ابراهيم الزائر
مــقـدمـة:
يعد المنهج العلمي أسلوب للتفكير والعمل يعتمده الباحث لتنظيم أفكاره وتحليلها وعرضها وبالتالي الوصول إلى نتائج وحقائق معقولة حول الظاهرة موضوع الدراسة.
والمنهج الاستقرائي من بين المناهج العلمية القديمة، والمؤصل لهذا المنهج هو العالم اليوناني”أرسطو” ، وقد التمس العلماء من بعده طريقة الاستقراء كوسيلة مهمة في إعداد وتنفيذ الأبحاث العلمية، وبالطبع تطوَرت المنظومة على مراحل متوالية، إلا أن الهدف واحد، ويتمثل في تفسير الظواهر والإشكاليات بأسلوب منضبط ليساهم ذلك في التوصل لاستنتاجات دقيقة، ويمكن استخدامها في التعميم، فهو منهج قائم على توسيع المعرفة و الدراسة بالمعلومة و إظهارها بشكل عام مستنداً على الملاحظات و التجارب وصولا لحقيقة غير قابلة للتعديل و مصدق بها، و هو منهج الباحثين و المفكرين في مختلف نواحي العلوم، و العنصر المساعد في تعميم و صياغة النظريات و البراهين العلمية .
يعتبر الاستقراء من المباحث النظرية في علم المنطق باعتبار أن موضوع علم المنطق هو الاستدلال بغرض وضع القواعد العلمية العامة التي تميز الصحيح من الفاسد، وقد وضع علماء المنطق لهذا العلم تعريفه وضوابطه كما وجد عناية فائقة من علماء العلوم النظرية والتجريبية، كما اهتم به علماء القانون لكونه منهج علمي لتقرير القواعد العامة والمفاهيم الكلية الضابطة والمعيارية، ولذلك اعتمد عليه المشرع في سن القواعد القانونية، كما اعتمد عليه القضاء في مسائل الاثبات بالقرائن، على أن دور الاستقراء لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى بعض العلوم التي لها ارتباط وثيق بالقانون.
كما اعتمد عليه علماء الأصول في بناء القواعد الأصولية التي تعتبر طرقا لاستنباط الأحكام من النصوص؛ شرعية كانت أم قانونية، بجانب دوره الكبير في تكوين القواعد الفقهية الكلية التي يستهدي بها القضاء في تفسير وتطبيق القوانين، كما يعتبر الاستقراء منهجا علميا استخدمه العلماء للكشف عن مقاصد التشريع ومقاصد الشريعة، فقرروا بناء عليه جملة من القواعد الكلية الضابطة للاجتهاد في الفقه والقضاء، مما ينم عن الأهمية التي يشغلها الاستقراء في مجال القانون، وفي مجال العلوم ذات الصلة بالقانون[1].
أهمية الموضوع:
يعرف المنهج الاستقرائي بأنه الركيزة الأساسية في أي عملية بحث علمي، و هو منهج معتمد في صناعة و صياغة النظريات و البراهين في مختلف العلوم، و القائم على طريقة جمع البيانات و الانتقال من الجزئية إلى العامة الشاملة، و يستمد هذا البحث أهميته من كون الاستقراء أحد المناهج العلمية التي تؤسس عليها القواعد الكلية في الكثير من العلوم بما فيها تشريع القوانين، وكذلك القواعد العامة للعلوم المرتبطة بالقانون بصفة عامة.
إشكالية الموضوع:
تتمحور إشكالية الموضوع في ما مدى نجاعة المنهج الاستقرائي في الوصول للحقيقة العلمية و إثباتها بالمنطق الاستقرائي؟
وتتفرع على هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات من بينها:
ما المقصود بالمنهج الاستقرائي؟
ماهي خطوات المنهج الاستقرائي؟
ما هي عيوب ومزايا هذا المنهج؟
المنهج المعتمد:
سنعتمد في هذا الموضوع على المنهج الوصفي وذلك لتوضيح خطوات المنهج الاستقرائي و أقسامه.
ولدراسة هذا الموضوع سنقسمه كالاتي:
المبحث الأول : مفهوم الاستقراء
المبحث الثاني: خطوات و تطبيقات المنهج الاستقرائي في العلوم القانونية
المبحث الأول : مفهوم الاستقراء
سنحاول من خلال هذا المبحث بيان معنى الاستقراء وذلك من خلال تعريف الاستقراء لغة و اصطلاحا وهذا ما سنتطرق إليه في المطلب الأول، وبعدها سنخصص المطلب الثاني لتعرف على أقسام الاستقراء.
المطلب الأول: تعريف الاستقراء
سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين, حيث أننا سنحاول تعريف الاستقراء لغة و اصطلاحا في الفقرة الأولى، وفي الفقرة الثانية سنخصصه لتعريف المنهج الاستقرائي.
الفقرة الأولى: الاستقراء لغة واصطلاحا
يدل المعنى اللغوي لكلمة الاستقراء على التتبع وعلى التفحص وتدل على حركة العقل للقيام بعمليات هدفها التوصل إلى قانون أو قاعدة كلية تحكم الفرعيات أو التفاصيل التي تم إدراكها من قبل الأفراد.، وهو معنى يتفق مع المعنى الاصطلاحي إلى حد كبير، إذ يدل الاستقراء، في لغة الحديث العام، على الاستدلال المباشر الذي يعتمد على التخمين، وعلى السيرورة البنائية، ولكن للاستقراء معنى فلسفياً مختلفا يتعلق بنظرية المعرفة أو المنهج، المنهج الاستقرائي هو عملية ملاحظة الظواهر و تجميع البيانات عنها للتوصل إلى مبادئ عامة و علاقات كلية، و ينبني على فكرة أساسية مفادها أن الباحث ينتقل أثناء تحليله لموضوع البحث من فكرة الجزء إلى الكل ومن الخاص إلى العام، حيث يبدأ بالتعرف على الجزئيات ثم يقوم بتعميم النتائج على الكل .[2]
الفقرة الثانية: تعريف المنهج الاستقرائي
يسمى بالمنهج الاستقرائي لكونه أسلوب للبحث يرتكز على استقراء النظريات و القوانين العامة من خلال إجراء المقارنة بين النتائج المحل عليها، أي استقراء الأجزاء للاستدلال منها على حقائق تعمم على الكل، باعتبار أن ما يسري على الجزء يسري على الكل، وبالتالي فإن جوهر المنهج الاستقرائي يقوم على ملاحظة الجزئيات و الحقائق و المعلومات الفردية التي تساهم في تكوين إطار نظري يمكن تعميمه على الكل فيما بعد[3]، ومنه تعريف المنهج الاستقرائي بأنه “عملية ملاحظة الظواهر وتجميع البيانات عنها للتوصل إلى مبادئ عامة وعلاقات كلية”، فالاستقراء هو عبارة عن استدلال تصاعدي حيث ينطلق الباحث من الجزء إلى الكل، أي من الظاهرة الجزئية إلى الظاهرة الكلية .
ويمتاز هذا المنهج بالمرحلية بمعنى أنه يتكون من مجموعة من المراحل المتسلسلة والمترابطة التي يؤدي كل منها إلى المرحلة التالية، ويبدأ المنهج عادة بعد تحديد مشكلة الدراسة أو البحث مرورا بوضع وصياغة الفرضيات واختبارها وتحليلها ومن ثم عرض النتائج ووضع التوصيات، وهنا يمكن القول أن الفرق الوحيد بين المنهج والأسلوب هو أن الأول قد يقتصر على أسلوب واحد واضح ومميز وقد يشتمل على مجموعة من الأساليب ذات الخصائص المتشابهة.
الفقرة الثالثة: أهمية المنهج الاستقرائي
يعتبر المنهج الاستقرائي أفضل مناهج البحث العلمي و الأكثر تماشيا مع الأبحاث الاجتماعية، و طريقته هي التي تساعد الباحثين على الملاحظة والتفسير والتحليل وما ينعكس عنه من مهارات أخرى لدى الباحثين، وذلك راجع لقدرته على التعريف بالظاهرة أو الحدث و تفاصيله وصولاً لمسببات الظاهرة الرئيسية[4] .
فالمنهج الاستقرائي يمكن من خلاله الباحث أن يقوم بتعريف الظاهرة أو المشكلة الخاصة بالبحث العلمي، كما أن عملية الاستقراء تساعد الباحث إذا لم يكن ملمًا بمعلومات وخبرة في مجال بحثه، ويضمن أيضا الخروج ببحث متميز و تعزيز ثقة الباحث بنفسه .
المطلب الثاني: أقسام الاستقراء
سنتناول في هذا المطلب اقسام الاستقراء، حيث في الفقرة الأولى (الاستقراء التام(الكامل))، وفي الفقرة الثانية (الاستقراء الناقص).
الفقرة الأولى: الاستقراء التام (الكامل)
إن الاستقراء التام أو ما يسمى كذلك بالاستقراء الكامل، هو استقراء يقيني يقوم على ملاحظة جميع مفردات الظاهرة التي يقوم بدراستها من جميع الزوايا الممكنه، ليستطيع اصدار حكم نهائي عنها.
و إن هذا النوع من الاستقراء بطيئا وذلك لأنه يحتاج إلى وقت طويل حيث يتوجب على الباحث مراقبة الظاهرة بدقة كبيرة وحرص شديد. وهناك من يعتبر الاستقراء الكامل استنباطا لأنه لا يسير من الخاص إلى العام بل تأتي النتيجة مساوية للمقدمة. [5]
ويمكن تعريف الاستقراء التام بشكل اوضح حيث انه يعتبر انتقال للذهن من الحكم الجزئي الي الحكم الكلي،شرط ان يتأكد الباحث من النتيجة شاملة ومستمرة على جميع افراد الظاهرة، وهذا النوع من الاستقراء يمكن الباحث من وضع قاعدة عامة كلية ذات أساس واضح وثابت وبشكل علمي.[6]
وما يجب ذكره أن الباحث في المنهج الاستقرائي لا يستطيع تعميم نتيجة الاستقراء التام على جميع العناصر إلا بعد توفر ثلاث شروط في النتيجة:
- يجب أن تكون نتيجة الاستقراء تم تكرار تقريرها في النصوص أو الملاحظات، أو في القواعد التي تتصل بتلك الظاهرة أو المشكلة المبحوثة.
- التأكيد بأن نتيجة الاستقراء قد تم تأكيد مضمونها في مواضيع كثيرة، بحيث يجب أن يكون المضمون صحيحا وغير مختل، كما يجب ألا يتغير المضمون، ولا يظهر بنفس النتيجة التي ظهر فيها في مواضع ثانية سابقة.
- الانتشار وهذا يعني أن ينتشر المعنى في المجالات التي تتعلق بالمشكلة أو الظاهرة التي يتم دراستها، بشرط ألا يقتصر الانتشار على باب واحد من أبواب هذه المشكلة.
أما في حالة ما إذا كانت الجزئيات التي تم استقراؤها في قضية واحدة أو مشكلة واحدة فإن مسألة انتظام الاستقراء وتعميمه وانتشاره وشموله قد لا يكون قطعيا، وذلك لأن نتيجة الاستقراء قد تكون ظنية وغير مقطوع بها.[7]
الفقرة الثانية: الاستقراء الناقص
يمكن تعريف الاستقراء الناقص بأنه مرحلة انتقال عقل الانسان من الحكم على الاجزاء الى الحكم على المجمل، بمعني الانتقال من الجزء الى الكل، حيث انه يمكن الباحث من دراسة جزء من اجزاء الظاهرة أو المشكلة شريطة أن يشمل هذا الجزء على كافه جوانب الظاهرة.
ولكي يستطيع الباحث تحديد طبيعة الظاهرة، ثم يطبق النتيجة على أمثلة لظواهر أخرى وإذا تطابقت النتيجة يقوم بتعميمها على الكل ويعتبر هذا النوع من الاستقراء اكثر انتشارا من النوع الاخر إلا انه تبقى نتائجه غير دقيقة فقد يتغافل الباحث عن دراسة معلومة مهمة في الظاهرة لذلك يعرف الاستقراء الناقص بأنه غير يقيني، ومن أهم
خصائصه أن الاستدلال به نتيجة يشوبها الإحتمال والإختلال.
المبحث الثاني: خطوات المنهج الاستقرائي ومزاياه وعيوبه
يمر المنهج الاستقرائي بعدة مراحل وخطوات نلخصها في المطلب الأول، كما ينفرد هذا المنهج بجملة من المزايا التي تدفع الباحث إلى تبنيه في بحوثه، والعيوب التي تشوبه وتقلل من مصداقيته نستشفها من خلال المطلب الثاني.
المطلب الأول: خطوات المنهج الاستقرائي :
تتمثل خطوات المنهج الاستقرائي خلال إنجازالبحث العلمي في ثلاث مراحل؛ الملاحظة (الفقرة الأولى)، الفرضية (الفقرة الثانية)، التجربة (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: مرحلة الملاحظة
تعتبر الملاحظة أقدم وسائل جمع المعلومات، و تعرف الملاحظة بأنها تلك الوسيلة التي نحاول بها التحقق من السلوك الظاهري للظاهرة الاٍنسانية و الطبيعية، كما تعرف بشكل مختصر بكونها اٍىراك الظاهر و الوقائع و العلاقات عن طريق الحواس[8].
