القانون الجنائي للأعمال

0
(0)

مقدمة عامة:

لقد وقع الاهتمام حديثا بجرائم ترتكب في إطار ممارسة أنشطة اقتصادية، ويعود الفضل في إثارة الانتباه إلى ذلك للأستاذ الأمريكي Sutherland في محاضرة له سنة 1939 وكتابه سنة 1949 حول نفس الموضوع: جرائم ذوي الياقات البيضاء [1]White collar crimes.

فقد وجه الاهتمام إلى إجرام يرتكب من قبل أشخاص لهم مكانة اجتماعية واقتصادية عالية في معرض ممارستهم لأنشطتهم المهنية، وذلك بعد أن كان علم الإجرام التقليدي يركز على المجرم الفقير أو المهمش يرتكب جرائم مالية أحيانا بسيطة ويجد نفسه بسبب ذلك في السجن.

وقد تعمقت دراسات هذا النوع من الإجرام من زاوية علم الإجرام والاقتصاد والقانون خاصة منذ السبعينات من القرن الماضي، وذلك في اتجاه يدفع إلى استقلاليته عن الإجرام العادي وجرائم الأموال التقليدية الواردة في المدونات الجنائية، لكن من الناحية القانونية وفي غياب تسمية رسمية بل وغياب عنوان خاص بهذه الجرائم في جل المدونات الجنائية مثل المجموعة الجنائية المغربية، وكون الجرائم التي تكون هذه الفئة توجد عادة في نصوص خاصة متفرقة خارج المجموعات الجنائية كما هو الشأن في المغرب، فقد اختلف الفقه كثيرا حول تسمية ومضمون هذا الفرع القانوني الحديث الذي يراد له أن يكون مستقلا عن القسم الخاص الوارد في المدونات الجنائية.

1- اختلاف حول التسمية:

من التسميات المتداولة في هذا الإطار نذكر:

– القانون الجنائي للأعمال: وهي الأكثر استعمالا اليوم، وقد سبق الفقه التجاري أن مهد الطريق لانتشارها بتكريسه مادة قانون الأعمال ويعد القانون التجاري نواته الأصلية، وبالتالي فالقانون الجنائي للأعمال يكمل ذلك، إذ يركز على الإجرام الذي يرتكب في إطار المقاولة سيما تأسيس وإدارة الشركات أو إدارة الأنشطة الاقتصادية (الأعمال) بصفة عامة.

– القانون الجنائي الاقتصادي: وهو يكمل القانون الاقتصادي وما يضم من مقتضيات تهم التنظيم الاقتصادي، سيما الانتاج والتوزيع والاستهلاك، فهذه التسمية تركز على الطبيعة الاقتصادية لهذه الجرائم.

– القانون الجنائي الاقتصادي والمالي: وهو يوسع نطاق التسمية السابقة لتشمل أيضا الجرائم المالية سيما ما يتعلق بالصرف-الجمارك…

2- اختلاف حول تحديد مضمونه:

يختلف الفقه في تحديد مضمون هذا القانون بين التوسع والتضييق.

– مضمون واسع: يمكن ربط هذا المضمون بالجرائم التي تحمي النظام العام الاقتصادي، وهذا يرتبط بمدى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بهدف حماية مصالح أساسية اقتصادية ومالية بعضها تقليدي مثل ما يحمي العملة والصرف والجمارك، ومنها ما هو حديث مرتبط بمظاهر تدخل الدولة الحديث في الحياة الاقتصادية كحماية المنافسة وحرية الأسعار أي حماية مبادئ النظام الاقتصادي وحسن سير مؤسساته.

وجرائم مالية أخرى مثل التأمين – البنوك – البورصة، وجرائم الشركات وما يرتكب خاصة عند تأسيسها أو إدارتها.

ويمكن التوسع أكثر بتمديد نطاقه إلى جرائم تحمي مصالح اجتماعية أساسية تحتك بها المقاولة، بمناسبة ممارسة نشاطها الاقتصادي، نذكر خاصة مصلحة المستهلكين والجرائم المقررة لحمايتها، ويمكن أن نضيف من هذه الزاوية مصلحة العمال والجرائم المقررة لحمايتها.

– مضمون ضيق: يمكن أن ننطلق في تحديد مضمون القانون الجنائي للأعمال من المقاولةِ, فتكون الجرائم المكونة للقانون الجنائي للأعمال هي التي ترتكب في إطار المقاولة ولها علاقة بنشاطها الاقتصادي. فتأسيس شركة وهمية للقيام بالنصب تدخل في إطار جريمة النصب الواردة في المجموعة الجنائية وليس ضمن القانون الجنائي للأعمال.

فهذا المعيار يمكننا من معرفة متى تطبق جرائم تقليدية عامة واردة في المجموعة الجنائية خاصة النصب وخيانة الأمانة، أو واردة في مدونة التجارة مثل جريمة الشيك بدون مؤونة في إطار إجرام الأعمال أيضا.

3- الجرائم المكونة للقانون الجنائي للأعمال:

إذا كانت المجموعة الجنائية تضم بعض الجرائم القابلة للتطبيق في مجال الأعمال كما سبق بيانه، وكذا بعض ما تضمنته مدونة التجارة مثل جريمة الشيك بدون مؤونة، فإن جل الجرائم المرتبطة بالأعمال أو الاقتصاد والمكونة للقانون الجنائي للأعمال أو القانون الجنائي الاقتصادي والمالي توجد في نصوص خاصة متفرقة خارج المجموعة الجنائية: فالجرائم المتعلقة بتأسيس وإدارة الشركات توجد في قوانين الشركات، والجرائم المتعلقة بالنظام الاقتصادي توجد أساسا في قانون حرية الأسعار والمنافسة، والجرائم المتعلقة بالغش في البضائع توجد في قانون زجر الغش في البضائع، وحماية العلامة التجارية والصناعية توجد في قانون حماية الملكية الصناعية، وجريمة الاشهار الكاذب أو المضلل توجد في قانون حماية المستهلك الذي يضم أيضا جرائم مقررة لحماية المستهلك، وهكذا فنحن أمام نصوص خاصة وكثيرا ما توجد لها نصوص تنظيمية تطبيقية تنمو خارج المجموعة الجنائية مما سهل شكلا الحديث عن فرع جنائي مستقل.

4- الملامح العامة لجرائم الأعمال:

بالرغم من كون الجرائم المكونة للقانون الجنائي للأعمال توجد في نصوص متفرقة يصعب معه أحيانا الحديث عن فئة منسجمة قائمة الذات تستحق الاستقلال عن القسم الخاص من المجموعة الجنائية، فإن هناك بعض الملامح والخصائص التي تجمع بينها رغم تفرقها شكلا، نرى أن نقف عند أهمها فيما يلي:

+ جرائم مرتبطة بالنظام الاقتصادي المتبع في الدولة: أي ما إذا كان ليبراليا أو موجها أو اشتراكيا، فسياسة الدولة الاقتصادية والمالية تلعب دورا كبيرا في تحديد هذه الجرائم،        ومن هذه الزاوية نلاحظ أهمية ارتباط هذا الإجرام بالمقاولة الخاصة أي اقتصاد السوق، فبالرغم من أن الإجرام الاقتصادي بمفهومه الواسع يمكن أن يرتكب في إطار المقاولات الاقتصادية العامة أو المؤسسات المالية العامة كتحويل أموالها، فالضحية هنا تكون الدولة بفعل موظفيها أو من في حكمهم وهو ما يدخل في إطار جرائم الاختلاس أو تبديد أموال عمومية الواردة في المجموعة الجنائية ولها مسطرة خاصة (المحاضرة).

+ إجرام يهدد أو يلحق ضررا بمصالح عامة أساسية: وخاصة مصالح اقتصادية للدولة، سيما في إطار اقتصاد ليبرالي منفتح على الخارج السائد اليوم: فالإخلال بمبادئ النظام الاقتصادي والسير العادي لمؤسساته يحدث ضررا اقتصاديا عاما يصعب تحديده بالمعايير التقليدية، إذ قد يأخذ صورة فقدان الثقة في النظام الاقتصادي للدولة ومؤسساته من قبل المستثمرين والممولين، وفقدان ثقة الجمهور في المعاملات التجارية.

وهو ما يبرر أهمية الجرائم التي تحمي مبدأ المنافسة المشروعة المنصوص عليه في الدستور ومبدأ حرية الأسعار، وذلك بقانون حرية الأسعار والمنافسة، فقد نص الفصل 35 من دستور 2011 على مبدأ حرية المبادرة والمقاولة ومبدأ المنافسة المشروعة ونص الفصل 36 منه على أنه يعاقب القانون على الإخلال بها، يضاف إلى ذلك أهمية الجرائم المتعلقة بتأسيس وإدارة الشركات حماية للشركاء والمستثمرين والادخار، ونزاهة الفعل الاستثماري ومناخ الأعمال وجلب الاستثمارات.

+ إجرام يبحث عن الربح غير المشروع: فهو مرتبط بالأعمال وهذه الأخيرة قاعدتها الأساسية هي السعي إلى الربح، فالربح من العناصر القانونية للشركة، لكن يجب أن لا يكون ذلك على حساب مصالح أخرى.

+ إجرام يرتكب في إطار منافسة وطنية ودولية وتحولات اقتصادية: ومن هذه الزاوية يخشى أن تقوم به شركات قوية بحكم الانخراط في حرية تداول السلع والخدمات، وبالتالي فتح المجال لإجرام ببعد دولي له قدرة كبيرة على تهديد مصالح اقتصادية واجتماعية أساسية للدولة، من بينها خطر الاخلال بالمنافسة أو إغراق السوق بمنتجات مغشوشة أو بأسعار منخفضة جدا.

+ إجرام صعب الاكتشاف: وذلك لقدرة مرتكبيه على تنظيم ارتكاب هذا النوع من الإجرام واستغلال الثغرات القانونية والتنظيمية وقدرتهم على اخفائه قصد الاستمرار في   جني مكاسبه واستعانتهم في ذلك باستشارات متخصصين ومهنيين، ثم إن الضحايا المباشرين قلما يدركون ذلك وإن أدركوه لا يبلغون عنه سيما وأنهم متفرقون لا يعرف بعضهم البعض, ثم ليس لهم الوقت والقدرة المالية لعرض الأمر على الجهات المختصة ومواجهة خصم يرونه متفوقا عليهم ماليا وفكريا، من ذلك ضحايا اشهار كاذب أو مضلل عابر للقارات، وضحايا غش تجاري واسع النطاق.

+ صعوبة الرقابة الشاملة على الأنشطة الاقتصادية: يلاحظ أنه يصعب على الجهات المكلف بالرقابة على الأنشطة الاقتصادية والتجارية أن تقوم برقابة مستمرة وشاملة، إذ يتطلب ذلك موارد بشرية ومالية كبيرة، وبالتالي نلاحظ أن اكتشاف هذا النوع من الإجرام يكون عادة بالصدفة في إطار حملات موسمية، أو بالنظر لما ترتبت عنه من أضرار جسيمة لعدد من الضحايا  مساهمة الإعلام في التعريف بها، وإن كان لا يعول كثيرا على الإعلام  في هذا المجال لخطر وجوده أحيانا تحت تأثير عالم الأعمال بفعل ما يقدم لصالحه من اعلانات تجارية وغيرها من مظاهر تداخل المصالح.

كما لا يعول كثيرا على الرأي العام أمام إجرام معقد في إطار معاملات تجارية معقدة, بل قد يرى ضحيتها المنفرد في غياب جمعيات حماية المستهلكين منظمة وقوية أنه بدوره أخل بواجب الحذر والاحتياط، أو لا يستطيع مواجهة خصم قوي.

5- ملامح فئة خاصة من المجرمين:

لقد أشرنا سابق أنه كثيرا ما اهتم علم الإجرام التقليدي بمجرم فقير، مهمش، عاطل عن العمل.. يرتكب بعض جرائم الأموال خاصة سرقة أو نصب أو خيانة الأمانة، فيجد نفسه بسبب ذلك في السجن، إلى أن وجه الأستاذ  sutherland الاهتمام إلى إجرام يرتكبه شخص له مكانة اجتماعية واقتصادية عليا، مما يطرح التساؤل عن عوامل إجرامه، وبالتالي فنحن أمام مجال جديد لعلم الإجرام، فما لا شك فيه أن العوامل الداخلية والخارجية لهذا النوع من المجرمين تختلف كثيرا عن عوامل إجرام المجرم التقليدي الفقير، ويمكن الإشارة إلى بعضها:

– الرغبة في الربح السريع واستغلال الفرص المتاحة: فالمجرم هنا يندفع إلى هذا الإجرام بالنظر لما يوفر له من مكاسب في إطار منافسة وطنية وأجنبية، فهو يخطط وينظم وينفذ إجرامه مع العمل ما أمكن على ضمان اخفائه واستمرار الاستفادة من مكاسبه المادية وغير المادية؛

– استغلال وضعية عدم المتابعة عن هذا الأجرام إلا استثناءا: وذلك لصعوبة اكتشافه أو التساهل الحاصل أحيانا في الجزاء المحكوم به في بعض القضايا؛

– استغلال التحولات الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز مكانته في السوق: من ذلك ارتكاب جرائم من أجل الاستفادة من اعانات، أو صفقات عمومية, أو القيام بتصدير أو استيراد مواد مغشوشة أو مهربة استغلالا لظرفية اقتصادية صعبة؛

– تقليد مجرمين آخرين: إن الإجرام المربح الذي لا يتم اكتشافه يمكن أن تنتقل عدواه بسهولة في الوسط الاقتصادي في غياب أخلاقيات تمنع ذلك.

وبناء على ما سبق فنحن أمام إجرام ومجرم يختلف إلى حد كبير عن الإجرام التقليدي والمجرم التقليدي مما يطرح إشكالية الجزاء المناسب: فهذا المجرم لا يحتاج لتأهيل وإعادة الادماج بحكم وضعيته السوسيومهنية العالية، لكن إجرامه يهدد مصالح أساسية اقتصادية واجتماعية للدولة، وقد يؤثر على صناعة القرار داخلها بحكم تداخل المناطق الاقتصادية والسياسية في إطار تراجع تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ودعمها لاقتصاد السوق وجلب الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي.

 

الفصل الأول: خصوصيات القانون الجنائي للأعمال

القاعدة أن الأحكام العامة المقررة في مجموعة القانون الجنائي تسري على الجرائم التي تتضمنها النصوص الخاصة المكونة للقانون الجنائي للأعمال –أو القانون الجنائي الاقتصادي- ما لم يقع النص صراحة على ما يخالفها، مع ملاحظة أنه لا يمكن النص على مخالفة قاعدة جنائية تضمنها الدستور، وبالتالي أصبحت لها قيمة دستورية تفرض نفسها على المشرع من ذلك مبدأ شرعية التجريم والعقاب، وعدم رجعية القانون.

لكن بالرغم من القاعدة السابقة، فالملاحظ أن الجرائم الاقتصادية أو الجرائم المتعلقة بالأعمال تعد مجالا خصبا لتجاوز الأحكام العامة المقررة في المجموعة الجنائية للجريمة أو المجرم أو الجزاء، تجاوزات لها ما يبررها أحيانا وفي نفس الوقت تفرز خصوصيات هذه الجرائم نتعرض لها باختصار فيما يلي:

أولا: خصوصيات الركن القانوني لجرائم الإعمال:

القاعدة أن السلوكات المجرمة وعقوباتها يجب أن تكون محددة سلفا بمقتضى قانون، وبشكل واضح ودقيق ما أمكن طبقا لمبدأ شرعية التجريم والعقاب المنصوص عليها في الفصل 3+ الفصل 1 من مجموعة القانون الجنائي والفصل 23+ الفصل 71 من الدستور.

وقد أوصى المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات بخصوص التشريعات التي تهدف حماية المصالح الاقتصادية إلى وجوب صياغتها في نصوص دقيقة لا لبس فيها ولا تأويل، وإيصالها للناس بكافة وسائل الإعلام واستبعاد أي أثر رجعي لها، لكن في مجال القانون الجنائي للأعمال نلاحظ أن هذه القاعدة تعرف تجاوزات وإن كانت ليست خاصة به فإنها هنا تعرف نطاقا واسعا، ومن تجلياتها:

1- تقنية الصياغة المرنة وغير المحددة لما هو مجرم:

إذا كانت القاعدة أن الصياغة الجنائية يجب أن تكون دقيقة ومحددة نظرا لما يوفر ذلك من أمن قانوني للمخاطبين بها، فالملاحظ في مجال جرائم الأعمال كثرة لجوء المشرع إلى مفاهيم غير محددة تحديدا قانونيا، وأحيانا بتحديد مرن مما يعطي فرصة التوسع في التفسير القضائي عند تطبيقها، وخطر تهديد الأمن القانوني، من ذلك تجريم وعقاب الممارسات المنافية لقواعد المنافسة المادة 6+7+75 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.

أ- مبرراتها:

+ إن القانون الجنائي الاقتصادي كثيرا ما فضل بحكم طبيعته أن يدمج في صياغته مفاهيم اقتصادية لها دلالتها في علم الاقتصاد بدل تعداد وقائع اقتصادية قد يضم ثغرات؛

+ إن التحديد الدقيق للمفاهيم المستعملة يخشى معه أن يعجز عن مسايرة التطور السريع للأوضاع الاقتصادية، وقدرة المجرم الاقتصادي على استغلال ثغرات القانون والافلات من العقاب، وهو ما يضر بالسياسة الاقتصادية والسياسة الجنائية في المجال الاقتصادي؛

+ المرونة تمكن القضاء من جعل النص يساير التطور السريع للأوضاع الاقتصادية، ويساير الممارسات المستجدة ويستوعبها بالسرعة المطلوبة.

ب- عيوبها:

+ إن هذه الصياغة لا تطابق مطلب ومبدأ التحديد الدقيق للوقائع المجرمة حتى تتاح فرصة العلم بها مسبقا طبقا لمبدأ شرعية التجريم ومبدأ الأمن القانوني؛

+ تمنح صلاحيات واسعة للقضاء في التفسير وما قد يرتبط بذلك من خطر التعسف، واختلاف التطبيقات القضائية بفعل التفسير بحسب الأحوال والظروف وتطور الأوضاع الاقتصادية، كما أن هذا التفسير سيكون اقتصاديا أكثر منه لقواعد جنائية؛

+ تبعية القانون للاقتصاد: فعدم التحديد أو الصياغة المرنة من شأنه أن يجعل القضاء يتبع تطور وتطوير المفاهيم الاقتصادية المستعملة متقفيا خطى الاقتصاديين ومتجاوزا إلى حد ما صلاحية المشرع في التجريم، ومحاولته سد الفراغ الناتج عن المستجدات الاقتصادية.

2- تقنية النصوص الجنائية المركبة:

القاعدة في المدونات الجنائية التقليدية أن النص الجنائي يضم من جهة أولى وصف ما هو مجرم ومن جهة ثانية تحديد الجزاء المترتب عن ارتكابه، من ذلك مثلا جريمة القتل عمدا (الفصل 392 من مجموعة القانون الجنائي)، وجريمة السرقة (الفصل 505 من نفس المجموعة).

لكن في مجال جرائم الأعمال نلاحظ أن القاعدة هي توزيع التجريم والجزاء بين أكثر من نص مما يجعل أحيانا تحديد ما هو مجرم عملية معقدة ومركبة، فقد يحدد المشرع الجزاء في مادة عن مخالفة ما سبق له تحديده في أكثر من مادة، من ذلك المادة 173 من قانون حماية المستهلك إذ عاقبت بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم “على مخالفة أحكام القسم الثاني من هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه”. ويتعلق القسم الثاني بتنظيم التزام إعلام المستهلك.

والمادة 75 من قانون حرية الأسعار والمنافسة إذ عاقبت ما سبق تجريمه في المادة 6-7 من ممارسات منافية للمنافسة المشروعة.

بل إن المادة 78 من قانون حرية الأسعار والمنافسة تعاقب على مخالفة الباب الأول من القسم السادس والمادتين 65 و67 والنصوص المتخذة لتطبيقه.

3- تقنية الإحالة على نصوص تنظيمية:

تعد هذه الوضعية سائدة في مجال القانون الجنائي للأعمال، فكثيرا ما يحيل على نصوص تنظيمية تملأ الإطار العام الذي يحدده المشرع للتجريم، فتفاصيل ما هو مجرم يسندها لنصوص تنظيمية تساهم بشكل أو بآخر في تحديد ما هو مجرم كما هو واضح من الأمثلة السابقة وغيرها مما سنراه فيما بعد.

أ- مبرراتها:

+ أغلب التنظيمات الاقتصادية يغلب عليها الطابع التقني، وتحتاج لمتابعة وملاءمة مستمرة حسب تطور الظروف الاقتصادية والمتغيرات، مما يجعل الإدارة المعنية بها أكثر قدرة على القيام بذلك في الوقت المناسب بدل المشرع إذ يصعب عليه الإلمام بالأبعاد المختلفة، نظرا لما تتطلب من دراسة تقنية، ويصعب عليه التدخل في الوقت المناسب لتعديلها أو إلغائها بحسب تغير الظروف.

+ الإحالة على النصوص التنظيمية تمكن النص التجريمي من التحديد المناسب، ويجعله يواكب حركية وتعقيد العلاقات الاقتصادية الداخلية والخارجية.

ب- عيوبها:

بالرغم من الفائدة العملية لتقنية الإحالة على نصوص تنظيمية وأهمية مبرراتها، فإنها من زاوية أخرى يمكن أن توجه إليها بعض المآخذ منها:

+ تنال من مبدأ شرعية التجريم بتدخلها في تحديد ما هو مجرم بقواعد أقل درجة من التشريع؛

+ تطرح التساؤل حول مدى دستورية إحالة المشرع جزءا من صلاحية التجريم إلى السلطة التنفيذية؛

+ تتضمن خطر توسيع نطاق القانون الجنائي، فالتنظيم قد يتضمن ما لا يستحق زجرا جنائيا أو تفاصيل زائدة مما يعد سببا أساسيا في تضخم التشريعات الجنائية وصعوبة العلم بها من قبل المخاطبين بها، إذ يصعب حصر الأنظمة وتتبع تعديلاتها، مثال ذلك الأنظمة التطبيقية لقانون زجر الغش في البضائع، مما جعل المشرع يشترط أحيانا أن يشتمل محضر المخالفة تحديد النصوص التي تمت مخالفتها من ذلك الفصل 26 من قانون زجر الغش في البضائع، يضاف إلى ذلك أن هناك حرية كبيرة للإدارة المعنية في صياغة التنظيم وتعديله، وتاريخ وضعه, إذ عادة لا يقدم مرفقا بمشروع القانون الذي يحيل عليه، فنحن أمام إحالة على بياض من حيث المضمون والتاريخ وصلاحية التعديل أو الإلغاء.

4- الإحالة أحيانا على الأعراف:

بالرغم من قاعدة شرعية التجريم والعقاب والتي لها قيمة دستورية، فإن القانون الجنائي الاقتصادي أحال أحيانا على الأعراف التجارية والمهنية في باب التجريم.

وهكذا فقد جاء في الفصل 1 من قانون زجر الغش في البضائع: “يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الشيء المصرح به، أو قام خرقا لأحكام هذا القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه أو خلافا للأعراف المهنية أو التجارية، بعملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغييرهما…”

فالعرف المهني أو التجاري الثابت وغير المخالف للتشريع يلعب دورا هنا في تحديد الركن المادي لجريمة الغش عن طريق التزييف.

5- صعوبة التفسير:

إن القانون الجنائي للأعمال بالنظر لمجال تدخله في حياة الأعمال والاقتصاد كثيرا ما يضم نصوصا غامضة بمفاهيم اقتصادية ومالية، وأحيانا مع وجود نصوص تنظيمية تقنية معقدة مما يطرح صعوبات على مستوى تفسيرها:

أ- التفسير القضائي:

هناك من يرى عدم إخضاع هذه النصوص الاقتصادية لقاعدة التفسير الضيق المعمول في القانون الجنائي، وأن يمكن القاضي من صلاحية واسعة في التفسير بهدف استجلاء الغموض والتخلص من عيوب النص الظاهرة، وقصوره عن مسايرة تطور الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي أن لا يفسرها وفق إرادة المشرع عند وضعها بل على ضوء الهدف منها، أي اللجوء إلى تفسير واسع ومتطور خدمة لحركية ومرونة القانون الجنائي للأعمال.

لكن هذه الصلاحية الواسعة في التفسير في عمقها تكمل النص ولا تخلو من خطر التعسف سيما وأن مجالها واسع، من ذلك حالة استعمال المشرع عبارة كل ما من شأنه.. فهو يترك عمدا التجريم مفتوحا من حيث الأفعال ومحددا من حيث الهدف، كما هو الأمر في جريمة الاشهار الكاذب أو المضلل، وجريمة الممارسات المنافية لحرية الأسعار والمنافسة، كما سنرى.

ب- التفسير الإداري:

 إن الإدارة المعنية بتطبيق القانون الجنائي الاقتصادي أو المالي أو للأعمال ومن أجل التغلب على صعوبات التطبيق من قبل موظفيها كثيرا ما تلجأ إلى تفسير هذا القانون أو النص التنظيمي المتعلق به عن طريق مناشير، وبالرغم من كون المناشير مجرد إجراء داخلي يهم الإدارة المعنية لكن لها أهمية عملية وتأثيرا على التفسير القضائي، لأنها تكون صادرة عادة عن الإدارة التي ساهمت في وضع مشروع القانون أو النص التنظيمي، ولها دراية بأهدافه وبجوانبه التقنية أكثر من غيرها.

 

ثانيا: خصوصيات الركن المادي

يتميز الركن المادي في كثير من الجرائم المكونة للقانون الجنائي للأعمال بعدة مميزات أهمها:

1- صعوبة ضبط الركن المادي للجريمة:

يمكن رد هذه الصعوبة إلى كثرة لجوء المشرع إلى عبارات عامة، واستعماله مفاهيم اقتصادية دون تحديد خاص، مما يعني الإحالة الضمنية على دلالتها في مجالها الطبيعي الاقتصادي وما قد تعرفه من تطور، فقانون حرية الأسعار والمنافسة لم يعرف المنافسة ولم يعرف حرية الاسعار، ولم يحدد مفهوم ما يخل بالمنافسة كما سنرى، وقانون زجر الغش في البضائع لم يعرف البضاعة وفي جريمة الاشهار الكاذب أو المضلل لم يعرف المشرع الاشهار وهكذا.. (المحاضرة).

2- توسع نطاق الركن المادي:

من مظاهر هذا التوسع عقاب المشرع أحيانا على مخالفة مقتضيات تضمنتها أكثر من مادة سابقة على المادة التي تضمنت الجزاء كما ورد في أمثلة سابقة وغيرها مما سنتعرض له، وهي إحالة داخلية على أكثر من نص (المحاضرة).

بل إن المشرع قد يعاقب على مخالفة أنظمة تطبيقية، فهذه الإحالة على نص تنظيمي تمنح لسلطة إدارية فرصة التدخل لتحديد نطاق ما هو مجرم، كما أن هذه الأنظمة عادة تكون مفصلة وتقنية ويتحقق الركن المادي بمخالفتها.

3- تجريم أكثر من سلوك ضمن نفس النص وإخضاعه لنفس العقوبة:

نلاحظ أنه إذا كانت التقنية التشريعية التقليدية تجرم عادة سلوكا واحدا وتعاقب عليه في نفس النص مثال القتل العمد-السرقة (انظر المحاضرة) فإن القانون الجنائي للأعمال كثيرا ما يجمع عددا كبيرا من السلوكات المجرمة ضمن نفس النص الذي يحدد نفس الجزاء المقرر لها.

من ذلك الفصل 5 من قانون زجر الغش في البضائع الفقرة 5 إذ عاقب كل من استورد منتجات أو حاول استيرادها أو صنعها أو عرضها أو قدمها للبيع أو باعها أو وزعها وهو يعلم أنها معدة لتزييف مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان…

فهناك تعدد صور الركن المادي وبالتالي تعدد الجرائم مع وحدة العقوبة المقررة حالة ارتكاب أي منها، أي سلسلة من التجريمات في نفس الفصل مع وحدة العقوبة من باب وحدة المصلحة المعنية وزجر سلوكات تهددها.

وتأخذ هذه الظاهرة حجما أكبر حالة تحديد عقوبة عن مخالفة مقتضيات تضمنتها مواد سابقة أو باب أو قسم من نفس القانون كما سبقت الإشارة إليه… (المحاضرة).

4- توسع نطاق التجريم إلى أعمال تحضيرية أو ما دون ذلك:

إذا كانت القاعدة العامة في القانون الجنائي أن الأعمال التحضيرية لارتكاب جريمة غير معاقبة إلا استثناءا وبنص خاص، فالملاحظ أن القانون الجنائي للأعمال من باب الوقاية وحماية للحق أو المصلحة المعنية كثيرا ما يتدخل لتجريم عدد من السلوكات تقع بعيدا عن مرحلة الشروع في التنفيذ لتفادي خطرها، من ذلك عقاب قانون زجر الغش في البضائع عن مجرد استيراد منتجات أو محاولة استيرادها أو صنعها أو عرضها أو تقديمها للبيع أو بيعها أو توزيعها مع العلم أنها معدة لتزييف مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان… الفصل 5 فقرة 5. كما عاقب عن مجرد حيازة دون سبب مشروع في الأماكن التجارية أو ملحقاتها مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان يعلم أنها مزيفة أو فاسدة أو سامة فصل 6 فقرة1.

5- توسع نطاق جرائم الامتناع:

القاعدة أن القانون الجنائي التقليدي يقوم على المنع وبالتالي فأغلب جرائمه ترتكب بفعل: منع قتل الغير, منع سرقة شيء مملوك للغير، أما القانون الجنائي للأعمال فيتضمن عددا كبيرا من الجرائم تقوم على عدم القيام بالتزامات قانونية أو إدارية محددة، فهي جرائم ترتكب بالامتناع من ذلك التزام بإعلان السعر وجريمة عدم إعلان السعر، التزام بإخبار المستهلك بمعطيات محددة متعلقة بالسلعة أو الخدمة وجرائم عدم إخباره بذلك في قانون حماية المستهلك.

والملاحظ أن هذه الالتزامات تكون أحيانا صعبة التحديد من حيث المضمون والنطاق ومتى تنشأ ومتى يكون الاخلال بها معاقبا: ذلك أنه كثيرا ما تصاغ في النص التجريمي بشكل عام ومرن, وأحيانا يصعب تحديدها وفق التقنية التشريعية العادية فيحال الأمر على نص تنظيمي يصدر لاحقا وفي غيابه لن يكون التجريم واضحا ومحددا، وعادة بعد مدة يصدر النص التنظيمي مفصلا وتقنيا، يصعب أحيانا إدراك مضمونه من قبل غير المختصين.

كما أن تحديد ما هو مجرم في هذه الحالة يقتضي إعادة بناء المقتضيات التشريعية والتنظيمية في مجموعها لتحديد الالتزامات التي يعاقب القانون على الاخلال بها.

6- توسع نطاق الجرائم الشكلية أو جرائم الخطر:

القاعدة في القانون الجنائي التقليدي أن جرائم النتيجة هي السائدة، فركنها المادي مكون عادة من سلوك ونتيجة محددة، لها علاقة سببية مع السلوك، تجعله يستحق الزجر نظرا لتأثيره الفعلي السلبي على الحق أو المصلحة موضوع الحماية الجنائية، مع إيجاد مجال محدد لزجر المحاولة والجريمة المستحيلة، أما الجرائم الشكلية أي بدون نتيجة فتعد استثناءا في المدونات الجنائية التقليدية.

أما في مجال القانون الجنائي للأعمال فإن الجرائم الشكلية والتي يصطلح عليها بعض الفقه جرائم الخطر، تعرف انتشارا واسعا: فجرائم كثيرة تتحقق بمجرد عدم احترام مقتضيات قانونية أو تنظيمية دون حاجة لإثبات حصول نتيجة محددة أو ضرر محدد، بل أحيانا حصول نتيجة محددة يعد ظرفا مشددا لعقوبتها، من ذلك جرائم الغش في البضائع الفصل 1+2،ومن الجرائم الشكلية نحيل على جرائم القانون المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية،وجرائم الممارسات المنافية لحرية المنافسة- وجرائم واردة في قانون حماية المستهلك منها عدم إعلان السعر، الاشهار الكاذب أو المضلل وغير ذلك… (المحاضرة).

– مبررات:

يمكن تفسير قاعدة الجرائم الشكلية في القانون الجنائي للأعمال بعدة أسباب أهمها:

+ صعوبة تحديد وتقدير الضرر في المجال الاقتصادي بمعايير الجرائم المادية التقليدية:

فإذا كانت جرائم النتيجة تلحق ضررا محددا بذمة مالية للغير كالسرقة، أو السلامة الجسدية للغير (جرائم الإيذاء…) فالجرائم الاقتصادية لا يرافقها دائما ضرر حقيقي معلوم يصيب الغير بل قد لا توجد ضحية مباشرة، وقد يظل مجهولا، وقد يكون الضرر شائعا، وبالتالي صعب التحديد والتقدير بالمعايير المتعارف عليها في جرائم النتيجة، لكنه ضرر موجود وعلى درجة عالية من الخطورة والانتشار، والامتداد في الزمن وله عائدات مالية مهمة لمرتكبه تشجعه على الاستمرار في ذلك.

وهكذا ففي جريمة الغش في البضاعة عن طريق التزييف ضررها يتجاوز المشتري الأول للبضاعة المغشوشة وقد لا يعلم بواقعة التزييف، ونفس الامر بالنسبة للجرائم التي تخل بنظام السوق سيما مبدأ المنافسة الشريفة وحرية الأسعار دون احتكار أو مضاربة، لذلك فالضرر الحاصل أو المفترض يصيب أساسا الثقة في النظام الاقتصادي والسير العادي لمؤسساته.

– الطابع الوقائي:

إن انتشار الجرائم الشكلية يجد أيضا ما يبرره في رهان الوقاية وما يتطلب من منع تصرفات يفترض أنها تهدد حقوق أو مصالح أساسية، فالهدف منها هو منع الإضرار بتلك الحقوق او المصالح، فهي من هذه الزاوية تشكل “جرائم موانع” لها أهميتها في مواجهة معطيات الحياة العصرية و الأنشطة الاقتصادية وما تضم من مخاطر تهدد حقوق ومصالح أساسية في المجتمع.

ويمكن التمييز في هذا الصدد بين نوعين من الخطر:

أ- جرائم الخطر الفعلي وتطبيقاتها في القانون الجنائي للأعمال:

وهي جرائم تقوم من زاوية ركنها المادي على سلوك يندر بشكل جدي بما قد يترتب عنه من ضرر محدد على مصلحة أو حق معين، وخاصة الحق في الحياة والسلامة الجسدية والصحية، ومن تطبيقات ذلك ما تضمنه الفصل 2 من قانون زجر الغش في البضائع إذ شدد العقوبة إذا ارتكب الخداع أو التزييف أو التدليس بواسطة منتجات أو معالجات فيها خطر على صحة الإنسان أو الحيوان، وشدد العقوبة إذا ترتب عن استهلاكها ضررا فعليا إذ تشدد العقوبة بحسب جسامة هذا الضرر الفعلي (عجز تزيد مدته عن 20 يوما –عاهة-وفاة…).

ففي هذه الحالة فإن الخطر الفعلي نراه واجب الاثبات، لأن التجريم هو لمنع وضعية خطيرة فعلا مترتبة عن السلوك، ويعود لمحكمة الموضوع تقدير ذلك بالنظر لظروف النازلة والسير العادي للأمور أو الخبرة العامة، فالتجريم هنا ليس له ما يبرره سوى هاجس تفادي الخطر الفعلي الذي يهدد حقا أو مصلحة معينة، فأهمية حماية صحة وسلامة المستهلك تبرر زجر كل خطر فعلي عليها، وهو أساس فرض التزام عام على كل منتج أو صانع أو مستورد بأن يقدم مواد استهلاكية سليمة وآمنة حسب قانون السلامة الصحية للمنتجات الغذائية (المحاضرة).

ب- جرائم الخطر المجرد:

وهي جرائم سلوك يفترض المشرع أنه خطرا لذاته، فالخطر هنا نراه مرتبط بالسلوك ولا يحتاج لإثبات، بل إنه علة التجريم التي قدرها المشرع، ومن تطبيقاته في الجرائم الاقتصادية تجريم مجرد استيراد أو محاولة استيراد أو صنع أو عرض أو تقديم للبيع أو بيع مواد مع العلم أنها تصلح لتزييف منتجات يستهلكها الإنسان أو الحيوان (الفصل 5 فقرة 5 قانون زجر الغش في البضائع). وجريمة عدم إعلان السعر في قانون حماية المستهلك، وغيرها من الجرائم التي تعرف انتشارا واسعا في القانون الجنائي للأعمال، بل تجد مجالها الخصب في العقاب عن مجرد مخالفة أنظمة تطبيقية وهي كثيرة.

ومن هذه الزاوية نرى أن هذه الجرائم تساهم بشكل كبير في توسع نطاق التجريم المؤسس على خطر مجرد بدل اللجوء إلى جزاءات أخرى غير جنائية، إدارية أو غيرها لتصحيح الوضعية والرجوع إلى احترام التنظيمات الاقتصادية، ويعد ذلك رافدا مهما لتضخم التشريع الجنائي كما سبق بيانه.

 

ثالثا: وضعية الركن المعنوي في جرائم الأعمال

– مبدأ الركن المعنوي:

من القواعد العامة أنه لا جريمة بدون خطأ، وأن درجة العقاب تقدر بالنظر لهذا العنصر إضافة إلى عناصر أخرى سيما جسامة الجريمة، وقد ورد النص على هذا المبدأ العام في الفصل 133 من مجموعة القانون الجنائي إذ جاء فيه:

“الجنايات والجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا، إلا أن الجنح التي ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات الخاصة التي ينص عليها القانون.

أما المخالفات فيعاقب عليها حتى ولو ارتكبت خطأ، فيما عدا الحالات التي يستلزم فيها القانون صراحة قصد الأضرار”.

وهكذا فالركن المعنوي يأخذ إما صورة العمد أو صورة الخطأ، والقاعدة أن الجنايات تتطلب العمد أما الجنح فالقاعدة هي العمد لكن يمكن استثناءا الاكتفاء بالخطأ أما المخالفات فالقاعدة هي الخطأ ويمكن استثناء اشتراط القصد.

– في جرائم الأعمال:

 إن الأحكام العامة السابقة كثيرا ما يقع تجاوزها في مجال جرائم الأعمال بطرق مختلفة تفضي إلى إضعاف الركن المعنوي وذلك من أجل ضمان زجر ارتكابها، ومن مظاهر ذلك:

1- مجال الجرائم العمدية: يمكن أن نتوقف عندما يلي:

أ-تقليص مجال النص صراحة على القصد الجنائي:

 بالرغم من أن غالبية جرائم قانون الأعمال هي جنح، وحتى في الحالات التي تقرر لها عقوبة سالبة للحرية نلاحظ أن النص على عنصر العلم بالوقائع المجرمة أي القصد الجنائي مسألة نادرة، من ذلك جريمة الفصل 5 فقرة 2 من قانون زجر الغش في البضائع إذ تعاقب بعقوبة الفصل الأول “كل من استورد مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو منتجات فلاحية أو طبيعية أو حاول استيرادها أو صنعها أو عرضها أو قدمها للبيع أو باعها أو وزعها وهو يعلم أنها مزيفة أو فاسدة أو سامة”، والفقرة 5 منه تعاقب أيضا بعقوبة الفصل الأول “كل من استورد منتجات أو حاول استيرادها أو صنعها أو عرضها أو قدمها للبيع أو باعها أو وزعها وهو يعلم أنها معدة لتزييف مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية أو مواد مستعملة للمداواة”.

ب- ظاهرة سكوت المشرع عن الركن المعنوي المطلوب:

في جرائم الإعمال كثيرا ما يسكت المشرع عن الركن المعنوي المطلوب للجريمة، بالرغم من كون العقوبة سالبة للحرية وغرامات مرتفعة جدا في إطار الجنح، من ذلك أن الفصل الأول من قانون زجر الغش في البضائع المتعلق بجريمة الغش سكت عن الركن المعنوي رغم أنه قرر عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من ألف ومائتي درهم إلى أربعة وعشرين ألف درهم أو بإحدى العقوبتين، وهو سكوت لا نجد ما يبرره سوى تمكين القضاء من زجر هذا الإجرام دون عرقلة ذلك باشتراط صريح للقصد الجنائي المطلوب، علما أن هذه الجريمة لا يعاقب عليها خطأ.

ج- تساهل القضاء في استنتاج القصد:

بالرغم من سكوت المشرع عن الركن المعنوي المطلوب في أغلب الجرائم فإن فئة من جرائم الأعمال تدور حول الكذب والغش واستغلال الثقة والتدليس والاحتيال مما يجعلها بطبيعتها عمدية، فضلا عن كونها عادة ما ترتكب بناءا على تخطيط وتنظيم لضمان نجاحها وإخفائها، واستمرار الاستفادة من مكاسبها المادية وغير المادية بجني أرباح وإبعاد منافسين وغير ذلك، وبالتالي فهي ترتكب عن علم بالوقائع المجرمة وإرادتها وبغايات محددة، وهو ما يمثل أعلى درجات العمد أي سوء النية.

لكن نلاحظ أن القضاء كثيرا ما يتساهل في استنتاج القصد الجنائي المطلوب صراحة أو ضمنا وذلك بهدف التغلب على صعوبة إثباته، وردا عن دفع المتهم بحسن نيته، وضمانا لزجر الجريمة.

ومن بين القرائن التي يستنتج منها القضاء توفر القصد الجنائي، صفة المتهم وما تفرض عليه من واجب الرقابة والاحتياط واحترام الأنظمة المتعلقة بنشاطه: فصفة المنتج أو المستورد أو البائع تفرض عليه واجب التأكد من سلامة البضاعة التي ينتج أو يستورد أو يعرض للبيع، فالإخلال بذلك يستنتج منه القصد الجنائي المطلوب.

وهكذا ففي جريمة الغش عن طريق التزييف رغم عدم نص المشرع صراحة عن عنصر العمد فهي بطبيعتها عمدية (كما سنرى) لكن في التطبيق القضائي نكون عمليا أمام قرينة توفر القصد من اثبات الغش ويعود للمتهم إثبات عكسها، وذلك من باب تسهيل زجر هذه الجرائم سيما وأنه لا توجد جرائم غش بإهمال، ومن باب الحت على القيام بواجب الرقابة على سلامة البضاعة من قبل من عليه هذا الالتزام، وضمانا لاحترام القوانين والأنظمة المتعلقة بعالم الأعمال وحماية للحقوق والمصالح الأساسية المعنية.

2- توسع نطاق الجرائم غير العمدية على حساب الجرائم العمدية:

لما كان القانون الجنائي للأعمال يهدف أساسا دعم تنظيمات اقتصادية أو مالية بما يقرر من جزاءات جنائية لمن يخالفها، فإن نطاق الجرائم غير العمدية يتوسع كثيرا خاصة بتوسع نطاق الجرائم الشكلية داخله، من ذلك زجر عدم احترام شكليات تأسيس وإدارة الشركات في إطار حماية الشركاء والغير والاقتصاد الوطني.

وزجر مخالفة التزامات مقررة حماية للمستهلكين من ذلك الاخلال بالالتزام بإعلام المستهلك، مثل عدم إعلان السعر وغيرها من الجرائم المقررة في قانون حماية المستهلك.

فالقاعدة أن المشرع ينص على عقاب مخالفة مقتضيات نص عليها دون ذكر الركن المعنوي المطلوب، مما يسهل مهمة القضاء في زجر تلك المخالفة، بل نلاحظ أن الأحكام القضائية في مثل هذه الأحوال كثيرا ما تسكت بدورها عن الركن المعنوي، مما يجعلنا نفسر ذلك بمنطق استنتاج الخطأ من مجرد مخالفة تلك المقتضيات وخاصة التنظيمية إذ يفصح ذلك لذاته عن عدم القيام بما هو مطلوب.

ويدعم هذا التوجه حالة الإحالة على أنظمة تفرض واجبات ومخالفتها تحقق الجريمة كما هو الأمر في جريمة الغش في البضائع (كما سنرى).

وبذلك يصل القضاء عمليا إلى توظيف منطق المخالفات حيث من المقبول إلى حد ما أن يكون الخطأ فيها ضعيفا بالنظر لضعف العقوبات المقررة لها، لكن يصعب قبول ذلك في إطار جنح القانون الجنائي للأعمال إذ عادة لها جزاءات أحيانا سالبة للحرية وغرامات كثيرا ما تكون مرتفعة، وهي وضعية نراها استثنائية تبررها أهمية الطابع الحمائي للقانون الجنائي للأعمال لمصالح اقتصادية أو مالية أساسية أو اجتماعية كمصلحة المستهلك، وتفادي خطر التهرب من المسؤولية وما يتبعه من أضرار أو خطر الإضرار بتلك المصالح.

 إضافة إلى الطابع الاقتصادي والمالي لهذه الجرائم وما تحقق لمرتكبيها من مكاسب مالية مهمة، فيعاملون بنقيض قصدهم، وبجزاء مالي يشتق من طبيعة الجريمة وهو ما يشكل نوعا من مصادرة الربح غير المشروع إضافة إلى ما يحقق من ردع خاص وعام بالنظر لما يلاحظ من ارتفاع في الحد الأدنى والأقصى لهذه الجزاء كما سنرى.

 

رابعا: خصوصيات الجزاء المقرر في القانون الجنائي للأعمال

من الملاحظ أن رد الفعل الاجتماعي اتجاه الإجرام الاقتصادي أو إجرام الأعمال يظل ضعيفا، اللهم حالات حيث تترتب عليه نتائج جسيمة يساهم الإعلام في إثارة الانتباه إليها بشكل يتفاعل معه الرأي العام، فالوعي بخطورة هذا الإجرام لا زال في بدايته خاصة في الدول النامية.

أما من الناحية القانونية فإن هذا الإجرام بالنظر لخصائصه وخصائص من يرتكبه التي تعرضنا لها في المقدمة يطرح بقوة إشكالية الجزاء المناسب والفعلي والفعال، سيما وأن المقاولة الخاصة لها وظائف اقتصادية واجتماعية لا تنكر، مما يبرر ضرورة الحفاظ عليها، وهو ما يحاول القانون التجاري القيام به في إطار معالجة صعوبات المقاولة، فهي تساهم في خلق الثروة والتنمية والتشغيل، لكن في نفس الوقت يجب مواصلة تخليقها: فإذا كانت بطبيعتها تسعى إلى الربح فإنه يجب أن يكون مشروعا وليس على حساب المصالح المشروعة لفاعلين اقتصاديين آخرين أو على حساب المصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية.

فهذه الاعتبارات وغيرها لها أثرها الواضح في الجزاء المقرر لجرائم القانون الجنائي للأعمال فالقاعدة أنها جنح واستثناءا تكون جناية من ذلك الفصل 2 من قانون زجر الغش في البضائع، وما دامت جنحا، فالاختصاص النوعي يعود للمحاكم الابتدائية، لكن من زاوية الجزاء المقرر لها يمكن استنتاج ما يلي:

1- مجال ضيق للعقوبة السالبة للحرية: ومن تجليات ذلك:

  • استثنائية تقرير عقوبة سالبة للحرية:

 إذا كانت القاعدة في القانون الجنائي التقليدي هي اعتماد العقوبة الحبسية للجنح، ففي جرائم القانون الجنائي للأعمال تأخذ العقوبة السالبة للحرية نطاقا ضيقا، إذ  يقع التهديد بها في جرائم لها خطرا على حقوق أو مصالح أساسية كالغش في البضائع، أو المضاربة، أو المتاجرة في مواد حظيرة على صحة الإنسان أو الحيوان.

ب- عقوبة سالبة للحرية معتدلة وتهديدية:

– إذ قلما يصل حدها الأقصى إلى 5 سنوات المقرر للجنح، كما هو الشأن في جريمة الغش حسب الفصل 1 من قانون زجر الغش في البضائع.

– القاعدة أن العقوبة السالبة للحرية تكون تخييرية: فالمشرع عادة في جرائم القانون الجنائي للأعمال يقرر عقوبة حبسية أو غرامة ويترك للمحكمة حق اختيار الجزاء المناسب في إطار سلطتها في تفريد العقوبة مراعية ظروف الجريمة ومرتكبها، من ذلك الفصل 1 المتعلق بجريمة الغش الوارد في قانون زجر الغش في البضائع، والمادة 75 المتعلقة بالمشاركة في الممارسات المنافية للمنافسة الواردة في قانون حرية الأسعار والمنافسة وغيرها. (المحاضرة).

والملاحظ أنه قلما يتخلى المشرع عن مبدأ التخيير ويقرر عقوبة حبسية وغرامة من ذلك عقوبة المضاربة في مواد غذائية وغيرها مما حددته الفقرة 2 من المادة 76 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.

وأحيانا يتم استبعاد التخيير حالة العود إلى الجريمة من ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 1 المتعلق بجريمة الغش في البضائع (قانون زجر الغش في البضائع).

لذلك نلاحظ أن العقوبة السالبة للحرية تظل استثناءا في القانون الجنائي للأعمال، وإن وقع النص عليها تكون معتدلة، ويراد بها مجرد التهديد، ونجد في خصوصيات مرتكب هذا النوع من الإجرام ما يبرر إلى حد ما ذلك، فهو لا يحتاج إلى تأهيل وإعادة ادماج، ثم من المفروض أنه يحرص على سمعته التجارية التي دون شك تنهار بمجرد متابعته وبالأحرى اعتقاله أو الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية، وما قد يتبع ذلك من انهيار نشاطه الاقتصادي وتسريح عماله، إذ لا تخفى أهمية المساهمة في ضمان استمرار المقاولة بالنظر لأهمية وظائفها الاقتصادية والاجتماعية المشار إليها سابقا.

2-قاعدة الاعتماد على عقوبة الغرامة: (تعريفها –أنواعها)

تعد الغرامة عقوبة أصلية وتعني إلزام المحكوم عليه بأداء مبلغ من النقود لفائدة خزينة الدولة حسب الفصل 35 من مجموعة القانون الجنائي، والقاعدة أنها تحكم بها محكمة في إطار محاكمة عادلة، ولذلك فهي تختلف عن أنواع أخرى من الغرامات كالغرامة المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك إذ تأخذ صيغة تعويضية، والغرامة التي تصدر بقرار من الإدارة إذ تكون عقوبة إدارية التي يتسع مجالها في إطار القانون الجنائي للأعمال كما سنرى.

أ- قاعدة اللجوء على عقوبة الغرامة:

تعتبر عقوبة الغرامة الجزاء الأساسي المعتمد في جرائم الأعمال لما لها من مزايا بالنسبة للدولة ولمرتكب الجريمة.

+ فبالنسبة للدولة فإن فوائد الغرامة لا تنكر: إذ تذهب إلى خزينة الدولة  وبالتالي فهي رافد من روافد الميزانية العامة، ويسهل تنفيذها سيما في إطار الشركة بالنظر لقاعدة ملاءة ذمتها المالية عكس العقوبة السالبة للحرية فهي مكلفة للدولة إذ تتطلب موارد مالية وبشرية مهمة.

ثم إن الغرامة لا تخلو من طابع ردعي بالنظر لارتفاع حدها الأدنى والأقصى كما سنرى، وفي نفس الوقت تساهم في إعادة توزيع المداخيل، فضلا عن دورها في “مصادرة” ربح غير مشروع، قد يكون مرتكب الجريمة حققه بإجرامه الاقتصادي أو المالي.

+ أما بالنسبة لمرتكب الجريمة فالملاحظ أنه يخشى العقوبة السالبة للحرية لانعكاسها السلبي على سمعته التجارية بل ومستقبله المهني، لذلك فإنه يقبل بسهولة عقوبة الغرامة، لكن يخشى أن يلجأ إلى بحث إمكانيات نقلها ولو بطرق ملتوية إلى غيره بأن تتحملتها الشركة في إطار التكاليف، أو المستهلك عن طريق زيادة في الأسعار فتضعف بذلك وظيفتها الردعية.

ب- خصوصيات الغرامة المقررة في جرائم الأعمال: في هذا الإطار يمكن التوقف عند الخصوصيات التالية:

+ ارتفاع الحد الأدنى والحد الأقصى:

لما كانت الغرامة تناسب إلى حد ما الإجرام الاقتصادي أو المالي، إذ بطبيعته يهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية أو مالية، لذلك فكثيرا ما لجأ المشرع خاصة في السنوات الأخيرة إلى اعتماد حد أدنى وحد أقصى للغرامة مرتفعين جدا عكس ما هو متعارف عليه في المدونات الجنائية التقليدية، فالغرامة المقررة للشخص الذاتي الذي يشارك في وضع وتنفيذ ممارسات منافية للمنافسة هي من 10.000 درهم إلى 500.000 درهم. إضافة إلى عقوبة سالبة للحرية أو إحداهما حسب المادة 75 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.

+ التباعد الواضح بين الحد الأدنى والحد الأقصى:

وهي وسيلة تمكن من تفريد الغرامة بحسب مرتكب الجريمة وظروفها والآثار المترتبة عليها، كما تساعد على الأخذ بالاعتبار مدى استفادة مرتكب الجريمة من جريمته إذ يجب أن لا ننسى أننا في إطار إجرام أعمال وهو عادة إجرام يهدف إلى تحقيق مكاسب، وكذا مراعاة حجم المقاولة التي ارتكبت الجريمة في إطارها، إذ تتنوع من صغيرة جدا إلى صغيرة إلى متوسطة إلى كبيرة إلى كبيرة جدا وعابرة للدول بحسب المعايير الاقتصادية المستعملة في هذا التقسيم.

+ استعمال تقنية الغرامة النسبية:

القاعدة في مجموعة القانون الجنائي أن الغرامة باعتبارها عقوبة تكون محددة بحد أدنى وحد أقصى تابت طبقا لمبدأ شرعية العقاب، وهو تحديد يوفر إمكانية العلم بالعقوبات مسبقا قبل ارتكاب الجرائم، لكن نجد المشرع في مجال جرائم الأعمال وبهدف تحقيق عدالة العقوبة بحسب وضعية المجرمين المالية، وتحقيق الردع المناسب يلجأ أحيانا إلى تقنية الغرامة النسبية، من ذلك في جريمة الاشهار الكاذب أو المضلل نص على إمكانية رفع الغرامة إلى نصف نفقات الاشهار موضوع الجريمة (المادة 174 من قانون حماية المستهلك). وفي جريمة عدم توفير مؤونة شيك عند تقديمه للأداء نص الفصل 316 من مدونة التجارة على عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم دون أن تقل قيمتها عن %25 من مبلغ الشيك أو من الخصاص.

+ تقنية التمييز في الغرامة بين الشخص الذاتي والشخص المعنوي المحكوم عليه:

وذلك برفعها في الحالة الثانية من باب تحقيق العدالة والردع: فهذه التقنية تراعي الوضعية المالية للمخالف التي تختلف من الشخص الذاتي إلى الشخص المعنوي، كما أن تحقيق الردع يقتضي مراعاة تلك الوضعية المالية والحكم بما يناسب ذلك.

وهكذا فالغرامة المقررة لجريمة الاشهار الكاذب أو المضلل في المادة 174 من قانون حماية المستهلك هي 50.000 إلى 250.000 درهم.

لكن إذا كان المخالف شخصا معنويا تصبح من 50000 إلى 1000000 درهم، ففي هذه الحالة تم رفع الحد الأقصى فقط، لكن في حالات أخرى وقع رفع الحد الأدنى والحد الأقصى إذا كان المخالف شخصا معنويا، من ذلك جريمة استغلال ضعف أو جهل المستهلك في المادة 184 من قانون حماية المستهلك، فالغرامة هي 1200 إلى 50.000 درهم، لكن إذا كان المخالف شخصا معنويا تصبح 50.000 إلى 1000.000 درهم.

+ الأخذ بإمكانية الحكم على الشخص المعنوي على سبيل التضامن بدفع الغرامات المحكوم بها على المسير

وهي قاعدة عامة أخذت بها المادة 88 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، إذ جاء فيها “يجوز للمحكمة أن تحكم على سبيل التضامن على الأشخاص الاعتباريين بدفع الغرامات المحكوم بها على مسيريها عملا بأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه”.

فهذا الحل يستجيب لضمان تنفيذ الغرامات المحكوم بها على المسير، وهي عادة غرامات مرتفعة، فملاءة الذمة المالية للشركة تضمن التنفيذ، إضافة إلى غياب تنظيم واضح لمسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم المرتكبة باسمه ولحسابه من قبل ممثله أو مسيره. (المحاضرة).

لكن هذا الحل العملي يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبات، علما أن الشخص المعنوي في هذا الحالة لم تقع متابعته ولا إدانته بالرغم من كونه قد يكون استفاد من الجريمة التي ارتكبها مسيره، لذلك نرى أن الحل يكمن في تنظيم المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي بضوابط عامة مثل ما فعل القانون الجنائي الفرنسي لسنة 1992 وقد أخذ مشروع القانون الجنائي المغربي بما ذهب إليه القانون الجنائي الفرنسي.

+ منع ظروف التخفيف بالنسبة لعقوبة الغرامة:

لما كانت الغرامة هي الجزاء الأصلي التي اعتمده المشرع في مجال جرائم الأعمال فإنه أحيانا استبعد إعمال ظروف التخفيف بالنسبة للغرامة، من ذلك في إطار قانون حرية الأسعار والمنافسة المادة 146 والمادة 324 من مدونة التجارة في إطار جرائم الشيك. وبذلك قلص من سلطة التفريد القضائي للعقوبة، لكن نرى بالنظر لارتفاع الحد الأدنى للغرامات المقررة والاختلاف الكبير بين الوضعيات المالية لمرتكبي هذه الجرائم من تاجر صغير إلى شركة كبيرة ذات فروع أنه كان من المفيد ترك صلاحية التفريد القضائي تراعي مختلف الوضعيات.

+ منع إيقاف تنفيذ الغرامة:

إن الفصل 12 من قانون زجر الغش في البضائع منع إيقاف تنفيذ الغرامة المحكوم بها، وهو قيد آخر على صلاحية المحكمة في تفريد العقوبة يجد ما يبرر في هذا النوع من الإجرام، حيث الغرامة هي الجزاء الأساسي.

+ تشديد العقوبات:

نشير خاصة إلى أهمية النص على تشديد العقوبات حالة العود برفعها أحيانا إلى الضعف، وذلك بهدف تحقيق الردع: فالعود يفسر إلى حد ما أن العقوبة السابقة لم تكن رادعة، فاستمر المخالف في ارتكاب الجريمة، من ذلك الفصل 1 من قانون زجر الغش في البضائع، والمواد 177-178-182 من قانون حماية المستهلك، والمادة 78 من قانون حرية الأسعار والمنافسة و الملاحظ ان المشرع نص أحيانا على إمكانية التشديد وهو وضع استثنائي كما في الفصل 2 من قانون زجر الغش في البضائع والفصل 174 من قانون حماية المستهلك.

3- نشر حكم الإدانة في جرائم الأعمال:

أ- تعريفه:

إن نشر حكم الإدانة كعقوبة إضافية جوازية أحيانا ووجوبية أحيانا أخرى يعني الأمر بنشر الحكم كليا أو جزئيا في صحيفة أو أكثر أو تعليقه في أماكن معينة على نفقة المحكوم عليه حسب الفصل 48 من مجموعة القانون الجنائي مع مراعاة حالات النص على خلاف ذلك.

ب- أهميته:

من الملاحظ أن هذه العقوبة الإضافية تجد مجالا مهما في إطار القانون الجنائي للأعمال، وهكذا فقد نصت المادة 86 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على قاعدة جواز نشر الأحكام الصادرة طبقا للباب المتعلق بالعقوبات وتعليقها أو بأحد هاذين الإجرائين على نفقة المحكوم عليه دون أن تتجاوز مدة التعليق شهرا ودون أن تتعدى مصاريف النشر مبلغ الحد الأقصى للغرامة.

ونصت المادة 75 من نفس القانون على جواز أمر المحكمة بنشر قرارها كليا أو جزئيا في الجرائد التي تحددها على نفقة المحكوم عليه عن جريمة مشاركة شخص ذاتي في تخطيط الممارسات المنافية للمنافسة حسب المادة 6 والمادة 7 منه.

كما أن الفصل الأول من قانون زجر الغش في البضائع نص على جواز نشر الحكم بالعقوبة الصادرة عن جريمة الغش في جريدة أو أكثر وبتعليقه في باب المؤسسة، لكن في حالة العود يصبح الأمر بتعليق الحكم بالعقوبة واجبا.

كما أن نشر الحكم أو تعليقه يجد مجالا مهما في إطار قانون حماية المستهلك في ذلك المواد 176-183-185-187-189-192.

ج- نتائجه:

إن نشر الحكم بالعقوبة أو تعليقه له إيجابيات فيما يخص إعلام الجمهور وخاصة المستهلكين وتحذيرهم من إجرام الفاعل الاقتصادي الذي يتعاملون معه، وبالتالي حماية صحتهم وسلامتهم وذمتهم المالية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمواد استهلاكية، وكذا حماية ثقتهم في المعاملات التجارية. لكن من جهة أخرى فإن نشر الحكم له آثارا سلبية وخيمة على المحكوم عليه خاصة في مجال الأعمال، سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا.

فنشر حكم الإدانة إجراء يشهر بالمحكوم عليه، ويحذر الجمهور والمموردين والممولين من التعامل معه، مما يجعله يفقد سمعته التجارية لدى الزبائن بل يبعدهم عنه، فيتراجع مستواه التنافسي في السوق إن لم ينهار بشكل تام، لذا فهذا الإجراء تخشاه المقاولة لآثاره السلبية غير المتوقعة، لذلك يعود للمحكمة عندما يكون جوازيا وهي الحالة الغالبة أن تستعمله بحكمة، وتختار بين النشر أو التعليق: فمما لا شك فيه أن التعليق بباب المؤسسة له تأثيرا مباشرا على الزبائن أما النشر في صحف فله تأثيرا واسع النطاق، لكن ذلك رهينا بمدى تداول وقراءة الصحف التي تتضمنه بل والصفحة التي يدرج بها وغير ذلك من الاعتبارات بما في ذلك ظهور الصحافة الرقمية الواسعة الانتشار.

4- جزاءات أخرى ذات مجال محدود في القانون الجنائي للأعمال: نذكر خاصة:

أ-المنع من مزاولة نشاط أو مهنة: وهو تدبير وقائي شخصي حسب الفصل 61+87 من القانون الجنائي، يهدف تخليق النشاط أو المهنة، إذ يحكم به إذ توفرت علاقة قوية بين النشاط والجريمة ، ووجود قرائن قوية تؤكد إن استمر الشخص في مزاولة النشاط أو المهنة أن يصبح خطرا على أمن وصحة وأخلاق ومدخرات الناس، وذلك لمدة لا تتجاوز 10 سنوات ما لم ينص القانون على خلافه.

