حاصل على ماستر العلوم الجنائية والأمنية بتطوان
يتابع دراسته في ماستر قانون الأعمال بتطوان
مـقـــــدمـــــــــــــــــة :
نبتغي وراء العلم الوسيلة والفضيلة والحمد لله ثم الحمد له حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطان، هداني طريق المستقيم وجعلني من حملت العلم وفضلني على كثيرا من عباده وأشهد أن محمد رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ورحمت الله على سعى إصلاحا في البلاد وزعزع بالعلم بصيرة المتبصرين وإلى المنقلب وبه إلى يوم الدين أستعين عبده طويلب العلم محمد الشريف العمري القائم بحول الله إلى بحث موضوع الحكامة وضوابطها.
وعليه فالحكامة الجيدة حسن الحكم، الحكم الراشد، الإدارة الرشيدة، الإدارة الجيدة كلها مصطلحات لمفهوم واحد أصبح أكتر تداولا في مجال التدبير، الشأن العام و الذي بدونه لا وجود لأي تنمية حقيقية التي تتمثل في التنمية البشرية و المستدامة و المحلية.
أول ظهور لمصطلح الحكامة كان في انجلترا في القرون الوسطى كمرادف لعلاقة التعاون بين أطراف السلطة آنذاك المتمثلة في الكنيسة وطبقة النبلاء، ثم ظهر في فرنسا في القرن 13 ليعبر عن الحكومة. وعاد استعماله في منتصف ثمانينات القرن الماضي على يد البنــك الدولــي ليصبح من المفاهيــم التي حازت على اهتمام كبيــر في المجال السياسي[1].
في البداية كان التعريف المتداول لدى المنظمات الدولية للحكامة هو كونها تعبر عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده أو الطريقة التي تمارسها السلطة في تسيير الموارد الاقتصاديــة ثم أصبح يعني أسلوب و طريقة الحكم و القيادة و يعد ذلك تطور المفهوم ليدل على التدبير الجيد للشأن العام من طرف السلطات السياسية والإدارة العمومية و التي تهدف إلى تحسين مستوى و نمط عيش المواطنين وتحقيق رفاهيتهم وفق إرادتهم واختباراتهم، وذلك لا يتم إلا بإشراكهم في جميع مستويات العمل العمومي من التشخيص إلى التخطيط إلى التنفيذ إلى التقويم.
وإذا كانت الحكامة في المرجعية الغربية كمنهج ينبني على مجموعة من البرامج التصوير والتحديث التي تبنتها حكومات الدول بتوجيه من الأمم المتحدة وبرامجها المتخصصة أو من خلال وصفات البنك الدولي فان الأمر يختلف بالنسبة لنظرة الشريعة الإسلامية لهذا المفهوم الذي اقترن في تاريخ الدولة الإسلامية بالحكم الراشد الذي كان يقوم على مبدأ التعبد لله في كل فعل. ومراقبة الله قبل مراقبة النفس والقانون، واحترام حقوق الإنسان والعدل والمساواة وسيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص وتحمل المسؤولية هذه المبادئ شكلت المرجعية الأساسية لتدبير شؤون الدولة الإسلامية في عهد الرسول )ص( وعصر خلفائه من شعبه وكما تستوجب الحكامة )الحكم الراشد( أن يكون الحاكمية للــه[2]و الحاكمية وفق هذا التصور لاستعراض مبدأ الأمة مصدر السلطات، فالشعب هو صاحب الحق في اختيار السلطة التي تحكمه و حتى اختيار شكـــل وطبيعة هذه السلطة و هذا مــــا يتم في إطار مبـــدأ الشورى الملزمـــة أو الديمقراطية و المشاركة [3].
هكذا فإن الحكامة أصبحت أداة لضبط وتوجيه وتسيير التوجهات الإستراتيجية الكبرى للمؤسسات فهو ذلك المفهوم الجديد في التدبير بدعم تذويب الحدود وتشجيع التشارك بين المسيرين و المساهمين تتوخى حسن تنظيم و توزيع المستويات وصقل القدرات ودعم التواصل الداخلي و الخارجي، و لقيام الحكامة لامناط من تكامل عمل الدولة ومؤسساتها و القطاع الخاص و مؤسسات المجتمع فلا يمكن أن تتحدث عن الحكامة دون تكريس المشاركة و المحاسبة و الشفافية و لا وجود للحكامة إلا في ظل الديمقراطية والجدير بالذكر أن المشرع المغربي جعل للحكامة الجيدة إطار دستور منصوص عليه في الباب الثاني عشر من الدستور الجديد فنص الفصل 154 على أنه يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنين و المواطنات في الولوج إليها و الإنصاف في تغطية التراب الوطني و الاستمرارية في أداء الخدمات.
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة و الشفافية و المحاسبة و المسؤولية و تخضع في تسييرها للمبادئ و القيم الديمقراطية التي أقرها الدستور…
ناهيك عن وضع هيئات للحكامة الجيدة في إطار الفصول 165و 167 ولقد سبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد على تبني العهد الجديد الجدية كمبدأ لنجاح الإصلاحات التي تبنتها التجربة المغربية الجديدة في خطاب العرش في طنجة 30/07/2007 و ستظل نجاحا في )….( كل الإصلاحات التي أطلقناها رهينا بأخذنا بالحكامة الجيدة باعتبارها الآلية الناجعة لتحقيق المواطنة المثلى وفي هذا الصدد، يتعين على وجه الخصوص مواصلة إصلاح القضاء بكل جدية و حزم باعتبارها العدالة المستقلة و النزيهة، عاملا أساسيا لتوفير الثقة وسيادة القانون اللازمين لتحفيز الاستثمار و التنمية، كما يجب الإسراع بتحديث الإدارة، بما يكفل فعاليتها حتى تجعل من خدمة الصالح العام و من القرب من المواطن شغلها الشاغل.
وبموازاة ذلك تؤكد على وجوب تخليق الحياة العامة بمحاربة كل أشكال الرشوة و نهب ثروات البلاد و المال، و أننا لن نعتبر أي استغلال للنفوذ و السلطة إجراما في حق الوطن، لا يقل شناعة عن المس بحرماته و في هذا الشأن نؤكد على الالتزام بروح المسؤولية و الشفافية، و المراقبة و المحاسبة و التقويم في ظل سيادة القانون، وسلطة القضاء بما هو جدير به من استقلال و نزاهة و فعالية[4].
هكذا فإن دراسة هذا الموضوع يكتسي أهمية كبيرة على اعتبار أن تدبير الشأن العام معضلة أساسية لا يمكن أن تخرج من أزمتها الخانقة إلا باعتماد تسيير عقلاني للحكم و بالتالي وجب إدخال آليات عقلانية جديدة في ممارسة تدبير الشأن العام و التي لا يكون إلا بالحكامة لاسيما و أن التحديات الكبرى التي يفرضها النظام الدولي و التحولات التي يعرفها العالم أثقلت كاهل الحكومة، بحيث لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها بمفردها الشيء الذي يحتم على حكومات الدول التقليص من دورها و فتح المجال أمام الفاعلين الجدد للمشاركة في إدارة الشأن العام.
وبالتالي فالإشكاليــة المحوريــة التي يمكن طرحها في هذا الموضــــــــــوع هي كالتالي :
كيف يمكن اعتبار الحكامة آلية ودعامة أساسية للممارسة التدبيرية للشأن العام؟ وهل هذا المفهوم استطاع تحقيق الأهداف المتوخاة منه ؟
وبدورها هذه الإشكالية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية:
- ما هي أهم المقاربات التي أعطيت للإطار المفاهيمــي للحكامـــــة ؟
- ما هي المكونات الأساسية للحكامة وطبيعة الترابط القائم بينهــــــــا ؟
- ما مدى مساهمة الحكامة في تحقيق الديمقراطية بمفهومها الشامل ؟
- ما هــــي أنـــــــواع الحكامـــة وآليـــــات تعــــزيـــــــزها ؟
- ما هــــي العـلاقـــــــة بين الحكــــامــــة والتنــمـيـــــة ؟
وانطلاقا من هذه الإشكالية، ارتأينا تقسيم موضوعنا هذا على النحو التالي :
المبحث الأول: الإطــــــار المفاهيمــــــي للحكـــامــــــة
المطلـــــب الأول: تعريف الحكامة وتحديد مبادئهـا
المطلـــب الثاني: أهداف الحكامة و معاييرهـــــــــــــا
المبحث الثاني: آليــــــات تعزيز نظـــــام الحكامــــــة
المطلب الأول : توطيد مؤشرات الحكامة الجيــــــدة
المطلب الثاني: أهم أنواع الحكامة و آليات تعزيزها
خاتــمـــــــــــــــــة:
المبحــــث الأول: الإطــــار المفاهيمـــي للحكـامـــــــة
إن تناول موضوع الحكامة يعتبر من المواضيع التي لازالت الحوارات مفتوحة بشأنها و في بدايتها بالنسبة لمجتمعات الدول النامية حيث لازال مفهوما ملفوفا بكثير من الغموض والالتباسات، سواء من حيث تحديد هويته و انتمائه أو من حيث أبعاده الظاهرة والخفية، لذلك سنحاول التطرق لمفهوم الحكامة و تحديد مبادئها في )المطلب (I، ثم محاولة تقييم هذا المفهوم ورصد أبعاده في )المطلب .(II
المطلـــــب الأول : تعريف الحكامـــــة و تحديد مبادئهــــــا
- تعريف الحكامـــــة
الحكامة مفهوم ظهر في أدبيات المؤسسات المالية الدولية منذ العقد الأخير من القرن الماضي، وموضوع نقاشات فقهية عدة، و قد جاء المفهوم في سياق عالمي يتسم بهيمنة صيغ التعامل الدولي، و على رأسها العولمة أو الشمولية، و التي تسير في اتجاه نمذجة و تنميط حياة الدول و المجموعات و الأفراد، كما أنه جاء بعد فشل سياسات الإصلاح )التقويم الهيكلي) التي انتهجت بدول العالم الثالث بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية ذاتها) صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي ( .
وعلى المستويات الوطنية فان المفهوم ظهر في ظل بروز تغيرات كامتدادات للتغيرات الدولية، و التي تتجسد في تراجع الدولة في مقابل فسح المجال أكثر لفاعلين جدد، هذا من جهة، و من جهة أخرى فان المفهوم جاء في سياق يتميز فيه التدبير العمومي بالمحدودية و الرداءة… الخ، و هكذا فان السياق الذي طرح فيه المفهوم يكشف عن شق مهم من دلالته و محتواه، فهو من جهة يمكن اعتباره آلية للتسويق للنظام العالمي السائد، ومن جهة ثانية قد يكون بديلا لأنظمة أو نظم التدبير في دول العالم الثالث، و بمعنى هو بديل لسياسة التقويم الهيكلي الفاشلة، خاصة و أن التعبير في لغة الضاد يحيل إلى نوع من الجودة و الإتقان في التدبير على اعتبار أن الحكامة كاشتقاق من الحكمة.
وبشأن الاصطلاح، فالملاحظ هو أن المفهوم في أصله الانجليزي « the governance » لم يثبت على ترجمة واحدة، إذا هناك من يصطلح عليه “الحكم الصالح“، و هناك من يستعين بمفهوم “إدارة شؤون الدولة و المجتمع” و كذلك من الفقه من يستعمل اصطلاحا “الحكمانية” و أخيرا هناك اصطلاحا “الحكامة” و هو الأكثر شيوعا بالمغرب.
وعن الأصل العلمي للمفهوم فهناك من ينحو إلى اصطباغه بالطابع الاقتصادي و بالتالي اعتباره مفهوم اقتصادي، و من هدا الجانب هناك من يعرف الحكامة بأنها تنسيق داخلي لمقاولات كبيرة هادف إلى تقليص تكاليف المعاملات التجارية، غير أن المفهوم هذا لم يبقى حبيس العلوم الاقتصادية إذ يبدو حين يطرح كمنهج للتدبير أو الحكم كموضوع للعلوم القانونية و الاجتماعية، ويجد موقعه في الدراسات القانونية ضمن القانون العام، أي أنه يرتبط بتدبير الشأن العام : )الدولي: الحكامة الدولية( و )الوطني : الحكامة الوطنية( و )المحلي : الحكامة المحلية([5].
وبالنسبة لهذه الأخيرة، فإن السياق الذي طرحت فيه بالمغرب لا يختلــف عن ما ذكرناه بصدد السياق العام للمفهوم، إذ أن واقع تدبير الشأن العام المحلي مازال يعرف الكثير من مظاهر الفساد و العقم…، و لهذا تم طرح المفهــوم لتجاوز السلبيــــات والنواقص التي تعتري التدبير الآنف.
ومن خلال استقراء مجموعة من الكتابات الفقهية لفقه القانون العام بصدد التعريف بالمفهوم و الكشف عن مركباته و إبعاده تبين لنا أن هذا المفهوم بمثابة تحسين وأقلمة للديمقراطية.
بالإظافة إلى هذه التعاريف فقد كان للفقه دورا بارزا في إعطاء تعاريف لمفهوم الحكامة إلا أنه يمكننا التمييز بين اتجاهين أساسين بهذا الصدد هما :
- الاتجاه الأول : مناصر لمفهوم الحكامة و يعتبر أن مختلف القيم التي يقدمها من مشاركة ، شفافية ، مساءلة، رقابة…قادرة بالفعل على حل مختلف المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي تتخبط فيها جل الدول و خصوصا النامية منها.
- الاتجاه الثاني : يتخوف من هذا المفهوم ومما ينطوي عليه، و يشكك في نوايا المؤسسات المالية الدولية عامة و البنك الدولي خاصة.
ففيما يتعلق بالاتجاه الأول فقد عرف المفهوم زخما من خلال التعاريف التي عرفها في ظله، و نورد منها على سبيل المثال بكون الحكامة هي قدرة المجتمعات الإنسانية على امتلاك أنظمة تمثيلية و مؤسسات و هيئات اجتماعية تهدف من خلالها تسيير و تدبير نفسها طوعيا و إراديا على أساس أن مقدرة الوعي والتنظيم و التصور والتأقلم مع الأوضاع الجديدة هي خصائص تطبع المجتمعات الإنسانية[6]، أو أنها مجموعة من البنى المؤسساتية و الممارسات التي تسهر على الحفاظ على حد أدنى من النظام الدولي [7].
و خلص آخرون في معرض تحليلهم لمفهوم الحكامة إلى أنه إذا كنا غالبا ما نقدم الحكامة كمجموعة من القواعد و التقنيات التي يجب أن تساعد في ضمان تسيير جيد في كل دولة من دولنا، و إذا نظرنا لها كشرط للديمقراطية الجيدة و كقاعدة يجب أن تمكن من إقامة علاقات حسنة بين المواطنين و الدولة، أو إجمالا بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي فإن الحكامة ستتحول إلى فلسفة) …( فلسفة سياسية ستمنح الديمقراطية أبعادها الحقيقية[8].
- مبادئ الحكامة :
تشكل الحكامة ركن استراتيجي للمقترب الجديد للتنمية مثلما هي معرفة في المنظمات الدولية في مجملها و تعقدها و رهاناتها، من خلال دورها في مكافحة الفقر والتهميش الاجتماعي، إعلاء التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، ثقافات المشاركة والتضامن، الإلتزام المشترك، المشاركة التشاورية للمواطنين في نهج سياسة القرب ولعل من أهم المبادئ التي تقوم عليها الحكامة:
امتلاك نظرة شمولية تضع برنامجا واضحا يؤدي للوصول إلى الهدف المتوخى عبر توضيح أسلوب العمل، واضح المعالم، قائم على المستوى القريب و البعيد والذي يلزم التنسيق بين مختلف البرامج و جهود الأجهزة القائمة على تنفيذ المخطط مما يسهل وضع التنظيمات التنسيقية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية المجتمعة. هذا الأمر يقتضي تصحيح الأولويات إبان وضع يروم الربط بين المبادئ الأخلاقية و القيم بين الجهود التنفيذية عن طريق سياسة اجتماعية تمكن من استثمار الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة بتوزيع الأدوار والحدود والجزاءات بين الأفراد والجهة من أجل تحقيق النمو المستمر ودفع الجهة للتقدم اجتماعيا واقتصاديا على أساس التخطيط العلمي الذي يرتكز على :
*القدرة على التنبؤ العلمي والاستفادة من مختلف العلوم الجديدة التي تمكن من استشراف المستقبل .
*تحقيق التوازن بين حاجات المجتمع من ناحية الموارد البشرية والمادية.
كما أن الحكامة تضمن تنفيذا متناغما ومستداما أكبر للتنمية وتقييم أكبر كما يمكن الدولة بين المواءمة الملائمة بين دورها و قدرتها [9]، وبالتالي فإن التنمية بكل أنواعها هي الرهان الأكبر للحكامة لتكون بمثابة قراءة جديدة للممارسات التدبيرية والوعي بطبيعتها ومقتضياتها[10] للتوصل إلى عملية إحداث تغييرات جذرية تهدف إلى اكتساب المجتمع القدرة على التطوير الذاتي والمستمر بمعدل يضمن التحسين المتزايد في نوعية الحياة لكل فرد.
إلى جانب التعدد الذي يطبع المعالم و المحددات العامة للحكامة في مرجعياتها الأممية و تعريفاتها الفقهية ، و التي تجعلها بصورة عامة آلية تدبيرية متحولة ومتشبعة العناصر، فان هذه الأخيرة تتميز إلى جانب هذا بخاصية موازية و هي خاصية التعدد والتنوع في الأطراف المشكلة لها و التي على الرغم من الضرورة التي يفرضها التوحد في تدخلاتها بما يخدم الشرط التنموي فإنها تبقى في المجمل ذات ميادين ومجالات ثلاث رئيسية تكون أطرافها المرجعية، وهي الحكومة و التي تعتبر الطرف الرسمي للحكامة والقطاع الخاص والمجتمع المدني الذين يعتبران طرفيها غير الرسمين[11].
إن المجال الرسمي للحكامة الذي يتشكل من الحكومة، سوف يجعل من هذه الأخيرة جهازا متحول الدور و الوظيفة، و التي لن تبق ذات حمولة مؤسساتية تقليدية بخاصياتها التنفيذية المعروفة بل ستجعل منها فاعلا متعدد الأدوار و الوظائف وفي أكثر من مجال، فالحكامة الجيدة تعطي بذلك دورا مهما للقطاع الخاص كطرف رئيسي في هذه العملية و يتجلى دوره في تهيئ الظروف و البيئة السياسية و القانونية المساعدة له و للطرف الثاني- المجتمع المدني- و اللذان سيهتمان أكثر بالفعل في المجال الاقتصادي عن طريق خلق الثورة و توفير فرص العمل و تعزيز قيمه الجاد و المنتج نظرا لما يتوفر عليه القطاع الخاص من مؤهلات تتمثل أساسا في نشاطه و مبادراته و مرونته، فضلا عن كفاءة التشغيل في مؤسساته و التي تتبنى المبادئ و النظم الإدارية الحديثة و النظم الرقابية[12]، وكذا في المجال الاجتماعي عن طريق دعم المشاركة و التفاعل المجتمعي المطلوب[13].
الأطراف الفاعلة في الحكامة
القطاع الخاص 3 |
الحكــــومة 2 |
المؤسسات المدنية 1 |
لذلك أضحى إشراك القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية تمليه متطلبات النمو الذي يقوم على أساس المنافسة و المسؤولية و المبادرة الخاصة، وليس عبر أنظمة بيروقراطية مما يجعله شريكا فعالا لتحقيق الإقلاع الاقتصادي مع تمتين العلاقة مع مراكز البحث العلمي وصولا إلى الانخراط في شبكة التنسيق مع المجتمع المدني والدولة من أجــل المشاركــة في وضع السياســات العامـة، إذ يعتبر المجتمع المدنـي ذو أهمية خاصة في تفعيل الحكامة الجيدة إلى جانب الحكومة و القطاع الخاص.
غير أن مفهوم المجتمع المدني يبقى من المفاهيم الأكثر غموضا فقد ارتبط هذا المفهوم عند المفكر الماركسي )غرامشي( بالطبقة العاملة و كفاحها ضد سلطة الدولة في حين يرى هيجل أن المجتمع المدني يتكون أساسا من البورجوازية التي تشكل طبقة جديدة، وهدف الدولة هو تجاوز المجتمع المدني من أجل تحقيق التناغم العام، و يمكن القول أن المجتمع المدني من استعمالاته الحالية يتعارض دائما مع أجهزة الدولة، فهو يشكل تكثلا في مواجهة الدولة.
و يضم المجتمع المدني )المنظمات النقابية و جمعيات أرباب العمل، الجمعيات المهنية، الجمعيات الثقافية و الحقوقية، جمعيات حقوق الإنسان، جمعيات النسائية ..الخ(
فحيوية المجتمع المدني تكمن في قدرته على تأطير المواطنين للعمل التطوعي في الشأن العام و كل قيم المشاركة المدنية و التنمية التشاركية.
بالإظافة إلى ذلك يمتاز موضوع الحكامة الجيدة بخصائص عديدة و متنوعة، وقد تختلف بأولوية التطبيق من بلد إلى آخر، و هذه الخصائص أو المعايير تتوزع بين معايير سياسية و اقتصادية و اجتماعية و إدارية و لا تمثل أداء الدول و مؤسساتها المركزية واللامركزية فحسب بل تشمل الإدارة العامة و مؤسسات المجتمع المدني و القطاع الخاص.
المطلــــب الثاني : أهداف الحكامة و معاييرها
- أهداف الحكامة:
لقد بات التزام الدول و خصوصا النامية منها بالحكامة الجيدة
la bonne gouvernance أمرا في غاية الأهمية و أكثر إلحاحا لتلبية طموحات وتطلعات مواطنيها بإرساء دعائم تنمية مندمجة و مستدامة، نظرا لما تفرضه التحديات المطروحة سواء على الساحة الدولية و المتمثلة في العولمة بكل أشكالها ، أو المحلية كالفقر و البطالة والتهميش…
ومن تم إعلان التنمية في بعدها الشامل هي الغرض الأساسي من الحكامة ، ويقصد بالتنمية الشاملة عملية التطور تلك التي تضرب جذورها كل جوانب الحياة وتفضي إلى مولد حضارة جديدة أو مرحلة جديدة من مراحل التطور الحضــاري بكــل ما يميزها من قيم وعادات و سلوك و أساليب إنتاج و أوضاع اجتماعية و نظم سياسية وتقدم علمي…[14].
و لقد أظهرت مختلف التجارب التنموية أن التنمية مدعوة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار مجموعة أبعاد حياة الأفراد و الجماعات و المتجلية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و المؤسساتية و الثقافية…
وقد شكلت اليوم قناعة جماعية تمكن في وجود استحالة موضوعية لتدبير جوانب العملية التنموية على الصعيد اللامركزية، فجسامة القضايا الاقتصادية والاجتماعية أصبحت تحتد تدبير لا مركزيا و لا ممركزا قوامه التكامل الوظيفي بين الدولة و السوق والمجتمع المدني.[15].
وإذا كانت الحكامة تهدف بالأساس إلى تنمية مستدامة، فإنهـــا أيضــا تهــدف و تسعى إلى خلق المردودية بالارتكاز على التقنيات التدبيرية المحكمة، و لهذا فإن العديد من المتخصصين تعرضوا إلى أهدافها في هذا الشأن في النقط و المسائل التالية :
*بناء بنيات مؤسسية و قانونية و بشرية مهمة، و منظمة بشكل جيد و ايلاء أهمية كبرى للعنصر البشري و استثماره وفق متطلبات .
*تقديم إستراتجية لتنمية التدبير العمومي ينبني على منظومة للجودة في مفهومها الشامل ، تتمحور حول نشاط الإدارة و تمس القرب، مردودية العمل الإداري وفعاليته.
*المصداقية و الشفافية، ذلك أن الحكامة تقدم تدبير عمومي يبتعد عن الاحتكار في التدبير الكلاسيكي، حيث يصبح الشخص العام الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية.
وكما سلف الذكر فقد استخدم عبارة الحكامة الجيدة للتعبير عن أهمية وضرورة الانتقال بفكرة الإدارة الحكومية و الحكامة من الحالة التقليدية إلى الحالة الأكثر تفاعلا وتكاملا بين الأركان و العناصر الأساسية المشكلة لهذه الأخيرة في علاقتها بالتدبير العمومي، و في العناصر المرتبطة بكل من هذا الأخير و مستلزمات الحكامة الجيدة كأفق موسع للتدبير سواء من حيث المفاهيم ، الفلسفة ، طبيعة القرارات والأهداف المرجوة، بمعنى أن الحكامة الجيدة تتطابق في آخر المطاف مع فكرة تطوير و عصرنة الإدارة و تجويد آلياتها التدبيرية و العلائقية[16].
وعلى هذا، فإن المظاهر العامة لإبعاد الحكامة الجيدة بإمكانها التحقق على المستويات المرجعية السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية و التقنية التالية :
*على المستوى السياسي، و تؤشر الحكامة الجيدة في هذا المستوى على الديمقراطية ، أي أنها تقوم على مبدأ المشاركة و على مبدأ دولة القانون، و أيضا العدالة الاجتماعية في تولي المناصب العمومية و في ترسيخ انتخابات نزيهة وشفافة[17].
*على المستوى الاقتصادي، وتؤشر على المساهمة في إنجاح مشروعات الدولة والجماعات المحلية والقطاع الخاص، بما يحقق التنمية بأبعادها المختلفة، و المرتبطة أكثر بتعزيز دور المقاولة الخاصة في المجال الاستثماري خاصة من خلال الحماية القانونية لمحيط المقاولة[18].
*على المستوى الاجتماعي، و يظل الهدف البعيد من الحكامة الجيدة هو تحسين شروط التنمية الاجتماعية، و ذلك عن طريق تبني سياسات عامة ناجحة في المجال الاجتماعي لأجل معالجة و محاربة الظواهر الاجتماعية السلبية التي افرزها التطور الاقتصادي غير المتكافئ ليس على المستوى العالمي فحسب، بل حتى بالنسبة للمستويات الوطنية للدول النامية[19].
*على المستوى التقني، وتؤشر على استعمال الوسائل المتطورة و الحديثة في التدبير الإداري و المالي، بما يعمل على تحقيق التطور و التجديد المستمرين.
إن هذه الأبعاد الأربعة ذات الحمولة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والتقنية، تجعل الحكامة الجيدة معيارا متجددا لتدبير الشأن العام، بما يسهم في شرعية السلطة و الحكومة، و يعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجعل التجديد و التطوير شيء مطلوب الاعتماد في التدبير العمومي.
- معايير الحكامة:
إن الزخم المفاهيمي وقوة حضور الحكامة كمنهجية جديدة في التدبير العمومي خاصة من خلال مقومات الحكامة الجيدة ستدفع المغرب إلى طموح الأخذ بالقيم والمعايير التي يقتضيها التعاطي مع المفهوم، خاصة منذ الدخول في الألفية الجديدة وانطلاقا من طموح و طني لتجسيد قيم الحكامة و التدبير الجيد، لا على مستوى الدور الجديد الذي أصبح مطلوبا من الدولة القيام به، و لا من حيث المنهجية التي يفرضها الإصلاح في مجالات الإدارة أو القضاء أو التخطيط أو تحديث منظومة التدبير المالي والموازناتي أو مراجعة ميثاق الجماعات المحلية في اتجاه الدفع باللامركزية، أو إصلاح منظومة الرقابة، أو تأهيل القطاع الخاص لتجويد دوره في التنمية، و كذا الدفع بشروط عمل و دور المجتمع المالي و الاقتصادي الاجتماعي.
بالاظافة إلى ذلك يمتاز مفهوم الحكامة الجيدة بخصائص عديدة و متنوعة، وقد تختلف بأولوية التطبيق من بلد إلى آخر، وذلك حسب معايير تتوزع بين معايير سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية، وتجد هذه المعايير أصولها وعناصرها المرجعية في عمل وتوجهات المنظمات والهيئات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي كانت تستهدف في توجيهاتها الأولية خلخلة و إصلاح الواقع السياسي والاقتصادي للدول النامية والموسوم بجملة من الظواهر والآثار السلبية ومن ذلك ظاهرة الفساد، قبل أن تأخذ المنظومة الحكماتية المقومات والعناصر التي ستجعل منها مقومات مرجعية وعامة في أكثر من مستوى وعلى أكثر من صعيد أكان خارجيا أم داخليا.
هناك أكثر من معيار مرجعي للحكامة، وهي معايير تختلف باختلاف مصالح الجهات التي وضعتها، وتأخذ في الأصل جملة من الملابسات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي تحفز النمو والانفتاح الاقتصادي وحرية التجارة والخوصصة، وهي تشمل المكونات الكبرى للحكامة بما في ذلك الدولة ومؤسساتها، والإدارة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين كناشطين اجتماعيين.
فبالنسبة للمعايير المعتمدة من طرف البنك الدولي، فقد استندت دراسته عن الحكم الجيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى معيارين هما : التضمينية والمساءلة، ويشمل المعيار الأول : حكم القانون والمعاملة بالمساواة وتأمين فرص متساوية للاستفادة من الخدمـــات التي توفرها الدولــــة.أما فيما يخص المعيار الثاني فيظم:التمثيل والمشاركة والتنافسية سياسيا واقتصاديا والمساءلة والشفافية والمحاسبية.
أما منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية فقد ركزت على أربع معايير :
- دولة الحق و القانــــــون
- حسن إدارة القطاع العام
- السيطرة على الفســـــاد
- خفض النفقات العسكرية
بينما الدراسات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة فقد تضمنت تسعة معايير تتمثل في:
- المشاركة
- حكم القانون
- الشفافية
- حسن الاستجابة
- التماسك والتعايش
- الفعالية
- المحاسبة
- الرؤية الإستراتيجية
- المسؤولية
المبحـث الثاني : آ ليــــــات تعزيــز نظـــــــام الحكامـــــــة
إن رهانات الحكامة الجيدة مرتبطة أساسا بمستويين أساسيين : الأول يرتبط بتدعيم و توطيد مؤشرات الحكامة الجيدة و ذلك بواسطة مجموعة من المقومات والدعامات الأساسية كمستوى أول و تعزيز نظام الحكامة المحلية كمستوى ثاني باعتبارهما دافعان أساسان لترسيخ الديمقراطية.
المطلــــــب الأول :الدعامات الأساسية للحكامة
توطيد مؤشرات الحكامة الجيدة بواسطة مجموعة من الدعامات والمقومات و لعل أهم الدعامات الأساسية نجد :
- المشاركة :بحيث تهدف إلى تجاوز ذلك الجفاء الذي خيم على العلامة بين السلطة والمواطنين فبالحوار التشاركي تتقدم نحو إدارة القرب، التي تخول للمواطنين التعبير عن أرائهم قبل وأثناء سريان القرار بدون الخضوع السلبي لإدارة الدولة المركزية لكن هذه الآلية التي تم التنصيص عليها في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كإحدى مقومات الحكامة الجيدة غابت في الكثير من الأوراش الإصلاحية الكبرى التي يباشرها المغرب[20].
- التخطيط : يشمل التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل و الاستعداد له و تكمن أهميته في أنه :
- يساعد المنظمين على مواجهة ظروف التغيير وعدم التأكد الذي يكشف دنيا الأعمال
- يساعد على تركيز الانتباه و الجهود و الأهداف
- تحقيق المردودية الاقتصادية عن طريق رفع كفاءة العمليات و إحداث التنسيق المطلوب بينهما.
- تسهيل المراقبة
لكن الأمر يختلف على هذا المستوى، عندما يتعلق الأمر بكيفية تدبير الشأن العام المغربي لنصف قرن، فحسب تقرير الخمسينية ظل التخطيط و متغير الزمان مهملان رغم انه قد تم وضع مخططات متتالية للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية، إلا أن سياستنا و برامجنا و تدبيرنا غالبا ما كانت تتسم بقصر المدى في مجال التدبير العام[21] بل أن العديد من السياسات التي تم التفكير فيها و صياغتها بدقة ظلت في وضعية التعبير عن النوايا، أو اتضح بأنها لا تتناسب والحاجيات الحقيقية و بذلك يظل المغرب بلاد للانجازات الغير المكتملة فكم من مشاريع الإصلاح و الأوراش ظلت في عدة ميادين حبر على ورق[22].
- القرار القائم على المعرفة : القرار من حيث هو اختيار بين عدة بدائل تحقق الهدف أو المصلحة العامة أصبحت الصناعــة تخضـع لمنطــق مضبــوط حددها علــم الإدارة أو التنظيم أو السير في :
- تحديد المشكلة و التعرف عليها
- تحــديـــد المعلــومـــــــــــات
- تقييــم البدائـــل و الخيــارات
- اختيـــــــــار أفضـلــهــــــــــا
لكن أحيانا منظومة اتخاذ القرار لم تكن دائمة مبنية على دراسة استشرافية وعلى تحكم معقلن ودقيق في الرهانات المطروحة في ضوء نقاش متفتح على تعدد وجهات النظر و مؤسس على دراسات أولية.
- التقويم : يعتبر تقويم السياسات العمومية كمكون أساسي للحكامة الجيدة ومدخلا أساسي يمكن من المراقبة والتصحيح الدائمين لهذه السياسات ومرونتها ومدى التزامها بخطة العمل المدرجة مسبقا من حيث الهدف و الوسائل.إلا أن ما يشترط في هذا التقويم هو أن يكون ممنهجا الشيء الذي يؤدي إلى تعزيز مصداقية السياسات العمومية و ملائمتها لاحتياجات المواطنين.
- المحاسبة : بحيث تعتبر المسؤولية قيمة أساس المردودية فغياب المحاسبة يؤدي إلى مجموعة من التجاوزات الخطيرة التي تزعم مفهوم الثقة بين الإدارة والمواطنين فالمحاسبة و المساءلة هي التي تؤدي إلى إضفاء الشفافية على التدبير.
وقد تمكن تقرير الخمسينية من وضع الأصبع على غياب المساءلة والمحاسبة وتعاطي الفاعلين والمديرين للشأن العام في مختلف مجالات تدخلاتهم وعلاقاتهم المباشرة بالمواطنين بل أن المواطنين لم يشعروا بارتباطهم بنوع من العقد الاجتماعي مع الإدارة فإذا كانت عليهم واجبات كمواطنين فان لهم حقوق و من هذه الحقوق الحق في المطالبة بمحاسبة المطلعين بمهام عمومية[23].
و كل هذه الدعامات الأساسية يجب أن تطبق في جميع أنواع الحكامة سواء تعلق الأمر بالحكامة القضائية أو الحكامة المالية أو الحكامة المحلية لكل مكوناتها وحكامة المجتمع المدني، و الحكامة الاقتصادية و الاجتماعية الحكامة الإدارية الحكامة المالية والجبائية و الحكامة السياسية[24].
- المقومات الأساسية للحكامة
مع مطلع الألفية الثالثة يعي المغرب كغيره من البلدان الساعية إلى النمو مدى العلاقة التي تربط و جود ذاته بالتاريخ الذي يصنع من حوله و بصفحات هذا التاريخ الذي هو مدعو لكتابتها. وإذا كان مغرب الغد هو أفق التفكير الذي ينبغي أن نولي وجهنا شطره فلا شك أننا سنتفق أن الحكامة الجيدة تشكل احد النواة الأساسيين في المشروع المجتمعي لان الرهان على المستقبل هو رهان على الحكامة الجيدة كفن وكصناعة استراتيجية لتأهيل الدولة لتحقيق رهانات والقدرة على مواصلة تحدياتها.
فإذا كان المشروع المجتمعي هو ذلك التصور الذي يكونه المجتمع عن نفسه وبكيفية أدق عن مستقبله و الذي يعكس في بنائه مكوناته الأساسية وكذا الطموحات والتطلعات التي تقبل بها المجموعة المكونة له. هكذا فان القدرة على بناء مشروع مجتمعي وانجازه و تدبيره يعطي صيغة طموحه للمجتمع و يجعله جدير بنظام أساسي يرتكز بالأساس على الحكامة التي تكون من هذا المنطلق عبارة عن مجموعة الآليات والمعايير و العمليات و المؤسسات التي تسمح للأفراد و الجماعات بالتعبير عن احتياجاتها و خدمة مصالحها وممارسة حقوقهم و التي تسهل اتخاذ القرار و اعتماد السياسات العمومية التي تتيح إرضاء تلك الاحتياجات بشكل منصف و دائم و تسهم في خفض التوترات و تدبير الصراعات التي تنجم عنها بل أن الحكامة الجيدة توجد في طلب الديمقراطية وذلك ما أكد جلالة الملك.
” لقد أكدنا دائما أنه لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين و أن الديمقراطية طريق شاق و طويل وليست ميدانا صوريا لحرب المواقع بـل هي مواطنة ملتزمــة وممارســة لا مجيد عنها لحسن تدبير الشأن العام و لاسيما المحلي ولا يمكن تحصينها إلا بترسيخ ثقافة المواطنة المنوط بالأحزاب السياسية و هيئات المجتمع المدني و بتحسين الأحوال المعيشية حتى نلمسها في واقعنا المعيشي اليومي” .
هكذا أصبحت الحكامة في قلب مشروع العصرنة و المرتبط بالأساس بالاقتصاد و المجتمع في جميع مجالات اجتماعية سياسية اقتصادية و قضائية و هذه الدينامية تسترعي قسطا هاما من الاهتمام و النقاش بين أوساط الرأي العام وذلك لتسريع وثيرة التغيير من أجل الحفاظ على مجتمع قوي وموحد ومن أجل تكريس ثقافة القرب والمشاركة و التشارك.
وبهذا فمفهوم الحكامة إنما يصبو لبلوغ مرتبة الأداة العالمية التي تكون بمقدورها ضبط و تفسير التوجهات الكبرى لتطورات و تحولات المنظمات و نظم الحكم ولعل أهم مقومات الحكامة الجيدة نجد:
*وجود تكامل على مستوى القطاعات الثلاث القطاع العام و القطاع الخاص و المجتمع المدني لان الدولة أصبحت اكبر من المشاكل الصغرى واصغر من المشاكل الكبرى.
*اعتماد سياسة اللامركزية لأنها العلاج الأكبر للبيروقراطية و الوسيلة المثلى لدعم التنمية المحلية.
*توفير الفاعلية في العمل العمومي حيث تعمل الهيئات العمومية على التحسين المتواصل لجودة الخدمات المقدمة للمواطنين و الرقي بمستوى أدائها و الرفع من مردودية عملها وذلك بتطوير أدوات و تقنيات عملها و استخدامها لتقنيات حديثة كالإدارة الالكترونية.
*سيادة قيم المشاركة بمعنى حق المواطنين نساء و رجال في الترشح و التصويت وإبداء الرأي بكل حرية في السياسات العامة هذه المشاركة التي تتطلب وجود قوانين الحريات العامة. حرية تشكيل أحزاب والجمعيات و حرية التجمع.
*تعميم الشفافية و تسيير الشأن و التي تعني التزام الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية و المصالح الحكومية بإطلاع الرأي العام و المجتمع المدني و المؤسسات التشريعية بقراراتها و كيفية اتخاذها، توفير المعلومات الدقيقة عن أنشطتها و برامجها عبر وسائل الإعلام المختلفة ولعل أهم المطالب في هذا الشأن الشفافية في تفويت الصفقات العمومية.
* تمتيع المؤسسات التشريعية سلطة المراقبة الحقيقية للسلطة التنفيذية.
*اعتماد التداول السلمي للسلطة القائمة على التعددية السياسية و احترام اختيارات الشعوب.
*تثبيت السادة للقانون بحيث يصبح القانون هو المرجعية و يطبق على الجميع بدون استثناء.
*فصل السلط و استقلالية القضاء.
*ترسيخ مبدأ المعاملة بالمساواة أو حق جميع المواطنين في الحصول على الفرص المتساوية في التعليم و الشغل و الاستفادة من جميع الخدمات العمومية بدون استثناء.
*محاربة الفساد الإداري و السياسي اللذان يعتبران من أهم معوقات التنمية في الدول النامية و لا سبل للقضاء على هذا الوباء الخطير إلا بمتابعة المفسدين أمام القضاء.
*ضمان حرية التعبير و حرية الرأي العام من خلال إقرار حرية الصحافة.
كل هذا يحيلنا على القول أن دولة الحق في إطار الحكامة تؤدي إلى الممارسة معقلنة لسلطة ممارسة تتشبت بالقانون و باحترام الحريات كما تؤدي إلى انتظام سياسي متوازن ينفتح على مجال الحريات العامة لكن ما هي دولة الحق؟ إنها دولة فيها حق وفيها قانون يخضعان معا إلى مبدأ احترام الشخص وهي صبغة قانونية تضمن الحريات الفردية و تتمسك بالكرامة الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف و القوة و التخويف.
وهي لا تعني وجود جوهري وإنما هي عملية وصيرورة وبناء وإيداع دائم للحرية ودعوة إلى احترام الإنسان و هي تفرض عمل الدولة يخضع لقواعد سلمية وصريحة تمكن الأفراد أن يفرضوا احترامها.
إلا أن هذا يحتاج إلى القيام بمهمة يأتي على رأس المهام الا وهو خلق التوازن المطلوب بين المبدأ و التحقيق التاريخي لهذا المبدأ وذلك ما يضمن المستقبل فالحكامة يصدق عليها ما يصدق على السياسة أنها فن الممكن غير أن الممكن خلافا لما تعتقده ليس هو المتاح بل ما ينبغي إتاحته أنه الانتقال من عاطفة التغيير إلى إرادة التغيير.
المطلب الثاني : أهم أنواع الحكامة وآليــــــات تعزيزهـــــــا
- أهم أنواع الحكامة
لقد أصبح مفهوم الحكامة يكتسي معاني متعددة ويستخدم في حقول معرفية ومجالات عمل مختلفة بل وفي فضاءات عمل مختلفة ولعل أهم أنواع الحكامة فنجد[25] الحكامة القضائية التي ترتكز على مجموعة من الآليات والمبادئ الاستدلالية كمبدأ استقلالية القضاء ومبدأ النزاهة ومبدأ الكفاءة ومبدأ الفعالية القضائية وهذه العناصر تسعف في مجال مقاربة إصلاح القضاء مقاربة حكماتية ذات بعد شمولي ومجتمعي استراتيجــي ولا تهم فقط جانبا أو مؤسسة معينة كيفما كان موقعها بل تجعل الإصلاح في هذا المجال الحيوي شأنا اجتماعيا يخدم مبادئ العدالة ودولة الحق والقانون ويحقق الأمن القضائي والقانوني المتوخاة منها.
الحكامة المحلية والتي ترتكز على مجموعة من المبادئ الأساسية:مبدأ المقاربة الترابية – مبدأ الثانوية الفاعلة – تنظيم التعاون والتعاضديين الفاعلين المحليين – تطبيق الشرعية والمشروعية – المبدأ العام و الشامل للمسؤولية[26]وتتضمن الحكامة المحلية حكامة المجتمع المدني والحكامة الجبائية المحلية والحكامة المالية المحلية بحيث ترتكز المقاربة الاستراتيجية للتدبير الحكاماتي المحلي على :
- تحديد الحاجيات.
- إشراك الساكنة و الفاعلين الآخرين في بلورة الإستراتيجية.
- تعريف الاتجاهات و الأولويات العمل المحلي.
- القيام بخيارات سياسية قائمة على استراتيجية.
- المساعدة على تحديد الحاجيات المحلية و الوسائل الضرورية للعمل المحلي وكذا الميزانية.
- تيسير التقييم و المتابعة[27].
- آليات تعزيز الحكامة
إن تعزيز الحكامة مرتبط بوجود الشفافية وضرورة دفع وتقديم الحسابات وهذه المقاربة للمسؤولية تؤدي بنا إلى الوقوف على ثلاث نتائج أساسية:
– أية سلطة تمارسها الإدارات العمومية و الجماعات المحلية تنطوي على مسؤولية الشخص الذي يمارسها أمام ليس فقط أولئك الذين قلدوه هذه المسؤولية مع إمكانية سحبها بل حتى أمام كل شخص يمكن أن يتأثر من ممارسة هذه السلطة في المجتمع أو في محيطها.
– كما أن مبدأ المسؤولية فيما يخص المرافق العامة المحلية و الوطنية يؤسس في نفس الوقت ترابية المعايير و القواعد و التسلسل في الإخلاص و الأماني.
هكذا فالحكامة تعتبر ركيزة أساسية للمقاربة الجدية حول التنمية المستدامة كما تم تحديدها من طرف المنظمات الدولية و البنك الدولي و برنامج الأمم و تعقده ورهاناته اخذين بعين الاعتبار التحولات التي تطال نظام الإنتاج العالمي و تظهر هذه التحولات في الأولويات المرتبطة بالحد من الفقر و التهميش الاجتماعي لذلك يجب.
– إدراج الساكنة في مسلسل اتخاذ القرار
– المشاركة و التشارك و تنمية القرب
– تعزيز الدور المرتبط بتكوين صانعي القرار و تنمية الشراكة و التعاون اللامتمركز.
نشير قيم جديدة للمساءلة و التقييم و الحد من الرشوة.
خـــــــاتــــــمـــــــــــــــــة :
نخلص مما سبق أن تقنية الحكامة تعتبر مسلسلا متكاملا من المبادرات و الأولويات التي تقوم على التشخيص الهادف والتأهيل المندمج لأجهزة تدبير الشأن العام الوطني و المحلي على حد سواء و في علاقتهما بالأفراد والمؤسسات وذلك بالاستثناء إلى سياسات عمومية مندمجة ودائمة و نظام تدبيري فعال وبهذا فإن الإطار المفاهيمي للحكامة يمتد إلى مقاربة إشكالات توزيع السلط والمسؤوليات و أنساق اتخاذ القرار و يتضمن أيضا إشكالات المبادرات المحلية و الغاية من الحكامة تكمن في تحليل كل هذه الآليات، واقتراح كل الإصلاحات و التغيرات المناسبة بغية تحقيق تنمية اجتماعية و اقتصادية و تجانس اجتماعي مستديم.
المـــــراجـــــــــــــــــــــع
المراجع باللغة العربية
- سعيد جفري “الحكامة و أخواتها- مغاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي-” الشركة المغربية لتوزيع الكتاب الطبعة الأولى 2010 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
- كريم لحرش” مغرب الحكامة -التطورات و المقاربات و الرهانات- ” مطبعة ب بريس الرباط الطبعة الثانية 2011.
- فيكالكوف بانكيل : المدينة منظمة سياسية – تعريب محمد أنوار جريدة دفاتر سياسية العدد 58 نونبر 2002.
- سعيد عبد الشفيق ” الحكامة المحلية و رهانات التنمية ” رسالة جامعية كلية العلوم القانونية والإقتصادية السويسي- الرباط – 2007-2009 .
- عمر باكوش مقال منشور بالجريدة الإلكترونية “الحوار المتمدن”- العدد 2180 سنة 2008/2/3.
- سناء الفاسي : “الحكامة بين الطرح النظري و الواقع التطبيقي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بطنجة 2003-2001.
- زهير عبد الكريم الكايد “الحكمانية قضايا وتطبيقات” منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية بحوث ودراسات العدد 372 السنة 2003.
- الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد طنجة 30/07/2005.
المراجع باللغة الفرنسية
- Mohamed HARAKAT ,”Gouvernance gestion publique et corruption”, imprimerie El Maarif Al Jadida-Rabat 2006.
- Pierre CALAME , André TALMANT,” L’Etat au cœur , le mecano de la gouvernance chapitre I –de la réforme administrative à la gouvernance-” desclée de Brower ; 1997.
- Pierre DESENACLENS ,”Mondialisation, Souveraineté et théorie des relations internationales” édition Dallez paris octobre 1998.
[1] – سعيد جفري “الحكامة و أخواتها- مغاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي-” الشركة المغربية لتوزيع الكتاب الطبعة الأولى 2010 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
[2] – كريم لحرش” مغرب الحكامة -التطورات و المقاربات و الرهانات- ” مطبعة ص ب بريس الرباط الطبعة الثانية 2011 ص 15.
[3] – كريم لحرش” مغرب الحكامة” المرجع السابق ص 17 .
[4] – مقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد طنجة 30/07/2005.
[5] – فيكالكوف بانكيل : المدينة منظمة سياسية – تعريب محمد أنوار جريدة دفاتر سياسية العدد 58 نونبر 2002 ص 17.
[6] -Mohamed HARAKAT ,”Gouvernance gestion publique et corruption”, imprimerie El Maarif Al Jadida-Rabat 2006,p14.
[7] -Pierre CALAME , André TALMANT,” L’Etat au cœur , le mecano de la gouvernance chapitre I –de la réforme administrative à la gouvernance-” desclée de Brower ; 1997,p9.
[8] -Pierre DESENACLENS ,”Mondialisation, Souveraineté et théorie des relations internationales” édition Dallez paris octobre 1998, p199.
[9] – سعيد عبد الشفيق ” الحكامة المحلية و رهانات التنمية ” رسالة جامعية كلية العلوم القانونية والإقتصادية السويسي- الرباط – 2007-2009 ص 33.
– عمر باكوش مقال منشور بالجريدة الإلكترونية “الحوار المتمدن”- العدد 2180/سنة 2008/2/3 ص 2-3.[10]
[11] زهير عبد الكريم الكايد “الحكمانية قضايا وتطبيقات” منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية بحوث ودراسات العدد 372 السنة 2003.
[12] – من إحدى الخلاصات الأكاديمية لباحثين انجليز تم الإقرار بان التغيير في دور القطاع الخاص و تغير البيئة التي على الحكومة أن تمارس دورها فيها تمخض عن جلب الحكامة إلى الإستخدام من قبل العامة كعملية “process ” حيث لم تعد كلمة حكومة “GOVERNMENT” كافية.
[13] سعيد جفري “الحكامة و أخواتها – مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي -” مرجع سابق ص 34.
[14] – سناء الفاسي : “الحكامة بين الطرح النظري و الواقع التطبيقي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بطنجة 2003-2001 ص 38.
[15] – شاكر الموساوي :”مفهوم الحكامة بين النظرية والتطبيق” رسالة جامعية.جامعة محمد الخامس-السويسي- 2008/2007 ص 126.
[16] – سعيد جفري :”الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم و رهان الطموح المغربي” مرجع سابق ص 76.
[17] – يمكن في هذا الإطار استحضار أبعاد الحكامة خاصة على مستوى المشاركة السياسية للنوع الاجتماعي أي مشاركة المرأة في العملية السياسية خاصة في الدول النامية والتي لا زالت على المستوى الموضوعي تتميز بالضعف والمحدودية على المستويين الكمي والنوعي.فالأرقام الرسمية في المغرب تشير إلى أن التمثيلية النسائية خلال مجمل تاريخ الاستحقاقات المحلية من 1960-2003 لم تتجاوز في المتوسط نسبة 1.68% في عدد الترشيحات النسائية إلى مجمل الترشيحات و نسبة 0.32% إلى مجمل عدد المقاعد المحصل عليها.
[18] – من وسائل هذه الحماية بالنسبة للنموذج المغربي مختلف القوانين المرتبطة بالنشاط الاقتصادي للمقاولة الخاصة، خاصة قوانين الاستثمار التي تهدف إلى تنمية وإنعاش الاستثمار وأخرها القانون إطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق الاستثمار.
-الظهير الشريف رقم 1.95.218 الصادر في جمادى الثانية 1416/8 نونبر 1995 بتنفيذ القانون إطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمار.
[19] – فالنظام الوطني للصحة بالمغرب مثلا هو خصوصيات واقعه الموضوعي نظام محدود، غير متكافئ وغير عادل، ولا يسمح بالتالي بتجسيد مبدأ الولوج العام للخدمات العلاجية، وذلك لاعتبارات ضعف المستوى العام للإنفاق العمومي في مجال الصحة والخدمات الصحية والنقص في البنيات التحتية الاستشفائية، والنقص الحاصل في التأطير الطبي والعلاجي.
[20] سعيد عبد السفيق : “الحكامة المحلية و رهانات التنمية بالمغرب” رسالة دبلوم الدراسات الجامعة المعمقة جامعة محمد الخامس السويسي كلية العلوم القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية 2007-2008 ص 22.
[21] – المهدي ينميز : “التنظيم و أساليب العمل بالإدارة العمومية و المحلية” سلسلة اللامركزية و الجماعات المحلية ص 40 و 41 و 42.
[22] – المغرب الممكن 50 سنة من التنمية البشرية آفاق 2025 ص 237.
[23] – “المغرب الممكن” مرجع سابق ص 239.
[24] – راجع بهذا سعيد جفري “الحكامة و أخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي” مرجع سابق ص 85 و 100 و 120.
[25] – كريم لحرش “مغرب الحكامة : التطورات المقاربات و الرهان” مرجع سابق.
[26] محمد اليعقوبي” تأملات حول الديمقراطية المحلية بالمغرب” الطبعة الاولى 2005 ص 181.
[27] – محمد اليعقوبي “المبادئ العامة للحكامة المحلية” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة دراسات وقائع عدد 56 لسنة 2004 ص 17.
تعليقات فيسبوك