اعداد : عزيز الحريري
» فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا «
مقدمة :
عرف الانسان تطورا مهما على مستوى معاملاته المدنية التي قد تنتج عنها نزاعات ، فلا يمكن تصور الحياة بدون نزاع و لا نزاع بدون حل ، وعلى هذا الأساس عمل الإنسان منذ الأزل على البحث على أحسن السبل للفصل في هذه النزاعات مع مراعاة قواعد العدالة و الإنصاف ، وإذا كانت النزاعات تحل مبدئيا بواسطة السلطة القضائية ، إلا أن القانون لم يجعل سلوك طريق القضاء إلزاميا على الخصوم للفصل في منازعاتهم بل أجاز لهم قبل رفع الدعوى أو أثناء السير فيها أو حتى الوصول لمحكمة النقض ،اللجوء إلى وسائل بديلة أو ملائمة لحل المنازعات يتمثل أهمها في التحكيم ، وهو إحدى الطرق البديلة، التي يختار أطراف النزاع اللجوء إليها، للفصل في المنازعات التي تثار بينهم كبديل عن القضاء العادي ، المعروف بتعقيد مساطره وطول إجراءاته ، بل إنه ظهر قبل ظهور القضاء لأن هذا الأخير مرتبط بظهور الدولة الحديثة ، واليوم أصبح المحفز الأكبر للاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، وتتويجا للتوجهات التي قادها الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة السنة القضائية 29 يناير 2003 بأكادير والذي جاء فيه “…وتجسيدا لنهجنا الراسخ بالنهوض بالاستثمار وتفعيلا لما ورد في رسالتنا الموجهة لوزيرنا الأول في هذا الشأن ندعو حكومتنا الى مواصلة الجهود لعصرنة القضاء، بعقلنة العمل وتبسيط المساطر، وتعميم المعلومات كما يجب تنويع مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري ، الوطني والدولي ، ليستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي “.[1]
فالتحكيم ، كما هو معلوم ، كمكنة بديلة لحل المنازعات ليس وليد اليوم، ويعتبر ظهير المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 هو تاريخ تنظيمه لأول مرة بالمغرب وخصص له الفصول من 527 الى 543. وفي اطار الإصلاح القضائي جاء قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 والذي قام بإعادة تنظيم قانون التحكيم في الفصول من 306 الى 327 وحيث أنه لم يتطرق للوساطة كبديل لفض المنازعات واقتصر على تنظيم التحكيم الداخلي دون الخارجي، و لسد هذه الثغرات تم تعديل المقتضيات المنظمة للتحكيم في ق.م.م. بسن مقتضيات جديدة تنظم التحكيم الدولي والوساطة الاتفاقية عبر القانون 08.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من ق.م.م. بالفصول من 306 الى 70-327 واستجابة للتوجيهات الملكية الداعية لتطوير الوسائل المساعدة للقضاء ، وتنزيلا لمضامين الميثاق الوطني لإصلاح العدالة ، وضمانا لبيئة استثمارية آمنة، في ظل كل هذه المعطيات تم اعداد قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية 95.17، هذا القانون بعد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 يونيو 2022 دخل حيز التنقيد في اليوم الموالي لنشره.
وقد قام المشرع المغربي بتعريف التحكيم في قانون 95.17 في المادة 1 بأنه :”التحكيم هو عرض نزاع على هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم “.
من خلال هذا التعريف يتبين لنا أن التحكيم هو آلية مركبة تجمع خصائص العقد والقضاء لذلك ذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار التحكيم ليس اتفاقا محضا ولا قضاء محضا، وإنما هو نظام يمر عبر مراحل متعددة يلبس في كل منها لباسا خاصا فهو في أوله اتفاقا وفي وسطه اجراء وفي آخره حكما.
وقد خص المشرع المغربي اتفاق التحكيم بمجموعة من الضوابط الموضوعية والاجرائية التي يتعين على المحتكمين احترامها وعلى المحكمين التأكد من صحتها قبل النظر في موضوع النزاع حتى يكون الحكم صحيحا وملزما لأطراف الخصومة.
أهمية الموضوع:
ان موضوع عرضنا المعنون ب “التحكيم وضوابطه الموضوعية والاجرائية “يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى النظري و يتجلى دالك في المقتضيات القانونية الموضوعية و الإجرائية التي جاء بها القانون 95.17 والدي كان الهدف منها هو التشجيع على التحكيم ، أما على المستوى العملي نجد أهمية تتمثل في زرع الثقة والاطمئنان في نفوس المحتكمين وتشجيعهم على اللجوء الى هذه المكنة التحكيمية كطريق بذيل عن القضاء الرسمي، بحيث يكون الحكم ملزما ومشمولا بالنفاذ المعجل في حالة التزام الأطراف بإعمال هذه الضوابط بشكل صحيح وسليم ، كما يعطي الثقة للمستثمرين الأجانب بأن المغرب يحترم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها وتم نشرها بالجريدة الرسمية.
تحديد نطاق الموضوع:
حيث أن نطاق الموضوع يتعلق بالتحكيم كطريق من الطرق البديلة للفصل في النزاع بين الأطراف فان نطاق البحث يشمل ظهير الالتزامات والعقود و قانون المسطرة المدنية والقانون 08.05 وقانون التحكيم والوساطة الاتفاقية الجديد 95.17.
صعوبات الموضوع:
بما أن قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية حديث الإصدار فان أهم صعوبة واجهتنا هي افتقار المكتبات لإصدارات حديثة تغني موضوعنا.
و إنطلاقا مما سبق نطرح الإشكالية التالية :
إشكالية الموضوع:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال قانون 95.17 تأطير العملية التحكيمية موضوعيا وإجرائيا؟
وتنبثق عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية:
ماهي الشروط الموضوعية للعملية التحكيمية؟
هل بقي قانون التحكيم محافظا على مجالات تطبيقه؟
ماهي الإجراءات المسطرية لعملية التحكيم ؟
ماهي النزاعات التي لا يمكن أن تكون موضوع تحكيم؟
ما هي حدود العملية التحكيمية؟
البعد المنهجي للبحث:
اعتمدنا المنهج الوصفي من خلال الوصف الموضوعي والشكلي لهذا النظام، عن طريق جمع المعلومات التي يوفرها المسح القانوني للنصوص ومقارنتها وتحليلها وتفسيرها
خطة الدراسة:
وللإجابة على الإشكالية التي طرحناها سابقا سنقوم بتقسيم موضوعنا إلى الشكل التالي.
- المبحث الأول: الضوابط الموضوعية لاتفاق التحكيم
- المبحث الثاني: الضوابط الإجرائية لاتفاق التحكيم
المبحث الأول: الضوابط الموضوعية المنظمة لاتفاق التحكيم:
عرف المشرع المغربي التحكيم في القانون 95.17 في المادة الأولى بقوله: “«التحكيم»: عرض نزاع على هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم؛ “.
اذن فالتحكيم هو اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم، كطريقة بديلة عن الفضاء العادي لحل المنازعات المثارة بينهم .
وحتى يكون الاتفاق صحيحا ومنتجا لآثاره، فإن المشرع المغربي خصه بمجموعة من المقتضيات المتعلقة بالشروط الموضوعية للتحكيم ، كما ألزمه بمجموعة من القيود التي حددت نطاقه.
هذا ما سنحاول التطرق له في (المطلب الأول) الأركان الموضوعية للتحكيم ،كما سنعمل على تحديد نطاقه في (المطلب الثاني)
المطلب الأول: الأركان الموضوعية للتحكيم:
من خلال هذا المطلب سنقف على الشروط المتعلقة بصور التحكيم (الفقرة الاولى) أركان اتفاق التحكيم (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الشروط المتعلقة بصور التحكيم:
نصت المادة 2 من القانون 95.17بشكل صريح وواضح بأن اتفاق التحكيم قد يتخذ شكل عقد تحكيم، كما قد يتخذ شكل شرط تحكيم مع إعطاء ضابط للتمييز بينهما وهو كون النزاع قد نشأ أم لم ينشأ بعد[2].
أولا: شرط التحكيم:
عرفت المادة السادسة من القانون 95.17 شرط التحكيم بأنه “هو الاتفاق الذي يلتزم فيه الأطراف بأن يعرضوا كل أو بعض النزاعات التي قد تنشأ عن العقد والمرتبطة به ” إذن فشرط التحكيم يكون مدرجا في العقد قبل نشوء أي نزاع بينهم، ويكون ملزما لهم في حالة حدوث أي خلاف مستقبلا بينهم، بسبب تنفيذ أو تفسير العقد[3] وهذا النوع أصبح أكثر استعمالا في العقود وعلى الخصوص الدولية منها ، وشرط التحكيم يجب أن يرتبط بعقد معين يسمى العقد الأصلي ،ويمكن أن يكون شرط التحكيم بندا في فقرة من بنود العقد ، أو اتفاق لاحق مستقل عن العقد الأصلي ، في شكل إحالة على وثيقة تتضمن شرط التحكيم[4]. وهو ما أكدته المادة السابعة من القانون 95.17 [5].
وفي ظل قانون المسطرة المدنية ، في كل من الفصل 307 و309 اللذين كانا يشددا على أن يكون شرط التحكيم كتابة بخط اليد ، وموافقا عليه من لدن الأطراف تحت طائلة البطلان ، بحيث تجعله أكثر اتصالا بالنظام العام[6] ، وهذا ما قضت به محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها رقم 2519 بالقول “بأن صحة شرط التحكيم مرتبط بوجوب توافره على شروط الفصل 529 من ظهير المسطرة المدنية الى أن يكون مكتوبا بخط اليد وموافقا عليه من لدن الأطراف وإلا كان باطلا ، ويجب بالتالي عرض النزاع على القاضي الطبيعي “[7] الشيء الذي كان يتنافى مع خصائص المجال التجاري ، كمجال خصب لإمكانية اللجوء الى وسيلة التحكيم ، قصد تسوية النزاعات المثارة بخصوص المعاملات التجارية[8] وتجدر الإشارة ، إلى أن المشرع تدارك هذا الأمر وتم نسخ الفصلين السالفين بالقانون 08.05 حيث خفف من شرط الكتابة ونص في الفصل 313 الفقرة الثانية على أنه “يعتبر التحكيم مبرما كتابة اذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف ، أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أوأي وسيلة أخرى من وسائل الاتصال ، والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده ، أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيه أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر”
ولا ينتج عن تقديم دعوى أمام المحكمة المختصة ،ولا عن الدفع ببطلان او إبطال او فسخ او الغاء او انتهاء العقد الأصلي للتحكيم ، أيا كان السبب وقف إجراءات التحكيم ، كما خول المشرع للهيئة التحكيمية أن تفصل في مدى صحة العقد الأصلي أو بطلانه [9] ،واذا ما أخل أحد الأطراف بالتزامه ، ولجأ إلى المحكمة المختصة ، وكان النزاع مطروحا أمام الهيئة التحكيمية استنادا الى اتفاق تحكيم ، فإنه على الطرف الآخر(المدعى عليه) أن يدفع بعدم القبول في الدعوى قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر، وعلى المحكمة أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة التحكيم أوإبطال الاتفاق ، أما اذا كان النزاع لم يعرض على الهيئة التحكيمية بعد ، وجب على المحكمة أن تصرح بعدم القبول ليس من تلقاء نفسها ولكن يتعين على المدعى عليه بأن يدفع بذلك قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر[10]، كما لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى رئيس المحكمة ، بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة ، لطلب اتخاد أي اجراء وقتي أوتحفظي كان ذلك قبل البدء في الإجراءات التحكيم ، أو أثناء سيرها وفقا للأحكام المنصوص عليها في ق.م.م.[11]
وبما أن المشرع لا يشترط أن يتضمن شرط التحكيم كافة المسائل المتنازع عنها، فإنه يكفي الاتفاق على التحكيم في شرط التحكيم من حيث المبدأ.
وتجدر الإشارة، الى أن شرط التحكيم يجب أن يكون واضحا ويتم الموافقة عليه بصراحة، وخاصة ما يتعلق بالعقود الاستهلاكية أوعقود التأمين وفي العقود النموذجية المطبوعة سلفا والتي تتسم بطابع الإذعان.
وفي هذا الاتجاه أكد المشرع المصري في المادة 750/4من القانون المدني المصري على أنه “يقع باطلا ما يرد في وثيقة التأمين …شرط التحكيم إذا ورد في الوثيقة بين شروطها العامة المطبوعة لا في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة “.
في حين أن المشرع المغربي في القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات اعتبر في المادة 35 منه “يعد شرط تحكيم باطلا إذا لم يوافق عليه المؤمن له صراحة عند اكتتاب العقد”. ويرجع ذلك لكون عقود شركات التأمين تشبه عقود الإذعان، وبالتالي اذا تضمنت تلك الوثائق المطبوعة لهذه الشركة، شرط تحكيم فإن الشرط يقع باطلا مع بقاء العقد صحيحا.[12]
ثانيا: عقد التحكيم:
عرفت المادة الرابعة من القانون 95.17 الفقرة الأولى عقد التحكيم بكونه: “الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على الهيئة التحكيمية ” ويستخلص من هذا التعريف أن عقد التحكيم يبرم بعد نشوء النزاع بين الأطراف المتعاقدة، قبل عرضه على المحكمة أو أثناء نظر المحكمة في النزاع، حينها يتوجب عليها أن تحيل أطراف النزاع الى التحكيم، وتصرح بالإشهاد على اتفاق أطراف النزاع على اللجوء الى التحكيم، ويعتبر هذا الحكم بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب.
ولقد حدد المشرع البيانات التي يجب أن يتضمنها عقد التحكيم تحت طائلة البطلان[13] وهي:
- تحديد موضوع النزاع.
- البيانات المتعلقة بتحديد هوية كل طرف وعنوانه وموطنه الى جانب عنوانه الإلكتروني.
- تعيين الهيئة التحكيمية، غير أنه يكون عقد التحكيم لا غيا إذا رفض أحد المحكمين المعينين القيام بالمهمة المسندة إليه أو تعذر عليه ذلك. مالم يتفق الأطراف على تعويضه.
- ويرى أحد الباحثين[14] “أنه وان كان المشرع ارتأى التخفيف على أطراف النزاع فان ذلك قد يكون مدعاة للفوضى وصعوبة تفسير وتنفيذ العقد، ويقترح أن يبقى المشرع على كتابته، ولكن كشرط اتباث لا كشرط انعقاد أسوة بالعديد من التشريعات المقارنة.”
الفقرة الثانية: أركان اتفاق التحكيم:
في هذه الفقرة سنقف على الأركان الموضوعية والاركان الشكلية لاتفاق التحكيم
أولا: الأركان الموضوعية:
هي الأركان الموضوعية اللازمة لصحة العقد وفق منطوق الفصل الثاني من.ق.ل.ع.
- الأهلية للالتزامات
- تعبير صريح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام
- شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام
- سبب مشروع للالتزام
- الرضا:
يتحقق الرضا بتطابق إرادات الأطراف على ابرام اتفاق التحكيم، كان في صورة عقد تحكيم أو شرط تحكيم[15] ، ويترتب على عدم توافر الرضا بطلان اتفاق التحكيم وهو ما يعد سببا لبطلان حكم التحكيم. ويتعين ألا يلحق الرضا أي عيب من عيوب الإرادة كالغلط، أو التدليس، أو الغبن، أو الاكراه، ويمكن أن يكون التعبير عن الإرادة صريحا أو ضمنيا مستخلصا من ظروف الحال أو الاتفاق، وفي كل أحوال يجب أن يكون التعبير عن الإرادة كتابة حتى لا يواجه بالبطلان.
وفي قرار لمحكمة النقض أكد على ضرورة الرضا الصريح بين الطرفين، جاء فيه: “الاتفاق على التحكيم يعد استثناء والاستثناء يؤول بشكل ضيق، أي أنه لا يمكن اللجوء إلى التحكيم إلا إذا كان هناك شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم حرر بشكل معبر على إرادة الطرفين من خلال عقد مكتوب أو خطابات متبادلة كما يقضي بذلك الفصلان 307 و309 من ق. المسطرة المدنية والمادة 02 من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيدها”[16]
- أهلية المحتكمين:
بالرجوع الى المادة 14 من القانون95.17 وجدناها تنص على أنه “يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، أن يبرموا اتفاق تحكيم لتسوية النزاعات الناشئة عن الحقوق التي يملكون حق التصرف فيها.. “وعليه فان المشرع المغربي خول إمكانية اتفاق التحكيم للأشخاص الذاتيين الذين يتمتعون بالأهلية الكاملة وهي بلوغ ثمانية عشر سنة شمسية، حسب مقتضيات مدونة الأسرة، مستثنيا من ذلك القاصر عديم الأهلية كالصغير غير المميز والمجنون، أو ناقصها كالسفيه والصبي المميز الذي يمكنه أن يباشرها بواسطة نائبه القانوني، أما عديم الاهلية فلا يمكن إجازة تصرفاته ولو أجازها نائبه الشرعي بيد أن تدخل هذا الأخير يثير بعض الإشكاليات ؛ بحيث أن هناك تناقضا في المقتضى الذي يخص الأب كولي شرعي على ابنه، في الفصل 231 وما يليه من مدونة الاسرة التي خولت الأب مباشرة كل التصرفات ، ومن بينها التحكيم على أموال أبنائه القاصرين ،تأتي بعده الأم عند وفاته أو غيابه خلافا للوصي والمقدم ،غير أن الفصل 11 من النظرية العامة للالتزامات والعقود ساوت بين الاب وباقي النواب الشرعيين في الاستئذان من القاضي أولا قبل القيام بأي تصرف ، حيث نص على ما يلي “الأب الذي يدير أموال ابنه القاصر أو ناقص الأهلية والوصي والمقدم وبوجه عام كل من يعينه القانون لإدارة أموال غيره ، لا يجوز لهم اجراء أي عمل من أعمال التصرف على الأموال التي يتولون إدارتها ، إلا بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص ، ولا يمنح هذا الاذن الا في حالة الضرورة أوفي حالة النفع البين لناقص الأهلية “.
وحسب ما تقضي به القاعدة الفقهية عند تعارض الخاص مع العام يطبق الخاص، وحيث أن مدونة الأسرة شرعت لتطبق على المغاربة المسلمين ولما كان قانون الالتزامات والعقود وضع بالأساس ليطبق على الفرنسيين والأجانب فان مدونة الأسرة هي الواجبة التطبيق[17] . وعليه فان الموافقة على التحكيم تشمل فقط من يملكون التصرف في الحقوق محل التحكيم، وبالتالي يستثنى حارس الشيء سواء كان قضائيا أو اتفاقيا[18]، استنادا لمقتضيات الفصل 821 من ق.ل.ع. م والذي نص على ما يلي “للحارس حفظ الشيء وادارته ويجب عليه أن يجعله يدر كل الثمار التي في إمكانه أن يدرها ” كما نص الفصل 822 من نفس القانون على ما يلي “وليس له أن يقوم بأي عمل من أعمال التفويت الا ما هو ضروري لمصلحة الأشياء المعهود اليه بحراستها”
فيما يخص أهلية الأشخاص الاعتبارية؛ فان المادة 16 من القانون 95.17 نصت على عدم جواز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة والجماعات الترابية والهيئات المتمتعة بامتيازات السلطة العمومية، فيما عدا التصرفات المالية بما لا يتناقض مع تطبيق القانون الجبائي محل التحكيم.
من خلال مقتضيات ظهير الالتزامات والعقود وكذلك المادتين 15 و16 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، وارتباطا بموضوع عرضنا هذا، فلكي يكون اتفاق التحكيم عقدا صحيحا غير باطل يجب أن يكون محل هذا العقد عمل غير مستحيل، وألا يكون مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو للقانون. وبالعودة إلى المادتين 15 و16 من قانون 95.17 نجد أن المشرع قد وضع استثناءات تقع على محل اتفاق التحكيم تحت طائلة بطلان عقد اتفاق:
- ألا يكون محل التحكيم تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم
- ألا يكون محل التحكيم متعلق بنزاعات الحقوق الشخصية الخارجة عن دائرة التعامل؛
- ألا يكون محل التحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات الترابية أو غيرها من الهيئات المتمتعة بامتيازات السلطة العمومية
- ألا يكون محل التحكيم النزاعات المالية المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي الناتجة عن المؤسسات السابقة الذكر؛
- إلا أنه وبوجه خاص يمكن أن تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة5 من القانون 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية، وهذا ما أكد عليه الفصل 308 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية[19]
- السبب:
السبب هو الباعث على التعاقد، ويجب أن يكون موجودا وحقيقيا ومشروعا، وهواتجاه إرادة الأطراف الحرة في استبعاد طرح النزاع على القضاء الرسمي وتخويل المحكمين النظر فيه.
ثانيا: الأركان الشكلية:
نصت المادة 3 من القانون :95.17 على أنه: ” يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي، أو عرفي، وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المعينة، أو بأي وسيلة أخرى يتفق الأطراف عليها ويعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من لدن الأطراف أو في رسائل متبادلة أو برقيات أو أي وسيلة أخرى من وسائل الاتصال المكتوبة، أو بموجب رسالة إلكترونية معدة وفقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل، أو بتبادل مذكرات الأطراف أو الدفاع التي يدفع فيها أحدهم أمام الهيئة التحكيمية، بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك.
ويعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة، كل إحالة صريحة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا، إذا كانت هذه الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد”.
نلاحظ أن المشرع أولى أهمية كبرى للكتابة في عقد التحكيم، باستعماله عبارة “يجب” أي أن المشرع ألزم وجوبا على الأطراف كتابة العقد تحت طائلة بطلانه. بأي طريقة من الطرق السالفة الذكر.
إذا كانت هذه هي شروط اتفاق التحكيم الموضوعية والشكلية، فما هي حدود نطاقه؟
المطلب الثاني: نطاق التحكيم الموضوعي:
وسع المشرع من مجالات تطبيق التحكيم في قانون 17-95 حيث شمل كلا من القضايا المدنية والتجارية والإدارية في المقابل عمل على استثناء بعض المواضيع من مجال التحكيم سواء في قانون التحكيم أو في بعض القوانين الخاصة.
الفقرة الأولى: الموضوعات التي يجوز التحكيم فيها:
أولا: المنازعات المدنية:
يمكن اللجوء إلى التحكيم في المسائل المدنية المتعلقة بالتعويضات ودعاوى الأكرية والمنازعات العقارية، عقود الأسفار وعقد النقل الجوي للمسافرين.
أما فيما يتعلق بنزاعات الشغل الفردية فإن المشرع المغربي لم يتطرق لها في القانون رقم 95.17وذلك كون هذه النزاعات تتميز بالخصوصية ومنظمة بنصوص خاصة، من قبيل قانون 65.99[20] بالإضافة إلى الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية والذي حدد الاختصاص الحصري للمحكمة الابتدائية في كل ما يتعلق ب:
- النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل أو التدريب المهني والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل أو التدريب المهني.
- التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا للتشريع الجاري به العمل.
- النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي.
كما سبق و قلنا أن المشرع المغربي لم ينص على مثل هذا النوع من النزاعات في القانون 95.17 ,لكن بالعودة إلى موقف محكمة النقض يتضح أنها تتبنى موقف اللجوء إلى التحكيم في نزاعات الشغل الفردية في إحدى قراراتها الصادرة بتاريخ 23 فبراير 2016 في الملف الاجتماعي عدد 496/5/1/2015 الذي جاء فيه: “يعد التحكيم من الحلول البديلة لحل نزاعات الشغل الفردية وذلك لما يحققه في الحصول على الحق بأسرع وقت وبأقرب السبل، والمحكمة لما اعتبرت أن موضوع النزاع سبق البت فيه بمقتضى مسطرة التحكيم وأن عدم تنفيذ المقرر التحكيمي ليس سببا لإعادة طرح النزاع من جديد أمام القضاء ورتبت الأثار القانونية على ذلك يكون قرارها معللا تعليلا كافيا “[21]
ثانيا: المنازعات التجارية:
نصت المادة 17 من قانون التحكيم 95.17 على أنه” يجوز للمقاولات العمومية الخاضعة لقانون الشركات التجارية وللمؤسسات العمومية والمنشآت العامة أن تبرم اتفاقية التحكيم”
وبالتالي يكمن أن نستنتج أن المقاولات العمومية الخاضعة لقانون الشركات التجارية والمؤسسات العمومية يمكنها اللجوء إلى التحكيم من أجل فض النزاعات الخاصة بها، دون التقييد بالشروط المحددة من لدن مجالس إدارتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها.
كما أن المادة 5 من القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية، شجعت على اللجوء إلى التحكيم في آخر فقرتها، حيث نجد أن هذه الأخيرة تختص بالنظر في الدعاوي التالية:
- الدعاوي المتعلقة بالعقود التجارية.
- الدعاوي التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية.
- النزاعات المتعلقة بالأوراق التجارية.
- النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية
يجور للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات المبينة أعلاه على مسطرة التحكيم والوساطة.[22]
ثالتا: المنازعات الإدارية:
نصت المادة 16 من قانون التحكيم في فقرتها الثانية[23] على بعض القضايا الإدارية التي يمكن أن تكون محل التحكيم: «غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي.
يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات الترابية محل اتفاق تحكيم مع التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة المنصوص عليها في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية”
غير أن المشرع المغربي أتى بمستجد مهم في القانون وهو ما أورده في أخر فقرة من المادة 16 على أنه “لا يؤثر عدم التقيد بالمقتضيات الخاصة المشار إليها في الفقرة السابقة بأي شكل من الأشكال على صحة”
الفقرة الثانية: الموضوعات التي لا يجوز أن تكون محلا للتحكيم:
تطرق المشرع في قانون التحكيم لبعض الاستثناءات التي لا يمكن اللجوء فيها إلى التحكيم وهي محددة في المواد 14-15-16 من قانون التحكيم الجديد، بالإضافة إلى أن هناك نزاعات لا يمكن أن تكون محل تحكيم لتعلقها بالنظام العام.
ومن بين المسائل التي لا يمكن أن تكون محل تحكيم ما يلي[24]:
- النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة (المادة15) ويستفاد من هذا الفصل أن الأحوال الشخصية للأفراد كالزواج والطلاق والجنسية وما إلى ذلك لا يجوز التحكيم فيها، كما أن أهليتهم في التمتع بالحقوق والوفاء بالالتزامات لا يجوز الاتفاق على التحكيم بشأنها كما أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم بشأن الحقوق الشخصية للأفراد كالحقوق الطبيعية وغيرها من الحقوق لأن هذه المسائل تعتبر من النظام العام لا يجوز الاتفاق على التحكيم فيها.
- النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية حسب المادة 16. يستفاد من هذه المقتضيات أن النزاعات التي قد تثار بشأن تطبيق قرار فردي أو تنظيمي صادر عن الدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات العمومية لا يجوز الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم بشأنها لأن الاختصاص ينعقد فيها الولاية القضاء الإداري.
ومن بين القرارات التي لا يجوز الاتفاق على التحكيم بشأنها القرارات التحضيرية أو القرارات التي تستهدف منها الإدارة التمهيد لإبرام الصفقة مثل قرار الترخيص بالعقد أو تعيين طريقة إبرامه أو إبعاد بعض المرشحين من المشاركة في المنافسة.
- النزاعات المالية الناتجة عن تطبيق قانون جبائي حسب الفقرة الثانية من المادة 16
فهذه النزاعات لا يجوز الاتفاق على التحكيم بشأنها، لأن الدولة أو الجماعات المحلية تعتمد في تسييرها على الموارد الجبائية ومن تم فهي تعتبر من النظام العام لا يجوز أن تكون محلا لإبرام اتفاق التحكيم
- نزاعات الشغل الجماعية حيث نظم المشرع المغربي مسطرة خاصة لها، وإن كانت محلا لإبرام اتفاق التحكيم. تتشابه معها في الاسم مسطرة التحكيم لكن تخضع لمدونة الشغل، كون هذه النزاعات تتعلق بالسلم الاجتماعي.
- ما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه التحكيم كالجنح والجنايات أو إبرام زواج أو طلاق.
ووجب الإشارة إلى أن القانون رقم 95.17 ظل محافظا على الإجراءات الخاصة بالتحكيم في بعض الأنواع الخاصة من النزاعات الخاضعة لنظامها الخاص وهذا ما يتضح لنا من خلال المادة 101 من القانون”لا تتنافى مقتضيات هذا القانون مع النصوص التي تنظم إجراءات خاصة تتعلق بتسوية بعض النزاعات “ومن بين هذه النزاعات نجد:
التحكيم في مهنة المحاماة بحيث نصت المادة 29 من القانون [25]28.07 على أنه “إذا حدث نزاع مهني بين المحامين الشركاء أو المتساكنين، أو المساعدين، ولم يتوصل النقيب إلى التوفيق بينهم، يعرض النزاع، وجوبا، على تحكيم يقوم به محامون يختار كل طرف أحدهم لهذه الغاية، وينضم إليهم محكم معين من طرف النقيب. ولا يكون القرار المتخذ قابلا لأي طعن.
تطبق هذه المقتضيات في حالة وفاة أحد المحامين المساهمين المتشاركين، أو المساكنين، أو المساعدين، أو عدم بقائه منتميا للهيئة.”
أما بخصوص النطاق الزمني لقانون 95:17 فإنه دخل حيز التنفيذ في اليوم الموالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية، أي في يوم 14 يونيو 2022 وثم نسخ في نفس اليوم جميع الأحكام المخالفة له ولا سيما أحكام القانون 08.05[26]
أما بخصوص اتفاقات التحكيم أو الوساطة المبرمة قبل دخول قانون 95.17 حيز التنفيذ والدعاوي التحكيمية الجارية أمام الهيئة التحكيمية أو النزاعات المعروضة على الوساطة أو الدعاوي المتعلقة بهما المعروضة أمام المحاكم قبل دخول قانون 95.17 حيز التنفيذ فتبقى مطبقة عليهم مقتضيات القانون 08.05[27]
المبحث الثاني: الضوابط الإجرائية للتحكيم
بعدما رأينا في المبحث الأول كل ما هو موضوعي بشأن التحكيم ففي هدا المبحث سنخصصه للحديث عن كل ما هو إجرائي، فقبل صدور الحكم لابد من مروره عبر عدة مراحل و هده المراحل هي ما يطلق عليها بالإجراءات أو المسطرة لد لك سنتطرق إلى كيفية سير هده الإجراءات أمام الهيئة التحكيمية و هو ما سنراه في (الفقرة الأولى)، و لكي لا تطول هده الإجراءات عمد المشرع المغربي إلى ربطها بحيز زماني قانوني أو إتفاقي ، كما أحاطها بمجموعة من الضوابط وهذا ما سنراه في (المطلب الثاني).
المطلب الأول: سير الإجراءات أمام الهيئة التحكيمية
فبالرجوع إلى القانون 95.17 نجده قد نص على إجراءات التحكيم التي يمر منها أطراف التحكيم وصولا إلى صدور حكم في الموضوع وبالتالي سنرى أهم عناصر مسطرة التحكيم (الفقرة الأولى) و كيفية سير إجراءات التحكيم (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: أهم عناصر مسطرة التحكيم
فبالنسبة لعناصر التي تقوم عليها مسطرة التحكيم هي متعددة إلا أننا سنركز على البعض منها كمكان التحكيم ولغته وحضور الأطراف.
- مكان التحكيم:
هو المكان الدي سيجري فيه التحكيم والذي يتعين صدور الحكم النهائي فيه، فتحديد مقر إجراء التحكيم يختلف عن تحديد المحكمة المختصة في الدعوى بالنسبة لطريقة العادية، بحيث أنه بالنسبة لهذه الأخيرة يتم تحديده وفقا للقواعد العامة والسبب وراء هدا هو أنه من ينظر في القضية المعروضة على التحكيم هو هيئة تحكيمية واحدة وبالتالي تحديد مقر إجراء التحكيم لا يتير أي إشكالية، وهذا ما نلمسه في المادة 33 من القانون95.17 و لتي نصت على أن تحديد مقر التحكيم يرجع إلى اتفاق الأطراف سواء داخل المملكة المغربية أو خارجها ، فإذا لم يوجد اتفاق حددت الهيئة التحكيمية مكان التحكيم مع مراعاة ظروف ومحل إقامة المطلوب التحكيم ، ولعل الفائدة من تحديد مقر التحكيم هو أنه يعتبر مقر اجتماع الهيئة التحكيمية وصدور قرار التحكيم إلى آخره وبالتالي يمكن القول على أن مكان التحكيم مسألة اختيارية متروكة للأطراف إلا في القليل من الحالات.
- اللغة:
يجري التحكيم باللغة العربية، فلغة التحكيم تسري على كل البيانات والمراسلات المكتوبة وكذلك نفس الأمر بالنسبة للمرافعات الشفهية وتسري على كل ما قد يصدر عن الهيئة التحكيمية ، لكن بالرجوع إلى المادة 34 من القانون 95.17 نجده قد أشار إلى عبارة يجري التحكيم باللغة العربية وعبارة أخرى وهي ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك وفي هذا تعزيز لمبدأ الاستقلالية بحيث يمكن للأطراف اختيار لغة تحكيم و وهذا ما لا نجده أمام المحاكم الرسمية التي ومن الضروري أن تتم الإجراءات باللغة العربية فقط ، وفي حالة قام الأطراف بعرض وثائق بلغة أجنبية على هيئة تحكيم يمكن لهذه الأخيرة أن تطلب تلقائيا أو بناء على طلب ترجمتها إلى لغة التحكيم من قبل ترجمان مقبول لدى المحاكم ، ويجب الإشارة على أنه بغض النظر عن لغة التحكيم يمكن للهيئة التحكيمية أن تقرر إصدار الأحكام التحكيمية والقرارات باللغة العربية[28].
- حضور الأطراف:
فبعد تقديم طالب التحكيم للمقال التحكيمي والدي يحتوي على مجموعة من البيانات كالإسم والعنوان والوقائع وموضوع النزاع , وكذلك تقديم المطلوب للتحكيم المذكرة الجوابية والذي من خلالها يقدم دفوعاته وطلباته العارضة أو المضادة كما هو منصوص عليه في المواد 35، 36 من قانون 17.95، تقوم الهيئة التحكيمية بعقد الجلسات وذلك لكي يقوم كل طرف بشرح موقفه لكن قبل ذلك يتم إخطارهم لحضور الجلسة قبل انعقادها ب 5 أيام ، وفي حالة تخلف أحد الأطراف عن الحضور دون عذر مقبول تعين على الهيئة التحكيمية الاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم في النزاع استنادا على الأدلة المتوفرة لديها حسب الفقرة التالثة من م 40 من قانون 95.17 ، لكن هذا لا يمنع من إمكانية تعيين الأطراف من يمثلهم وينوب عنهم [29].
الفقرة الثانية: كيفية سير إجراءات التحكيم
عند الاطلاع على حيثيات قانون المسطرة المدنية وذلك لمعرفة الإجراءات المتبعة في التحكيم فكما هو معروف أن الفصل 327 هو من كان ينظم ذلك قبل تعديل القانون 05.08 بحيث أنه بعد تعديله وصدور القانون 95.17 تم نزع هذا الفصل ومقتضياته من قانون المسطرة المدنية وذلك استجابة تشريعية لعدة نقاشات فقهية للمطالبة بجمعه في قانون موحد شامل وجامع، وهو ما يعرف الآن بالقانون 95.17 ، وبعد دراستنا لهذا القانون استخلصنا كيفية سير إجراءات التحكيم حيث تم تنظيمها في الفرع التالث تحت عنوان الإجراءات والطلبات العارضة، فهذه الإجراءات تبدأ من اليوم الذي يكتمل فيه تشكيل الهيئة التحكيمية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، فبعد تحديد الهيئة التحكيمية تقوم باختيار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة، مع مراعاة القانون 17.95[30] ، كما يجوز لهيئة التحكيم أن تطبق القواعد المتبعة لدى المحاكم من تلقاء نفسها، أو يمكنها اختيار إجراءات مسطرية مغايرة، ويمكن للمحكمة كذلك تعديل الإجراءات التي سبق لها تحديدها، تم يأتي دور أطراف التحكيم بحيث يتوجب على طالب التحكيم أن يتقدم بمقال مكتوب أو بطريقة إلكترونية يتضمن مجموعة من البيانات كالاسم والعنوان واسم المطلوب في التحكيم والوقائع والقضية وتحديد موضوع النزاع ، وفي الجهة المقابلة على المطلوب في التحكيم أن يجيب بواسطة مذكرة جوابية يقدم فيها دفوعاته أو طلباته المضادة، ويمكن للطرفين معا تعديل طلباتهم أو دفوعاتهم خلال مسطرة التحكيم ما لم تقرر الهيئة التحكيمية عدم قبول ذلك حسب المدة 38 ، بعدها يتم تبليغ طرفي التحكيم مواعيد الجلسات قبل 5 أيام على الأقل من يوم الجلسة ثم يتم انعقاد الجلسة بحضور أطراف التحكيم وتقوم الهيئة التحكيمية في البت في كافة المسائل والدفوع التي يتوقف عليها الفصل في الطلبات المعروضة عليها[31]،وإذا كانت لأحد الأطراف وسيلة إثبات جاز للهيئة التحكيمية تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف أن تطلب منه الإدلاء بها كما هو مبين في المادة 37 ،و كذلك الهيئة التحكيمية لها الحق في القيام بجميع إجراءات التحقيق في قانون المسطرة المدنية ( الخبرة ، الاستماع لشهود ..)، وبعد انتهاء الهيئة التحكيمية من إجراءات الدعوة تصبح القضية جاهزة ويتم تحديد تاريخ حجزها للمداولة، وبعد هذا لا يمكن للأطراف تقديم أي طلب جديد أو إتارة أي دفع جديد ما لم يكن ذلك بطلب من الهيئة التحكيمية[32], بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع فيجب تطبيق القانون الذي عبرت عنه إرادة الأطراف صراحة في اتفاق التحكيم وذلك تجسيدا لمبدأ سلطان الإرادة.
و حتى لا تطول هده الإجراءات و تضيع معالم النزاع الأصلي، عمد المشرع المغربي بضبطها بعامل الوقت كما أحاطها بمجموعة من الضوابط ، للحيلولة دون الإضرار بمصالح أطراف النزاع التحكيمي ، و هذا ما سيتم التطرق إليه في المطلب الثاني .
المطلب الثاني : آجال مسطرة التحكيم أمام الهيئة التحكيمية و عوارضها
للحديث عن الآجال المسطرة المتبعة أمام الهيئة التحكمية يقتضي منا بالضرورة التطرق لحدود هذا الآجال و إمكانية تمديده فضلا عن الجزاء المترتب عن تجاوزه (الفقرة الأولى)، دون إغفال الإشارة إلى أهم عوارض هذه المسطرة (الفقرة الثانية) التي تحول دون صدور المبتغى منها و هو حصول أطراف النزاع على الحكم التحكيمي .
[33] الفقرة الأولى: آجال مسطرة التحكيم أمام الهيئة التحكيمية
على الرغم من كون الأطراف يتمتعون بحق تحديد الآجال أو ميعاد التحكيم ، إلا أن إنتهاء هذا الآجال المحدد لا يمنعهم حسب القانون 95.17 من طلب تمديده.
أولا : تحديد ميعاد و أجل المسطرة أمام الهيئة التحكيمية
يعتمد التحكيم كطريقة خاصة لحل النزاعات على مبدأ أساسي هو اتفاق الأطراف عليه[34] مسبقا ، ثم على القواعد و الإجراءات التي تنظمه من حيث المبدأ ، و في هذا الإطار فإن الميعاد أو الأجل الذي ينبغي ان تمارس خلاله الدعوى التحكيمية و يصدر فيه القرار المنهي للنزاع يرجع تحديده بالأساس للأطراف ، فهم أصحاب القرار و الأدرى بالأجل المناسب و المعقول الذي يرتضونه لحل النزاع . لكن قد يقع التماطل في التسريع بإجراءات التحكيم للوصول للغاية منها و هو حسم النزاع في أسرع وقت ممكن ، لذلك تدخل المشرع و حدد آجال قانونية لا يمكن للهيئة التحكيمية تجاوزه إلا في حالات استثنائية و خاصة .
فالأصل أن يتفق الأطراف على ميعاد التحكيم، إذ هم الأقدر على معرفة ظروف و ملابسات النزاع و الوقت اللازم للحسم فيه . و في هذه الحالة يكون على المحكم أو الهيئة التحكيمية أن تصدر قرارها في الوقت المتفق عليه، وإذا لم يحدد اتفاق التحكيم للهيئة التحكمية أجلا لإصدار الحكم التحكيمي فإن مهمة المحكمين تنتهي بعد مضي 06 أشهر على اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته، و ذلك إنسجاما مع منطوق المادة 48 من قانون 95.17 يقابله الفصل 327.20 من القانون 08.05.
و اذا كان التحكيم مؤسسيا فإن أجل التحكيم هو الذي تحدده لوائح هذه المؤسسة أو المركز، إذ الأصل أن الأطراف لما اختاروا التحكيم المؤسسي بإرادتهم فانهم أرادوا أن تطبق القواعد المتبعة فيه.
و جدير بالذكر أن المشرع المغربي في المادة المذكورة سلفا لم يعطي الحق للهيئة التحكيمية لتحديد آجال التحكيم؛ فالمحكمون ملزمون في حالة عدم وجود آجال اتفاقي أن يبثوا داخل أجل 06 أشهر من يوم قبول آخر محكم مهمته كأقصى مدة قانونية يمكن أن تستغرقها الدعوى التحكيمية .
وقد حدد المشرع المغربي بدقة تاريخ بدء آجال التحكيم في اليوم الذي يرد فيه القبول النهائي لآخر محكم لمهمته وغالبا ما يكون ذلك بعد الجلسة الأولى التي يتم فيها إتفاق الأطراف و الهيئة التحكيمية على إجراءات الدعوى و طريقة البحث و التحقيق و القواعد المطبقة على النزاع.
إن تحديد ميعاد التحكيم يمكن أن يرد في إتفاق التحكيم ذاته أو في إتفاق لاحق بشكل صريح او ضمني، ولو كان ذلك في تاريخ لاحق لتاريخ إتفاق التحكيم عن طريق الرسائل و تبادل الملاحظات، و يملك الأطراف الحرية في تحديد مدة أقصر أو أطول من المدة القانونية؛ ذلك ان القيد الوحيد هو أن تكون المدة محدودة.
و تجدر الإشارة الى أن المشرع المغربي حسنا فعل بتحديد تاريخ انتهاء قبول الطلبات العارضة، و دلك حماية لحقوق الدفاع و مصالح الأطراف، و حتى لا تطول إجراءات الدعوى التحكيمية ، حيث حتم على أطراف التحكيم أخد ضابط و عامل الوقت بعين الاعتبار ، إذ يتعين عليهم تقديم طلباتهم خلال إجراءات التحكيم أي قبل قفل باب المرافعات و إعتبار القضية جاهزة للحكم ، و ذلك حسب منطوق المادة 45 من قانون 95.17 .[35]
ثانيا :تمديد آجال الدعوة التحكيمية
أعطى المشرع أجل تمديد الدعوى التحكيمية [36]؛ إما باتفاق الأطراف أو عن طريق القضاء و ذلك بناءا على طلب أحد الأطراف أو الهيئة التحكيمية.
فالأصل في تمديد أجل التحكيم هو إتفاق الأطراف على ذلك مرة واحدة لنفس مدة الإتفاق الأصلية او المدة القانونية للتحكيم المحددة في 06 اشهر تبعا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 48 من قانون 95.17 . و التمديد إذا كان قضائيا فهو صريح بأمر من رئيس المحكمة ،أما اذا كان إتفاقيا وجب أن يكون صريحا بتحرير محضر من طرف الهيئة التحكيمية باتفاق الأطراف أو التنصيص عليه في مذكراتهم بشكل واضح لا لبس فيه ، و هو في كلتا الحالتين تمديد صريح ، و قد يكون ضمنيا يستدل عليه من إعلان ضمني عن الرغبة في التمديد ومن الإجراءات المتعلقة بالدعوى كالحضور و الترافع أمام الهيئة من الطرفين معا مع علمهما بإنقضاء الأجل الأصلي ، و لإثبات ذلك وجب على الهيئة ان تضمن ذلك في محاضر الجلسات حتى يكون حجة على الطرفين ، وفي حالة التمديد الضمني هذه فالمدة التي يمدد إليها الأجل هي نفس مدة الأجل الأصلي .
أما فيما يخص وقت تقرير التمديد فإنه ما دام التحكيم في مجمل مراحله يحتكم أساسا لإرادة الأطراف فانه في هذه الحالة متى إتجهت إرادة الأطراف لتقرير التمديد سواء قبل إنتهاء المدة الأصلية أو بعدها فإن التمديد يقع صحيحا. ومهما يكن الأمر فإن التمديد يمكن أن يكون بطلب من الوكيل بناء على وكالة خاصة، في حين أنه لا يمكن للهيئة التحكيمية أن تقرره تلقائيا دون اتفاق الأطراف أو بأمر من القضاء بناءا على طلبها.
الفقرة الثانية: عوارض مسطرة التحكيم أمام الهيئة التحكيمية
الدعوى التحكيمية كالدعوى القضائية قد تعترضها مجموعة من العوارض تؤثر في سيرها العادي، فمتى قام سبب الإنقطاع أو الوقف فإن الدعوى تتأثر بها إلى حد إنهائها ولو قبل صدور الحكم الباث في أصل النزاع.
أولا: وقف مسطرة التحكيم و انقطاعها
يعتبر إتفاق الأطراف تلك القاعدة التي يتأسس عليها التحكيم بينهم منذ البداية إلى حين صدور الحكم الفاصل في النزاع، و تبعا لذلك فإنه يجوز لهم الإتفاق على وقف إجراءات الدعوى التحكيمية لمدة معينة، و في هذه الحالة فان الهيئة تلتزم بتنفيذ إرادة الأطراف فتوقف الدعوى ليتم إستئنافها بعد مضي مدة التوقيف؛ فالأطراف هم من يقدرون ويقررون متي يوقفون الدعوى و متى يرفعون هذا الوقف لأسباب يرونها وجيهة و مراعية لمصالحهم الخاصة.
كما يمكن ان يكون وقف إجراءات الدعوى بقرار من الهيئة التحكيمية كما جاء في مقتضيات المادة 44 من قانون 95.17 [37] في الحالات الاتية:
- وجود مسألة تخرج عن نطاق إختصاص هيئة التحكيم.
- الطعن بالزور في ورقة أو سند قدم للهيئة التحكيمية.
- إتخاد أي إجراءات جنائية بشأن أي واقعة تخضع للتحكيم في ذات النزاع، و ذلك إعمالا بقاعدة الجنائي يعقل المدني .
ويتوقف إعمال الوقف في الحالات السابقة على أن يكون الفصل في النزاع ممكنا دون أن يتم عرقلته أو توقفه.
وجاءت مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 26 من قانون 95.17 لتتمم حالات توقف الدعوى التحكيمية فيما إذا قدم طلب تجريح أو عزل أحد المحكمين إلى أن يتم البث في هذا الطلب في حالة لم يتنح أو لم يستغني المحكم المعني بأمر التجريح أو العزل عن مهمته.
إلى جانب عارض التوقف فإن الدعوى التحكيمية قد يعترضها الإنقطاع فيؤثر على سيرها العادي ، و أسباب إنقطاع الدعوى عموما جاءت بنصوص عامة في قانون المسطرة المدنية الفصول (114 إلى 118 ) ؛ إذ نستشف من أحكامها أنه ما لم يتم قفل باب المناقشة و المرافعة ، و إذا لم تصبح الدعوى جاهزة ، فإنه إذا توفي أحد الأطراف أو فقد أهليته أو زالت عنه صفة الإدعاء ، فإن إجراءات الدعوى تنقطع إلى حين إشعار من لهم الصفة و الأهلية في مواصلة الدعوى ، في هذه الحالة تتوقف جميع الآجال و المواعيد الجاري بها العمل بشأن مسطرة الدعوى التحكيمية ، سواءا كانت إتفاقية أو قانونية دون إغفال أن جميع الإجراءات التي تتخذها الهيئة التحكيمية خلال مدة الإنقطاع تكون باطلة ، و يتم إستئناف الدعوى إبتداءا
من آخر إجراء صحيح قبل إنقطاعها ، و تبقى الإجراءات السابقة عن الإنقطاع صحيحة و مرتبة لآثارها.
ثانيا : إنتهاء مسطرة التحكيم
الأصل أن تنتهي خصومة التحكيم بصدور الحكم المنهي للنزاع، لكنها قد تنتهي قبل صدور هذا الحكم ، فهناك حالات عدة يمكن فيها لهيئة التحكيم إصدار قرار بإنهاء الإجراءات دون الفصل في النزاع و يمكن إجمالها كما يلي :
- الحالة التي لا يلتزم فيها المدعي دون عذر مقبول بت مذكرة الدعوى داخل الأجل المتفق عليه، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك (المادة 40 من قانون 95.17) يقابلها الفصل (327.14) من قانون 08.05 .
- الحالة التي يتفق فيها الأطراف على حل النزاع وديا ، حيث يقدمون طلبا بذلك إلى الهيئة التحكيمية التي تقضي بإنهاء المسطرة بواسطة حكم تحكيمي له نفس الأثر المترتب عن الحكم الصادر في الجوهر ؛ المادة 47 من قانون 95.17 يقابلها الفصل (327.19) من قانون 08.05 و هذا تفسير منطقي لإرتكاز التحكيم على إتفاق الأطراف ، لأن الهدف هو حل النزاع بسرعة و بدون تعقيدات لما فيه مصلحة الأطراف ؛ ويرى بعض الفقه [38] أنه في حالة تعدد أطراف الدعوى و إستهداف الإتفاق إلى إنهاء الإجراءات تتم التسوية بين إثنين منهم دون الباقي ، ففي هذه الحالة تنتهي
ختاما ، لقد حاولنا من خلال دراسة هذا العرض ، الإحاطة بالضوابط الموضوعية و الإجرائية للتحكيم التي تم التنصيص عليها في القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية ، و استخلصنا من هذا الأخير عدة مستجدات تم التطرق إليها سواء على مستوى الجوهر أو على مستوى الشكل ، فبالنسبة للموضوع نجد أن المشرع أضفى طابع الاستقلالية و الخصوصية على آلية التحكيم مثل عدم إخضاع المحكم الى رقابة أي جهة قضائية ، و كذا إضافة بعض البيانات المتعلقة بتحديد هوية كل طرف من أطراف عقد التحكيم ، اما بالنسبة للشكل نجد ان المشرع قد قام بفصل المقتضيات الخاصة بالتحكيم عن قانون المسطرة المدنية ، كذلك نجد التضخم في المواد بحيث أنه في القانون القديم اعتمد 91 فصل عكس الآن حيث أصبح عدد المواد 105 . ويمكن القول على أن هذا راجع إلى الأهمية التي أعطاها المشرع إلى عنصر التحكيم كآلية لفض النزاعات عملا بالتوجيهات الملكية المضمنة في رسالة جلالة الملك محمد السادس الى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة[39] الذي افتتحت أشغاله يوم الإثنين الموافق ل 21 أكتوبر 2019 تحت شعار” العدالة والاستثمار، التحديات والرهانات ” حيث جاء في نص الرسالة السامية كعلاقة بموضوعنا:
” و في هذا الصدد سبق أن أكدنا في خطابنا بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب لسنة 2009 على ” ضرورة تطوير الطرق القضائية البديلة ، كالوساطة و التحكيم و الصلح ” و هي التوجيهات التي ضمناها رسالتنا لمؤتمركم هذا في دورته الأولى ، حيث دعونا فيها إلى مأسسة الوسائل البديلة لحل المنازعات.
واستجابة للرغبة الملحة للمستثمرين، في تبسيط و تسريع المساطر الإدارية و القضائية، فقد تم إعداد مشروع مدونة خاصة بالتحكيم و الوساطة الإتفاقية، في أفق عرضه على مسطرة المصادقة. “
وفي ظل هذه الجهود الرامية إلى تطوير الوسائل البديلة لحل المنازعات يبقى التساؤل قائما: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تكريس الفعالية والحكامة من خلال الإجراءات التي جاء بها القانون 95.17 لمواكبة الرقمنة والنهوض بمناخ الأعمال .
[1] عبد الكريم العلوي الصوصي، رقابة القضاء على التحكيم: دراسة في القانون المغربي والمقارن ، الطبعة الأولى ، الرباط ، دار القلم 2012، ص:9_10
[2] “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن عالقة قانونية، تعاقدية أو غير تعاقدية
. يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم”
[3] الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، عبد الكريم الطالب، مكتبة المعرفة، طبعة منقحة ومحينه وفق آخر التعديلات ومقتضيات مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، الثامنة يوليوز 2016، ص.304
[4] عبد الالاه المحبوب، التحكيم الداخلي والدولي على ضوء قانون التحكيم المغربي الجديد، الطبعة: الأولى:2023 ،ط: المطبعة الأورو -متوسطية للمغرب- فاس ،ص:31
[5] “يجب، تحت طائلة البطلان، أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الاتفاق الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه بشكل لا لبس فيه.”
[6] القضاء والتحكيم الدور الرقابي للقضاء في القانون المغربي، محمد البنيحياتي محمد تقديم واشراف أسامة أبو المجد رئيس اكاديمية التحكيم الدولي للمستشارين العرب القاهرة جمهورية مصر العربية مطبعة الأمنية – الرباط، الطبعة: الأولى 2020الصفحة 37
[7] القرار عدد 2519 الصادر بتاريخ :20 يوليوز 1943 عن محكمة الاستئناف بالرباط والمنشور بقرارات محكمة الاستئناف بالرباط الاجتهادات القضائية 1928-1930-1942- تعريب محمد العربي المجبود صفحة 475
[8] حاتم العناية، التحكيم بالمغرب: مفهومه أنواعه وشروطه، الإيداع القانوني: M001722018. الصفحة 22 لا توجد معلومات إضافية.
[9] المادة 9 من القانون 95.17″لا يترتب عن تقديم دعوى أمام المحكمة المختصة، ولا عن الدفع ببطلان، أو إبطال، أو فسخ أو إنهاء أو إلغاء أو انتهاء أثار العقد الأصلي للتحكيم ألي سبب من الأسباب، وقف إجراءات التحكيم، وللهيئة التحكيمية أن تفصل في مدى صحة العقد الأصلي أو بطلانه.
[10] المادة 18 من القانون95.17 الفقرة الثالثة “يتعين على المدعى عليه في كلتي الحالتين أن يدفع بذلك قبل كل دفاع في الجوهر، وال يجوز للمحكمة المختصة أن تصرح تلقائيا بعدم القبول.”
[11] المادة 19 من القانون95.17″ال يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة، سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها، لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي وفقا للأحكام المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، ويجوز التراجع عن هذه الإجراءات وفقا لنفس الأحكام.”
[12] عبد الإلاه المحبوب .م.س.ص:32
[13] المادة 5 من قانون 95.17″ يجب أن يتضمن عقد التحكيم، تحت طائلة البطلان، تحديد موضوع النزاع. كما يتضمن عقد التحكيم جميع البيانات المتعلقة بتحديد هوية كل طرف وعنوانه وموطنه إلى جانب عنوانه الإلكتروني. يكون عقد التحكيم الغيا إذا تضمن تعيين الهيئة التحكيمية ورفض أحد المحكمين المعينين القيام بالمهمة المسندة إليه أو تعذر عليه ذلك، ما لم يتفق الأطراف على تعويضه. يسري نفس الحكم على المحكم المنفرد.”
[14] عبد الكريم الطالب. م.س. الصفحة 107
[15] عبد الالاه المحبوب التحكيم الداخلي والدولي على ضوء قانون التحكيم المغربي الجديد، الطبعة الأولى: 2023، الناشر: دار الآفاق المغربية المطبعة الأورو-متوسطية للمغرب- فاس، ص:38
[16] قرار عدد 291 الصادر بتاريخ 07_03_2007، ملف تجاري عدد19_03_2004، أورده أحمدناه بوكنين في أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص بعنوان “دور العمل القضائي في تحقيق فعالية التحكيم التجاري، دراسة مقارنة” بجامعة محمد الأول ، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية _وجدة ،السنة الجامعية :2015_2016، الصفحة:18
[17] عبد الكريم طالب. م.س .ص.299
[18] التحكيم بالمغرب مفهومه أنواعه وشروطه، حاتم العناية الإيداع القانوني 2018M00172التصميم الداخلي والغلاف توفيق القزماني، ص 22
[19] الفصل 308 من قانون المسطرة المدنية “…يمكن بوجه خاص أن تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة 5 من القانون 53.95 القاضي باحداث محاكم تجارية “
[20]ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424(11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل-الجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1429 (8 ديسمبر 2003) ص3969
[21]عبد الإلاه محبوب م س ص20
[22] عبد الإلاه محبوب،م س،ص 21
[23] الفقرة الأولى من المادة 16
لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات
الترابية أو غيرها من الهيئات المتمتعة بامتيازات السلطة العمومية.
[24] عبد الإلاه محبوب م س ص 22
[25] ظهير الشريف رقم 1.08.101 صادر في 20 شوال 201429 أكتوبر (2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة الجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 6 نوفمبر 2008 ص 4044
[26] المادة 105 من قانون 95.17
[27] المادة 103 من قانون 95.17
[28] المادة 34 من القانون 95.17” للهيئة التحكيمية بغض النطر عن لغة التحكيم وفي جميع الاحوال أن تقرر اصدار الأحكام التحكيمية والقرارات بلغة العربية “
[29] . المادة 41 من القانون 95.17” يمكن للأطراف تعيين من يمثلهم أو ينوب عنهم”.
[30] . المادة 33 من القانون 95.17 “تحدد الهيئة التحكيمية اجراءات مسطرة التحكيم التي تراها مناسبة, مع مراعاة أحكام هذا القانون”.
[31] . المادة 44 من القانون 95.17” تختص الهيئة التحكيمية بالبث في كافة مسائل والدفوع التي يتوقف عليها الفصل في الطلبات المعروضة عليها”.
[32] . المادة 49 من القانون 95.17” تحدد الهيئة التحكيمية بعد انتهائها من اجراءات الدعوى في القضية، واعتبارها جاهزة, تاريخ حجزها للمداولة”.
[33] خليل مرزوق، مقال بعنوان مسطرة صدور الحكم التحكيمي شروطها و إجراءاتها ، آجالها و عوارضها ، المنصة القانونية www.marocdroit.com إطلع عليه بتاريخ 26.10.2023 على الساعة 22:30
[34] عبد الكريم الطالب ، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ، مكتبة المعرفة ، مراكش ، الطبعة الحادية عشرة، 2022 ، ص 306 .
[35] المقتضيات المتعلقة بآجال تقديم الطلبات حسب منطوق المادة 45 من قانون 95,17 “….. لا يجوز للأطراف بعد حجز القضية للمداولة ، تقديم أي طلب جديد أو إثارة أي دفع جديد أو إبداء أي ملاحظة جديدة ، و لا الإدلاء بأي وثيقة جديدة ، ما لم يكن دلك بطلب من الهيئة التحكيمية . “
[36] المادة 48 من قانون 95.17 يقابلها الفصل 327.20 من قانون 08.05 .
و نظرا لأهمية هدا الفصل نورد مقتضياته كاملة :
” إذا لم يحدد إتفاق التحكيم للهيئة التحكيمية أجلا لإصدار الحكم التحكيمي ، فإن مهمة المحكمين تنتهي بعد مضي ستة (6) أشهر على اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته .
يمكن تمديد الأجل الإتفاقي أو القانوني لنفس المدة باتفاق الأطراف . و في حالة عدم الإتفاق ، يمدد الأجل المذكور لنفس المدة ، حسب ظروف كل قضية ، بأمر معلل غير قابل للطعن ، يصدر عن رئيس المحكمة المختصة و ذلك بعد إستدعاء الأطراف و بناءا على طلب أحدهم أو على طلب الهيئة التحكيمية .
إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الأجل المشار إليه في الفقرة أعلاه ، جاز لأي من أطراف التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة إصدار أمر، غير قابل لأي طعن بإنهاء إجراءات التحكيم ما لم يكن سبب عدم صدور الحكم التحكيمي داخل الأجل المذكور يرجع الى صاحب الطلب ، و لأطراف التحكيم ، بعد ذلك رفع دعوى الى المحكمة المختصة أصلا للنظر في النزاع “
[37] المادة 44 من قانون 95.17 يقابلها الفصل 327.17 من قانون 08.05 .
” تختص الهيئة التحكيمية بالبث في كافة المسائل والدفوع التي يتوقف عليها الفصل في الطلبات المعروضة عليها.
إذا عرضت خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن اختصاص الهيئة التحكيمية أو تم الطعن بالزور عن وثيقة أو سند قدم للهيئة التحكيمية، و تم تحريك الدعوى العمومية أمام قضاء الحكم، أمكن للهيئة التحكيمية الاستمرار في إجراءات التحكيم إذا إرتأت أن الأمر المذكور ليس لازما للفصل في موضوع النزاع ، و إلا أوقفت الإجراءات حتى يصدر حكم حائز لقوة الشيء المقضي به في ادعاء الزور ، و يترتب عن وقف إجراءات التحكيم وقف سريان أجل التحكيم انطلاقا من تاريخ تحريك الدعوى العمومية “
[38] مصطفى محمد الجمال و عكاشة محمد عبد العال ، التحكيم في العلاقات الدولية و الداخلية ، الجزء الأول ، الفتح للطباعة و النشر ، الطبعة الأولى 1988 ، ص 395 .
[39] رسالة جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة الذي إفتتحت أشغاله يوم الاثنين الموافق ل21 www .cg.gov.ma 2019 الموقع أكتوبر ، تم الاطلاع عليه يوم 26.10.2023 على الساعة 15:30 .
تعليقات فيسبوك