فالمنع من مزاولة نشاط تجاري أو مهني يحقق الردع الخاص والردع العام، لأنه يمس حق الإنسان في العمل، لذلك فهو أشد قسوة من غرامة، لكن سلبياته تكون وخيمة على المحكوم عليه وكذا أسرته إذ يمنعه من مصدر عيشه هو وعائلته سيما وأن نطاق المنع يكمن أن يمتد إلى أي نشاط تجاري، وهذا ما يفسر محدودية مجاله، ومن تطبيقاته في قانون حرية الأسعار والمنافسة إمكانية منع المحكوم عليه في جريمة الادخار السري لمدة لا تزيد على سنة من ممارسة مهنته أو القيام بأي عمل تجاري، وذلك حسب المادة 81 منه وقد عاقبت هذه المادة عن مخالفة الحكم الصادر بالمنع بعقوبة حبسية أو غرامة، وذلك من أجل ضمان تنفيذه.

ب- إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة: وهو تدبير وقائي عيني حسب الفصل 62 والفصل 90 من القانون الجنائي، يرد على المحل الذي تم إساءة استغلاله في ارتكاب الجريمة، ويترتب عليه منع ممارسة نفس النشاط بالمحل في أي يد كان ولو تم تفويته إلى الغير من قبل المحكوم عليه أو أفراد أسرته أو من فوته له، أو من شخص معنوي أو هيئة ينتمي إليها أو يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة، مدة لا تقل عن 10 أيام ولا تتجاوز ستة أشهر، ويكون الإغلاق إلزاميا أو اختياريا حسب النص الذي يقضى به.

والملاحظ أن هذا التدبير يناسب الشخص المعنوي حسب الفصل 127 من القانون الجنائي بهدف درء إجرامه، إضافة إلى مرونته من حيث المدة، لكن له آثاره السلبية خاصة على مستقبل المقاولة أو الشركة، إذ يهددها بفقدان سمعتها وزبنائها، إضافة إلى خطره على العمال واستمرارية عقود عملهم، وهذا ما يفسر محدودية مجاله في جرائم قانون الأعمال، ومن تطبيقاته نذكر خاصة ما ورد في المادة 81 من قانون حرية الأسعار والمنافسة إذ جعله جوازيا لمدة لا تفوق 3 أشهر مع استمرار أداء أجور العمال وتوابعها وذلك بخصوص جريمة الإدخار السري لخطورتها على قواعد المنافسة المشروعة.

كما عاقبت نفس المادة عن مخالفة الحكم الصادر بالإغلاق بعقوبة حبسية أو غرامة لضمان الردع.

5- توجه الأخذ بتدابير وجزاءات غير جنائية:

+ نلاحظ من خلال تتبع تطور القانون الجنائي للأعمال الاهتمام المتزايد بالأخذ بتدابير تقتضيها ضرورة التدخل السريع لتفادي أو لوقف مخاطر نوع من الجرائم على مصالح أساسية سيما صحة وسلامة المستهلكين والنظام العام الاقتصادي، من ذلك حجز المواد الفاسدة أو السامة أو التي انتهت مدة صلاحيتها وإتلافها من طرف الهيئات المكلف بالبحث، أو إيقاف بيعها في انتظار تحليل عينات منها كما هو وارد في قانون زجر الغش في البضائع، وحجز ما يشكل خطرا على صحة الإنسان أو الحيوان أو إيداعه من أجل إخضاعه للمراقبة الضرورية للتأكد من سلامته الصحية حسب قانون السلامة الصحية للمنتجات الغذائية[2].

+ يضاف إلى ذلك أهمية التوجه لإيجاد مجال للتسوية وتصحيح الوضعية المخالفة للقانون قبل الانتقال إلى تحرير المحاضر وفرض الجزاءات، من ذلك سحب منتوجا أوليا أو غذائيا أو مادة معدة لتغذية الحيوان لا تستجيب لشروط السلامة حسب المادة 10 من قانون السلامة الصحية للمنتجات الغذائية، كما أن فرصة تصحيح الوضعية المخالفة للقانون تجد مجالا خصبا لتطبيقها في إطار عمليات التركيز وحالة استغلال تعسفي لوضع مهيمن أو لوضعية تبعية اقتصادية وفق الضوابط التي تضمنها قانون حرية الأسعار والمنافسة في قسمه الرابع.

+ كما نلاحظ أهمية التوجه إلى الأخذ بجزاءات إدارية سيما غرامات إدارية تحت رقابة قضائية نذكر خاصة ما يمكن أن يصدر عن مجلس المنافسة من غرامات تهديدية وعقوبات مالية بمبالغ مهمة  في مجال قانون حرية الأسعار والمنافسة وهو ما نراه نواة حقيقية لقانون جنائي إداري.

فمجلس المنافسة أصبحت له صلاحيات تقريرية مهمة بخصوص عملية التركيز التي لم تحترم الضوابط المقررة، إذ له فرض غرامات مالية مرتفعة، من ذلك حالة عدم تبلغيه بمشروع التركيز يمكن أن تصل الغرامة ضد الأشخاص الذاتيين إلى 5000.000 درهم وبالنسبة للأشخاص المعنويين %5 من رقم معاملاتهم خلال آخر سنة محاسبية دون احتساب الرسوم، ويمكن أن يضاف إليه رقم المعاملات الذي أنجزته في المغرب خلال نفس الفترة الجهة التي تم تملكها بعملية التركيز (انظر المادة 19 من قانون حرية الأسعار والمنافسة).

 ويمكن الطعن في قرارات مجلس المنافسة أمام القضاء وقع تنظيمه في المادة 44 وبعد، فبعضها يتم أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض والأخرى أمام محكمة الاستئناف بالرباط.

هذا ونشير إلى أن السلع والخدمات المحددة أسعارها أسند القانون إلى الإدارة          -العامل- صلاحية إبرام الصلح أو إصدار عقوبات إدارية بشأن الجرائم المتعلقة بذلك، وفي حالة عدم إبرام صلح أو إصدار عقوبة إدارية لها إحالة الملف على النيابة العامة وفق القسم 9 من قانون حرية الأسعار والمنافسة والمرسوم التطبيقي كما سنرى لاحقا.

6- ضرورة مواصلة الاجتهاد بحثا عن جزاءات ملائمة للقانون الجنائي للأعمال:

لقد بينا سابقا أهمية الاعتماد على جزاءات تقليدية سيما الغرامة في مجال القانون الجنائي للأعمال، لكن يظهر من المفيد بالنظر لخصوصيات هذا النوع من الإجرام وخصوصيات مرتكبيه مواصلة البحث عن جزاءات مناسبة وفعالة تخدم المصلحة العامة ومصلحة الفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين، تحقق الردع الخاص والردع العام دون القضاء على المقاولة لما لها من وظائف اقتصادية واجتماعية أساسية في إطار النظام الاقتصادي الليبرالي المنفتح على السوق الداخلية والخارجية، إذ الهدف الرئيسي يكون هو تأطير ومراقبة المقاولة وتخليقها ومنعها من الربح غير المشروع لما له من أضرار على مصالح أخرى أساسية.

هذا ومن بين الجزاءات الحديثة التي تصب في هذا الاتجاه نذكر خاصة:

+ المنع من المشاركة في صفقات عمومية، عدم الاستفادة من المساعدات التي تقدمها الدولة، الحرمان من الاستفادة من إعفاء ضريبي، استرداد الربح غير المشروع لفائدة الدولة، وغيرها من الجزاءات التي تنال من ربحية المقاولة المخالفة للقانون الجنائي للأعمال وتعاملها بنقيض قصدها. وفي ذلك درجة أخرى من بيداغوجية احترام القانون الجنائي للأعمال وقبولها من طرف الفاعلين الاقتصاديين بدل الخوف منه والبحث عن سبل استغلال ثغراته واخفاء مخالفاته والتهرب من جزاءاته.

خامسا: دور الإدارة في تطبيق القانون الجنائي للأعمال

لقد لاحظنا سابقا كيف أن الإدارة تلعب دورا أساسيا في تكملة نصوص القانون الجنائي للأعمال عندما تحيل هذه الأخيرة على نصوص تنظيمية، ونلاحظ أيضا أن الإدارة لها دورا مهما في تطبيق القانون الجنائي للأعمال إذ عادة ما تسند مهمة الرقابة والبحث إضافة إلى الضابطة القضائية التقليدية إلى أجهزة تابعة للقطاع الإداري المعني بقانون اقتصادي أو مالي معين.

ويجد هذا التوجه ما يبرره في الطبيعة الخاصة لجرائم الأعمال: سيما طابعها التقني المعقد، ومخاطرها على السير العادي لقواعد النظام الاقتصادي للدولة، إضافة إلى خطرها على صحة وسلامة الغير، وما يقتضي ذلك من تدخل سريع لهيئات متخصصة لتقوم بالرقابة والبحث وإيقاف الخطر، وتصحيح الخلل في الوقت المناسب بمهنية وفعالية، لذلك فنحن أمام هيئات متعددة بحسب القطاعات المعنية، وهو ما يطرح أهمية التفكير في آلية للتنسيق بينها إذ كثيرا ما يقع اللجوء في الممارسة العملية إلى “اللجن المختلطة”. وهي تجمع هيئات متنوعة معنية بقضية معينة كل بحسب اختصاصه.

وهكذا فقانون زجر الغش في البضائع وقانون السلامة الصحية للمنتجات الغذائية[3] يسند مهمة الرقابة والبحث بخصوص ما تضمنا من جرائم إلى هيئات منها أعوان تابعون للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وقانون حماية المستهلك[4] أسند بدوره مهمة الرقابة والبحث إلى هيئات منها باحثون منتدبون من قبل الإدارة المختصة. (المادة 166 وبعد).

ومن الملاحظ أن المشرع أعطى لهذه الهيئات صلاحيات واسعة من أجل القيام بمهامهم منها حق زيارة الأماكن التجارية وملحقاتها، والاطلاع على الوثائق، وتحرير محاضر يوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالفها، وعرقلة مهمتهم جريمة، يضاف إلى ذلك أهمية التوجه إلى الأخذ بإحالة محاضرها مباشرة على النيابة العامة المختصة، من ذلك حالة الفصل 27-28 من قانون زجر الغش في البضائع، وحالة المادة 167 من قانون حماية المستهلك.

بل من أجل حماية صحة وسلامة المستهلك منح المشرع لهيئات الرقابة والبحث صلاحيات استثنائية:

منها ما تضمنه قانون زجر الغش في البضائع سيما حجز وإتلاف منتجات فاسدة أو سامة أو انتهت صلاحيتها الفصل 27، أو إيقاف بيع ما هو مشكوك في صلاحيته للاستهلاك أو فاسد أو سام في انتظار نتائج تحليل عينة منه. (انظر الفصل 28).

وما تضمنه قانون السلامة الصحية للمنتجات الغذائية من إمكانية حجز منتوج أولي أو غذائي أو مادة معدة لتغذية الحيوان تشكل خطرا على صحة الإنسان أو الحيوان، وكذا إمكانية حجز منتوج أولي أو غذائي أو مادة معدة لتغذية الحيوانات ثبت أنها مزيفة أو فاسدة أو سامة أو منتهية الصلاحية أو غير  صالحة للإستهلاك، وكذا الأدوات أو الآلات التي تستعمل في التزييف، وذلك حسب المادة 23 منه، بل إن المادة 24 أجازت لأعوان المكتب المؤهلين في انتظار نتائج المراقبة إمكانية إيداع أي منتوج مشكوك في سلامته على صحة الإنسان أو الحيوان وما يمكن أن يستعمل في تزييفه مما سبق ذكره في المادة 23 لمدة 20 يوما في انتظار نتائج مراقبته، يمكن لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة أن يجددها مرتين لضرورة استكمال الفحص.

وهكذا نلاحظ أن رهان دعم حماية صحة وسلامة المستهلك وما يقتضي من سرعة التدخل لإبعاد المخاطر التي تهددها تبرر مثل تلك الصلاحيات الاستثنائية المخولة للمكلفين بالرقابة والبحث من باب الفعالية.

وفي إطار  قانون حرية الأسعار والمنافسة فإن مجلس المنافسة أصبحت له صلاحيات تقريرية في مجال محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي، وذلك تفاديا للاحتكار والاخلال بالسير الطبيعي للسوق، ويتوفر بدوره على هيئة من الباحثين لها صلاحية الرقابة والبحث وتحرير محاضر.

لكن نرى أهمية دعم الرقابة الداخلية والقضائية على هيئات الرقابة والبحث بمناسبة ممارسة هذه الصلاحيات الاستثنائية ودعم التكوين التقني والقانوني للممارسين لها.

 

الفصل الثاني: جرائم تطبيقية

يتكون القانون الجنائي للأعمال من جرائم عديدة تضمنتها نصوص قانونية خاصة ومتفرقة كما سبق بيانه، منها قانون حرية الاسعار والمنافسة، قانون زجر الغش في البضائع، قانون حماية المستهلك، وما تضمنته قوانين الشركات من جرائم خاصة المرتبطة بتأسيس وإدارة الشركات وغير ذلك من النصوص الخاصة.

فيما يلي نتعرض لبعض الجرائم من باب النماذج التطبيقية للقانون الجنائي للأعمال.

أولا: جرائم الغش في البضائع

– مقدمة:

صدر قانون زجر الغش في البضائع سنة 1984 ونشر بالجريدة الرسمية عدد 3777 بتاريخ 20/3/1985، ألغى قانونا سابقا لسنة 1914 اللهم بعض المواد وعدد من النصوص التطبيقية. ويعد القانون الفرنسي لسنة 1905 المتعلق بزجر الغش المصدر المادي للقانون المغربي.

– رهاناته:

يهتم هذا القانون بزجر الغش التجاري في البضائع وذلك من أجل:

+ دعم المنافسة المشروعة بين الفاعلين الاقتصاديين: فالغش خطر على المنافسة الشريفة، فالمواد المغشوشة وما تفضي إليه من خفض في الأسعار تطرد المواد الجيدة وتبعد المنافسين الشرفاء وتخل بصدق المعاملات.

+ حماية الصحة العامة: إن بعض أنواع الغش تكون خطرا على الصحة العامة سيما في مجال التغذية، بأن كانت البضاعة فاسدة أو سامة أو منتهية صلاحية استهلاكها، وقد عرف المغرب وقائع مشهورة من هذا الغش من ذلك ما يعرف بقضية الزيوت المسمومة سنة 1959، وما ترتب عن ذلك بالنظر لما أدى إليه استهلاك تلك الزيوت من كثرة الضحايا إلى صدور ظهير شريف بتاريخ 29/10/1959 بزجر الجرائم الماسة بصحة الأمة وعاقب عن تلك الأفعال بالإعدام وبأثر رجعي. علما أن هذا الظهير الشريف صدر قبل الدستور الأول لسنة 1962 الذي نص في فصله الرابع على مبدأ عدم رجعية القانون، هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذا الظهير الشريف لازال ساري المفعول كنص خاص حسب الفصل 2 من قانون زجر الغش في البضائع والفصل 415 من القانون الجنائي.

ومن وقائع الغش نذكر أيضا الغش في مادة البزار، ومادة المرتدلا، ومادة الجعة ومادة اللحوم وغيرها، لكن نلاحظ أن الغش في مادة الطحين أكثر أنواع الغش التي تعرض على المحاكم ,فهو مادة استهلاكية أساسية يسهل غشها ويصعب اكتشاف الغش فيها.

لذلك فقد اهتم قانون زجر الغش في البضائع –كما يدل عليه اسمه- بزجر  الغش والوقاية منه، وأعطى صلاحيات واسعة للإدارة في اتخاذ نصوص تطبيقية لما لها من قدرة على تتبع أساليب الصنع والانتاج والتقدم العلمي لتنظيم المنتوجات، مما يضمن لقانون زجر الغش التطور الضروري والفعالية حتى لا يحتال الغشاشون على بطء تدخل المشرع.

وبسبب ذلك أيضا منح لأجهزة إدارية صلاحيات واسعة في الرقابة والبحث والتدخل السريع والفعال خاصة حالة وجود بضاعة فاسدة أو سامة أو انتهت صلاحيتها مخصصة لتغذية الإنسان أو الحيوان، إذ لها صلاحية الحجز والاتلاف كما سبق بيانه.

هذا ولم يعرف المشرع الغش وإنما حدد صوره الأساسية نظرا لآثارها السلبية على الرهانات السابقة وهي: الغش عن طريق الخداع – والغش عن طريق التزييف.

I– الغش عن طريق الخداع

نص الفصل 1 من قانون زجر الغش في البضائع:

“يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الشيء المصرح به أو قام، خرقا لأحكام هذا القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه أو خلافا للأعراف المهنية والتجارية، بعملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغييرهما.

ويعاقب الفاعل بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من ألف ومائتي درهم إلى أربعة وعشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

ويمكن الأمر بنشر الحكم بالعقوبة في جريدة أو عدة جرائد وبتعليقه في باب المؤسسة وفقا لأحكام مجموعة القانون الجنائي المتعلقة بنشر الأحكام القضائية وتعليقها (…)”.

وشدد المشرع العقوبة في الفصل الثاني حالة الغش الذي يشكل خطرا على صحة الإنسان أو الحيوان أو ترتب عن استهلاكه المس بالسلامة الجسدية أو الصحية للإنسان أو أدى ذلك إلى وفاته دون قصد.

ونص الفصل 4:

“تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفصل الأول على كل من خادع المتعاقد أو حاول خداعه:

– في ماهية البضائع وخصائصها الجوهرية وتركيبها ومحتواها من العناصر المفيدة.

– أو في نوعها أو منشئها عندما يتبين من الاتفاق أو الأعراف أن تعيين النوع او المنشأ المنسوب زورا إلى البضائع يجب اعتباره السبب الأساسي لالتزام المتعاقد.

– أو في كمية الأشياء المصنوعة أو المعبأة أو المخزونة من أجل البيع أو المبيعة أو المسلمة.

– أو في هويتها بتسليم بضاعة غير البضاعة المعينة التي كانت محل العقد. (..)”.

1- الركن القانوني:

إن الركن القانوني لجريمة الغش عن طريق الخداع جاء موزعا بين الفصل 1 والفصل 4 وهو عيب في الصياغة التشريعية، يضاف إليه ما يحيلان عليه من نصوص تنظيمية وأعراف مهنية وتجارية، وبذلك نلاحظ تطبيقا لأهمية دور الإدارة في تكملة النصوص القانونية الجنائية هنا، وبالتالي مساهمتها في تحديد الركن المادي لهذه الجريمة إذ توجد تنظيمات عديدة في هذا الباب.

2- الركن المادي:

يتحدد الركن المادي لهذه الجريمة في خداع أو محاولة خداع متعاقد بخصوص أحد العناصر المحددة للبضاعة:

أ- خداع أو محاولة خداع متعاقد: الخداع يعني التغليط أي ايقاع الطرف الآخر في الغلط، فالغلط هنا يكون مدبرا وغالبا من صاحب البضاعة وليس تلقائيا يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه.

ب- تغليط يقع بمناسبة التعاقد أي في إطار التعاقد مما يقتضي وجود عقد أو مشروع عقد لأن المشرع عاقب عن محاولة الخداع.

+ لا يهم أن يكون عقد بيع وإن كان الخداع يتم عادة بمناسبة بيع البضاعة، لكن المشرع لم يخصص العقد وبالتالي يشمل أي تعاقد له مقابل هو البضاعة، كالتغليط بمناسبة عقد التوريد، فهذه الجريمة تقوم حتى في إطار المعاملات بين المهنيين إذ تهدف أساسا تنظيم السوق.

+ لا يهم أن يكون المغلٍّط طرفا مباشرا في العقد فقد يتصرف بواسطة الغير مما يضمن حماية أكثر للمغلَّط، إذ يمكن متابعة المنتج رغم أنه ليست له علاقة مباشرة مع ضحية التغليط ما دام التغليط كان بفعله.

+ لا يهم وسيلة التغليط التي يلجأ إليها المغلٍّط قبل العقد، وهو ما يحقق محاولة التغليط، أو عند التعاقد للحصول على رضى ضحية التغليط.

فالتغليط قد يتم بتقديم معلومات كاذبة عن عنصر أو أكثر مما هو محدد للبضاعة، أو القيام بمناورات على البضاعة توقع الطرف الآخر في غلط في أحد تلك العناصر، كاستعمال تعليب غير مخصص للبضاعة وإنما لبضاعة أخرى ذات جودة عالية، كما أن التغليط قد يتم بمجرد الكذب شفوي أو كتابي ما دام ذلك أدى إلى تغليط المتعاقد.

 ونرى ضرورة التوسع في الوسيلة ما دامت غلطت المتعاقد الآخر، وذلك زجرا للغش عن طريق الخداع وحماية للمنافسة وصدق المعاملات، لكن لا نرى أخذ الوسيلة المستعملة بالاعتبار إذا كانت تنم عن سذاجة من كان ضحيتها، كالمدح المبالغ فيه للبضاعة إذ المفروض أن لا يثق المشتري متوسط الحذر في ذلك.

ج- موضوع التغليط:

يجب أن يرد التغليط على بضاعة وليس خدمة لأن القانون المغربي الحالي اهتم فقط بزجر الغش في البضائع دون الخدمات إعمالا لقاعدة التفسير الضيق للقانون الجنائي في انتظار تعديله ليشملها ايضا.

هذا ولم يعرف المشرع البضاعة ويمكن تعريفها بكل شيء مادي منقول قابل للتداول.

+ أن يرد التغليط على عنصر أو أكثر من عناصر البضاعة موضوع التعاقد والمحددة في الفصل 1+والفصل 4، وقد لاحظنا سابقا عيب الصياغة التشريعية التي جعلت عناصر جريمة الغش عن طريق الخداع موزعة بين فصلين.

والملاحظ أن العناصر موضوع التغليط تتمحور حول جودة البضاعة وصدقية تسليمها.

– التغليط في طبيعة البضاعة أو ماهيتها: وهو تغليط يهم جوهر البضاعة وما يمكن من تمييزها عن غيرها وخاصة ما يماثلها ظاهريا، كبيع عسل على أساس أنه حر والواقع أنه مصنع، أو بيع خاتم على أساس أنه من ذهب خالص والحقيقة أنه من نحاس.

– التغليط في الصفات الجوهرية للبضاعة: ويعد من أهم تطبيقات جريمة الغش عن طريق الخداع لعلاقته بجودة المنتوج، ويعود لمحكمة الموضوع تقدير هذه الصفات، ويكون تقديرها سهلا حالة كون البضاعة منظمة بنص تنظيمي، فهذا التنظيم يكمل العقد، بل إن صاحب البضاعة عليه احترام الصفات النظامية الإجبارية. وفي حالة غياب تنظيم ووجود أعراف مهنية أو تجارية متعلقة بالبضاعة تهم خصائصها فإنه يتعين احترامها.

وفي حالة غياب تنظيم أو أعراف فإنه يمكن تقدير الصفات الأساسية لتشمل كل الصفات العادية للشيء، وكذا الصفات التي تكون الأطراف اخذتها بعين الاعتبار سيما المنتظرة من المتعاقد الآخر الذي يريد شرائها. فكل تغليط للمتعاقد بهذا الخصوص يحقق الغش عن طريق الخداع.

– التغليط في تركيب البضاعة، أي في مكوناتها ومحتواها من العناصر المفيدة أي النفع المنتظر من البضاعة.

– التغليط في النوع أو المنشأ: عندما يتبين من الاتفاق او العرف أن ذلك كان سببا رئيسيا للتعاقد، وهذا الأمر تقدره محكمة الموضوع انطلاقا من العقد وظروفه سيما الثمن، واللافتة وما تضم من بيانات غير صحيحة، والفاتورة وغير ذلك. فأحيانا هناك علاقة بين الجودة والمنشأ أي المصدر الجغرافي للبضاعة، وبالتالي فبيعها تحت اسم مصدر غير صحيح تقوم معه جريمة الغش عن طريق الخداع في المصدر.

– التغليط في كمية البضاعة المعدة للبيع أو المبيعة أو المسلمة: ويتحقق ذلك بالانتقاص من الكمية المصرح بها، والملاحظ أن هذه الصورة يمكن أن تتحقق قبل التعاقد أو عند التعاقد أو بعده عند تسليم البضاعة المبيعة مما يخل في هذه الحالة بصدقية التسليم.

– التغليط في هوية البضاعة عند التسليم: ويتحقق ذلك بتسليم بضاعة غير التي كانت محل العقد وليس مجرد الانتقاص من كميتها، وعادة تكون البضاعة المسلمة أقل جودة من البضاعة التي كانت موضوع التعاقد، مما يخل أيضا بصدقية التسليم بدرجة كبيرة.

د- إثبات التغليط:

في حالة كون البضاعة خاضعة لنص تنظيمي أو عرف مهني أو تجاري فإنه يكفي إثبات اختلاف البضاعة التي تسلمها الضحية في أحد عناصرها المحددة سابقا كما يقضي به التنظيم أو العرف، فالتعاقد حول بضاعة يحدد نص تنظيمي خصائصها أو مكوناتها يفيد أن المشتري يقصد هذه البضاعة المنظمة، اما إذا كانت البضاعة غير منظمة بنص أو عرف فإنه يعود للضحية إثبات أنه كان ضحية غلط مدبر في أحد العناصر السابقة.

ه- العقاب على محاولة التغليط:

تتحقق محاولة تغليط أو خداع المتعاقد طبقا للأحكام العامة لمحاولة ارتكاب الجريمة الواردة في الفصل 114 وبعده من القانون الجنائي، أي ببدء في التنفيذ أو عمل يؤدي مباشرة إلى التنفيذ، كالتغليط أثناء التفاوض بهدف الحصول على رضى الضحية، بل إن القضاء الفرنسي توسع في ذلك إلى مجرد عرض تعاقد لم يقبل، أو عرض للبيع أو شحن بقصد الوضع في البيع، أو بعت عينة من البضاعة مع دليل حول هويتها ومصدرها ولو لم ينجز أي طلب شراء لأمر مستقل عن إرادة صاحب البضاعة، بل من مجرد إنتاج لافتات كاذبة قبل وضعها على البضاعة.

3- الركن المعنوي:

أ- مبدأ قصد التغليط:

سكت المشرع في الفصل 1 والفصل 4 عن الركن المعنوي المطلوب لجريمة الغش عن طريق الخداع أو محاولته، ومع ذلك فالغش بطبيعته جريمة عمدية، ذلك أنه يدور حول فكرة الكذب والتدليس وسوء النية بدل حسن النية وصدق المعاملات.

ثم إن جريمة الغش هي جنحة والقاعدة في الجنح أنه يجب العمد واسثتناءا الخطأ (الفصل 133 ق.ج). وعاقب عن محاولتها والقاعدة أن المحاولة تكون في الجرائم العمدية.

ب- اثبات القصد:

إن قصد التغليط يفيد إدراك الواقعة المجرمة وإرادتها: بأن يدرك صاحب البضاعة أنه يغلط المتعاقد في أحد العناصر السابقة ويريد ذلك.

والقاعدة أنه يعود لمحكمة الموضوع تقدير توفر أو عدم توفر القصد، لكن عليها في حكم الإدانة بيان الظروف التي استنتجت منها توفره، فهي خاضعة في ذلك لرقابة محكمة النقض من زاوية التعليل وسلامة الاستنتاج.

لكن صعوبة إثبات القصد بصفة مباشرة (اعتراف المتهم) ودفع المتهم عادة بحسن نيته أفضى إلى اعتماد القرائن، وبالتالي استنتاج محكمة الموضوع توفر القصد من ظروف الغش وخاصة صفة المتهم وما تفرض عليه من معرفة حقيقة البضاعة التي ينتج أو يستورد أو يعرض في السوق، إذ أن ذلك من صميم نشاطه المهني.

ج- تطبيق:

لقد أخذت المحكمة الابتدائية بإنزكان بهذا الرأي في حكم صادر بتاريخ 5/3/2014- ملف 2773/13 بخصوص متابعة شركة في شخص ممثلها القانوني عن الغش في مادة الدقيق الفعل المنصوص عليه وعلى عقوبته في الفصلين 1 و17 من ظهير 5/10/1984 المتعلق بزجر الغش إذ جاء في هذا الحكم.

“حيث تابعت النيابة العامة الظنين من أجل ما هو مسطر أعلاه وفق فصول المتابعة.

وحيث أنه وبعد إخضاع مادة الدقيق المصنوعة من طرف الشركة أعلاه للمراقبة بواسطة التحليل المختبري والأبحاث الكيماوية التابع لوزارة الفلاحة والتنمية القروية أثبت أنها مغشوشة لكونها تتضمن نسبة من الحديد أقل من النسبة الواجب توافرها.

وحيث أن محاضر مصلحة قمع الغش يوثق بمضمونها إلى أن يثبت ما يخالفها .

وحيث أن قيام الظنينة بصنع وبتوزيع مادة الدقيق وعدم تأكدها من سلامتها من أي مادة أجنية عند عرضها للبيع يمكن أن تعرض سلامة المستهلك وصحته للخطر وهو ما أكدته نتيجة التحليل المختبر الرسمي للتحليلات والأبحاث الكيماوية والذي أكد بأن منتوج مادة الدقيق المصنوعة من طرف الظنينة أعلاه مغشوشة لكونها تتضمن نسبة الحديد أقل من النسبة الواجب توافرها .

وحيث أن قيام الظنينة ببيع وتسويق مادة الدقيق والتي تتضمن نسبة من الحديد أقل من النسبة الواجب توافرها يشكل جنحة الغش في مادة الدقيق.

وحيث أن المحكمة وبعد دراستها لوثائق الملف ومستنداته ومن خلال نتائج التحليل المختبري وكذا محضر مصلحة قمع الغش ثبت لها واقتنعت بأن ما نسب للظنينة ثابت في حقها مما يتعين التصريح بمؤاخذتها من أجله .

وعملا بمقتضيات المادة286-291-363 إلى 371 وما يليه من قانون المسطرة الجنائية وكذا فصول المتابعة .

لهذه الأسباب:

حكمت المحكمة علنيا، ابتدائيا وحضوريا:

بمؤاخذة الظنين من أجل ما نسب إليه وتحكم عليه بغرامة نافذة قدرها 10.000 درهم مع الصائر والإجبار في الأدنى”.

وهكذا يمكن لمحكمة الموضوع استنتاج القصد من أفعال وامتناعات تظهر بالنظر للممارسات التجارية أنه لا يرتكبها تاجر عادي حذر، من ذلك إذا ظهر أن المتهم لا يمكنه أن يجهل عيوب البضاعة التي يسلم، أو عندما يصرح بضمان خصائص غير موجودة في البضاعة التي يعرض للبيع.

ومما لا شك فيه أن مثل هذا الاستنتاج لا يخلو من تشدد في حق المهنيين، لكن له ما يبرره من ضرورة ردع الغشاشين، وحت المهنيين على القيام بالرقابة الضرورية على ما يعرضون من بضائع، حماية لنظام السوق ومبدأ المنافسة الشريفة، وأيضا حماية للصحة العامة وحماية المستهلك، خاصة إذا كانت البضاعة منظمة من حيث العناصر المحددة سابقا التي يرد عليها التغليط ومخصصة لتغذية الإنسان، وتظهر قوة الالتزام بالرقابة على البضاعة خاصة في حق الصانع أو المنتج، إذ بخلقه هذه البضاعة أو تحويلها وتعليبها وتقديمها للجمهور عليه معرفة ماهيتها وخصائصها وغير ذلك من العناصر وعدم تغليط المتعاقدين في ذلك.

أما المستورد ولو أنه يكتفي بإعادة بيع البضاعة على حالتها، فلو استبعدت مسؤوليته بعلة أن الغش قام به منتج البضاعة الأجنبي فإن هذا الغش عمليا لن يعاقب إذ يصعب متابعة المنتج الأجنبي، وهو ما يفسر أهمية دور إدارة الجمارك في هذا الباب وما تقوم به من رقابة على البضائع المستوردة من أجل مطابقتها للأنظمة الوطنية، ولذلك ومن باب الفعالية يقع التزام الرقابة على المستورد، إذ عليه التأكد من مطابقة البضاعة المستوردة للتنظيمات أو الأعراف الوطنية، وعدم تغليط المتعاقد في أحد العناصر السابقة، لذا يمكن استنتاج قصده من عدم قيامه بالرقابة الضرورية على البضاعة قبل طرحها في السوق.

أما البائع بالتقسيط فنرى أنه إذا أثبت مصدر البضاعة وأنه يبيعها على حالتها وثبت أنها تطابق البضاعة المبيعة له، فإنه لا تقع عليه مسؤولية تغليط المتعاقد معه بشأنها بل تصعد هذه المسؤولية إلى مصدر البضاعة، كتاجر بالتقسيط يكتفي بإعادة بيع أكياس من الطحين على حالتها معلومة المصدرة وله فواتر شرائها، إذ نرى أن يصعد البحث تلقائيا إلى منتج هذه الأكياس ومقارنتها مع الأكياس التي توجد لديه.وذلك من باب تفعيل أكثر للفصل 40 من قانون زجر الغش في البضائع المتعلق بأخذ عينات للمقارنة.

 

II-جريمة الغش بتزييف البضاعة:

تهدف هذه الجريمة بدورها حماية المنافسة الشريفة ومبدأ صدق المعاملات التجارية، وذلك بحمل الفاعلين الاقتصاديين على احترام الأنظمة المتعلقة بالبضائع، وفي حالة غياب التنظيم مع وجود أعراف مهنية وتجارية ثابتة فإنها تؤخذ بالاعتبار في تكوين الجريمة، كالأعراف المهنية والتجارية المتعلقة بأنواع من الزرابي، وفي ذلك خروجا عن قاعدة شرعية التجريم.

فالتزييف يعني ادخال تعديلات على البضاعة تنال خاصة من جودتها أو كميتها، وتمكن الغشاش من تحقيق أرباح غير مشروع ويخل بمبدأ المنافسة المشروعة. بل إن تزييف البضائع المعدة لتغذية الإنسان أو الحيوان يتضمن أحيانا خطرا حقيقيا أو ضررا على الصحة العامة، وقد سبق أن عرف المغرب نوازل من هذا النوع كما سبقت الإشارة إليه.

وهكذا فقد نص الفصل الأول من قانون زجر الغش في البضائع على جريمة تزييف البضائع بشكل عام أما الفصل 5 فقد جرم بشكل خاص تزييف البضائع المخصصة لتغذية الإنسان أو الحيوان أو المداواة.

1- تزييف جوهر أو كمية البضاعة:

* الفصل 1: “يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الشيء المصرح به أو قام، خرقا لأحكام هذا القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه أو خلافا للأعراف الهنية والتجارية، بعملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغييرهما (…)”.

فالتزييف وفق هذا الفصل يفيد كل معالجة ترد على البضاعة بشكل مخالف للقانون أو النصوص التنظيمية أو الأعراف المتعلقة بها بهدف تغيير جوهرها أو كميتها. ولو كانت المعالجة غير ضارة بالإنسان أو الحيوان، إذ يكون هدف زجر التزييف هنا هو زجر عدم احترام المقتضيات أو الأعراف، أي زجر المعالجة غير الشرعية وبالتالي فرض احترام تنظيم المنتوج أو الأعراف المتعلقة به.

ولم يحدد المشرع في هذا الفصل نوع البضاعة مما يمكن أن نفسره أنه يشمل كل بضاعة.

+ صور التزييف: يشمل الفصل الأول كل عمليات التزييف أيا كان شكلها ترد على جوهر أو كمية البضاعة، ومن أهم صور التزييف:

+ التزييف بالإضافة: أي إضافة مادة إما غير مرخص بها إلى المنتوج أو بنسبة تفوق النسبة المرخص بها، مثال نسبة اليود في مادة الملح.

+ سحب مادة من المنتوج: مثل سحب المادة الدهنية من الحليب وبيعه على أساس أنه كامل الدسم.

+ استبدال عنصر بآخر أقل جودة: كاستبدال نسبة من العسل “الطبيعي” واستبدالها بعسل اصطناعي، أو نسبة من الدقيق الممتاز واستبدالها بأخرى أقل جودة.

والملاحظ أن تزييف مواد غذائية عن طريق الخلط كثيرا ما يقع اللجوء إليه في المواد التي يكثر عليها الطلب للاستهلاك، كالطحين والتوابل وغيرها من المواد التي تباع في كثير من الأحيان بالتقسيط وغير معلبة.

2- تزييف بضاعة مخصصة لتغذية الإنسان أو الحيوان أو المداواة:

نص على هذه الصورة الخاصة من التزييف الفصل 5 من قانون زجر الغش إذ جاء فيه: “تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفصل الأول على:

1- كل من زيف مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو مواد مستعملة للمداواة أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية معدة للبيع أو التوزيع؛

2- (…)

3- كل من استورد أو صنع أو حاز من أجل البيع أو التوزيع مواد غذائية أو مشروبات معدة لاستهلاك الإنسان أو الحيوان أضيفت إليها لأي سبب من الأسباب ولا سيما من أجل حفظها أو تلوينها أو تعطيرها أو تحليتها مواد كيميائية أو بيولوجية أو من أي نوع آخر أو عرضت لإشعاعات قد تغير ماهيتها أو خصائصها ما لم يكن ذلك مرخصا به”.

أ- الركن المادي:

يتميز الركن المادي لهذه الصورة من التزييف إضافة الى إحدى صوره السابقة بالمحل الذي يرد عليه:

* محل التزييف: بضاعة مخصصة لتغذية الإنسان أو الحيوان أو المداواة أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية.

فالأمر هنا لا يتعلق بأية بضاعة كما ورد في الفصل 1 بل أن يرد التزييف على مواد مخصصة لتغذية الإنسان أو الحيوان أيا كان نوعها، وكذا المشروبات بشكل عام والمنتوجات الفلاحية أي الناتجة عن عملية الفلاحة كالحبوب، وكذا المنتجات الطبيعية أي التي يقوم الإنسان بجمعها من الطبيعة، ثم المنتجات المخصصة للمداواة بمفهوم واسع يشمل الأعشاب الطبية وغيرها.

* أن تكون البضاعة مخصصة للبيع: فالتزييف عكس التغليط يرتكب استقلالا عن وجود متعاقد، لكنه يرد على مواد مخصصة للبيع في المستقبل، أي ليست مخصصة للاستهلاك الشخصي أو العائلي، ويعود لمحكمة الموضوع تقدير هذا العنصر من ظروف كل قضية ومن عناصر التقدير كمية البضاعة، تعليبها وغير ذلك من المؤشرات.

هذا ونشير إلى أهمية هذه الصورة من التزييف أي التزييف المتعلق بمواد مخصصة لتغذية الإنسان والحيوان نظرا لخطر التزييف على الصحة العامة، لذلك أفرد له المشرع فصلا خاصا، سيما وأن المغرب عرف وقائع تزييف مواد غذائية ذات استهلاك واسع النطاق بسبب سهولة هذه العملية وصعوبة اكتشافها من قبل المستهلك فقد لا تسبب له ضررا آنيا كما سبقت الإشارة إليه، وكذا بسبب ما يحققه الغشاش من أرباح غير مشروعة تمتد في الزمان دون مبالاة بخطر ذلك على الصحة العامة، لذلك فقد تعزز رهان حماية الصحة العامة بقانون السلامة الصحية للمنتجات الغذائية وقانون المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية كما سبقت الإشارة إليه (المحاضرة).

ب- الركن المعنوي:

لقد سكت المشرع عن الركن المعنوي المطلوب في الغش عن طريق التزييف وإن كان أشار في الفصل الأول إلى كل عملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغيير جوهر أو كمية الشيء.

ومع ذلك فالتزييف مثل التغليط جريمة عمدية بطبيعتها إذ يرتبط بالتدليس والغش وسوء النية، والعمد يتطلب إثبات أن المتهم تصرف عن علم أنه يقوم بعملية التزييف على البضاعة بخصوصياتها في الفصل الخامس، وأنه يريد ذلك، ويفترض أنه يعلم بالقوانين والأنظمة أو الأعراف المتعلقة بتلك البضاعة.

– القضاء واستنتاج القصد

كما سبق بيانه بالنسبة لجريمة الغش عن طريق التغليط فإن القضاء عادة يسكت عن الركن المعنوي وان أثير الأمر فإنه لا يتردد في استنتاجه من اخلال المهني بواجب الرقابة ومطابقة المنتوج وما يخضع له من معالجات لما يقضي به القانون أو الأنظمة أو الأعراف المتعلقة بنشاطه، فالأمر يتعلق بقرينة واقعية قابلة لإثبات العكس لكن يصعب على المهني نفيها نظرا لمخاطر التزييف على المنافسة الشريفة وعلى الصحة العامة، وهو ما يفسر التشدد في زجر التزييف خاصة المتعلق بمواد غذائية، وهو ما يفسر أيضا وجود جرائم أخرى وقائية تهدف زجر التعامل بمواد مزيفة أو فاسدة أو سامة أو انتهت صلاحيتها أو تخزينها وزجر التعامل بمواد معدة لتزييفها، مما تضمنه الفصل 5 والفصل 6 من قانون الغش في البضائع.

IIIتطبيقات قضائية:

ندرج فيما يلي بعض التطبيقات القضائية  لصور من الغش في مواد استهلاكية تشكل خطرا على صحة المستهلك وتوضح أهم الجوانب المسطرية لجريمة الغش في البضائع.

1- الغش في بضاعة بمعالجة فيها خطر على صحة المستهلك:

تجدر الإشارة إلى خطورة الغش الذي يشكل خطرا على صحة الإنسان الذي يعرض من حين إلى آخر على المحاكم ويعكس تدني الأخلاقيات المهنية لدى مرتكبه وجشعه في الحصول على مكسب مالي من وراء ذلك، وفي هذا الإطار نشير إلى:

-قضية صنع وبيع في الشارع العام نقائق من مكوناتها احشاء حمير وتوابل وشحم البقر حسب خبرة المصالح البيطرية، بحيث يصعب على المستهلك اكتشاف تركيبها إذ تضم اسقاطات حيوانات تشكل خطرا على صحة الإنسان، لذلك فقد تمت متابعة الفاعل وفق الفصل 1 والفصل 2 من قانون زجر الغش في البضائع بجنحة الغش عن طريق الخداع والتدليس بواسطة منتجات فيها خطر على صحة الإنسان وشركائه وفق الفصل 129 من القانون الجنائي. وقضت المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 23/4/1999 في الملف جنحي تلبسي عدد 831/99 حكم عدد 928 (غير منشور) في حق الفاعل الأصلي بعقوبة 8 سنوات حبسا نافذا وغرامة 10000 درهما، وعلى المشاركين بخمس سنوات حبسا نافذة وغرامة 5000 درهما. وقد تم تأييده استئنافيا من طرف محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 4/11/1999 ملف عدد 5523/99 حكم جنحي عدد 26/8 وتم تقديم طعن بالنقض صدر فيه قرار بعدم القبول لعدم تقديم المذكرة داخل الأجل القانوني.

فالملاحظ أن العقوبة الحبسية قد تبدو قاسية لأنها جاءت تطبيقا للفصل الثاني من قانون زجر الغش في البضائع الذي أجاز رفع عقوبة الفصل الأول إلى الضعف حالة ارتكاب الخداع أو التزييف أو التدليس بواسطة منتجات أو معالجات فيها خطر على صحة الإنسان وبذلك نلاحظ أهمية قوة الزجر حالة الخطر الفعلي الذي يهدد صحة وسلامة المستهلكين، كما نلاحظ أنه لا يوجد مطالبون بالحق المدني وذلك لصعوبة إدراك المستهلكين أنهم كانوا ضحايا لهذا النوع من الغش التجاري الذي يحتمل أن يكون استمر مدة قد تكون طويلة قبل اكتشافه، وصعوبة معرفة واثبات ما قد يكون لحقهم من ضرر بسببه.

-وفي قضية تتعلق بالغش في مادة البزار والاتجار فيها ذهبت محكمة الموضوع استنادا للفصل 415 من القانون الجنائي الذي يحيل على الظهير الشريف الصادر بتاريخ 29/10/1959 أثر ما عرف بقضية الزيوت المسمومة إلى تطبيقه في هذه النازلة، لكن ذهب المجلس الأعلى في قراره[5] عدد 8595 بتاريخ 30/10/1986 ملف جنحي عدد 15554/85 إلى نقض قرار الإدانة من زاوية عدم توفر عناصر جريمة إعطاء مواد ضارة بالصحة المنصوص عليها في الفصل 413 من ق.ج والمشددة عقوبتها بالفصل 415 من القانون الجنائي.لعدم اثبات وجود ضحايا باستهلاكهم مادة البزار المغشوشة، وهكذا فقد جاء في هذا القرار:

“لكن حيث أن الفصل 415 من القانون الجنائي ما دام ينص على القول، إذا ارتكبت الجرائم المعاقب عليها بالفصل 413 في نطاق تجاري وجب تطبيق الظهير رقم 159.380 المؤرخ في 26 ربيع الثاني 1379 (29 أكتوبر1959) بشأن العقاب على الجنايات ضد صحة الأمة، فينتج عن ذلك حتما مراعاة العناصر التي يجب توفرها في الفعل (…) بمفهوم الفصل- 413 من القانون الجنائي ومن جملتها حدوث الضرر نتيجة تعاطي المادة المضرة بالصحة العمومية، لأن الفصل 415  إنما يعتبر ظرفا مشددا بتغيير الوصف من جنحة إلى جناية فيما إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 413 في نطاق تجاري .

وحيث من جهة ثانية فإن قضاة الموضوع ما داموا قد ثبت لديهم بصورة واضحة وبدليل مقنع أن مادة الابزار المغشوشة التي كانت تروج في نطاق تجاري لم تحدث أية إصابة مرضية نتيجة تعاطيها، وأن وقائع الملف تفيد أن صناعة تلك المادة من زيت المحركات كانت تحرق بقصد إزالة الضرر عنها، فإن قياس هذه الواقعة على قضية ما يعرف بكارثة الزيوت المسمومة لا يمكن الأخذ به في النازلة لوجود الفارق بينهما ما دام الضرر الخطير على الصحة العمومية لم يثبت للمحكمة وهو عنصر أساسي في الجريمة المنصوص عليها في الفصل الأول من ظهير 29 أكتوبر 1959.

وعليه فإن التأويلات والاستنتاجات التي أتى بها قضاة الموضوع لتبرير عدم حدوث إصابات مرضية إنما هي مجرد تخمينات لا يصح الاستدلال بها، لمنافاتها للمستندات التي يحتوي عليها الملف .

وما دام الملف لا يتوفر على وثائق رسمية صادرة عن المصالح المختصة يستعان بها لإثبات حدوث الضرر بالصحة نتيجة استهلاك تلك المادة المغشوشة موضوع المتابعة والذي هو عنصر أساسي وإلزامي في قيام الجريمة، فإن التأويل المعطى للفصل 415 من القانون الجنائي يتجاوز الحد الذي يمكنه تحمله مما يعتبر خطأ في تطبيقه وبالتالي فإن ما قضت به الغرفة لا يستند إلى أساس صحيح من القانون مما يجعل قرارها غير معلل من الناحية القانونية وهو ما يعرضه للنقض والإبطال”.

فالمتابعة في هذه القضية تأسست على الفصل 413 من القانون الجنائي وكان يمكن أن تؤسس على الفصل 1+2 من قانون زجر الغش في البضائع بعد التثبت من عنصر معالجة مادة “البزار” بشكل يضم خطرا على صحة الانسان.

2- جوانب مسطرية: ونقف عند ما يلي:

  • توجه متابعة الشركة المنتجة للبضاعة المغشوشة وحجية المحاضر في جرائم الغش:

من ذلك حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 2/11/2015 ملف 8568/15 غير منشور: إذ صدر ضد شركة منتجة لمادة الدقيق عن الغش فيها طبقا للفصلين 4 و17 من ظهير  5/10/1984. لقد جاء فيه:

“وحيث إن المتهمة تنتج مادة الدقيق اللين.

وحيث إن أعوان مصلحة مراقبة المنتجات النباتية ومن أصل نباتي بمكناس قاموا بأخذ عينات من مادة الدقيق المنتج من طرف مطاحن المتهمة أعلاه، تبين بعد إخضاعها للتحاليل المخبرية أنها تحتوي على نسبة من الفيتامين ب 2منخفضة عن النسبة المحددة قانونا، مما يجعلها غير مطابقة للمواصفات المعمول بها .

وحيث إن المحاضر التي ينجزها المأمورين المعتمدون خصيصا لزجر الغش من لدن الوزارة المعنية وأعوانها هي وسيلة لإثبات المخالفات للقوانين والأنظمة المتعلقة بقمع الغش ويترتب على ذلك إما أخذ عينات وإما تحرير محاضر إثبات والتي يوثق بمضمنها إلى أن يثبت ما يخالفها طبقا للفصلين 20 و24 من ظهير قمع الغش في البضائع وليس ثمة في الملف حجة تثبت عكسها أو بينة توجب نقضها.

وحيث تكونت لدى المحكمة القناعة الكافية لإدانة المتهمة من أجل ما نسب إليها.

وحيث يتعين تحميل المتهمة صائر الدعوى بالإضافة إلى إرجاع مبلغ مصاريف المحاضر وأخذ العينات والتحليلات المدفوعة من أجل البحث عن المخالفة أعلاه.

وتطبيقا للفصول 291-294-371-676-678 من ق.م.ج ولفصول المتابعة.

لهذه الأسباب:

حكمت المحكمة ابتدائيا علنيا وغيابيا:

بمؤاخذة المتهمة في شخص ممثلها القانوني من أجل المنسوب إليها ومعاقبتها لأجل ذلك بغرامة نافذة قدرها (10000) درهم مع الصائر، مع الحكم عليها بإرجاع مبلغ مصاريف المحاضر وأخذ العينات والتحليلات المدفوعة من أجل البحث في المخالفة أعلاه”.

وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 21/12/2015 ملف 10904/15 غير منشور، ضد شركة عن ارتكابها الغش في مادة الملح المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 4 و17 من ظهير 5/10/1984. جاء فيه:

“وحيث إن المتهمة تصنع مادة الملح المزود باليود.

وحيث إن أعوان مصلحة مراقبة المنتجات النباتية ومن أصل نباتي بتطوان قاموا بأخذ عينات من مادة الملح المزود باليود المصنع من طرف الشركة المتهمة أعلاه، تبين بعد إخضاعها للتحاليل المخبرية أنها تحتوي على نسبة من اليود أقل من الحد المنصوص عليه قانونا، مما يجعلها غير مطابقة للمواصفات المعمول بها.

وحيث إن المحاضر التي ينجزها المأمورون المعتمدون خصيصا لزجر الغش من لدن الوزارة المعنية وأعوانها هي وسيلة لإثبات المخالفات للقوانين والأنظمة المتعلقة بقمع الغش ويترتب على ذلك إما أخذ عينات وإما تحرير محاضر إثبات والتي يوثق بمضمنها إلى أن يثبت ما يخالفها طبقا للفصلين 20 و 24 من ظهير قمع الغش في البضائع وليس ثمة في الملف حجة تثبت عكسها أو بينة توجب نقضها.

وحيث تكونت لدى المحكمة القناعة الكافية لإدانة المتهمة من أجل ما نسب إليها.

وحيث يتعين تحميل المتهمة صائر الدعوى بالإضافة إلى إرجاع مبلغ مصاريف المحاضر وأخذ العينات والتحليلات المدفوعة من أجل البحث عن المخالفة أعلاه.

و تطبيقا للفصول 291-294-371-676-678 من ق.م.ج ولفصول المتابعة .

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة ابتدائيا علنيا وغيابيا:

بمؤاخذة المتهمة في شخص ممثلها القانوني من أجل المنسوب إليها ومعاقبتها لأجل ذلك بغرامة نافذة قدرها (5000)درهم مع الصائر، مع الحكم عليها بإرجاع مبلغ مصاريف المحاضر وأخذ العينات والتحليلات المدفوعة من أجل البحث في المخالفة أعلاه”.

ب- تطبيقات لها علاقة بحقوق الدفاع:

توصل القضاء في مجال جرائم الغش في البضائع إلى إقرار مبادئ أساسية في هذا المجال نذكر خاصة:

– مراعاة القيد الوارد على تحريك المتابعة طبقا للفصل 28 من ظهير 5/10/1984 تحت طائلة عدم قبول المتابعة.

وهكذا ففي قرار جنحي عدد 9091 بتاريخ 26/10/2015 ملف 1360/2015 صادر عن محكمة الاستئناف بأكادير (غير منشور). قضت بإلغاء الحكم الابتدائي وصرحت بعدم قبول المتابعة استنادا لمقتضيات الفصل 28 من ظهير 5/10/1984 التي تفيد أنه لا يجوز لوكيل الملك بعد تسلم  الملف إجراء أية متابعة أمام المحكمة قبل أن يخبر عاجلا المحتمل أنه مرتكب الغش وكذلك حائز البضاعة عند الاقتضاء بأن في إمكانهما الاطلاع في النيابة العامة على نتائج التحليل خلال 10 أيام ولا يوجد ضمن وثائق الملف ما يفيد إنجاز الإجراء المطلوب قبل المتابعة.

– مبدأ واجب استجابة المحكمة لطلب إجراء خبرة مضادة ومبدأ إجراء التحاليل على عينات البضاعة لدى مختبرات معتمدة.

وذلك بالنظر لما للمحاضر المنجزة استنادا لهذه الخبرة من حجية إذ يوثق بها إلى أن يثبت ما يخالفها وهذا أمر صعب.

وهكذا فقد جاء في قرار عدد 2179/6 صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 4/11/1998 في الملف الجنحي عدد 27860/92 (منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55 صفحة 386 وبعد).

في شأن الفرع الأول من وسيلة النقض الوحيدة المتخذ من الخرق الجوهري للقانون بخرق الفصل 36 الفقرة الثانية منه من ظهير 5 أكتوبر 1984.

ذلك أن المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 36 من ظهير قمع الغش أعطى للظنين كامل الحق في طلب إجراء خبرة مضادة وبالمقابل فإن على المحكمة أن تستجيب لهذا الطلب بقوة القانون، إلا أن المحكمة عندما تأمر بإجراء خبرة مضادة فإنها لا تكون مخيرة في تعيين أي خبير كيفما كان إذ هي في هذه الحالة تكون مقيدة بتعيين خبير من بين لائحة الخبراء المنصوص عليهم في الفصل 39 من ظهير قمع الغش في حين أن المحكمة المطعون في قرارها عينت الخبير السيد أحمد عسيلة وهو غير مسجل في قائمة المتخصصين للقيام بالخبرة المضادة، وأن المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 36 المذكور قد استعمل صياغة الوجوب وليس الجواز والاختيار مما يجعل قرارها معرضا للنقض.

بناء على الفصلين 347 و352 من قانون المسطرة الجنائية.

حيث إنه بمقتضى الفقرة السابعة من الفصل 347 والفقرة الثانية من الفصل 352 المذكورين يجب أن يكون كل حكم أو قرار معللا من الناحتين الواقعية والقانونية وإلا كان باطلا وأن نقصان التعليل يوازي انعدامه.

وحيث ينص الفصل 36 من الظهير رقم 108/83/1 الصادر في 9 محرم 1405 الموافق 5 أكتوبر 1984 على ما يلي: “إذا نوزع في استنتاجات تقرير أو تقارير التحليل خلال الجلسة وطلب المتهم اجراء خبرة جديدة بشأن ذلك أمرت بإجراء هذه الخبرة… ويعهد وجوبا بالخبرة المذكورة إلى أحد المختبرات المبينة في القائمة المنصوص عليها في الفصل 39….الخ”.

حيث أن القرار المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي القاضي بإدانة العارضة من أجل جريمة الغش في مادة الحليب، وإن كانت قد أمرت بإجراء خبرة مضادة بعد أن نازعت الطاعنة في الخبرة المجراة فإنها عندما عينت السيد محمد اعسيلة كخبير لإجراء هذه الخبرة بدلا من المختبرات المنصوص عليها في الفصل 39 المشار اليه، فإن المحكمة بمخالفتها للنص القانوني الملزم لإجراء الخبرة في إحدى المختبرات المختصة المشار إليها في الفصل المذكور تكون قد خرقت حقا جوهريا من حقوق الدفاع وعرضت قرارها للنقض.

لهذه الأسباب:

 وبصرف النظر عن باقي الفروع المستدل بها على النقض.

قضى بنقض وابطال القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف بالجديدة بتاريخ 21 شتنبر 1992 في القضية عدد2386/92 وبإحالة القضية على نفس المحكمة لتبت فيها من جديد طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى وبرد الوديعة لمودعها وبالصائر على الخزينة.

 

ثانيا: جريمة الاشهار الكاذب أو المضلل

* تعريف الاشهار وأهميته:

الاشهار تقنية تجارية يتم بها الترويج للسلع والخدمات بهدف جلب الزبائن، لذلك فالإقبال عليها في  تزايد مستمر بحكم المنافسة بين الفاعلين الاقتصادين، إذ بإشهار محكم يمكن تصريف بضاعة أو خدمة رديئة مما جعل صناعة الاشهار تعرف ازدهارا متناميا، فظاهرة الاشهار المكثف والمتنوع والأكثر جاذبية أصبحت أمرا مألوفا، وتنوعت وسائله من النص إلى الصوت إلى الصورة والاخراج، فهناك الملصقات والمطويات والجرائد إلى الوسائل السمعية البصرية والهاتف النقال والانترنيت…

إن هذه الكثافة الدعائية يرافقها أحيانا خطر الكذب والتضليل بغرض جر المستهلك إلى اقتناء السلع والخدمات، لذلك فجريمة الاشهار الكاذب أو المضلل تهدف تخليق الاشهار التجاري في إطار فرض التزام سلبي على صاحب الإعلان بعدم الكذب أو التضليل.

1- الركن القانوني:

لقد كانت هذه الجريمة منظمة بمقتضى الفصل 10 من قانون زجر الغش في البضائع إلى أن تم إلغاؤه صراحة بمقتضى المادة 196 من قانون حماية المستهلك الذي أعاد تنظيمها بمقتضى المادة 21 والمادتين 174 + 175 وهكذا فقد نصت المادة 21 منه:

“دون المساس بمقتضيات المادتين 2 و67 من القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، يمنع كل اشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال، ادعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا.

كما يمنع كل اشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه، إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر التالية: حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الاشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاتها الأساسية ومحتواها من العناصر المفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو تعريفتها وشروط بيعها وكذا شروط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو تقديم الخدمات ونطاق التزامات المعلن وهوية الصناع والباعة والمنعشين ومقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهلاتهم”.

أما المادة 174 و175 فقد تضمنتا تحديد العقوبة والاجراءات التحفظية وتحديد المسؤوليات.

وبذلك نلاحظ تطبيقا آخر لتوزيع الركن القانوني لجريمة من جرائم الأعمال بين أكثر من مادة، فالركن المادي تضمنته المادة 21 أما الجزاء فتضمنته المادة 174.

2- الركن المادي: ويتضمن العناصر التالية:

أ- الاشهار: وهو جوهر الركن المادي ويفيد الإعلان، وتتحقق العلانية بإخراجه للجمهور، وبالأحرى لو حصل إطلاع الجمهور عليه فعلا أو بتلقيه من قبل من وجه إليه. وهكذا فقد جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 175: “…وتتكون الجنحة بمجرد القيام بالإشهار أو الاطلاع عليه أو تلقيه من طرف المستهلك”.

هذا ويتميز الاشهار عن العرض: فالإشهار هو تقديم اختياري لمعلومات عن سلع أو خدمات بهدف التعريف بها وجلب الزبائن، فليست لهذا الإعلان قيمة تعاقدية، إنما له تأثيرا نفسيا بترسيخ اسم المنتوج في ذهن المستهلك ودفعه إلى اقتنائه.

* أيا كانت وسيلة الاشهار أو شكله: فوسائل الاشهار وأشكاله تعرف تطورا مستمرا بالنظر لتطور صناعة الاشهار وابتكاراتها في هذا المجال، بقصد تحقيق أهدافها، وإن كان لا يمكن إنكار قوة تأثير الصوت والصورة مع ما يمكن أن يثير انتباه المستهلك من مؤثرات بهدف دفعه إلى اقتناء السلعة أو الخدمة.

ب- الاشهار الكاذب او المضلل:

يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة في صورتين:

* الصورة الأولى: أن يتضمن الاشهار ادعاءا أو بيانا أو عرضا كاذبا: أي أن يكون مضمون الإشهار موضوعيا غير صحيح. وهذه الصورة تكون سهلة التحديد والاثبات، إذ تتحقق بمجرد عدم صحة الادعاء أو البيان أو العرض المتعلق بالسلعة أو الخدمة دون حاجة لبحث تأثير ذلك على الجمهور، فالكذب هنا معاقب عليه لذاته استقلالا عن أي تغليط قد يقع فيه الغير، كادعاء أن السيارة المراد بيعها جديدة والحال أنها مستعملة، وذلك من باب حماية المستهلك وفرض التزام الصدق على المعلن الذي يقع خرقه بالكذب.

* الصورة الثانية: أن يكون الاشهار من شأنه أو يوقع في الغلط: أي يؤدي إلى تضليل، ففي هذه الصورة فإن الاشهار ولو لم يضم ادعاءا أو بيانا أو عرضا غير صحيح لكنه يكون قادرا على تغليط الزبون، وهي الصورة الأكثر انتشارا وصعبة التحديد، لذلك فقد استعمل المشرع بصددها عبارة عامة ومرنة وترك أمر تقديرها لمحكمة الموضوع، لتمكينها من ملاحقة تطور الاشهار المضلل.

* معيار التقدير:

لقد استعمل المشرع عبارة “اشهار من شأنه أن يوقع في الغلط”، فحصول غلط لدى الغير ليس شرطا لقيام الجريمة حالة الاشهار المضلل، وبناء على ذلك فإن التقدير لا يرتبط بالضحية الفعلي للجريمة، وإنما يتم وفق معيار موضوعي أي مستهلك متوسط الحذر والدكاء، ويمكن أن نضيف تحديدا لهذا المعيار بأن يكون من وسط الجمهور الموجهة إليه الرسالة الاشهارية.

* ولهذا المعيار فائدته: فمن جهة أولى فإن المستهلك أمام اشهار يظل مطالبا بالحذر حماية لمصالحه، بل المفروض أن الاشهار الذي يبالغ في مدح البضاعة أو الخدمة أن لا يثق فيه المستهلك بسرعة إذ هو نوع من الكذب الدارج في المجال التجاري كعبارات، أحسن جودة، الأفضل، الأبيض بياض الثلج،…

ومن جهة ثانية فإن المعيار السابق يحافظ أيضا على نمو صناعة الاشهار الضرورية للتعريف بالسلع والخدمات على نطاق واسع، في إطار اقتصاد السوق ومبدأ المنافسة الشريفة بين الفاعلين الاقتصاديين، لذلك فهو حل وسط يراعي مصلحة الفاعلين الاقتصاديين ومصلحة المستهلك وحمايته من الاشهار المضلل، ومصلحة صناعة الاشهار لتواصل ابتكاراتها ونموها وأداء وظيفتها الترويجية للسلع والخدمات في إطار عولمة المبادلات التجارية.

هذا ويعود لمحكمة الموضوع تقدير الاشهار في مجمله لتتبين آثاره المحتملة على المستهلك، وما إذا كان من شأنه ان يفضي إلى تغليط المستهلك الوسط من الجمهور الذي توجه إليه الرسالة الاشهارية، وليس مجرد التوقف عند كل كلمة كلمة أو صورة صورة في الخطاب الإشهاري، بل أن تقف عند العلاقة الذهنية التي يمكن أن ينسجها المستهلك الوسط بين مكونات الرسالة الاشهارية الأكثر قوة وتأثيرا في نسج تلك العلاقة: فوضع كتابات كبيرة وصورة بألوان قوية لفواكه مما يوحي لأول نظرة أن الأمر يتعلق بعصير فواكه طبيعي %100 يتحقق معه الاشهار المضلل ولو وجدت في جانب آخر من العلبة وبكتابات صغيرة يصعب قراءته المكونات الحقيقية للعصير تفيد وجود نسبة من الماء والسكر مثلا.

لكن تتعقد عملية التقدير حالة وجود اشهار بوسائل متنوعة، أي بحوامل متعددة: راديو، تلفزة، جرائد مواقع على الشبكة العنكبوتية، على الهاتف المحمول… وبطرق مختلفة لدرجة أن تقدير كل حامل على حدة قد لا يفضي إلى وجود اشهار مضلل، لذلك نرى إذا كان الاشهار يبث في وقت واحد أو بشكل متقارب بوسائل مختلفة أن تقدر العملية الاشهارية في مجملها على أساس أن كل حامل يدعم الآخر  أو يكمله, من باب دعم حماية المستهلك ليختار بعقلانية حسب احتياجاته وامكانياته وتفادي تحايل الشركات التجارية بتجزئة العملية الاشهارية المضللة.

ج-  موضوع الكذب أو التضليل:

بالرغم من كون المادة 21 أوردت الصورتين في فقرتين مستقلتين فإننا لا نرى مبررا لهذا الفصل لوحدة موضوع كذب الادعاء أو البيان أو العرض وموضوع التغليط، إذ يجب أن يرد في الحالين على عنصر أو أكثر مما حددته المادة 21.

والملاحظ أنه وقع التوسع في هذه العناصر كما هو واضح من المادة 21 وذلك لتشمل ما أمكن كل ما يأخذه الجمهور بعين الاعتبار سيما وأن الأمر يتعلق بالسلع والخدمات، وذلك من باب حماية أكثر للمستهلك، يكفي أن نذكر هنا عنصر نطاق التزامات المعلن وهوية الصناع والباعة والمنعشين ومقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهلاتهم، فالمستهلك يهمه معرفة التزامات المعلن والمنتج والبائع ومقدم الخدمة ومؤهلاته مما يمكنه من تقدير جودة ما يقدم له من سلع أو خدمات، كما أن الضمانات المتعلقة بالمنتج أو البائع تمكنه من الثقة فيه، وتوفر له إمكانية الرجوع عليه أو إثارة مسؤوليته عند الاقتضاء، إضافة إلى تفادي خطر تعرضه للنصب ما أمكن وخاصة من بائعين لا يعرف عنهم شيئا.

3- الركن المعنوي:

هنا أيضا سكت المشرع عن الركن المعنوي المطلوب وترك الأمر للفقه والقضاء، ومما لا شك فيه أن اشهارا كاذبا أو مضللا يقتضي العلم بالكذب أو الطابع المضلل، لكن يعود لمحكمة الموضوع صلاحية استنتاج القصد، وبالرغم من عدم عثورنا على أحكام في الموضوع فإن القصد يمكن استنتاجه من الاخلال بالالتزام الملقى على عاتق المعلن، إذ عليه التأكد من صدق المعطيات التي يقدمها لمن أنجز الاشهار لفائدته، وأن يراقب مضمون الاعلان قبل الإذن بنشره، وبالتالي فتقديمه معلومات كاذبة أو مضللة في عنصر من العناصر السابقة، أو عدم رقابته لمحتوى الاشهار حتى يطابق ما قدم من معلومات قبل الإذن بنشره يحمله المسؤولية كما سنرى، لأنه اشهاره هو، وهو الذي يمدح بضاعته أو خدمته لذلك عليه واجب رقابة صحة ذلك وصدق الرسالة الاشهارية.

4- اسناد المسؤولية عن جريمة الاشهار الكاذب أو المضلل إلى المعلن:

نص المشرع صراحة في المادة 175 من قانون حماية المستهلك على أنه: “يكون المعلن الذي تم الاشهار لحسابه مسؤولا بصفة أصلية عن المخالفة المرتكبة.

إذا كان مرتكب المخالفة شخصا معنويا يتحمل مسيره المسؤولية.

 ويعاقب عن المشاركة في الجريمة طبقا لأحكام القانون الجنائي”.

تعد هذه الصورة نموذجا لإسناد صريح للمسؤولية من قبل المشرع إلى شخص ظاهره أنه لم ينفذ ماديا الجريمة مباشرة، واعتباره الفاعل الأصلي لها، فالمسؤولية هنا تحملها من تم الإعلان لصالحه وليس من أنجز الاشهار، وبالتالي قطع المشرع الطريق عن المعلن في الدفع بقيام الغير  بإنجاز ونشر الاشهار.

-مبررات الاسناد: يمكن تفسير هذا الاسناد الصريح للمسؤولية لمن تم الإشهار لحسابه بما يلي:

– تفادي ضياع المسؤولية أو نقلها إلى التابع ومن التابع إلى من أنجز الاشهار؛

– الاعلان تم لمصلحة المعلن فهو المستفيد منه؛

– وظيفة المعلن تلزمه التأكد من صدق ووضوح المعلومات التي يقدم لمنجز الإعلان، وأن يراقب محتوى الاشهار قبل الإذن بنشره لحسابه؛

– ان منجز الاشهار مجرد منفذ: فالمعلن هو الذي يقدم له المعلومات التي تمكنه من إنجاز الدعاية، وليست له صلاحية رقابة صحة ما قدم له، بل غالبا ليست له المؤهلات والكفاءة اللازمة لرقابة قيمة وصحة ما قدمت له من معطيات تتعلق بسلع أو خدمات معقدة وفي تطور مستمر بفعل التقدم الصناعي والتكنولوجي.

– لكن قبل المشرع بإمكانية متابعة منجز الإعلان كشريك طبقا للقواعد العامة للمشاركة (الفصل 129 وبعد من مجموعة القانون الجنائي) وخاصة المشاركة بالعون والمساعدة بشرط أن يتوفر له العلم بالطابع الكاذب أو المضلل للإشهار ويقصد الانخراط في تلك الجريمة، ويمكن استنتاج ذلك إذا كان الاشهار ظاهر الكذب أو التضليل.

لكن نصت المادة 175 الواردة أعلاه على أنه:

إذا كان صاحب الإعلان شخصا معنويا تحمل مسيره المسؤولية الجنائية، وهو إسناد تشريعي صريح مرة أخرى للمسؤولية إلى الشخص الذاتي بدل الشخص المعنوي الذي تم الإشهار لحسابه، ونفسر هذا الحل الغريب نوعا ما بغياب تنظيم عام للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وهو ما يمكن أن يتداركه مشروع مراجعة القانون الجنائي (المحاضرة).

5- الجزاء:

 نص المشرع في المادة 174 والمادة 175 على إجراءات تحفظية وعلى عقوبات :

– إمكانية الأمر بإيقاف الاشهار: وهو إجراء تحفظي يمكن من تفادي الآثار السلبية لاستمرار الإشهار خلال المسطرة العادية وله فعاليته الواضحة، لذا يمكن لقاضي التحقيق أو المحكمة المحالة عليها المتابعة بطلب من النيابة العامة أو المطالب بالحق المدني أو تلقائيا أن تأمر به، وينفذ الأمر رغم كل طعن وينتهي مفعوله بصدور أمر بعدم المتابعة أو حكم بالبراءة، ويمكن الأمر برفع اليد من الجهة التي أمرت به أو المحكمة المعروضة عليها القضية، وقد نظمت المادة 175 الطعن بالاستئناف في القرارات التي تبت في طلبات رفع اليد.

+ العقوبة:اعتمدت المادة 174 عقوبة الغرامة بشكل يجمع بين عدة خصائص، مما تعرضنا له سابقا بخصوص عقوبة الغرامة في جرائم قانون الأعمال فهي هنا:

– غرامة من 50.000 إلى 250.000 درهم وإذا كان شخصا معنويا 50.000 إلى 100.000 درهم.

– يمكن رفع الغرامة إلى 2/1 نفقات الاشهار وللمحكمة طلب الوثائق المثبتة لذلك تحت طائلة غرامة تهديدية 10.000 درهم عن كل يوم تأخير.

وهكذا نلاحظ أنها غرامة مرتفعة الحد الأدنى والحد الأقصى، مع تباعد واضح بينهما، ثم هي تميز بين ما إذا كان المحكوم عليه شخصا ذاتيا أو معنويا، وإن كنا نلاحظ أن هذه الحالة لا تنسجم مع ما تضمنته المادة 175 من النص صراحة على أنه حالة كون مرتكب المخالفة شخصا معنويا يتحمل مسيره المسؤولية.

كما نلاحظ أن هذه الغرامة أخذت بمبدأ النسبية في تحديدها بإمكانية رفعها إلى نصف نفقات الاشهار.

يضاف إلى ذلك:

– تأمر المحكمة بنشر حكم الإدانة أو تعليقه أو هما معا المادة 175، وهو جزاء فعال كما سبق بيانه (المحاضرة).

– إمكانية الأمر بنشر اعلانات تصحيحية على نفقة المحكوم عليه حسب المادة 175، وهو تدبير من شأنه تصحيح الرسالة الاشهارية الكاذبة أو المضللة التي قد تكون ترسخت في الأذهان واستمرار وقوع المستهلك ضحية اشهار ثبت كذبه او ثبتت صفته  التضليلة, و استمرار المعلن يجني مكاسب غير مشروعة اضرارا بمصالح المستهلك و المنافسة الشريفة .

 

ثالثا: الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والمقيدة لها بين الجزاء الإداري والجزاء الجنائي

صدر قانون حرية الأسعار والمنافسة سنة 2000 وحدد أجل سنة بعد نشره في الجريدة الرسمية[6] ليدخل حيز التطبيق، ثم عدل سنة 2010[7]، وعرف مراجعة شاملة سنة 2014 في اتجاه منح صلاحيات تقريرية لمجلس المنافسة فيما يخص الممارسات المنافية لها[8]، وبذلك فتح الباب لتراجع جزئي للجزاء الجنائي لصالح جزاءات إدارية مقارنة مع صيغته الأولى سنة 2000، ومن هذه الزاوية نراه نموذجا لإشكالية البحث المستمر عن الجزاءات المناسبة لما ترتكب من تجاوزات من قبل الفاعلين الاقتصاديين.

فالمنافسة الحرة قاعدة أساسية في النظام الاقتصادي الليبرالي حيث الانفتاح على اقتصاد السوق الوطنية والعالمية، وقد تضمنها دستور  2011 في فصله 35 إذ جاء فيه:

(…)

“تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر…”

وجاء في الفصل 36 منه: “يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه وكل مخالفات ذات طابع مالي”.

(…)

“يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية”.

(…)

ونص الفصل 166 منه وضمن هيئات الحكامة الجيدة والتقنين على أن “مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم ممارسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والانصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار”.

– مبدأ المنافسة المشروعة:

تشكل قاعدة المنافسة الحرة والنزيهة حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الليبرالي، والملاحظ أنه لم يقع تعريفها في المجال القانوني لصعوبة التحديد، مما يفيد إحالة ذلك على مفهومها الاقتصادي المتعارف عليه وما يعرف من تطورات، وفي هذا الإطار فإن المنافسة هي ضد الاحتكار: إذ تعني حرية الانتاج والمبادلات للسلع والخدمات، فهي بذلك مرتبطة بحرية المبادرة المنصوص عليها في الدستور أيضا، ومن متطلباتها تعدد الفاعلين أي المنافسين مع ضمان الحرية والمساواة والشفافية بينهم.

هذا ويعول كثيرا على قاعدة المنافسة للرفع من الانتاج والابتكار والجودة وتنافسية الاقتصاد الوطني، فضلا عن ايجابياتها بخصوص خدمة مصلحة المستهلكين بدعم اختياراتهم في اقتناء السلع والخدمات بأسعار تنافسية مع الربط بين السعر والجودة، لذلك فالصيغة الأولى لقانون حرية الأسعار والمنافسة لسنة 2000 كانت تتضمن ديباجة ورد فيها: “يهدف هذا القانون إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار وإلى تنظيم المنافسة الحرة، وتحدد فيه قواعد حماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين، ويهدف كذلك إلى ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية”[9].

وهكذا فقاعدة المنافسة الحرة والنزيهة يمكن اعتبارها جوهر النظام العام الاقتصادي للدولة.

لذلك اهتم المشرع كثيرا بحماية المنافسة الحرة وذلك بمنع ما ينفيها أو يقيدها، لما في ذلك من خطر عليها، وعاقب عن ذلك أحيانا بجزاءات جنائية ولكن في أحيان كثيرة بجزاءات غير جنائية كما سنرى.

I– الممارسات المنافية لقواعد المنافسة:

الحالة 1: منع التواطؤات الصريحة أو الضمنية: وذلك أيا كان شكلها التي تهدف أو يترتب عنها الاخلال بالمنافسة (المادة 6) وقد ذكر المشرع بعض أشكال ذلك، لكن ليست على سبيل الحصر:

– الحد من حرية دخول مقاولات أخرى منافسة إلى السوق.

– المضاربة التي تعرقل التحديد الحر للأسعار حسب قاعدة المنافسة.

– حصر أو مراقبة الانتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني.

– تقسيم الاسواق أو مصادر التموين: لأن ذلك يفضي عمليا إلى احتكار سوق أو منتوج.

– تقسيم الصفقات العمومية، كالاتفاق حول العروض التي تقدم لترك المجال لأحد المتنافسين دون غيره.

ونلاحظ صعوبة حصر وتحديد التواطؤات الممنوعة، فهي بطبيعتها مفاهيم اقتصادية مرنة، كما يلاحظ أن المنع مقرر سواء كانت التواطؤات بغرض الاخلال بالمنافسة أو يمكنها أن تخل بها فالمسألة تقديرية بحسب المعطيات الاقتصادية لكل حالة.

الحالة 2: الاستغلال التعسفي لوضعية هيمنة في السوق الداخلي أو جزء هام منه أو لوضعية تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون ليس له بديل، وذلك عندما يكون الغرض من تلك الممارسة أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة لحرية المنافسة (المادة 7).

وهنا أيضا لجأ المشرع إلى ذكر بضع الأمثلة لهذا التعسف في استغلال وضعية هيمنة أو تبعية اقتصادية إذ من شأنه الاخلال بالمنافسة ومن مظاهره: رفض البيع، البيع المقيد أو المشروط بشروط تمييزيه، أو قطع علاقة تجارية مع زبون دون مبرر لمجرد رفضه شروطا غير مبررة، فرض حد أدنى لإعادة بيع منتوج أو سلعة أو تقديم خدمة أو هامش تجاري، فمثل هذه الأساليب تقلص من تنافسية من تفرض عليه من قبل من له وضعية هيمنة في السوق أو جزء مهم منه، أو من يكون الزبون تابعا له اقتصاديا، وفي الحالتين نحن أمام تعسف واستغلال وضعية اقتصادية بشكل يعرقل حرية المنافسة.

فتلك مظاهر أساسية للتعسف في السلطة الاقتصادية أو التبعية الاقتصادية قد تمارسه مقاولة بقصد الاخلال بالمنافسة أو يمكن أن يترتب عليه ذلك لذا وقع منعها.

الحالة 3: عرض أسعار بيع للمستهلكين منخفضة بشكل كبير عن التكاليف إذا كان الغرض منها أو من شأنها إقصاء مقاولة أو منتوجاتها من السوق (المادة 8)، فمن شأن هذه الممارسة إبعاد المقاولة التي لا تقوى على الاستمرار في الخسارة.

ويستثنى من الحالة الأولى والثانية الممارسات المنظمة بنص تشريعي أو تنظيمي مثل حالات الاحتكار المنظم في قطاع الماء والكهرباء وغيره، وكذا الممارسات التي يثبت أصحابها أنها تساهم في التقدم الاقتصادي أو التقني دون أن تلغي المنافسة في جزء مهم من السلع أو الخدمات، وهو ما يمكن المقاولات الصغيرة والمتوسطة من الشراكة بينها بهدف تحسين تسييرها أو تسويق منتوجاتها وتقليص تكاليفها وفق أحكام المادة 9 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، فقد تتفق بعض المقاولات على صيغة للنقل المشترك لمنتوجاتها من أجل تقليص تكاليفه.

الحالة 4: مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي لخطرها على المنافسة:

يتم التركيز الاقتصادي إما باندماج مؤسستين أو أكثر أو بالرقابة على مقاولة أو أكثر أيا كانت وسيلة ذلك، أو بإحداث مقاولة مشتركة تقوم بشكل دائم بمهام مقاولة مستقلة، والتركيز الاقتصادي له فوائد عديدة: إذ يفضي إلى تأسيس مقاولات قوية لها قدرة تنافسية أكبر وطنيا ودوليا، وقدرة على الاستثمار والابتكار ونقل التكنولوجيا المتطورة وغيرها بما هو نافع للاقتصاد الوطني وللمستهلك، لكن في نفس الوقت يشكل التركيز خطرا على المنافسة إذ قد يسهل التواطؤات أو يخلق وضعا مهيمنا أو احتكاريا، وبالتالي يبسط نفوذه على السوق ويتحكم فيه أو في جزء مهم منه مما يهدد المنافسة المشروعة.

لذلك اهتم قانون حرية الاسعار والمنافسة كثيرا بمعالجة هذا الخطر بتعزيز الرقابة السابقة على مشروع التركيز أو على التركيز الحاصل، وقد أسند هذه الرقابة إلى مجلس المنافسة وخصص موادا عديدة لتنظيمها: تبدأ بالمطالبة بتصحيح الوضع إلى إمكانية إصدار عقوبة مالية من ذلك حالة إنجاز تركيز دون التبليغ عليه للمجلس أو قبل صدور قراره في الموضوع وحالة عدم تنفيذ ما تضمنه قراره من أمر أو تعليمات أو موافقة على تعهدات بتصحيح الوضعية تصل بالنسبة للشخص المعنوي إلى %50 من رقم معاملاته وبالنسبة للشخص الذاتي إلى 5.000.000 درهم (المادة  19 من قانون حرية الأسعار والمنافسة).

كما لمجلس المنافسة حالة استغلال وضع مهيمن أو تبعية اقتصادية إصدار قرار يأمر فيه بتصحيح الوضعية تحت طائلة غرامة تهديدية في حدود %5 من متوسط رقم الأعمال اليومي دون احتساب الرسوم عن كل يوم تأخير (المادة 40+ المادة 20).

كما يمكن للمجلس أن يأمر المعنيين بالأمر بجعل حد للممارسات المنافية لقواعد المنافسة داخل أجل معين أو أن يفرض عليهم شروطا تصحيحية (المادة 36)، أو يفرض عليهم غرامات تهديدية أو يوافق على تعهداتهم لوضع حد للممارسات الواردة في المادة 6+7+8، كما له إصدار عقوبة مالية حالة عدم تنفيذ ذلك تراعي خطورة الأفعال والوضعية المالية للمعنيين وما إذا كان المخالف مقاولة أم لا حسب أحكام المادة 39 وفي حالة العود يمكن رفع الحد الأقصى للعقوبة المالية إلى الضعف. مع إمكانية الأمر بنشر أو تعليق قراره حسب الطريقة التي يحددها على نفقات المخالف، وله أن يأمر بإدراجه أو مستخرج منه في تقرير السنة المحاسبية وذلك حسب أحكام المادة 39، مع إمكانية الاعفاء الكلي والجزئي من العقوبة المالية بخصوص الممارسات الممنوعة بمقتضى المادة 6 وذلك وفق أحكام المادة 41 منها إذ ساهمت المنشأة أو الهيئة المعنية في إثبات الممارسة المحظورة وتحديد مرتكبيها، فالإعفاء يأخذ شكل المكافأة على تعاونها مع المجلس في وضع حد للممارسة المنافية للمساهمة.

الخلاصة أن مجلس المنافسة اصبحت له صلاحيات تقريرية في مجال الممارسات المنافية او المقيدة لقواعد المنافسة وفق توجه يطغى عليه أسلوب الحت على تصحيح الوضعية، وإن اقتضى الحال بفرض غرامة تهديدية، وأن تعذر ذلك له إصدار عقوبة مالية.

هذا وقد خصص قانون حرية الأسعار والمنافسة القسم الخامس منه لمعالجة الإجراءات المتبعة أمام مجلس المنافسة والقرارات التي له اتخاذها وطرق الطعن فيها.

لكن نلاحظ بخصوص معالجة الرقابة القضائية على قرارات مجلس المنافسة أن المشرع جعل بعضها قابلا للطعن أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض (المادة 44 منه) وهي قرارات تتعلق بعملية التركيز وما يرتبط بها من فرض غرامة تهديدية أو عقوبة مالية متخذة طبقا للفقرة 5 من المادة 15 والبند IIIمن المادة 17، وكذا قراراته طبقا للمادتين 19+20 في موضوع استغلال تعسفي لوضع مهيمن أو لوضعية تبعية اقتصادية، أما باقي قراراته فتخضع للطعن أمام محكمة الاستئناف بالرباط (المادة 44).

ونرى أنه كان من الفائدة أن تخضع جميع قرارات مجلس المنافسة للطعن أمام المحاكم الإدارية، فهي الجهة الطبيعية للرقابة على القرارات الإدارية إذ نرى ان مجلس المنافسة رغم تنوع تركيبته ليست له طبيعة قضائية ولا يمكن موازاته بدرجة ابتدائية احيانا او استئنافية احيانا اخرى .

هذا وقد تركت المادة 43 صلاحية للسلطة الحكومية المكلفة بالمنافسة بأمر الأشخاص الذاتيين أو المعنويين بوضع حد للممارسات المنافية للمنافسة إذا كانت تؤثر في سوق محليه وفي حدود رقم معاملات حدده المرسوم التطبيقي المشار إليه سابقا في المادة 29+30 منه أو أن تقترح عليهم الصلح حدد إجراءاته المرسوم التطبيقي ومن شأن الصلح انهاء المسطرة أمام مجلس المنافسة، وفي حالة رفض اقتراح الصلح فللسلطة الحكومية المكلفة بالمنافسة اللجوء إلى مجلس المنافسة.

أما من شارك عن علم في تنظيم أو تنفيذ الممارسات المنافية لقواعد المنافسة الواردة في المادة 6 و7 فيعاقب حسب المادة 75 بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم أو إحداهما، ويمكن نشر الحكم كليا وجزئيا في جرائد تحددها المحكمة على نفقته، هذا وإذا لاحظ مجلس المنافسة ما يبرر المتابعة عن هذه الجريمة فله إحالة الملف على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة قصد إجراء المتابعة (المادة 25).

كما عاقبت المادة 76 عن المضاربة بافتعال أو محاولة افتعال رفع أو خفض سعر سلع أو خدمات أو سندات، وشددت العقوبة إذ تعلق ذلك بمواد غذائية أو حبوب أو دقيق أو مشروبات أو عقاقير طبية أو وقود أو سماد تجاري، ويمكن التشديد برفع العقوبة الحبسية إلى 5 سنوات والغرامة إلى مليون درهم إذا كانت المضاربة بمواد غذائية أو بضائع لا تدخل في النشاط التجاري للمخالف، ويمكن تفسير قسوة هذه العقوبة بمخاطر جريمة المضاربة على السير العادي لقواعد المنافسة ولكن ايضا على الأمن الغذائي والدوائي ومصالح أساسية للمستهلكين.

II– الممارسات المقيدة للمنافسة ومبدأ الشفافية بين الفاعلين الاقتصاديين:

تعرض قانون حرية الأسعار والمنافسة في القسم السادس منه إلى ممارسات مقيدة للمنافسة بعضها يرتبط بمبدأ الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين، فالشفافية وصدق المعاملات بين المهنيين من أسس حرية المبادرة والمنافسة المشروعة بالنظر لما يفضي إليه ذلك من دعم المساواة بين الفاعلين الاقتصاديين دون تمييز، ودعم مبدأ حرية الأسعار وتحديدها حسب قانون العرض والطلب، لذلك فإن قانون حرية الأسعار والمنافسة في الباب الأول من القسم السادس فرض واجبات على المهنيين ومنع ممارسات تحت طائلة عقوبات ومن مظاهر ذلك:

+ واجب تسليم الفاتورة بين المهنيين عن كل معاملة تضم بيانات الزامية؛

+ واجب إخبار المشتري أو مقتني الخدمة لنشاطه المهني من طرف المنتج أو مقدم الخدمة بجدول أسعاره وشروط بيعه إذا طلب منه ذلك؛

+ منع فرض حد أدنى لإعادة بيع السلعة أو الخدمة؛

+ منع الشروط التمييزية غير المبررة؛

+ منع رفض تلبية طلب عادي ومقدم بحسن نية؛

+ منع البيع المشروط.

فمثل هذه الممارسات تقيد المنافسة إضرارا بمنافسين لفائدة آخرين، لذلك فهي أفعال مجرمة وتحال المحاضر المتعلقة بها على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية، وقد عاقبت المادة 78 عن تلك الممارسات المقيدة للمنافسة بغرامة من 5000 إلى 300.000 درهم مع تشديد العقوبة في حالة العود.

كما تعرض الباب الثاني من القسم السادس في المادة 62 وبعد إلى الادخار السري باعتباره يخل أيضا بقاعدة المنافسة المشروعة والتكوين العادي للأسعار، إضافة إلى خطره على الأمن الغذائي للمواطنين، وعاقبت عليه المادة 79 بغرامة من 100.000 إلى 500.000 درهم وبالحبس من شهرين إلى سنتين ومصادرة البضائع ووسائل النقل مع إمكانية إغلاق مخازن أو مكاتب المحكوم عليه لمدة لا تفوق 3 أشهر، ويجوز الحكم بالمنع لمدة لا تزيد عن سنة من ممارسة مهنة أو أي عمل تجاري خلال مدة الإغلاق ويستمر المخالف في أداء أجور وتعويضات وجميع المنافع التي كان يستفيد منها العمال (المادة 81). وبذلك نلاحظ قسوة الجزاءات المقررة لهذه الجريمة لخطورتها على الأمن الاقتصادي والاجتماعي بالنظر لإخلالها الجسيم بالتكوين العادي للأسعار بافتعالها ندرة السلع المعروضة وخاصة الضرورية واستغلال حاجة الناس إليها برفع أسعارها.

أما القسم السابع فتضمن أحكاما خاصة بالسلع أو المنتوجات أو الخدمات المنظمة أسعارها وعاقب عن الزيادة غير المشروعة في الأسعار في المادة 67+78 لكن مع إمكانية المصالحة حسب المادة 93 وبعد، وإمكانية فرض عقوبة إدارية وخاصة مالية وفق المادة 98 وبعد، مع إمكانية الطعن فيها أمام لجنة مركزية (المادة 103).

وتتخذ العقوبة الإدارية من طرف عامل الإقليم أو العمالة التي تبتت فيه المخالفة حسب المادة 39 من المرسوم التطبيقي لقانون حرية الأسعار والمنافسة المشار إليه سابقا.

وبذلك نلاحظ أهمية استمرار مجال المصالحة أو الغرامة الإدارية وبصفة احتياطية بعد فشل ذلك يمكن عرض القضية على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية المختصة من أجل المتابعة الجنائية.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن المحاضر في إطار قانون حرية الأسعار والمنافسة ينجزها باحثون محلفون حسب المادة 68 وبعد، لكن لا يشكلون فئة واحدة فهناك فئة تابعة لمجلس المنافسة وفئة من الموظفين تابعين لإدارات وأعوان هيئة مراقبي الأسعار، لهم صلاحيات واسعة للقيام بأبحاثهم بما في ذلك حق زيارة المحلات والاطلاع على الوثائق والبضائع والمنتوجات المنقولة مع ملاحظة أهمية خضوعهم لضوابط ومراقبة وكيل الملك بخصوص زيارة الأماكن والقيام بالحجز حسب المادة 72 وبعد، وعرقلة عملهم يعاقب عليها بمقتضى المادة 83، لكن القاعدة أن محاضرهم المتعلقة بالممارسات المنافية لقواعد المنافسة الواردة في المادة 6-7-8 تحال على السلطة التي طلبت الأبحاث أما المحاضر المتعلقة بمخالفات القسم 6 والقسم 7 فتوجه إلى وكيل الملك المختص. (المادة 69). والقاعدة أن محاضرهم يعتد بها إلى أن يثبت ما يخالفها (المادة 70).

رابعا: جرائم لها علاقة بالأسعار وحماية المستهلك

من المعلوم أن الدورة الاقتصادية تضم عملية الانتاج تم التوزيع ثم الاستهلاك ويعد السوق بمفهومه المادي أو الافتراضي فضاء لعرض السلع والخدمات قصد تصريفها، وبالتالي يعد المستهلك النهائي حلقة أساسية في الدورة الاقتصادية، لكنه في نفس الوقت الطرف الضعيف في علاقته بالمهني أو الفاعل الاقتصادي مقدم المنتوج أو الخدمة، بالنظر لما لهذا الأخير من معرفة بما يقدم من سلع وخدمات، ومن دراية بأساليب الترويج والبيع.

لذلك اهتمت قوانين الاستهلاك بحماية المستهلك، وقد أخذ القانون المغربي المتعلق بحماية المستهلك[10] بالمفهوم الاقتصادي الضيق للمستهلك إذ عرفته المادة 2 منه بأنه “كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلع أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي”، بمعنى أن لا تكون السلع أو الخدمات التي اقتناها معدة لنشاطه المهني أو التجاري.

ومن مظاهر حماية المستهلك المعززة بجزاءات جنائية نتوقف عند الوسائل المتعلقة بدعم شفافية ومنع تعسفات مقدمي السلع والخدمات.

1- دعم الشفافية: ومن وسائل ذلك:

+ مبدأ التزام المهني بإخبار المستهلك: وذلك بتقديم معلومات ضرورية عما يعرض من سلع أو خدمات من باب دعم الشفافية في محيط العقد أي قبل أن يقدم المستهلك على اقتناء السلعة أو الخدمة، حتى يكون على بينة من خصائصها ومميزاتها وغيرها مما حددته المادة 3 من قانون حماية المستهلك ونصوصه التطبيقية، وذلك من أجل أن يتمكن من الاختيار بحسب حاجياته وقدراته المالية، ودون غلط أو تدليس، وقد عاقبت المادة 173 من هذا القانون عن الاخلال بهذا الالتزام.

+ كما عاقب قانون حماية المستهلك عن الاشهار الكاذب أو المضلل في المادة 21 والمادة 174 كما سبق تفصيله.

+ واجب إعلان السعر: وهو عنصر أساسي إذ يمكن المستهلك من مقارنة السلع والخدمات، وملاحظة علاقة السعر بجودتها قبل أن يقدم على شرائها، وقد نص الفصل 3 على هذا الواجب وإحالته على نص تطبيقي لتنظيم ذلك، وعاقب عن الاخلال به في المادة 173 بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم.

+ واجب تسليم الفاتورة أو ما يقوم مقامها إلى كل مستهلك قام بعملية شراء (المادة 4)، وقد أحالت على نص تطبيقي لتنظيم ذلك، بالنظر لما للفاتورة من فائدة في منع التلاعب بالأسعار ودعم شفافية السوق، كما تعد وسيلة إثبات، لذلك فقد عاقبت المادة 173 عن الاخلال بهذا الالتزام بغرامة من 2000 إلى 5000 درهما.

2- حماية المستهلك من بعض التعسفات بمناسبة عقد البيع:

يعد عقد البيع الأداة القانونية الأساسية لتبادل السلع والخدمات، إلا أن بعض أساليب البيع تتضمن خطر استغلال المستهلك إضرارا بحرية التعاقد وبمصالحه المالية، لذلك نظم المشرع بعضها ومنع البعض الآخر.

* تنظيم أشكال من البيوع تعرف انتشارا:

+ تنظيم البيع خارج المحل: في المادة 45 وبعد، وعاقب عن مخالفة ذلك في المادة 180 منه بغرامة يختلف مبلغها بحسب ما إذا كان المخالف شخصا ذاتيا أو معنويا.

+ تنظيم البيع بالتخفيض: في المادة 53 وبعد، بالنظر لما قد تفضي إليه كلمة تخفيض من إغراء المستهلك دون أن يكون تخفيضا حقيقيا، وعاقب عن الاخلال بذلك في المادة 181 منه بغرامة من 2000 إلى 10000 درهما.

+ تنظيم البيع بالمكافأة: المادة 56-وذلك حماية المستهلك الذي قد يغريه الحصول على مكافأة على حساب الجودة أو الثمن، فيندفع لاقتناء السلعة أو الخدمة دون اختيار عقلاني بحسب حاجياته أو بالنظر للجودة والسعر، لذلك عاقبت المادة 182 عن مخالفة المادة 56 بغرامة من 2000 إلى 10000 درهما.

3- منع ممارسات تعسفية في حق المستهلك:

+ منع رفض بيع سلعة أو خدمة دون سبب مقبول المادة 57، لما في ذلك من خطر التمييز بين المستهلكين، وحرمان بعضهم من الاستجابة لحاجياته، لذلك عاقبت عليه المادة 182 بغرامة 1200 إلى 10000 درهما وترفع إلى الضعف حالة العود.

+ منع تعليق بيع سلعة أو خدمة على شروط: أي البيع المشروط (المادة 57)، كاشتراط شراء كمية معينة، أو اقتناء سلعة أو خدمة أخرى، فمن الملاحظ أن مثل هذه الممارسة تشكل ضغطا على إرادة المستهلك، واستغلالا لحاجته إلى السلعة أو الخدمة التي تستجيب لحاجياته وإمكانياته، لذلك عاقبت المادة 182 عن ذلك بغرامة من 1200 إلى 10000 درهما وشددت العقوبة برفعها إلى الضعف حالة العود.

+ منع البيع الهرمي المادة 57: لما فيه من إغراء بالحصول على سلع أو خدمات مجانا أو بسعر يقل عن قيمتها الحقيقية، لذلك عاقبت عليه المادة 183 بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 20000 إلى 40000 درهما مع إمكانية نشر أو تعليق الحكم على نفقة المحكوم عليه، والملاحظ أنها عقوبة تجمع بين سلب الحرية والغرامة المرتفعة بالنظر لما لهذه الممارسة من خطر  تعدد ضحاياها، وقد سبق أن عرضت على المحاكم قضايا من هذا النوع.

+ منع استغلال ضعف أو جهل المستهلك المادة 59: وعاقبت عن ذلك المادة 184 بعقوبة حبسية من شهر إلى خمس سنوات وغرامة من 1200 إلى 50000 درهما أو بإحدى العقوبتين، وإذا كان المخالف شخصا معنويا فالغرامة تكون من 50000 إلى 1000000 درهما، وبذلك نلاحظ كما سبق بيانه الجمع بين عقوبة حبسية وغرامة مرتفعة على سبيل التخيير المتروك للمحكمة، كما نلاحظ التمييز في الغرامة بين الشخص الذاتي والشخص المعنوي من باب التفريد التشريعي للغرامة بحسب وضعية المخالف ومدى ملاءة ذمته المالية ودرجة الردع الخاص والعام المنتظر من العقوبة.

هذا وقد نظم القسم الثامن من قانون حماية المستهلك مسطرة البحث عن مخالفة أحكامه ونصوصه التطبيقية، وأسند ذلك إضافة إلى ضباط الشرطة القضائية إلى باحثين منتدبين محلفين (المادة 166 منه)، يعينون حسب المادة 4 من المرسوم التطبيقي[11]، لهذا القانون بقرار للوزير المكلف بالتجارة والصناعة وقرار لوزير الداخلية وعند الاقتضاء بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتجارة والصناعة والسلطات الحكومية الوصية على قطاع النشاط المعنى، ولهؤلاء الباحثين صلاحيات واسعة من أجل الرقابة ومعاينة وإثبات المخالفات، إذ لهم حق زيارة المحلات والأراضي، وتفقد وسائل النقل المعدة لغرض مهني، والاطلاع على الوثائق وأخذ نسخ منها، ومراقبة البضائع والمنتوجات عند نقلها، ويمنع عرقلة مهمتهم،

مع ملاحظة خضوعهم لرقابة وكيل الملك فيما يخص زيارة جميع الأماكن وحجز الوثائق حسب أحكام المادة 170 من قانون حماية المستهلك.

ويحررون محاضر تثبت المخالفات وهي محاضر يوثق بمضمونها إلى أن يثبت ما يخالفها حسب القاعدة العامة المعمول بها في المخالفات والجنح، وتوجه إلى وكيل الملك المختص داخل أجل 15 يوما من تاريخ اتمام البحث، وقد نصت المادة 167 على المتابعة التأديبية حالة عدم تقيد محرري المحاضر بأجل 15 يوما دون عذر مقبول.

وبذلك نلاحظ أهمية التوجه إلى فرض توجيه المحاضر مباشرة إلى النيابة العامة ودعم ذلك بإقرار المسؤولية المباشرة لمحرريها، كما نلاحظ أهمية الاعتماد على الجزاء الجنائي في جرائم الأسعار، وذلك في إطار دعم الحماية الجنائية للمستهلك بتحريك المتابعات ضد المخالفين.

4- جزاءات أخرى ذات مجال محدود في القانون الجنائي للأعمال: 29

5- توجه الأخذ بتدابير وجزاءات غير جنائية: 30

6- ضرورة مواصلة الاجتهاد بحثا عن جزاءات ملائمة للقانون الجنائي للأعمال: 32

خامسا: دور الإدارة في تطبيق القانون الجنائي للأعمال.. 33

الفصل الثاني: جرائم تطبيقية. 35

أولا: جرائم الغش في البضائع. 36

I– الغش عن طريق الخداع.. 37

1- الركن القانوني: 38

2- الركن المادي: 38

3- الركن المعنوي: 41

II– جريمة الغش بتزييف البضاعة. 45

1- تزييف جوهر أو كمية البضاعة: 45

2- تزييف بضاعة مخصصة لتغذية الإنسان أو الحيوان أو المداواة: 46

IIIتطبيقات قضائية: 48

1- الغش في بضاعة بمعالجة فيها خطر على صحة المستهلك: 48

2- جوانب مسطرية: 50

ثانيا: جريمة الاشهار الكاذب أو المضلل.. 55

1- الركن القانوني: 55


[1]-Edwin H.Sutherland : with collar crime, New york-Dryden 1949.

وانظر عن الاهتمام بهذا النوع من الاجرام خاصة منذ سبعينيات القرن الماضي من ذلك:                                                                        

Premieres journees européennes de défense sociale. La criminalité d’affaires rome les 28 et 29 octobre 19776revue de sciences criminelles et droit pénal comparé 1978, P.457.

– K.Tiedmann. La criminalité d’affaires dans l’économie moderne revue internationale de criminologie et de police technique 1975 P.147.

[2] -قانون رقم 28.07 صدر ظهير شريف بتنفيذه بتاريخ 11/2/2010 منشور بالجريدة الرسمية عدد 5822 تاريخ 18/3/2010.

[3] -منشور بالجردة الرسمية عدد 5822 تاريخ 18/3/2010 مرسوم تطبيقي بتاريخ 6 سبتمبر 2011 الجريدة الرسمية عدد 5982 تاريخ 29 سبتمبر 2011+قانون رقم 08-25 بإحداث المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية منشور بالجريدة الرسمية عدد 5712 تاريخ 26/2/2009 إضافة إلى عدة نصوص تطبيقية.

[4] -منشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 تاريخ 7/4/2011 +مرسوم تطبيقي منشور بالجريدة الرسمية عدد 6192 تاريخ 3/10/2013.

[5] -منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 41، صفحة 212.

[6] -الجريدة الرسمية عدد 4810 تاريخ 6 يوليو 2000.

[7] -الجريدة الرسمية عدد 5814 تاريخ 18 فبراير 2010.

[8] -قانون رقم 12-104 صدر ظهير شريف بتنفيذه بتاريخ 30 يونيو 2014، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6276 تاريخ 24 يوليو 2014، ومرسوم تطبيقه بتاريخ 1 ديسمبر 2014 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6314 تاريخ 4 ديسمبر 2014.

[9] -نلاحظ أن الصيغة الحالية لقانون حرية الأسعار والمنافسة تخلت عن هذه الديباجة رغم دلالتها ويمكن أن نفسر ذلك بكون ما يتعلق بحماية المستهلك تم نقله إلى قانون حماية المستهلك كما سنرى.

[10] -قانون رقم 08-31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، صدر ظهير شريف بتنفيذه بتاريخ 18/2/2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 تاريخ 7 أبريل 2011.

– مرسوم تطبيقي بتاريخ 11 سبتمبر 2013 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6192 تاريخ 3 أكتوبر 2013.

[11] -مرسوم بتاريخ 11 سبتمبر 2013 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6192 تاريخ 3 أكتوبر 2013.

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك