الإستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين

5
(1)

إعداد عزيز الحريري

يترتب على إقرار مبدأ الشرعية الجنائية نتائج مهمة تتجلى أساسا في وجوب تقيد القاضي الجنائي عند تفسيره للنصوص الجنائية بمجموعة من الضوابط الحمائية للمتهم، بحيث يحظر عليه استعمال القياس في كل الأمور المتعلقة بالتجريم والعقاب كما يتعين عليه أن يفسر النص الجنائي على المعنى الأصلح للمتهم[1] في هذا الصدد سنتحدث عن حدود تطبيق مبدأ عدم رجعت القوانين الجنائية في (المطلب الأول) وسننتقل إلى (المطلب الثاني) للحديث عن عدم التوسع في تفسير النص الجنائي .

المطلب الأول : حدود تطبيق مبدأ عدم رجعت القوانين الجنائية.

ومن الوجوب على القاضي الجنائي ألا يطبق النص القانوني بأثر رجعي، إذ عليه التقيد الحرفي بمبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية مع الانتباه إلى ما للمبدأ من استثناءات في حالات معينة يقدرها المشرع لا القاضي، إذ هذا يطبق القانون بأثر فوري وفي هذا الإطار سنتحدث في (الفقرة الأولى) عن  حالة النصوص القانونية المفسرة لننتقل في (الفقرة الثانية) للحديث عن  حالة النص الجنائي الاصلاح للمتهم.

الفقرة الأولى: حالة النصوص القانونية المفسرة

النص الجديد الذي يصدره المشرع التفسير نص قانوني سابق يؤلف مع النصر المفسر قاعدة واحدة ومن ثم فتاريخ نفاده – أي النص المفسر – ينسحب إلى تاريخ نفاذ النص المفسر، على اعتبار أن المشرع في هذه الحالة لم يفعل سوى أن أوضح المعنى المقصود في النص القديم بالتفسير الذي تضمنه النصر الجديد والذي لم ينشئ قطعا مقتضاه قاعدة قانونية جديدة للسلوك تنطوي على تجريم فعل لم يكن محظورا، وإنما يقرر وضعا موجودا في ظل القانون المفسر[2]، وهذا ما ركته محكمة النقض المصرية بقولها  بأن : الشارع إذا عمد إلى إصدار القانون الجديد ليفسر به القانون القديم ويفصح عن قصده الحقيقي منه، فهو بذلك قانون تفسيري لا يتضمن حكما مستحدثا، بل اقتصر على إيضاح وجلاء غموض النص القديم، وبيان قصد المشرع منه ومن ثم كان ساريا على الوقائع التي تمت قبل صدوره مادامت لا تتجاوز تاريخ نفاذ القانون المفسر  .

الفقرة الثانية: حالة النص الجنائي الاصلاح للمتهم.

إذا كانت القاعدة هي أن النص الجنائي الموضوعي لا ينسحب أثره إلى الماضي، فلا يطبق على الأفعال التي ارتكبت قبل سريانه، فإنه إن كان أصلح للمتهم من سابقه فإنه هو الذي يطبق استثناء، وعلة هذا الاستثناء، هي أن مبدأ الشرعية وجد الحماية مصالح الفرد وضمان حقوقه، ومن ثم فلا يكون لوجوده معنى إذا هو أهدر هذه الحقوق ولم يصنها وهذا الاستثناء الهام من مبدأ عدم رجعية القواعد الجنائية كرمه المشرع المغربي في الفصل ، فيج فقال : في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها تعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم والت[3].

هذا وإذا كان المشرع المغربي – في النص السابق – قد أخذ برجعية النص الجنائي إذا كان أصلح للمتهم، فإنه لتطبيق هذا الاستثناء لابد من توافر الشروط التالية.

الشرط الأول : يلزم أن يكون النص الجنائي الجديد أصلح للمتهم من النصر القديم، وأول ما يثيره هذا الشرط هو التساؤل عن المعيار الذي تستطيع أن تميز به بين القانون الأصلح للمتهم دون غيره، حتى نطبقه أو لا نطبقه بأثر رجعي.

في أغلب الحالات لا نجد صعوبة في التمييز بين القانون الأصلح للمتهم والذي في غير مصلحته، ذلك أن القانون الذي يزيل التجريم عن الفعل بالمرة، أو يخفف عقابه جزئيا، أو يسمح بوقف تنفيذ العقوبة، أو يوجد عذرا من الأعذار القانونية المخففة بعد قانونا في مصلحة المتهم بلا خلاف ويلزم تطبيقه بأثر رجعي على خلاف الأصل، وعلى النقيض من ذلك، فالقانون الجديد الذي يجرم نشاطا لم يكن محظورا سابقا – أي كان غير مجرم جانبا – أو يكيف الفعل جناية بعد أن كان حجة أو جنحة بعد أن كان في ظل القانون السابق مخالفة، أو يشدد العقاب عليه بأن يضيف إليه عقوبة تكميلية ، أو  يسلب القاضي حق الحكم بوقف تنفيذ العقوبة، أو يحرم المتهم من التمتع بعذر من الأعذار القانونية، يعتبر أيضا وبلا خلاف، نصا أسوا للمتهم وليس في مصلحته أبدا، ولا يطبق بالتالي بأثر رجعي بالا تحديد القانون الأصلح للمتهم لا يثير صعوبة أيضا إذا تساوى القانون الجديد مع القانون القديم في الحد الأدنى للعقوبة إلا أنه يقل عنه في الحد الأقصى المقرر له – أي للعقوبة – فيعتبر والحالة هذه أنه – أي القانون الجديد – أصلح للمتهم، وهو نفس الحكم فيما لو تساوى القانونان القديم والجديد في الحد الأقصى المقرر للعقوبة إلا أن الحد الأدنى المقرر في القانون الجديد أقل من الحد الأدنى المقرر في القانون القديم .

إلا أنه في بعض الافتراضات – الفقهية – قد تثور صعوبة في تمييز أي القانونين أصلح للمتهم.

إذ ما الحل ؟

ا – لو أن القانون الجديد رفع العقوبة التي كان يقررها القانون القديم في حدها الأدنى ونزل عنها في الحد الأقصى، ونحو ذلك أن يعاقب القانون الجديد بحبس حده الأدنى سنة وحده الأقصى ثلاث سنوات إحدى الجرائم التي كانت معاقبة في القانون القديم بحبس حده الأدنى ستة شهور وحده الأقصى أربع سنوات.

ب – لو أن القانون الجديد يرفع الحد الأعلى العقوبة الجريمة مع تحويل القاضي سلطة إيقاف التنفيذ، وهو ما لم يكن ممكنا فى القانون القديم، ونحو ذلك أن يعاقب القانون الجديد بسنتين حبسا مع إمكانية إيقاف التنفيذ بدل سنة حبسا دون إمكانية هذا الوقف.

ج – لو أن القانون الجديد احتوى على عدة أجزاء تختلف فيما بينها بعضها أصلح للمتهم والبعض الآخر ليس في مصلحته، هل يلزم تقدير هذا القانون ككل المعرفة ما إذا كان في صالح المتهم أم لا ؟ أم يجزأ بحيث يطبق الجزء الذي هو في مصلحة المتهم بأثر رجعي ولا يطبق منه الجزء الأسوأ بنفس الأثر ؟

الجواب على كل حال لا يمكن أن يأتي في شكل قاعدة عامة تحدد القانون الأصلح للمتهم بكيفية آلية في مثل هذه الفروض، وإنما يجب مراعاة ظروف كل قضية على حدة، وعليه فبالنسبة للحالة الأولى فإن القانون الأصلح للمتهم يتحقق بحسب ما إذا كان المتهم يستحق الحد الأدنى، فيكون القانون الأصلح له هو القانون القديم، وهو الواجب التطبيق مادام حده الأدنى أقل من الذي قرره القانون الجديد الذي يعتبر في غير مصلحة المتهم في هذه الحالة، أما إذا كان لا يستحق الرحمة والتخفيف – أي الحد الأدنى – وإنما ينبغي التشدد معه، فيلزم الأخذ بالقانون الجديد لأن الحد الأعلى فيه أقل من القانون القديم[4] .

أما بالنسبة للحالة الثانية فتحديد القانون الأصلح في النازلة يتحدد بما إذا توافرت في النازلة أسباب تسمح بوقف تنفيذ العقوبة، فيطبق القانون الجديد لأنه أصلح للمتهم من القانون القديم الذي كان لا يتيح هذا الوقف، أما إذا كانت الأسباب التي تسمح بهذا الوقف غير متوافرة، فالقانون القديم هو الأصلح للمتهم مادامت مدة العقوبة فيه أقل من القانون الجديد.

أما بالنسبة للحالة الثالثة فيمكن القول بأنه كلما أمكن تجزى القانون – النصر -الجديد إلى عدة أجزاء بعضها في صالح المتهم والبعض الآخر ضد مصلحته، إلا وطبقنا الصالح منها بأثر رجعي في حق المتهم دون ما يعتبر منها في غير مصلحته وعمل القاضي على هذا النحو ليس معناه تخويله خلق قاعدة قانونية جديدة مختلطة تجمع بين القانونين القديم والجديد، وإنا هو – أي القاضي – يطبق حكمين مختلفين واردين في قانونين – نصير مختلفين ومن حق المتهم أن يستفيد منهما معا مجتمعين (59) .

ويمثل الفقه للحالة التي يمكن فيها تجزئ القانون الجديد إلى أجزاء وتطبيق الصالح منها على المتهم بحالة ما إذا كان النص القديم يعاقب الفاعل بعقوبة أصلية (كالحبس) وعقوبة إضافية (كالمصادرة)، إلا أنه يخول للقاضي في نفس الوقت إمكانية وقف تنفيذ العقوبة الأصلية، بينما القانون الجديد لا يشمل أية عقوبة إضافية إلى جانب العقوبة الأصلية، إلا أنه يمنع وقف تنفيذ هذه الأخيرة، ففي هذه الحالة، وإعمالا لقاعدة تجزئة النص الجنائي من أجل تطبيق ما هو في مصلحة المتهم . منه، يمنع القاضي من الحكم بالعقوبة الإضافية التي تضمنها القانون القديم، لأن القانون الجديد خال منها وهو في مصلحة المتهم من هذه الناحية، وعلى القاضي التقيد به، وفي نفس الوقت، للقاضي أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة الأصلية عملا بالقانون القديم الذي يعتبر أيضا أصلح للمتهم[5] .

أما إن لم يكن ممكنا تجزئته – أي القانون الجديد – فتنظر إلى القسم الأشد في القانونين، وعلى هذا الأساس نقرر أيا منهما أخف وأيهما أشد، فمثلا لو صدر قانون جديد يغير من وصف الجريمة فيصيرها جنحة بعد أن كانت في القانون السابق جناية، ولكن يمنع مع هذا الوصف الجديد المخفف إمكانية التمتع بأي عذر مخفف نفي هذه الحالة نهتم بوصف الجريمة وهو الجزء الرئيسي، ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم، ولو أنه منع الأعذار المحققة، وذلك لأن عقوبة الناس أحل من عقوبة الجناية.

وكملاحظة لابد من الإشارة إليها، وهي أن الغيرة يكون قانون ما أصلح المتيم ام أمواله في ما يراه القانون ) ولا دخل الإرادة المتهم فيها، وهو الذي قد يرى عكس ما يقرره القانون في هذا الشأن، وللتوضيح، فقد ينص القانون الجديد على الإقامة الإخبارية لعفوية الجريمة من الجرائم وهي عقوبة جنائية . في حين كان القانون القديم يعاقب عنها بأربع سنوات حسن، وهي عقوبة جنحية، فيكون القانون القديم أصلح للمتهم في نظر القانون، لأن العقوبة فيه أخف، حتى ولو اختار المتهم الإقامة الإجبارية على اعتبار أنها تشكل عقوبة أصلح له في نظره (9)

الشرط الثاني : يلزم أن لا يكون قد صدر حكم أصبح بانا في موضوع الدعوى العمومية عن الجريمة المرتكبة قبل نفاذ القانون الجديد، والمقصود بالحكم البابت في هذا المقام، هو كل حكم أصبح غير قابل للتعرض، والاستئناف، والنقض الفائدة الأطراف، وإن هو أصبح كذلك، فلا يبقى للمتهم المحكوم عليه إلا التماس العفو على العقوبة .

الشرط الثالث : النص الجنائي الأصلح للمتهم لا يطبق بأثر رجعي إذا كان النشاط المرتكب من الفاعل أنه مخالفا لقانون جنائي مؤقت يشهي العمل به

خلال فترة محددة عينها المشرع ابتداء، وهذا بصريح الفصل 7 من ق. ح، الذي جاء فيها الا تشمل مقتضيات الفصلين و وه القوانين المؤقتة التي تظل ولو بعد انتهاء العمل بها سارية على الجرائم المرتكبة خلال مدة تطبيقها ، وعلة هذا الحكم الذي نهجه المشرع المغربي في هذه الحالة، هي الرغبة في حرمان الجاني من الاستفادة من انقضاء المدة التي ينتهي فيها العمل بالقانون المؤقت، والحيلولة دون تقويت الهدف من إقرار المشرع لبعض القوانين المؤقتة التي تسن لمواجهة أوضاع طارئة، خصوصا، وقد ثبت أن الفاعل سيحاول دوما التهرب من أحكام القانون المؤقت فيبذل كل ما في وسعه لتأخير المحاكمة حتى ينتهي العمل بالقانون المؤقت ليفلت من العقاب، وتوضح لما سبق من الكلام بالقانون الذي يجرم إشعال النيران داخل العامة أو ما جاورها الحدود مائتي متر في أشهر الصيف (الفصل 16 من ظهير حفظ الغابة واستغلالها لـ 1917/10/10) حيث كل مخالف لهذا القانون سيعاف حتى ولو تمت محاكمته في فصل الشتاء، ولا يمكنه أن يعارض بالقول على أن إشعال النيران في الأمان المذكورة لم بعد جريمة في فصل الشتاء، ذلك أن تطبيق القانون الجنائي الأصلح بأثر رجعي لا محل له إذا كانت الأفعال المحرمة تضمنها قانون وقتي[6] .


[1] وفاء جوهر، القانون الجنائي العام، ط الأولى أبريل 2019، ص94

[2] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، طبعة مراجعة ومحينة، الطبعة التاسعة 2019 ، ص102

[3] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، م س ص103

[4] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، م س ص104

[5] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، م س ص105

[6] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، م س ، ص106108_

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك