واختلاف واحتمالات المحتملة بين الاشكاليتين.

تحديد المفاهيم والتعريفات المتعلقة بالموضوع البحث:

المفاهيم أو التعريف ضروري كنقطة انطلاق لجميع الظواهر المتباينة جغرافيا ولغويا، فالمفاهيم هي الدليل الذي يسترشد به الباحث في عملية المقارنة، وذلك حتى لا يبقى جهده مجرد تجميع وتصنيف للوقائع المتشابهة أو المختلفة بدون الربط بينها، فالتعريف بمفهوم موضوع البحث هو المادة الأساسية للمعرفة التي لا غنى عنها، لذلك يتعين على الباحث الذي يوظف المنهج المقارن ويحاول في بحثه المقارنة بين نظامين قانونيين قويين أن ينتبه من المفاهيم.

جمع المعلومات الكافية عن موضوع المقارن:

جمع البيانات والأدلة وتوضيحها عن طريق تحليلها تحليلا دقيقا واهم شيء أن يكون ملما باللغة موضوع الدراسة المقارنة ومغزى المشرع وراء وضع نص معين قبل إخضاعه للمقارنة.

الشرح والتفسير

الشرح هو القيام بتحليل وتفصيل كل النقط موضوع الدراسة واي اشكال يعترض الباحث والوقوف عنده لفهمه ثم تفسيره، وبالتالي تعد عملية التفسير عملية ذهنية التي يستخدمها الباحث للوصول لمقارنة متشابهة بين ظواهر اجتماعية مختلفة، غير أن تفسير الظواهر تعترضه بعض الصعوبات لان الظاهرة القانونية تختلف سياقها الاجتماعي والسياسي بالإضافة إلى تأثر الباحث أثناء عملية التفسير بمحيطيه الاجتماعي وبيئته الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على عملية المقارنة.

المطلب الثاني: أنواع المنهج المقارن ومجالاته

إن الحديث عن المنهج المقارن يقتضي أساسا الإحاطة بأنواعه وتطبيقاته (الفقرة الأولى)، قبل التعرض لمجالات تنزيله (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أصناف المنهج المقارن وتطبيقاته

باعتبار المنهج المقارن يستخدم استخداما واسعا في الدراسات القانونية والاجتماعية، إذ يعتبر هذا المجال من أهم مجالات تطبيق المنهج المقارن ، كمقارنة ظاهرة اجتماعية ينفس الظاهرة في مجتمع آخر، أو مقارنتهما في بعض المجالات الاقتصادية والسياسية والقانونية . هناك عدة تقسيمات للمنهج المقارن، لكن أهم أشكال المقارنة نجد المقارنة الداخلية والخارجية، ثم المنهج المقارن الرأسي والأفقي.

أ‌- المنهج الداخلي والمنهج الخارجي

  • يعتمد المنهج المقارن الداخلي على تحليل ظاهرة معينة، وذلك بمقارنتها مع نظيراتها من الظواهر داخل نفس المنظمة.

مثلا :

هناك بعض الدراسات القانونية التي عملت على مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين الدساتير المغربية المتعاقبة للسنوات 1970، 1972، 1992، 1996 فالمقارنة الداخلية تساعد على الفهم الجيد للقانون الوطني.

  • أما المنهج المقارن الخارجي فيعمل على تحليل مواضيع داخلية، وذلك بمقارنتها مع مثيلاتها الخارجية.

مثلا :

مقارنة الدستور المغربي بالدستور الفرنسي، أو الجرماني… وتشكل المقارنة الخارجية وسيلة لمعرفة القوانين الأجنبية.

اردنا دراسة مستقبل الجهوية بالمغرب دراسة مقارنة، فلابد من الانفتاح على أكبر عدد من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، وعدم التركيز على نموذج واحد أو اثنين لأنه سيمكننا من الاطلاع على قدر كبير من نقط القوة والضعف لدى تلك التجارب وبالتالي صياغة نموذج مغربي للجهوية الموسعة يلائم خصوصية المغرب من جهة، ويستفيد من الجوانب الايجابية للجهوية الموسعة للدول محل المقارنة.⁶

المنهج المقارن الرأسي والمنهج المقارن الأفقي

هنا يقع الاختلاف في طريقة القيام بالدراسة المقارنة.

  • فالمنهج المقارن الرأسي: يحاول الباحث من خلاله تناول المسألة الواحدة في القانونين محل المقارنة دون وضع فواصل أو حدود بين كل نظام.

فخطة المقارنة في هذا النوع من المنهج تستند على مقارنة الجزئيات في المباحث والمطالب ثم يستنتج منها الباحث بعد التحليل والموازنة نقاط القوة والضعف في تلك الأفكار الجزئية، وعند اتمام البحث يجد الباحث لديه كما هائلا من الملاحظات في الموازنة فيرتبها بوصفها نتيجة للبحث . ⁷

مثلا :

يمكن تناول موضوع التدليس في المعاملات المدنية بين الشريعة الإسلامية الغراء والقانون الوضعي، حيث يتعين بيان المقصود بالتدليس في الشريعة الإسلامية وفي القانون الوضعي في موضع واحد، ودون تفصيل لكل موضوع على حدة. ثم بعد ذلك تتم المقارنة في كل جزئية من جزئيات البحث.

  • أما المنهج المقارن الأفقي: فيعتمد فيه الباحث على توضيح كل جزئية من جزئيات البحث في الأنظمة محل المقارنة كل منها على حدة. ويمكن هذا النوع من المقارنة دراسة أفكار الموضوع بشموليته ودون تقطيع لهذه الأفكار والقفز عنها.

مثلا :

إذا أردنا تطبيق هذا النوع من المقارنة على المثال السابق سنجد أن البحث سيكون على الشكل التالي:

  • التدليس في الشريعة الإسلامية الغراء.
  • التدليس في القانون الوضعي
  • أوجه التشابه بين النظامين.
  • أوجه الإختلاف بين النظامين .

ت‌- تطبيقات المنهج المقارن في العلوم القانونية

يمثل المنهج المقارن في الدراسات القانونية أهمية كبيرة، إذ عن طريقه يطلع الباحث على التجارب القانونية للدول الأخرى ومقارنتها بالنظم القانونية الوطنية وبيان ما بينهما من أوجه اتفاق أو خلاف.

وبالموازنة بين هذا وذاك، للتوصل إلى نتائج محددة تكون قابلة للتحقق .

لقد عرف القانون المقارن تطورا معتبرا خلال القرن 19 بتأسيس جمعية التشريع المقارن بباريس سنة 1869 حيث تهتم دراسة القانون المقارن بمقارنة قوانين بلدان مختلفة لأجل معرفة أوجه التشابه وأوجه الإختلاف بين هاته القوانين كما يعمل على تفسير مختلف فروع القانون. فقد استعمل ماكس فسبر المنهج المقارن لدراسة المبدأ الذي تقوم عملية ممارسة السلطة في المجتمع وقد قارن وميز بين 3 أنواع من السلطات وهي:

السلطة التنفيذية: وهي السلطة التي تستند في أحكامها على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في بلد معين.

السلطة القانونية: وهي السلطة التي يستمد فيها الحاكم شرعية من القانون وهي السلطة التي تعمل بها المجتمعات المتقدمة.

بالرغم من ان المقارنة كمنهج قائم بذاته حديث النشأة ولكنها قديمة قدم الفكر الإنساني فقد استخدمها أرسطو وأفلاطون كوسيلة للحوار في المناقشة قصد قبول أو رفض القضايا والأفكار المطروحة للنقاش كما تم استخدامها أرسطو وأفلاطون كوسيلة للحوار في المناقشة قصد قبول أو رفض القضايا والأفكار المطروحة للنقاش كما تم استخدامها في الدراسات المتعلقة بالمواضيع العامة كمقارنة بلد ببلد آخر إضافة إلى استعماله في المواضيع والقضايا الجزئية التي تحتاج إلى الدراسة والدقة .⁸

الفقرة الثانية: مجالات تنزيل المنهج المقارن

للمنهج المقارن مجالات رئيسية يمكن أن تخضع للبحث المقارن تتمثل في:

1. يمكن أن يشمل ذلك دراسة السلوك السياسي مثلا كالتصويت، أو دراسة السلوك الإجرامي مثل المقارنة بين معدلات الجرائم وأنماطها في مجتمعات مختلفة أو دراسة السلوك الإنحرافي في أوضاع اجتماعية متباينة ودراسة الأساليب المختلفة.

2. دراسة نمو وتطور مختلف أنماط الشخصية أو الأنماط الدافعية والاتجاهات الاجتماعية في مجتمعات مختلفة وثقافات متعددة.

3. دراسة النماذج المختلفة من التنظيمات وعلى الأخص التنظيمات مثل نقابات العمال أو التنظيمات السياسية أو التنظيمات الصناعية في مجتمعات مختلفة ومتباينة .⁹

4. دراسة النظم الاجتماعية في مجتمعات مختلفة والمعايير والقواعد القانونية وتحليل المعايير النظامية العامة كدراسة الزواج والأسرة والقرابة.

المعتقدات الدينية ودراسة العمليات والتطورات التي تطرأ على النظم الاجتماعية مثل تطور ودراسة بعض النظم الفرعية كالعادات والفولكلور وهي دراسة وثيقة الصلة بالأنساق الثقافية.

5. تحليل مجتمعات كلية وعادة ما تتم المقارنة بين المجتمعات وفقا للنمط الرئيسي السائد للنظم أو التوجهات الثقافية.

وقد استخدم جون هوارد المنهج المقارن فبعد أن درس السجن والمسجونين في انجلترا قام بدراسة مقارنة لظروف السجون في عدد من الدول الأوربية واهتم بتأثير الثورة الصناعية وتعاليم الدين في إعادة توطين المسجونين اجتماعيا في مناطق مختلفة من انجلترا .

خاتمة

وفي الختام يتضح أن استخدام المنهج المقارن وإجراء المقارنة ليس هو الهدف بحد ذاته، بقدر ما يكون الهدف هو استخلاص نتائج معينة حول الحالة أو المسألة المبحوثة باستغلال مجمل العناصر التي تمت مقارنتها.

ورغم أن المقارنة كمنهج قائم بذاته حديث النشأة ولكنها قديمة قدم الفكر الإنساني، فقد استخدمها ارسطو وافلاطون كوسيلة للحوار في المناقشة قصد قبول أو رفض القضايا والأفكار المطروحة للنقاش، كما تم استخدامها في الدراسات المتعلقة بالمواضيع العامة كمقارنة بلد ببلد آخر، إضافة إلى استعماله في المواضيع والقضايا الجزئية التي تحتاج إلى الدراسة والدقة، كما أسهمت الدراسات المقارنة بالكشف على أنماط التطور واتجاهاته في العظم الاجتماعية.

وعليه وما تجدر الإشارة إليه هو أن المنهج المقارن شأنه شأن باقي المناهج لم يسلم من توجيه بعض الانتقادات له، والمتمثلة أساسا في كونه لا يحدد بدقة المعايير التي يجب اعتمادها في توظيف هذا المنهج أو ذاك في دراسة الحالات أو المسائل البحثية والمتعلقة بموضوع يندرج في إطار البحث العلمي في العلوم الاجتماعية عامة وفي العلوم القانونية خاصة.


¹ _ ادريس الفاخوري، مدخل لدراسة مناهج العلوم القانونية، مطبعة دار النشر الجسور، الطبعة الثانية 2007، ص 2.

² _ أحمد عبد الحميد الخالدي الوجيز في المناهج وإعداد البحث العلمي، دار الكتب القانونية، مصر، طبعة 2009، ص 61.

³ _ بحث باسم منهجية ومناهج البحث العلمي وتطبيقها في القانون، من الموقع http://www.4shared.com/document/wg../ تاريخ الإطلاع على الرابط الاليكتروني 16 أكتوبر 2024 على الساعة السابعة مساءً.

⁴_ رشيد بنعياش، محاضرات في منهجية العلوم القانونية والاجتماعية كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، السويسي، الرباط، ص 75.

⁵ _ صالح طاليس، المنهجية في دراسة القانون، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى، س 2010، ص36.

⁶ _ مصطفى حسيني، مناهج العلوم القانونية والاجتماعية، مطبعة قرطبة، طبعة 2017/2018، ص35.

⁷ _ مصطفى حسيني، م س، ص36.

⁸ _ محمد بوبوش، منهاج البحث في العلوم الاجتماعية والقانونية، مطبعة الجسور وجدة، الطبعة الأولى، س 2016، ص55.

⁹ _ نفس المرجع ص 56

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك