إعداد: محمد العلوي مراني
إن العلاقات التعاقدية مهد القانون ومبتغاه، يتطور بتطورها، ويحاول ما أمكن تنظيم الأشكال الجديدة للتعاقد التي يفرضها التطور الاقتصادي، لكي يعبر – وعن حق – أن القانون ما هو إلا انعكاس للواقع المجتمعي الذي أصبح يفرض اليوم جيلا جديدا من العقود تنعت بالعقود التجارية والاقتصادية.[1]
فالعقود التجارية ترتبط بأنواع شتى من النشاط الإنساني الذي تنظمه أكثر من مدونة لاختلاف طبيعة الأغراض والأنشطة التجارية وتباينها.
وإذا كان من الصعب تمييز هذه العقود عن العقود المدنية نضرا لازدواجية القواعد التي تخضع لها من جهة [2] ، الأمر الذي يجعل عملية التكييف القضائي[3] من الأهمية خصوصا لتحديد القواعد الموضوعية و قواعد الاختصاص و قواعد الاثبات طبقا للقوانين الجاري بها العمل.
وان كانت المعاملات التجارية في تزايد و فورة مستمرة الأمر الذي حتم على المشرع عدم حصر الأعمال التجارية وترك الباب لما يستجد و يستحدث منها طبقا لأحكام المادة 8 . فإن هذه الفورة من بين أهم العوامل التي أدت الى ظهور عقود تجارية شكلية ، مسماة . ذلك للخروج بهذه العقود المنشأة بكيفية صحيحة عن القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات و العقود و الذي لا تسعف خصوصيات البيئة التجارية المتسمة بالسرعة و الائتمان ، كما أنها لا توفر الضمانات القانونية الكفيلة و الحماية للأطراف التعاقدية بشكل يشجع على التجارة ، الأمر الذي سيمتد أثاره بالمصالح العامة للدولة ، اذا ما ثم اعتماد التواعد التعاقدية العامة في الميدان التجاري .
وقد تطورت العقود التجارية في قوانين الأعمال بشكل بين الرغبة التشريعية والاهتمام الملحوظ بتنظيم عقود تجارية اذ ثم تنظيمها منذ القانون التجاري القديم لسنة 1913 الا أن تطور التجارة اقتضت توسيع دائرة العقود التجارية اذ أضاف المشرع في الكتاب الرابع من مدونة التجارة عقودا لم تكن منظمة في ظل القانون التجاري القدم تعقد الائتمان الإيجاري وعقد الوكالة التجارية والعقود البنكية ، الا أن الأمر لم يقف عند تعديل مدونة التجارة سنة 1996 بل قد تمت تعديلات عديدة على هذه العقود مراعاة لخصوصيات بعض الأنشطة التجارية ، ففي قانون التأمين[4] مثلا قد ثم تعديل بعض العقود التجارية كعقد الوكالة بالعمولة و عقد السمسرة حتى تتماشى مع طبيعة عمليات التأمين و إعادة التأمين و العمليات التي تدخل في حكمها . هو نفس الشيء بالنسبة للقانون المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات التي تعتبر في حكمها الذي عدل أحكام العقد البنكي .[5]
وان كانت العقود التجارية كما أسلفنا الذكر انتقل بها المشرع من مجرد علاقة تعاقدية الى تنظيم اقتصادي لخلق المنافسة بين التجار و تسخير التشريع التجاري -العقود التجارية – لفائدة الأهداف الاقتصادية للدولة ، هو الأمر حتم على المشرع التوسيع من دائرة الرهون لتسهيل حصول المقاولات الصغرى و المتوسطة على القروض لتمويل المشاريع ، هو ما تأتى بصدور قانون 18_21 المتعلق بالضمانات المنقولة ، [6] اذ ثمت اضافة رهون جديدة من بينها رهن الحساب البنكي و رهن الديون و رهن حساب السندات . وذلك من أجل تبسيط الإجراءات و المساطر و ضمان الحرية التعاقدية .
إن الموضوع المطروح يحتل أهمية بالغة على المستويين على، من الناحية النظرية تتجلى أهمية الموضوع في الاهتمام التشريعي و الفقهي لبيان تأسيس المشرع للعقود التجارية، و كشف اللبس و النواقص التي شابت النص التشريعي . أما من الناحية العملية تتجلى أهمية الموضوع من المكانة الاقتصادية لهذه العقود لتنظيم العلاقات التجارية و ضمان مبدأي الأمن القانوني و الأمن التعاقدي ، فضلا عن التدخل القضائي في هذا الموضوع إما لتكييف العقد تجاريا ، أو إعادة التوازن بين الأطراف التعاقدية من خلال المنازعات المطروحة على المحاكم التجارية .
ان اهمية الموضوع المطروحة أعلاه تجعل الموضوع يثير إشكالية محورية تتمثل في تحديد كنه العقود التجارية وترتيب الأثار القانونية لتحديد صفة هذه العقود.
و لمحاولة تفكيك الإشكالية أعلاه نطرح التساؤلات التالية :
_ كيف يمكن تعريف العقود التجارية ؟
_ ما هو تمييز العقود التجارية عن العقود المدنية ؟
_ماهي خصائص العقود التجارية ؟
_ماهي أنواع العقود التجارية ؟
_ماهي الأحكام الخاصة بالعقود التجارية ؟
و الإجابة عن الموضوع المطروح بشكل منهجي نقترح التصميم التالي:
المبحث الأول : الأحكام العامة للعقود التجارية
المبحث الثاني: العقود التجارية من خلال أنواعها و أحكامها الخاصة
المبحث الأول: الاحكام العامة للعقود التجارية
مما لا شك فيه أن معظم معاملات التجار سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو معنويين تتم عن طريق العقود التي ما فتئت تؤكد أهميتها الحيوية ودورها الفعال ليس فقط على مستوى التجارة الداخلية ولكن على صعيد التجارة الدولية أيضا. و عليه فإن تنظيم المشرع لعقود معينة يعتبر إنعاشا لها و لا سيما و أنه غالبا ما يقر ما دأبت عليه الممارسة التعاقدية و يسوغه في نص تشريعي.
و فيما يتعلق بدراستنا لهذا المبحث، فإنها ستنصب على إبراز مفهوم العقد التجاري من خلال ثلاث مستويات (المطلب الأول) على أن نحدد طبيعة هذا العقد (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الاطار المفاهيمي للعقود التجارية
إن مضمون هذا المطلب سيتمحور حول استجلاء مفهوم العقد التجاري من خلال النصوص التشريعية والآراء الفقهية التي اهتمت بمادة العقود التجارية للإحاطة بهذا المفهوم ، ثم نعرج على القضاء لمعرفة موقف هذا الأخير من مفهوم العقود التجارية.
و عليه ننطلق من تساءل محوري متى يعتبر العقد تجاريا ؟
الفقرة الأولى: التعريف التشريعي و الفقهي للعقد التجاري
على الرغم من المكانة التي يتبواها العقد التجاري، ليس فحسب موضوع، ولكن بوصفه إحدى القنوات لتبادل الثروات والخدمات في الميدان التجاري، أو بالأحرى إحدى الأدوات القانونية المهمة التي يتم بواسطتها إبرام التصرفات وإجراء المعاملات فإن معظم المشرعين لئن عملوا على تنظيم أهم العقود الشائعة بما يتفق وطبيعة النشاط التجاري الذي يقوم على السرعة والائتمان واهتموا بتعريف كل عقد تجاري على حدة، إلا أنهم تركوا للفقه والقضاء أمر تعريف العقد التجاري بصورة عامة.[7]
وتعتبر العقود التجارية ترجمة أو قوالب تتم في إطارها الأعمال والأنشطة التجارية، ومن ثم فالعقود التجارية ترتبط بالأعمال التجارية، وتخضع للأحكام الخاصة بما من قبيل الاختصاص القضائي النوعي والمكاني، وقواعد الإثبات والأحكام الخاصة بالالتزامات التجارية .[8]
إذا كان المشرع المغربي في مدونة التجارة قد نظم العقود المنصبة على الأصل التجاري في الباب الثاني، ثم العقود التجارية المذكورة في الكتاب الرابع بمقتضى الفصول (366 الى 544) و في قوانين أخرى.[9]
فإن المشرع من خلال هذه المدونة و باقي القوانين لم يعرف العقود التجارية تاركا الأمر للفقه والقضاء كما هو الشأن في التشريعات المقارنة انه من الصعب وضع تعريف معين للعقد التجارية وإخضاعها لأي تحديد، ذلك أن كل عقد وارد في القانون المدني من الجائز استخدامه في ميدان التجارة، ولا يمكن حصر كل التعهدات التي يتبادلها التجار.
و هذا ما أكده الفقه الفرنسي في شخص الفقيه ربير الذي يرى أن عبارة العقود التجارية تفتقر إلى الدقة على اعتبار أن العقود التي ينظمها القانون المدني اما عقود تجارية اذا اندرجت في عداد الأنشطة التجارية أو الأعمال التجارية بين التاجر، واما عقود مختلطة اذا نشأت بين تاجر وغير تاجر، وبعبارة أخرى إن العقود المدنية في أصلها قد تفقد هذه الصفة اذا قام بها تاجر و تعلقت بأنشطته التجارية.[10]
و في نفس السياق ذهب الفقه المصري حيث يكاد يجمع على ان العقود التجارية لا تخالف العقود المدنية فيما يتعلق بالأحكام الخاصة بانعقادها و نفادها وانقضائها، حيث يرى ان العقود التجارية هي عقود مدنية لكنها تتخذ الصفة التجارية عند ما يكون موضوعها أحد الأعمال التجارية الواردة في القانون التجاري، وإذا صدرت ممن له الصفة التجارية، لحاجات تتعلق بتجارته تطبيقا لنظرية الأعمال التجارية التبعية.[11]
وفيما يخص الفقه المغربي في شخص الفقيه بوعبيد عباسي فقد عرف العقد بأنه” ذلك العقد الذي يكون موضوعه أحد الأعمال التجارية الأصلية أو التبعية، حتى إذا اتخذت الشكل القانوني للعقد ولا يهم بعد ذلك إن كان العقد منظما بمقتضى القانون التجاري أو القانون المدني أو العرف”.[12]
أما الفقيه “شكري السباعي فقد حدد العقود التي يبرمها التجار سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين في ثلاثة أشكال:[13]
- عقود يبرمها مع تاجر أخر وبمناسبة تجارتهما وهذه العقود قطعا هي تجارية بالنظر إلى صفة الأطراف أو بالنظر إلى النشاط الذي يكون محل العقد.
- عقود يبرمها التاجر مع غير التاجر من المستهلكين أو الزبناء والتي تعرف باسم الأعمال المختلطة التي تضم طرفا مدنيا ولها قواعد خاصة بها.
- عقود يبرمها التجار ولا تتعلق بأنشطتهم التجارية كعقد الزواج.
كما وردت عدة تعارف للعقد التجاري في دليل المحاكم التجارية الذي تصدره وزارة العدل فقد ورد فيه بأن “العقد التجاري هو العقد الذي يجريه التاجر إذ كان متصلا بحرفته” أو “هو العقد الذي ينشئ في ذمة أحد طرفي العقد أو طرفيه التزامات تجارية” أو “هو الأعمال التجارية والأعمال المختلطة عندما تجرى في شكل عقود.
ما يمكن استنتاج مما تقدمنا به من تعاريف فقهية، أنها ترتكز في إضفاء الصبغة التجارية على العقد الذي موضوعه قد يكون أحد الأعمال التجارية أحيانا، وأحيانا أخرى على صفة الطرف الذي ابرمه بحيث يكون تجاريا متى كان أحد طرفيه أو كلاهما تاجرا .
الفقرة الثانية: التعريف القضائي للعقد التجاري
إن عملية تكييف العقد ما إذا كان تجاريا أم لا، تفرض نفسها أمام القضاء بالنسبة للعقود غير المنظمة فى المدونة، أما تلك الواردة فيها فهي تجارية بنص القانون الذي يعتبر المرجع الأساسي فيما لو نوزع في طبيعتها التجارية. وهكذا، فإن الجهة المختصة بتحديد ما إذا كان العقد تجاريا أم لا، هي المحاكم التجارية.
و القضاء اتخذ منحا واضحا لتحديد مدلول العقد التجاري، و وضع لذلك عنصرين يستشف منهما مدلول العقود التجارية.[14]
- العنصر الأول: يتمثل في ضرورة البحث عن صفة أطراف العقد، بحيث كلما كان أحدهما أو كالهما تاجرين، فإن العقد سيتخذ الصبغة التجارية.
وفي هذا الاطار أكدت المحكمة التجارية بمراكش ” بأن صفة طرفي النزاع كتاجرين، يضفي على العقد المبرم بينهما بشأن كراء محل…صفة عقد تجاري تختص المحكمة التجارية بالنظر في النزاعات المترتبة عن تنفيذه…”[15]
“كما أن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء أخذت بهذا المعيار لتحديد طبيعة العقد في أكثر من قرار. و هكذا جاء في أحد قررتها على أنه ” اعتبارا لما ذكر يكون من الثابت في النازلة أن طرفي العقد معا يكتسبان الصفة التجارية و العقد المبرم بينهما عقد تجاري و بالتالي فالاختصاص بالبت في النزاع الناتج عن العقد المذكور ينعقد للمحكمة التجارية”[16]
كما أكدت في قرار أخر بأنه : ” حيث يتجلى من وثائق الملف و دفوعات الأطراف أنه ليس هناك منازعة في صفتهما كتاجرين.
وحيث إن عقد الكراء المبرم بينهما يتعلق باستغلال محل تجاري يشغله المستأنف عليهما لبيع المواد الغذائية، وبالتالي فهو عقد تجاري.
و في نفس السياق ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بفاس إلى أن ” المحاكم التجارية ينعقد لها الاختصاص طبقا للمادة الخامسة من القانون المحدث لها إذا كانت المنازعات بين تاجرين، أما إذا كان الطرف المدعى عليه غير تاجر فإنه لا تصح مقاضاته إلا أمام المحاكم العادية.[17]
- العنصر الثاني: يرتكز هذا المعيار على موضوع العقد
فإذا كان موضوع العقد أحد الأنشطة التجارية الواردة في مدونة التجارة فإنه يكون تجاريا بغض النظر عن صفة طرفيه، ولذلك فإن كل عقد يكون موضوعه أحد الأنشطة التجارية سيوصف بالتجاري بغض النظر عن تنظيم هذا العقد في مدونة التجارة.
و في هذا الإطار أصدرت المحاكم التجارية مجموعة من الأحكام و القرارات يتضح من خلل مضمونها أنها اعتمدت على طبيعة محل العقد في تحديدها لمفهوم العقد التجاري.
ومن بين هذه المقررات ما جاء في القرار الصادرة عن محكمة الاستئناف بفاس : ” طبقا لمقتضيات الباب السابع من مدونة التجارة، تعد من العقود التجارية، الحسابات البنكية المفتوحة للزبائن، وكذا عقد القرض المبرم مع البنك بمنا سبتها بغض النظر عن صفة المتعاقد هل هو تاجر ام ال، وبالتالي فإن المحاكم التجارية مختصة طبقا لقانون إحداثها” [18]
كما قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بأن “عقد القرض البنكي عقد تجاري بغض النظر عن طرفيه”. و قد ذهبت نفس المحكمة إلى أن ” القروض التي تمنحها مؤسسة الائتمان في نطاق نشاطها المعتاد أنها أعمالا تجارية ، وبالتالي فإن جميع الدعاوى المتعلقة بها والناتجة عنها والمترتبة عن المساطر التي تتفرغ عنها يرجع فيها إلى المحاكم التجارية .”[19]
وعليه فإن المشرع المغربي كان حكيما حينما عدد لنا الأنشطة التي اعتبرها تجارية على سبيل المثال وفتح المجال للقياس والمماثلة على هذه الأنشطة حتى يمكن اعتبارها تجارية من عدمه، بذلك يكون موقف مشرع عين الصواب على اعتبار أن الأنشطة التجارية لا يمكن حصرها فالبيئة التجارية ذات طابع ديناميكي تؤدي لا محالة إلى ظهور أنشطة جديدة وبالتالي ظهور عقود تجارية جديدة.
وسيبقى القضاء التجاري هو قطب الاساسي في تكييف العقود وربطها بنظرية الأنشطة التجارية وفق معايير تميزها عن الأعمال المدنية المتمثلة في المضاربة والربح والمقاولة، وبالتالي سيكون مصير تحديد العقود التجارية غير المنظمة قانونا بيد القضاء التجاري الذي سيأخذ بمبدأ المماثلة في تحديد الأنشطة التجارية الجديدة.
وهكذا فقد دأب القضاء التجاري على الأخذ بموضوع العقد كأساس الإسناد الاختصاص للمحاكم التجارية حيث من خلال الممارسة القضائية يتضح أن عقد القرض البنكي مثلا هو عقد تجاري بغض النظر عن طرفيه هذا من جهة، ومن جهة أخرى يأخذ القضاء التجاري بصفة طرفي العقد لإضفاء الصفة التجارية على المنازعات القائمة بينهم وإسناد الاختصاص لها كاعتبار عقد كراء محل بين طرفين تاجرين هو عقد تجاري.[20]
المطلب الثاني : خصائص العقود التجارية
تعد العقود التجارية مصدرا هاما ورئيسيا للالتزامات التجارية، بحيث يمكن القول بأن العقد التجاري هو الذي ينشئ في ذمة أحد المتعاقدين أو كليهما التزاما تجاريا، ومن هذا المنطلق يتضح لنا أن لهذا العقد خصوصياته كباقي العقود الأخرى، بحيث سنعالج في (الفقرة الأولى) العقود التجارية عقود رضائية وعقود معاوضة، على أن نتحدث في (الفقرة الثانية). العقود التجارية ترد على منقولات والخدمات و تمتاز بخاصية التجارية.
الفقرة الأولى : العقود التجارية عقود رضائية وعقود معاوضة
للعقود التجارية خصائص تتماشى مع طبيعة هذه العقود، من بينها خاصية الرضائية وهي ما سنتطرق في (أولا) ثم خاصية المعاوضة (ثانيا).
أولاً: العقود التجارية عقود رضائية
تنعقد العقود التجارية بمجرد تبادل الطرفين التعبير عن إرادتين متطابقتين، فلا يشترط لانعقادها شكل معين، ومع ذلك توجد بعض العقود التجارية التي يلزم لانعقادها أن تكون بكتابة رسمية أو عرفية.
بالنسبة لرضائية العقد فإن هذه القاعدة على بساطتها لم يعرفها لنا القانون الفرنسي إلى مؤخرا بعد أن تخلى عن الطقوس التي ورثها عن القانون الروماني في حين عرفتها لنا الشريعة الإسلامية من قبل” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم”[21]، .وهذا الأصل يقول ابن تيمية… وفي المعاوضات علق الحكم بالتراضي لأن كل من المتعاوضين يطلب ما عند الأخر ويرضى به خلاف التبرع فالأفراد أحرار في معاملاتهم[22] .
بحيث بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول الصحيحين بين طرفين يتمتعان بالأهلية اللازمة دون حاجة لاتخاذ إجراءات شكلية[23]، لأن السرعة التي تحتاجها الحياة التجارية تقتضي البعد عن الشكليات. كما يظهر الدور الهام الذي يلعبه مبدأ سلطان الإرادة في تحديد مضمون وشروط العقود التجارية، حيث تتجه القوانين التجارية الحديثة إلى منح أولوية التطبيق لما اتفق عليه المتعاقدين.
والالتزام العقدي لا ينشا أصلا إلا تبعا لسلطان إرادة المتعاقدين ” تنشا الالتزامات عن الاتفاق والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة..”[24] ولا يتم إلا بتراضي المتعاقدين على العناصر الأساسية للالتزامات والشروط الأخرى المشروعة، ولا يعتد بالتعديلات إلا بالاتفاق الصريح[25]
بيد أن مبدأ الرضائية لم يأخد به المشرع على إطلاقه، وإنما قد حد منه لإعتبارات قد تتعلق بحماية التجارة ذاتها أو لحماية المصلحة العامة، يقتضي ذلك اتخاذ إجراءات شكلية على سبيل الاستثناء في بعض العقود التجارية الهامة التي تقتضي التوثيق، مثل ضرورة كتابة عقد الشركة على يد كاتب عدل، واشتراط كتابة عقد السفينة..[26]
ثانياً : العقود التجارية عقود معاوضة
تعد العقود التجارية من عقود المعاوضة التبادلية الملزمة للجانبين، حيث يحصل كل طرف في العقد على مقابل لما يعطيه للطرف الآخر، لأن التاجر يسعى دائما إلى الربح.
و والمعاوضة صفة مطلقة في العقود التجارية، بينما هي صفة نسبية في العقود المدنية حيث تكون دائرة بين النفع والضرر، فبموجبها يأخذ المشتري بقدر ما يعطي أو بنسبة متوازنة، وهذا النوع يشبه العقود التجارية، وقد تكون عقود تبرع كالهبة والوصية والتبرع، وهذه هي العقود الضارة ضرراً محضاً فبموجبها يعطي ولا يأخذ مقابلا لما يعطي، أو أن ما يأخذه لا يتناسب مع ما يعطيه، أو تكون نافعة نفعا محضاً، وبموجبها يأخذ ولا يعطي مقابلا لما يأخذ ويعطي ما لا يتناسب مع ما أخذه، وهذه العقود لا توجد في التجارة[27].
أما في العقود التجارية ، فإن المضاربة هي أحد العناصر الأساسية للأعمال التجارية وبهذا نستبعد عقود التبرع لانتفاء هذا . العنصر، فإن عقود التجارة هي عقود معاوضة، أما إذا كانت هناك هدايا أو عمولة تعطى من قبل التجار أو الشركات التجارية فإنها لا تعطي إلا لأجل الحصول على الشهرة التجارية وكسب العملاء ومن ذلك الخدمات المجانية التي تقدمها البنوك للعملاء والبيوع التي تتم أوقات التصفية بتخفيضات كبيرة في الأثمان، لذا لا تتضمن نية التبرع وليست للمجاملة أو الإحسان وإنما لممارسة التجارة، و من هذا يتبين بأن العقود التجارية هي عقود معاوضة دائما.
الفقرة الثانية: العقود التجارية ترد على المنقولات وأنها تمتاز بخاصية التجارية
تتميز العقود التجارية بخاصية غاية في الأهمية وهي خاصية التجارية التي سنتحدث فيها (كثانياً)، على أن نتكلم في (أولا) أن العقود التجارية ترد على المنقولات والخدمات.
أولا: العقود التجارية ترد على المنقولات والخدمات
ترد العقود التجارية غالبا على المنقولات دون العقارات والغالب أن ترد العقود التجارية على أشياء مثلية وعلى كمية معينة منها، وليس على شيء معين بالذات وقت العقد، كما أن محل التعامل في العلاقات التجارية ينصب دائما على المنقولات دون العقارات، فالمعاملات التي يكون محلها عقارا هي معاملات مدنية بحسب الأصل
بحيث جرى الرأي على أن محل العقود التجارية يتعلق دائما إما بالمنقولات وإما بتقديم الخدمات، لأن التعامل في العقارات يخرج من نطاق القانون التجاري، ومن ثم فأي عقد يكون محله تعامل في ملكية عقار لا يكون من العقود التجاري .. ويرجع إخراج التعامل في العقارات من نطاق القانون التجاري إلى سبب تاريخي يتعلق بنشأة القانون التجاري وبالمركز القانوني للتجار، حيث ن ث نشأ هذا القانون نشأة عرفية لينظم العلاقات بين التجار الذين كانوا يعتمدون في نشاطهم على تداول الثروة المنقولة، أما العقارات فكانت ملكا للإقطاعيين وكان القانون المدني ينظم جميع التعاملات المتعلقة بها[28]
وإذا كانت هذه الخصيصة المميزة للعقود التجارية صحيحة في إطار القانون التجاري التقليدي ، إلا أن القوانين التجارية الحديثة غلبت الاعتبارات الواقعية على المبررات التاريخية التي أدت إلى إخراج التعاملات العقارية من نطاق القانون التجاري. واعترفت بتجارية التعاملات الواردة على العقارات – سواء كانت بيعا أو شراء أو تأجيرا طالما تمت بقصد المضاربة وتحقيق الربح .
ان العقود التجارية كما قد تسري على منقول فإن الأمر كذلك بالنسبة للعقار ، اذ يكون محل لها أيضا كما هو الأمر في عقد الكراء التجاري طبقا لأحكام القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء المحلات و العقارات التجارية اذ أن محل العقد يكون عقارا أو محلا طبقا للتحديد الوارد في المادة الأولى منه كما أنه عقدا تجاريا بالشكل و الغرض اذ أن المشرع اشترط فيه أن يكون عقد ثابت التاريخ (المادة 3) وأن يكون غرضه ممارسة نشاط تجاريا و استثناءا مدنيا لكن في ضوء التحديد الوارد ( التعليم الخصوصي ) .
ثانياً: خاصية التجارية بالنسبة للعقود التجارية
لا خلاف أن معظم العقود التجارية نشأت وترعرعت بين أحضان العقود المدنية، فاستقلت عنها بأحكام وقواعد تتماشى مع طبيعة هذه العقود، حيث تستخدم في المجال التجاري لتنظيم مختلف المعاملات التي يقوم بها التجار في ما بينهم وبمناسبة أعمالهم التجارية سواء كانت هذه الأعمال التجارية أصلية أو بالتبعية، ومن هنا تكتسب هذه العقود الصفة التجارية وما يترتب على هذه الصفة من أثار قانونية مختلفة عن القواعد العامة التي تسري على العقود المدنية.
وما يحيلنا بأن العقد تجاري هو أن تفرغ تلك الأنشطة أو الأعمال التي اعتبرها المشرع المغربي تجارية في شكل العقد حتى يعتبر هذا العقد تجاري ويمتاز بخاصية التجارية التي تؤهله لكي ينظم إلى النظام الخاص بالعقود التجارية بذلك فمن الخصائص المميزة للعقد التجاري هو كون موضوعه أحد الأنشطة التجارية المنصوص عليها في مدونة التجارة.
حيث يظل الأصل أن العقود التجارية تخضع للقواعد العامة التي نص عليها القانون، إلا أن هناك قواعد خاصة تطبق على العقود التجارية وتميزها عن العقود المدنية منها ما يتصل بالإثبات، ومنها قواعد موضوعية خاصة بإبرام العقود التجارية، وتنفيذها ويلاحظ أن هذه القواعد تعرض عادة بصدد التمييز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية.
المبحث التاني : العقود التجارية من خلال أنواعها و أحكامها الخاصة
إن العقود التجارية من خلال تنوعها و اختلافها حظيت بإهتمام كبير من قبل المشرع سواء بسن قواعد خاصة لكل منها أو بتنظيم أحكامها في إطار القواعد العامة، و على إختلاف هذه العقود فهي الأخرى تتميز عن غيرها بأحكام خاصة لها.
المطلب الأول : تقسيمات العقود التجارية
لازدهار المجال التجاري بالمغرب وإقبال الأفراد على القيام بعدة معاملات حاول المشرع سن قواعد قانونية تروم الحياة الاقتصادية ،و في هذا الإطار تولى المشرع تنظيم العقود التجارية في الكتاب الرابع من مدونة التجارة وهي الأخرى تنقسم من حيث موضوعها إلى نوعين (العقود التجارية، العقود البنكية)
وتجدر الإشارة أن المشرع المغربي قام بتقسيم القسم السابع من الكتاب الرابع إلى تمانية أبواب قسمها على النحو التالي :
الحساب البنكي، إيداع النقود، إيداع السندات تم التحويل وفتح الاعتماد بالإضافة الى الخصم تم حوالة الديون المهنية و أخيرا رهن القيم.
: أنواع العقود التجارية
لا شك أن عملية تصنيف العقود عموما والتجارية على وجه الخصوص لا تكون بهدف ترتيبها فقط و إنما بهدف تحديد الأحكام التي تسري على كل مجموعة على حدة [29]
وبناء على ذلك يمكن تقسيم العقود التجارية بحسب موضوعها إلى عقود الرهن التجاري و عقود الوساطة التجارية وعقود الخدمات التجارية تم عقود بنكية.
عقود الرهن التجاري : نظم المشرع المغربي الرهن التجاري في مواد مختلفة من مدونة التجارة، حيث خصص المواد 106 إلى 151 لرهن الأصل التجاري، و المواد 337 إلى 573 إلى رهن القيم المنقولة. و الملاحظ أن المشرع لم يقم بتعريف عقد الرهن التجاري، حيث إكتفى بتحديد أحكامه و يمكن تعريفه بأنه “عقد ينشئه تاجر أو غير تاجر من أجل ضمان دين تجاري”[30]. و الجدير بالذكر أن المشرع قد ميز بين نوعين من المرهون التجارية بمقتضى المادة 336 والتي جاء فيها “الرهن نوعان رهن يفترض معه تخلي المدين عن الحيازة ورهن لا يفترض فيه ذلك”.
عقود الوساطة : تتنوع عقود الوساطة التجارية إلى العقود التي ترد عليها و كذا الدور الذي يطلع به الوسطاء في إبرامها إلى : الوكالة التجارية و والسمسرة و الوكالة بالعمولة.
الوكالة التجارية : نظم المشرع المغربي الوكالة التجارية في القسم الثاني من الكتاب الرابع من مدونة التجارة وذلك من المواد 393و بعدها، حيث عمل على تعريفها بمقتضى المادة 393 التي جاء فيها ” الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص و دون أن يكون مرتبط بعقد عمل، بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة، بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات، وبصفة عامة جميع العمليات التجارية بإسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممتل تجاري آخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك”.
السمسرة : يعتبر عقد السمسرة من العقود التي يترتب على كل من يزاولها على سبيل الإعتياد أو الاحتراف إكتساب الصفة التجارية، فهو عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص أخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام عقد[31].
فالسمسار عكس الوكيل التجاري أو الوكيل بالعمولة لا يتعامل بإسمه أو بإسم موكله، إنما تقتصر مهمته على التقريب بين وجهات النظر بين المتعاقدين.
وحسب المقتضيات المنصوص عليها في مدونة التجارة فإن السمسار لا يستحق الأجر إلا في حالة تحقق بعض الشروط من قبيل :
أن يكون هناك عقد سمسرة ما بين السمسار و العميل
أن يقع إبرام العقد الذي يتوسط فيه السمسار
أن يكون العقد قد تم نتيجة الجهود التي بدلها السمسار
الوكالة بالعمولة : عمل المشرع المغربي على تنظيم الوكالة بالعمولة في المواد من 422 إلى 430 من مدونة التجارة التي تم تتميمها بالمواد من 1-430 إلى 430-6 بشأن الوكالة بالعمولة في نقل البضائع وعرفها في المادة 422 بأنها “عقد يلتزم بموجبه الوكيل بالقيام بإسمه الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله”[32]. وتختلف الوكالة بالعمولة عن الوكالة التجارية والسمسرة في أنها تجعل الوكيل بالعمولة يبدو أمام الغير المتعاقد معه كالأصيل، إذ يكتسب على إتر ذلك الحقوق ويتحمل الالتزامات الناشئة عن العقد، وإن كان في الواقع يتعاقد لحساب موكله ويظهر أمام هذا الأخير بصفته وكيلا عنه[33].
عقود الخدمات التجارية : تتمتل أهم عقود الخدمات التجارية في عقد النقل و عقد الإئتمان الإيجاري
عقد النقل : عرف المشرع المغربي هذا العقد في المادة 443 بأنه “اتفاق يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل تمن بأن ينقل شخصا أو شيئا إلى مكان معين، مع مراعاة مقتضيات النصوص الخاصة في مادة النقل و الاتفاقيات الدولية التي تعد المملكة المغربية طرفا فيها”. وعقد النقل يعد عملا تجاريا شكلي بمقتضى المادة 6 من م. ت.
عقد الإئتمان الإيجاري : نظمه المشرع بمقتضى المواد من 431إلى 442 من م. ت. حيث عمل على تعريفه بمقتضى المادة 431 :” يعد عقد ائتمان إيجاري كل عقد يكون موضوعه إحدى العمليات المنصوص عليها في المادة 4 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسة الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
العقود البنكية : نص المشرع المغربي على مجموعة من العقود البنكية، في المواد 487 إلى 544 من مدونة التجارة، وذلك كالتالي؛
الحساب البنكي
إيداع النقود
إيداع السندات
التحويل
فتح الاعتماد
الخصم
حوالة الديون المهنية
رهن القيم
الحساب البنكي : حسب المادة 487 من مدونة التجارة، فالحساب البنكي إما حساب بالاطلاع أو حساب لأجل. ويعرف الحساب بالاطلاع وفقا لمقتضيات المادة 493بأنه ” عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة، والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف. في حين يمكن تعريف الحساب لأجل بأنه” عقد يتسلم بمقتضاه البنك مبلغا نقديا يلتزم برده عند حلول الأجل المتفق عليه أو يتم تجديده وفق ما تقتضيه المادة 506 و يلتزم البنك بأداء الفوائد إضافة إلى أصل المبلغ المودع.
إيداع النقود : عرفت المادة 509 من مدونة التجارة بأنه” هو العقد الذي يودع بموجبه شخص نقودا، كيفما كانت وسيلة الإيداع، لدى مؤسسة بنكية يخول لها حق التصرف فيها لحسابها الخاص، مع إلتزامها بردها حسب الشروط المنصوص عليها في العقد.”
إيداع السندات : وفقا للمادة 511من مدونة التجارة تتعلق وديعة السندات بالقيم المنقولة و بالسندات الأخرى القابلة للتداول التي تبقى خاضعة لأحكام القانون 35.94 المتعلق ببعض سندات الديون القابلة للتداول ولا يجوز للمؤسسة البنكية استعمال السندات المودعة لديها أو ممارسة الحقوق المترتبة عنها في غير ذي مصلحة المودع ما لم يشترط خلاف ذلك صراحة[34].
التحويل : يعد التحويل عملية بنكية يتم بمقتضاها إنقاص حساب المودع، بناء على أمره الكتابي بقدر مبلغ معين يقيد في حساب آخر[35]. تمكن هذه العملية من:
نقل مبلغ نقدي من شخص إلى أخر، لكل منهما حساب لدى المؤسسة البنكية ذاتها أو لدى مؤسستين بنكيتين مختلفتين.
نقل مبلغ نقدي بين حسابات مختلفة مفتوحة بإسم نفس الشخص لدى مؤسسة بنكية ذاتها أو لدى مؤسستين مختلفتين.
فتح الإعتماد: تعرف المادة 524من م. ت. بأنه ” هو إلتزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ معين من النقود”. لا يعد الرصيد المدين العرضي فتحا للإعتماد.
الخصم : يعرف الخصم وفقا لمقتضيات المادة 526 بأنه عقد تلتزم بمقتضاه المؤسسة البنكية بأن تدفع للحامل قبل الأوان مقابل تفويته لها مبلغ أوراق تجارية أو غيرها من السندات القابلة للتداول التي يحل أجل دفعها في تاريخ معين على أن يلزم برد قيمتها إذ لم يف بها الملتزم الأصلي. “
حوالة الديون المهنية : بالرجوع إلى المادة 529 من م. ت لم يعرف الحوالة المهنية، بل أشار فقط إلى إمكانية كل شخص طبيعي أو معنوي و ذلك أتناء مزاولة نشاطه المهني تحويل كل دين ممسوك على أحد الاغيار، سواء أكان شخصا طبيعيا أم شخصا معنويا خاضعا للقانون الخاص أو القانون العام، لمؤسسة بنكية بمجرد تسليم قائمة.
ويمكن تعريف حوالة الديون المهنية بأنها ” عقد مكتوب يقوم فيه شخص يسمى المحيل بتفويت ملكية ديونه المهنية المترتبة على الغير إلى مؤسسة بنكية محال لها لضمان الإئتمان الممنوح.
رهن القيم : يخضع رهن القيم المنقولة للمقتضيات المتعلقة بالرهن الحيازي مع بعض الخصوصيات المضمنة في مدونة التجارة[36]. و وفقا لمقتضيات المادة 537 فيمكن رهن القيم المنقولة مهما كان شكلها.
المطلب الثاني : الأحكام الخاصة بالعقود التجارية
بالعودة إلى القواعد الخاصة المنظمة لمختلف العقود التجارية نجد أنها ترجع في معظم أحكامها إلى القواعد العامة في قانون الالتزامات والعقود و بالتحديد فيما يتعلق بإبرام العقد حيث تطبق من حيث المبدأ نفس شروط إبرام العقد المدني سواء تعلق الأمر بالرضى أو الأهلية أو المحل أو السبب، لذلك يغلب ألا نجد في المقتضيات الخاصة المنظمة لهذه العقود أحكاما عامة بها. إلا أنه مع ذلك فإن العقود التجارية تمتاز بخصوصيات عن العقود المدنية و هذا يتلاءم ومميزات التجارة المتمثلة أساسا في السرعة والثقة والائتمان.
الفقرة الأولى: عنصر السرعة في المعاملات التجارية
تشكل السرعة و طبيعة النشاط التجاري دعامة مهمة فيه، و قد أدى اعتمادها إلى اعتماد أحكام خاصة أكدتها مدونة التجارة منها حرية اتباث التصرفات القانونية بكافة وسائل الاثبات مهما كانت قيمتها ما لم يكن القانون أو الاتفاق بعكس ذلك ، و التشدد في منح المدين بدين تجاري مهلة للوفاء به، و تقصير اجال تقادم الدعاوى الناشئة عن الالتزامات التجارية.
1/ حرية الاثبات في المعاملات التجارية
إن سهولة إنشاء الالتزامات التجارية موضوع العقود التجارية يقضي بالضرورة سهولة إثباتها، لذلك فإن المشرع أقر هذا المبدأ في المادة التجارية بحيث يكون من وسع الأطراف من حيث المبدأ إثبات الالتزامات التجارية بجميع وسائل الإثبات. وقد نص المشرع المغربي على هذا المبدأ بصفة صريحة في طليعة تنظيمه للعقود التجارية، جاء في المادة 334 من مدونة التجارة أن المادة التجارية تخضع لحرية الإثبات إلا في الحالات التي يقرر فيها القانون أو الإتفاق الإثبات بالكتابة.
وقد كان قانون الالتزامات والعقود سباقا لتقرير هذا المبدأ عندما أورد استثناء على الإثبات المقيد المعمول به في المادة المدنية في الفصل 448 منه الذي أجاز الإثبات بشهادة الشهود بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.
ومنه فإذا كان المشرع يستلزم في المادة المدنية الكتابة لإثبات الالتزامات التي تتجاوز قيمتها عشرة آلاف درهم إنشاء أو انتقالا أو تعديلا أو إنهاء عملا بالفصل 443 من ق.ل.ع، فإنه في المادة التجارية يمكن للأطراف اتباث الالتزامات بجميع الوسائل لإثبات ومن ثم يمكن إثبات العقود التجارية بشهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية واليمين الحاسمة.
إلا أن مبدأ حرية الإثبات في المادة التجارية لا يعمل به على إطلاقه بل ترد عليه استثناءات مردها إما اتفاق الطرفين عندما يتفقان على اشتراط الكتابة في الإثبات لأن حرية الإثبات ليست من النظام العام، وإما القانون الذي يستلزم أحيانا لقيام وإثبات العقد التجاري الكتابة والإشهار.[37]
2/ التشدد في منح المدين الاهمال القانوني أو القضائي
تمكن القواعد العامة للقاضي المدني أن يمنح المدين بدين مدنى مهلة لتنفيذ التزامه إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم أما المدين بدين تجاري فالقاعدة هي التشدد معه وعدم الرأفة.
بالعودة للفقرة الثانية من الفصل 243 من قانون الالتزامات و العقود المعدل والمتمم بمقتضى ظهير 18 مارس 1917 التي جاء فيها أنه:
” يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق أن يمنحوه اجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا المطالبة مع إبقاء الأشياء على حالها ” يمكن القول، إن القانون المدني المغربي يأخذ أكثر بعين الاعتبار حالة المدين المتخلف عن تنفيذ التزاماته ، لاسيما إذا كان حسن النية. لذا، أعطى للقاضي بصفة استثنائية أن ينظره إلى أجل معقول كي ينفذ ما عليه من التزامات، ذلك مشروط بعدم تضرر الدائن من هذا التأجيل.
وباعتبار قيمة الوقت الكبيرة في مجال المعاملات التجارية، فإنه لا يمكن منح مهلة [38]للمدين من أجل الوفاء بدينه إذا استحال عليه ذلك في الأجل المقرر له لأن من شأن تأخره أن يلحق ضررا بالدائن الذي يعتمد في مزاولة نشاطه بالأساس على استيفاء حقوقه في مواعيدها.
وإذا كانت هذه القاعدة، تتماشى من جهة مع طبيعة الأعمال التجارية التي من مقوماتها السرعة في التعامل مما يجعل التوقف أو التأخر عن أداء الدين سببا يؤول إلى اضطرابها، فإنها من جهة أخرى تروم كفالة حقوق الدائن وحمل المدين على الوفاء في الأجل المتفق عليه من جهة أخرى.
3 تقصير اجال التقادم
المبدأ العام ، وفقا للفصل 387 من ق . ل . ع ، أن جميع الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة سواء كان الالتزام مدنيا أو تجاريا لأن المشرع أورد لفظ الالتزام عاما.
ولكن ترد على[39] هذا الأصل عدة استثناءات قرر فيها المشرع للتقادم مددا قصيرة، لعل أبرزها الدعاوى الناشئة عن الالتزامات التجارية التي تتقادم بمرور خمس سنوات بينما تتقادم بعض الدعاوى الأخرى بمرور سنتين أو سنة واحدة فقط.
وقد تم تأكيد التقادم الخمسي كمبدأ عام في الالتزامات التجارية بمقتضى المادة 5 من مدونة التجارة التي جاء فيها ما يلي” تتقادم الالتزامات الناشئة بمناسبة عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غير التجار بمضي خمس سنوات ما لم توجد مقتضيات خاصة مخالفة”.
ويجد هذا المبدأ تطبيقا قويا له في القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، ذلك انه باستثناء دعاوى بطلان الشركة أو عقودها أو مداولاتها اللاحقة لتأسيسها، التي تتقادم بناء على المادة 345 من القانون بمرور ثلاث سنوات ابتداء من يوم سريان البطلان، فان كثيرا من الدعاوى التي يمكن أن ترفع في نطاق شركات المساهمة تتقادم بمضي خمس سنوات ومثال ذلك دعوى المسؤولية المرتكزة على بطلان الشركة المنصوص عليها في المادة 351 من نفس القانون، ودعوى المسؤولية ضد المتصرفين وأعضاء مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الرقابة المنصوص عليها هذا في المادة 355 من نفس القانون.
وتطبق كذلك مقتضيات التقادم الخمسي الخاصة بشركات المساهمة على الشركات الأخرى على اعتبار الإحالة التي تمت إلى هذه المقتضيات بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 5,96.
و لعل العامل الأساسي في تقصير مدة التقادم في العقود التجارية راجع بالضرورة لما تتطلبه التجارة من سرعة في المعاملات، فهذه الأخيرة تحتم على التجار المطالبة بالديون أو الوفاء بها في أسرع وقت، كما تقتضي التخفيف عليهم بما يتلاءم مع هذه السرعة حتى لا تظل ذممهم مشغولة بالالتزام طيلة مدة التقادم العادية وهي خمس عشرة سنة.
ويرد على المبدأ العام للتقادم المحدد في خمس سنوات المعمول به في العقود التجارية عدة استثناءات منها ما ورد في مدونة التجارة، ومنها ما ورد في قوانين خاصة.
وهكذا، تقضي المادة 228 من م. ت بأنه: ” تتقادم جميع الدعوى الناتجة عن الكمبيالة ضد القابل بمضي ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ الاستحقاق.
تتقادم دعاوى الحامل على المظهرين والساحب بمضي سنة واحدة ابتداء من تاريخ الاحتجاج المحرر ضمن الأجل القانوني، أو من تاريخ الاستحقاق في حالة اشتراط الرجوع بدون مصاريف.
تتقادم دعاوى المظهرين بعضهم في مواجهة البعض الآخر وضد الساحب بمضي ستة أشهر ابتداء من يوم قيام المظهر برد مبلغ الكمبيالة أو من يوم رفع الدعوى ضده”.
وقرر المشرع بالنسبة للشيك مدة تقادم أقصر إذ نص في المادة 295 من م.ت على أنه : ” تتقادم دعاوى الحامل ضد المظهرين والساحب والملتزمين الآخرين بمضي ستة أشهر ابتداء من تاريخ انقضاء أجل التقديم.
تتقادم دعاوى مختلف الملتزمين بوفاء شيك بعضهم في مواجهة البعض الآخر بمضي ستة أشهر ابتداء من يوم قيام الملتزم برد مبلغ الشيك أو من يوم رفع الدعوى ضده.
تتقادم دعوى حامل الشيك ضد المسحوب عليه بمضي سنة ابتداء من انقضاء أجل التقديم”.
وتجب الإشارة على أن الدفع بالتقادم لا يعتبر من النظام العام، لذلك المحكمة ليست ملزمة بإثارته من تلقاء نفسها وإنما ينبغي على المتقاضين ذوي المصلحة أن يتمسكوا به أمامها استنادا للمادة 372 من ق . ل. ع التي تنص على أنه: “التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون بل لابد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به.
وليس للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه”.
ذلك، ورغبة من المشرع في حماية الطرف[40] الضعيف من استغلال الطرف القوي، فقد منع بمقتضى الفصل 379 من ق. ل. ع التنازل مقدما عن التقادم وأجاز التنازل عنه بعد حصوله، ومنع بمقتضى المادة 375 من نفس القانون الاتفاق بين المتعاقدين على تمديد أجل التقادم إلى أكثر من الخمس عشرة سنة التي يحددها القانون.
وتتقادم الدعاوى الناتجة عن عقد [41]التأمين بمرور سنتين وفقا المقتضيات المادة 36 من مدونة التأمينات التي جاء فيها ما يلي:” تتقادم كل الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمرور سنتين ابتداء من وقوع حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعوى.
وقد أكد المجلس الأعلى في القرار الصادر بتاريخ 20 يناير 1984 بأن أمد التقادم المذكور بالنسبة لدعاوى المطالبة بأقساط التأمين تبتدئ من تاريخ حلول أجل الدين.
4/ حل المنازعات عن طريق القضاء أو التحكيم
مع مرور الوقت ، أصبح توفير الأرضية أو المناخ الملائم للاستثمار وترسيخ دعائم الأمن القانوني في ميدان الأعمال، من أهم الخيارات الاستراتيجية المرتبطة بالتنمية، ذلك بالنظر الى اتساع العلاقات الدولية وعولمة الاقتصاد وسرعة تحرك الأموال.
وقد عملت السلطات المختصة جاهدة على توفير المتطلبات المحفزة على المبادرة الحرة وتشجيع المقاولة وتأهيلها حتى تكون قادرة على خوض غمار التنافسية، وكان من أهم المنجزات التي تم تحقيقها في هذا السياق إحداث المحاكم التجارية متخصصة للبت في المنازعات المرتبطة بالأعمال.
فالأصل في المنازعات التجارية أن تفض عن طريق التحكيم إذا كان هناك اتفاق للتحكيم أو شرط التحكيم بين أطراف العلاقة التجارية، لكن في حالة عدم وجود هذا الاتفاق أو الشرط، فإن الاختصاص يعود حينئذ للقضاء الرسم الممثل في المحاكم الم التجارية المحدثة بموجب القانون رقم 53/95 والذي حدد في مادته الخامسة المنازعات التي تبت فيها المحاكم التجارية.
الفقرة الثانية: عنصر الثقة و الائتمان في المعاملات التجارية
وفي سبيل ضمان وجود الثقة و الائتمان في المعاملات التجارية وضعت مدونة التجارة جملة من القواعد الخاصة تهدف الى ضمان أداء الديون الناشئة عن العقود التجارية .
1/ افتراض التضامن بين المدينين
يعد من [42]أهم مظاهر التشدد والصرامة في تنفيذ الالتزام التجاري ضد الطرف المدين تضامن هذا الأخير في حالة تعدده وهو ما يمكن القول عنه في نفس الوقت ضمانة مهمة يستفيد منها الدائن تدعيما للائتمان التجاري وتيسيرا في اقتضاء ديون الدائنين وتفاديا لنتائج إفلاس أحد المدينين.
وبناء على ذلك قرر المشرع المغربي التنصيص على هذه الخاصية في الأحكام العامة للعقود التجارية عندما نص في المادة 335 من مدونة التجارة على أن التضامن يفترض في المادة التجارية وبذلك فإن التضامن يفترض بين المدينين في المادة التجارية على خلاف المادة المدنية التي لا يفترض فيها هذا التضامن وإنما يجب أن يتم التنصيص عليه في السند المنشئ للالتزام، أو يقرره القانون صراحة .
و ترجع مشروعية هذا السند ويطرح إشكال مدى تعلق مقتضى المادة 335 من مدونة التجارة المقررة لتضامن المدينين في المادة التجارية بالنظام العام أم يمكن الاتفاق على مخالفته تأسيسا على الفصل 165 من ق.ل. ع الذي قرر بدوره هذه القاعدة بين التجار في معاملاتهم التجارية ما لم يتفقوا على استبعادها. التساؤل إلى كون المشرع التجاري لم يردف المادة 335 من مدونة التجارة بالعبارة الواردة في ختام الفصل 165 من ق.ل. ع والمتمثلة في “وذلك ما لم يصرح المنشئ للالتزام أو القانون بعكسه، وهو ما فسره الفقه بأن نية المشرع انصرفت صراحة إلى عدم الاعتداد باتفاق الأطراف على استبعاد التضامن بين المدينين في الالتزامات التجارية مضيفا أن المادة 335 من مدونة التجارة قاعدة خاصة ولاحقة زمنيا للفصل 165 من ق.ل.ع، ويمكن تعزيز هذا الموقف بكون المادة 335 من مدونة التجارة ألغت ضمنيا الجملة الثانية من الفصل 165 من ق.ل. ع على اعتبار أن هذا التضامن يعتبر عمود التنفيذ في الالتزامات التجارية وبذلك فإن عدم التنصيص عليها في المادة 335 يفيد الاستغناء عنها وإلغاءها.
/2 التنظيم القانوني للفوائد في العقود التجارية
بداية لابد من الاشارة الى أن المشرع جعل اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل وذلك بمقتضى الفصل 870 من ق. ل . ع ، والذي جاء فيه : ” اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذ وسيطا له.”
وفي هذا توافق وانسجام مع مقاصد الشريعة الاسلامية السمحاء التي حرمت التعامل بالفائدة، و أباحت للناس أن يكسبوا من جهدهم وليس من إقراض المال، إذ المال لا ينتج المال مصداقا لقوله تعالى:”[43] وأحل الله البيع وحرم الربا. ” .
أما بالنسبة لغير المسلمين، فقد نص الفصل 871 من ق.ل.ع على أن اشتراط الفائدة جائز، إنما يجب أن يتم ذلك كتابة و إلا اعتبر القرض بلا فائدة اللهم إلا إذا تعلق الأمر بتجارة أو كان أحد الطرفين تاجرا إذ يفترض اشتراط الفائدة في هذه الحالة. وتحريم الفائدة بين المسلمين لا يقتصر على المجال المدني، بل يسري هذا التحريم حتى على المجال التجاري.[44]
[45] هذا ويقضي الفصل 875 من ق.ل. ع على أنه في الشؤون الدينية والتجارية يحدد السعر القانوني للفوائد والحد الأقصى للفوائد الاتفاقية بمقتضى ظهير خاص، وبعد أن كان المشرع بموجب ظهير 20 مارس 1926 يفرق بين الفائدة في المعاملات المدنية والفائدة في المعاملات التجارية من حيث النسبة المئوية لكل واحدة منهما، عمل على توحيدها بواسطة الظهير الشريف الصادر في 16 يونيو 1950 حيث حدد السعر القانوني للفائدة القانونية في 6 في المئة أما الفائدة الاتفاقية فحددها في نسبة 10 في المئة وذلك بالنسبة للمادتين المدنية والتجارية. و على الرغم من تسوية المشرع لسعر الفائدة بين المادتين، إلا أن هذه الفوائد قد تختلف حسبما إذا كان الدين تجاريا أم مدنيا.[46]
وفضلا عما سبق فإنه في المجال التجاري يسوغ احتساب الفائدة بالشهر على أن لا يتم تجاوز السعر الأقصى السنوي للفائدة الاتفاقية المنصوص عليها في ظهير 16 يونيو 1950، أما في الميدان المدني فلا يمكن احتساب الفوائد إلا على أساس سعر يعين عن سنة كاملة.
ويكمن السبب في وجود هذا الاختلاف في افتراض المشرع أن الضرر الذي قد يلحق الدائن بدين تجاري جراء التأخر في الوفاء أكثر جسامة وأكثر خطورة مما يلحق الدائن المدني، الى جانب مراعاة المشرع لخصوصيات الميدان التجاري ودعم الائتمان التجاري وحمايته.
3 نظام صعوبة المقاولة و دوره في تثبيت الائتمان و الثقة بين التجار
فالائتمان هو أساس المعاملات التجارية و الثقة المتبادلة هي روح هذه المعاملات وقوامها المتين. لذلك استوجب هذه الائتمان وهذه الثقة حماية قوية للحفاظ على حقوق الدائنين، لأن التجار يعلقون أمالا كبيرة على الوفاء بالالتزامات التجارية خلال الاجال المتفق عليها وكل خلل في إحترام هذه الاجال يعرض المعاملات التجارية إلى اضطراب محقق، الأمر الذي ينعكس سلبا على النشاط التجاري برمته في أي مجتمع من المجتمعات، بل ربما يحوله عدماً إن لم يتم ابتكار الوسائل واستحداث الأساليب لحماية هذا الائتمان، والمحافظة على هذه الثقة.
وبناء عليه، فإن المشرع المغربي كان دائما حريص على سن قواعد خاصة بالتجار في وضعية مالية واقتصادية صعبة لا يستطيعون معها احترام اجال حلول ديونهم. حيث ظهر اولاً نظام الافلاس في ظل القانون التجاري القديم الصادر في 12 غشت 1913 و الذي عرفته المادة 197 بانه : ” كل تاجر توقف عن أداء ديونه يعتبر في حالة إفلاس” ، وقد تميز هذا النظام بصرامة احكامه و تشدده نحو المدين، و هذا التشدد يدفع المدين إلى الحرص على الوفاء بديونه عند استحقاقها، و على العناية بالثقة الائتمان الواجب توفرهما في المعاملات التجارية .
وبالنظر لمحدودية نظام الإفلاس ، فقد استعاضت عنه مدونة التجارة الجديدة بنظام صعوبة المقاولة الذي يهدف من خلال مقتضياته للخروج بالمقاولة المفتوح ضدها المسطرة من المأزق المالي والاقتصادي الذي تتخبط فيه و ذلك بكيفية تحقق مصلحة هذه المقاولة و مصلحة دائنيها.
إلا أن هذه المقتضيات الجديدة لم تأثر على تشدد المشرع التجاري في مواجهة المقاولة المتوقفة على الأداء. وهذا يظهر من خلال استقرائنا للمادة 560 من م ت التي جاء فيها بأن مساطر معالجة صعوبات المقاولة تطبق على كل تاجر وكل حرفي وكل شركة تجارية ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقة عليهم عند الحلول” و ذلك إما بناء على طلب من رئيس المقاولة أو أحد الدائنين أو المحكمة أو بطلب من النيابة العامة.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية في مواجهة المقاولة لا يؤدي إلى تخلي المدين عن إدارة أمواله و التصرف فيها لكن تحت إشراف القاضي المنتدب و السنديك وبمساعدة رئيسها إن اقتضى الحال لمدة أقصاها أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بطلب من السنديك[47] .
و يتولى السنديك خلال هذه المرحلة بإعداد تقرير عن الموازنة المالية و الاقتصادية و الاجتماعية للمقاولة بمساعدة رئيس المقاولة أو خبير أو عدة خبراء و يقترح السنديك في هذا التقرير إما مخططا للتسوية يتضمن استمرارية المقاولة او تفويتها إلى أحد الأغيار أو التصفية القضائية.
و بناء على تقرير السنديك وبعد الاستماع لأقوال رئيس المقاولة والمراقبين و مندوبي العمال، فإن المحكمة تقرر إما استمرار نشاط المقاولة أو تفويتها او بفتح مسطرة التصفية القضائية إذا تبين لها بأن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه . في حال ما إذا قررت المحكمة التصفية القضائية؛ فإن المدين يتخلى بقوة القانون عن تسيير أمواله و التصرف فيها و يقوم السنديك بتلقي التصريح بالديون من طرف الدائنين الذي يعود دينهم إلى ما قبل صدور حكم فتيح المسطرة و يقوم بالتحقق من ديون الشركة تحت مراقبة القاضي المنتدب .
كما أنيطت له مهمة الإخبار والإعلام، حيث أنه بمجرد تعيينه يقوم بإعلام جميع الأطراف المهتمة بالمقاولة بافتتاح مسطرة التصفية القضائية، و يتخذ كل إجراء لإخبار الدائنين واستشارتهم كل ذلك تحت مراقبة وإشراف القاضي المنتدب .
و زيادة في ضمان حق الدائنين ، فقد أقر المشرع التجاري الحق للمحكمة في بحالة التسوية أو التصفية القضائية الشركة ما، فتح مسطرة التصفية القضائية تجاه كل مسؤول يتبين أنه تصرف في أموال الشركة كما لو كانت أمواله الخاصة، أبرم عقودا تجارية لأجل مصلحته الخاصة تحت ستار الشركة قصد إخفاء تصرفاته، أو استعمال اموال الشركة بشكل يضر بمصالحها .
وتأسيسا على ما سبق يمكن القول أن العقود التجارية تخضع لقواعد خاصة تحكمها استقرت عليها قوانين الأعمال وكرسها القضاء التجاري، ولما كانت العقود التجارية وليدة حرية التعاقد في الأصل، فإن هذه الحرية تراجعت وأصبحت مقيدة بفعل تدخل القانون لحماية الطرف الضعيف في التعاقد لضمان الأمن القانوني و التعاقدي ، و لتوجيه الاقتصاد فيما يتفق والمصلحة العامة . ومن ثم فإن تطور العلاقات التجارية باستمرار تأثيرا بالعولمة، كان الدافع من أجل الحفاض على المصالح الاقتصادية ، و مراعاة لخصوصيات التجارة المتسمة بالسرعة و الائتمان ، خلق قواعد أمرة ترفع العقود بين التجار من القواعد العامة الى قواعد خاصة .
- الكتب :
- نورة غزلان الشنيوي، الوسيط في العقود الخاصة العقود المدنية و التجارية والبنكية على ضوء المستجدات التشريعية والاجتهادات القضائية في القانون المدني وقانون الاعمال الجزء الأول، الطبعة الأولى سنة 2017.
- بو عبيد عباسي، العقود التجارية، الطبعة الأولى، مراکش 2013.
- أحمد شكري السباعي، الوسيط في النظرية العامة في القانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية، دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن، الجزء الأول، دون ذكر المطبعة والسنة.
- محمد كرام، العقود التجارية في القانون المغربي ، طبعة 2021.
- محمد المقرني، العقود التجارية ،مطبعة دعاية ، الطبعة الأولى 2017.
- عزالدين بنستي، دراسة في القانون التجاري المغربي دراسة مقارنة على ضوء المستجدات التشريعية الراهنة بالمغرب، الجزء الأول النظرية العامة للتجارة و التجار الطبعة الثانية 2001.
- نبيل القط، النظرية العقود التجارية” بين مرونة التشريعات الحديثة والطبيعة شبه دستورية القواعد المدنية ، مقال منشور بالمجلة المغربية الأنظمة القانونية و السياسية ،العدد 17 مطبعة الأمنية الرباط 2019.
- كوثر شوقي ، النظام القانوني العقود التجارية في التشريع المغربي ، مجلة القانون التجاري ، العدد 4 / 2017.
- عبد الرحمان بلعكيد، وثيقة البيع بين النظر والعمل، الطبعة الثانية 1995.
- إبراهيم سيد احمد، ” العقود والشركات التجارية “، الطبعة الأولى ، مطبعة دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية، سنة 1999.
- محمد حسن الجبر، ” العقود التجارية و عمليات البنوك” ، الطبعة الأولى، مطبعة جامعة الملك سعود، السنة غير مذكورة.
- عبد الرحمن السيد قرمان، ” العقود التجارية وعمليات البنوك “طبقا للأنظمة القانونية بالمملكة العربية السعودية، مكتبة الشقري، طبعة 2008 .
- القوانين
- مدونة التجارة وفق آخر التعديلات المدخلة بالقانون 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، الطبعة الخامسة 2018.
- قانون 17.99 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.238 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) ، الجريدة الرسمية عدد 5054 الصادر بتاريخ 2 رمضان 1423 ( 7 نوفمبر 2002).
- القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1 _14_193 بتاريخ فاتح ربيع الأول 1436 ( 24 ديسمبر2014).
- – قانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.76 صادر في 11 شعبان 1440 ( 17 أبريل 2019 ) ، الجريدة الرسمية عدد 6771 بتاريخ 16 شعبان 1440 ( 22 فبراير 2019 ).
- الاحكام القضائية :
- قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس ، رقم 125 الصادر بتاريخ 12 نوفمبر 1998.
- قرار محكمة الاستئناف التجارية بدارالبيضاء ، الصادر بتاريخ 04 فبراير 1999 رقم 99/108 ملف عدد 69925 .
- المواقع :
- https://eboik.com
- Angés Camuset, contrats commerciaux qu’apporté l’avocat? Publié le 19/12/2008 mis-à-jour le 8/8/2014, www.avocats.picovschi.com
- https://www.avocats-picovschi.com/contrats-commerciaux-qu-apporte-l-avocat_article_468.html
[1] نبيل القط النظرية العقود التجارية” بين مرونة التشريعات الحديثة والطبيعة شبه دستورية القواعد المدنية ، مقال منشور بالمجلة المغربية الأنظمة القانونية و السياسية ،العدد 17 مطبعة الأمنية الرباط 2019، ص 93.
[2] القواعد العامة التي تطبق على كل العقود المدنية والتجارية والمتمثلة في النظرية العامة للالتزام والعقود. والثانية تتعلق بالقواعد القانونية الخاصة والتي أخذت شيئا فشيئا تستقل بذاتها في إطار ما يعرف بالإطار الخاص بالعقود.
[3] “ولتسهيل تكييف العقد التجاري اهتدى القضاء إلى قرينة مفادها أن كل العقود المبرمة من طرف تاجر تعتبر في الأصل عقودا لجارية، وعملا هذه القرينة يتعين على التاجر أن يثبت أن العقد الذي كان طرفا فيه لا علاقة له بنشاطه المهني معتمدا في هذا الإثبات على طبيعة العمل أو سبب العقد ، ، ويمكنه في هذا الصدد أن يستفيد من حماية قانون الاستهلاك “
_Angés Camuset, contrats commerciaux qu’apporté l’avocat? Publié le 19/12/2008 mis-à-jour le 8/8/2014, www.avocats.picovschi.com
https://www.avocats-picovschi.com/contrats-commerciaux-qu-apporte-l-avocat_article_468.html
[4] قانون 17.99 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.238 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) ، الجريدة الرسمية عدد 5054 الصادر بتاريخ 2 رمضان 1423 ( 7 نوفمبر 2002)
[5] القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1 _14_193 بتاريخ فاتح ربيع الأول 1436 ( 24 ديسمبر2014).
[6] قانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.76 صادر في 11 شعبان 1440 ( 17 أبريل 2019 ) ، الجريدة الرسمية عدد 6771 بتاريخ 16 شعبان 1440 ( 22 فبراير 2019 )
[7] نورة غزلان الشنيوي، الوسيط في العقود الخاصة العقود المدنية و التجارية والبنكية على ضوء المستجدات التشريعية والاجتهادات القضائية في القانون المدني وقانون الاعمال الجزء الأول، الطبعة الأولى سنة 2017، ص 297.
[8] بو عبيد عباسي، العقود التجارية، الطبعة الأولى، مراکش 2013 ص 6.
[9] مدونة التجارة وفق آخر التعديلات المدخلة بالقانون 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، الطبعة الخامسة 2018.
[10] https://eboik.comأطلع عليه يوم 09.10.2023 على الساعة 13.40
[11] نفس المرجع أعلاه
[12] بوعبيد عباسي، العقود التجارية، الطبعة الاولى، مراكش، 2013 ، ص9 .
[13] أحمد شكري السباعي، الوسيط في النظرية العامة في القانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية، دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن، الجزء الأول، دون ذكر المطبعة والسنة، ص 215.
[14] نورة غزلان الشنيوي، م.س ، ص 303.
[15] قرار لمحكمة التجارية مراكش، جاء في: نورة غزلان الشنيوي ، م س، ص 303.
[16] قرار غير منشور لمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء ، جاء في: محمد الشواي، العقود التجارية على ضوء قانون 15.95 و قانون 12.103 و قانون 17.99، الطبعة الأولى 2016، ص 6.
[17] قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس، جاء في: محمد الشواي، م.س ، ص 6.
[18] قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس ، رقم 125 الصادر بتاريخ 12 نوفمبر 1998، أورده: محمد الشواي، م.س ، ص 7.
[19] قرار قرار محكمة الاستئناف التجارية بدارالبيضاء ، الصادر بتاريخ 04 فبراير 1999 رقم 99/108 ملف عدد 69925 جاء في: محمد الشواي، م.س ، ص 8.
[20] https://eboik.com/ أطلع عليه يوم 09.10.2023 على الساعة 15.13
[22] عبد الرحمان بلعكيد، وثيقة البيع بين النظر والعمل الطبعة الثانية 1995 ص 19.
[23] عزالدين بنستي، دراسة في القانون التجاري المغربي دراسة مقارنة على ضوء المستجدات التشريعية الراهنة بالمغرب، الجزء الأول النظرية العامة للتجارة و التجار الطبعة الثانية 2001 ص 102.
[24] الفصل 1 من قانون الالتزامات و العقود.
[25] الفصل 19 من قانون الالتزامات و العقود.
[26] عبد الرحمن السيد قرمان، ” العقود التجارية وعمليات البنوك “طبقا للأنظمة القانونية بالمملكة العربية السعودية، مكتبة الشقري، طبعة2008 م، ص 13.
[27] د، محمد حسن الجبر، ” العقود التجارية و عمليات البنوك” ، الطبعة الأولى، مطبعة جامعة الملك سعود، السنة غير مذكورة، ص 5.
[28] د، إبراهيم سيد احمد، ” العقود والشركات التجارية “، الطبعة الأولى ، مطبعة دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية، سنة 1999، ص 9 .
29 نورة غزلان الشنوي ، م.س ص 355.
[30] نورة غزلان الشنوي مرجع سابق، ص 348.
[31] محمد المقرني، العقود التجارية ،مطبعة دعاية الطبعة الأولى 2017 ص 49
[32] راجع الفصول من 879 إلى 942 من قانون الالتزامات و العقود
[33] نورة غزلان الشنوي ، م.س ، ص 459
[34] المادة 512 من مدونة التجارة
[35] المادة 519 من مدونة التجارة
[36] تعرف القيم المنقولة بأنها ” مجموعة من الأوراق المالية التي تم تقييمها بالبورصة أو القابلة لذلك، و الصادرة عن شركات المساهمة” وتتجلى أهم صور القيم المنقولة في الأسهم، سندات القرض، شهادة الاستثمار.
[37] محمد كرام، م.س ، ط 2021، ص13.
[38] نورة غزلان الشنيوي، م.س ، ص 317
[39] بوعبيد عباسي، م.س ، ص 21-22
[40] بوعبيد عباسي، م،س ، ص 24.
المادة الخامسة من قانون رقم 95/53 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية تنص على أنه:
- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية
- الدعاوى التي تنشأ بين التجار و المتعلقة بأعمالهم التجارية
- الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية
- النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية
- النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية
[42] محمد كرم ، م س، 14 -15
[43] صورة البقرة الآية 275
[44] بوعبيد عباسي ، م س ، ص 22
[46] كوثر شوقي ، النظام القانوني العقود التجارية في التشريع المغربي ، مجلة القانون التجاري ، العدد 4 / 2017 ، ص 181
[47] محمد الشواي، م ،س ، ص 35
تعليقات فيسبوك