و تنقسم الملاحظة إلى نوعين:
أولا: الملاحظة الحسية
و هي تلك الملاحظة المستمدة من حواس الاٍنسان الخمس و هي متوفرة لكل الناس، كما يطلق عليها الملاحظة العادية.
ثانيا: الملاحظة الاٍدراكية
و هي تلك الملاحظة التي يكون مصدرها العقل و يتم استخدام فيها منهج معين، و يطلق عليها الملاحظة العلمية.
الفقرة الثانية: مرحلة الفرضية
تعد الفرضية تفسيرا مؤقتا أو محتملا يوضح العوامل او الأحداث أو الظروف التي يحاول الباحث فهمها، و يمكن القول على أن الفرضية هي بمثابة اٍجابة مؤقتة و اٍنطباع أولي لدى الباحث عما ستسفر عنه نتائج الظاهرة قيد الدراسة[9].
الفقرة الثالثة: مرحلة التجربة
يختلف البحث في العلوم الاٍنسانية عن البحث في العلوم الطبيعية أو العلوم الحقة، و هذا الأمر يظهر بشكل جلي أثناء البحث و التنقيب عن الحلول للظاهرة المطروحة، كما تظهرآثاره كذلك في نتائج البحث المحصل عليها، فما يتم التوصل اٍليه في العلوم الطبيعية يطلق عليه اٍسم قانون، أما ما يتم التوصل اٍليه في العلوم الاٍنسانية فيسمى بالنتيجة السببية[10]، نظرا لكون الباحث في العلوم الاٍنسانية هو جزء من الظاهرة المدروسة و قد يتأثر بها فتغيب الموضوعية و الحياد في البحث، مما قد يؤثر على نتيجة هذا الآخير. لهذا السبب دعا السوسيولوجي اٍميل دوركايم اٍلى التعامل مع الظاهرة الاٍنسانية بكل حياد و موضوعية كأنها كيان مادي خارج عن وعينا و فكرنا[11].
المطلب الثاني : مزايا وعيوب المنهج الاستقرائي
مما لا شك فيه أن المنهج الاستقرائي له عدة مزايا تميزه عن باقي المناهج القانونية الاخرى سنتحدث عنها في (الفقرة الأولى)، كما سنتطرق لعيوبه في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مميزات المنهج الاستقرائي
فالمنهج الاستقرائي له مجموعة من المميزات الاٍيجابية التي تعطي إضافة كبيرة في مجال البحث العلمي. أولا ان هذا المنهج يعطي إمكانية لدراسة الظاهرة او الموضوع البحثي بأسلوب مدقق ومنهجي من خلال الملاحظة والتجربة مما يمنح الباحث نتائج أقرب للحقيقة ، إذن المنهج الاستقرائي منهج وأسلوب دقيق في البحث العلمي منظم ومرتب قائم على عنصري الملاحظة والتجربة وفائدته انه يوصلنا إلى نتائج أقرب إلى الحقيقة ،خاصة إذا كان الاستقراء تاما لأنه عندما يكون الاستقراء تاما ويشمل جميع مفردات الظاهرة فالحقيقة تصبح مطلقة ، أي أن الأحكام التي يصل إليها الباحث تصبح يقينة وقطعية لا شك فيها، كما من بين مميزات هذا المنهج أنه يتصفح بالموضوع مقارنة مع بعض المناهج الأخرى. لماذا؟ لأن الباحث عندما يستعمل هذا المنهج فهو يعتمد على معطيات عادية ومعطيها رقمية واخصائية.
مثال :
وقوع حالة مئة مرة و ستون منها دائما يمارس العنف على زملائه في المدرسة هؤلاء من عائلة غنية من 100 حالة رأينا 60 حالة الأولى. نقول ليس هناك شك أن 40 حالة التي لم ندرسها ينطبق عليها ما انطبق على 60 حالة الأولى. اذن الاحكام هنا تكون يقينية قطعية في الاستقراء التام او كما يسمى الكامل، وتكون الظاهرة أقرب إلى الحقيقة في الاستقراء الناقص .
إن الموضوعية تجعل الحقائق والأحكام بعيدة كل البعد عن الذاتية، لأنها مبنية على معطيات رقمية قابلة للقياس .
كذلك هناك مزية أخرى لهذا المنهج الاستقرائي؛ أن الفروض والافتراضات والاجتماعات توصل لقوانين عامة كبيرة علمية أو مجتمعية . لأن القواعد الكلية عندما يتوصل لها الباحث تصبح جزء من الكسب الإنساني. ولا داعي لإعادة التجربة مرة اخرى لكي نثبتها لان النتائج المتوصل إليها تصبح قواعد ومسلمات ينطلق منها وهذا يفيد البحث العلمي في طبيعته التراكمية.
مثال :
قواعد اللغة لا يناقشها أحد علما بأن الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب هذه مسلمة لا تحتاج إلى نقاش يقبلها الجميع ويسلم بها.
الفقرة الثانية : نواقص المنهج الاستقرائي
إن المناهج عموما لها مزايا التي يستافد منها الكثير لكن في مقابل ذلك لها سلبيات فهي سلاح ذو حدين لها جانب مضيء وجانب مظلم و لعل أهم عيوب المنهج الاستقرائي تتجلى في صعوبة تعميم النتائج في الكثير من الحالات البحرية والسبب هو تغير المعطيات في المستقبل واستخدام أسس حديثة لأن المنهج الاستقرائي يختلف من مجال إلى آخر[12].
مثال: عندما نتحدث عن مجال اللغة هنا تكون القدرة الكاملة على تعميم النتائج فنعمم الاحكام بشكل يقيني وفيه نوعا من الطمأنينة . لكن عند استخدام المنهج الاستقرائي في بعض الحقول الاجتماعية مثلا الطالب الذي ينحدر إلى أسرة غنية الذي يمارس العنف على باقي الطلبة قد يكون حقيقيا ويقينا في لحظة معينة لكن من الممكن أن تتغير المعطيات ويصبح من يمارس العنف هو من ينحدر إلى أسرة فقيرة كنوع من أنواع الحقد الاجتماعي أو التعبير عن السخط بسبب التمايز الاجتماعي بمعنى يمكن أن تنقلب القاعدة رأسا على عقب لماذا؟ لأنها وقعت متغيرات لهذا المنهج الاستقرائي.
ففي بعض الحقول كالفيزياء وقواعد اللغة وقواعد المنطق تكون أحكامه يقينية اٍن كان استقرائا كاملا، و شبه يقيني اذا كان ناقصا. لكن في بعض الحقول الاخرى لا يعول على المنهج الاستقرائي نظرا لامكانية تغير المعطيات والعوامل المتوفرة.
كما نجد عيبا آخرا يتجلى في عدم تيقن و تماثل جميع الجزئيات في الصفات؛ لذا لا يمكن أن نطلق مفهوم عاما على الجميع في بعض الحالات[13].
مثال :
إذا درسنا مثلا 200 حالة انتحار و درسنا 100 حالة أخرى لنفس الظاهرة، فلا يعني بالضرورة أن تكون 200 حالة الأولى مثلها مثل 100 حالة الثانية.
خاتمة
إن المنهج الاستقرائي يقوم على التعميم، والانتقال من حالة جزئية إلى حالة كلية، حيث ينطوي الاستقراء على الكشف عن العلاقات القائمة بين الحالات الجزئية المأخوذة أو المدركة، وربطها بقوانين تنظم هذه العلاقة وتعددها مستقبلاً.
فالمنهج الاستقرائي يجد تطبيقه بالأساس في العلوم الحقة، والعمل به على مستوى المجال القانوني يتطلب التعامل معه بشكل دقيق، إذ يسعى إلى الحصول على معارف جديدة من خلال التجربة البشرية التي تقوم على استخلاص القواعد العامة من القواعد الجزئية.
[1] محمد المدني صالح الشريف, الاستقراء ودوره في تكوين القواعد العامة, مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة – العدد 37 يناير 2020,ص 12.
[2] عبد الرحمان بدوي, مناهج البحث العلمي, وكالة المطبوعات الكويت, ص 169.
[3] صالح طاليس, منهجية في دراسة القانون, منشورات زين الحقوقية, الطبعة الأولى 2010, ص32.
[4]أهمية المنهج الاستقرائي و أنواعه, الموقعالالكتروني” النخبة “, تاريخ الاطلاع 26 أكتوبر 2023.
[5]مقال منشور https://qawaneen.blogspot.com/2020/05/blog-post_3.html
[6] مقال منشور https://www.sanadkk.com/blog/post/894/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A.html
[7]مقال منشور https://www.bts-academy.com/blog_det.php?page=353&title=%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A_%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9%D9%87_%D9%88%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%87%C2%A0
[8] مقال منشور بموقع bts-academy.com
[9] Alno5ba.comمقال منشور بموقع
[10] محمد العروصي، المرشد في المنهجية القانونية، الطبعة الرابعة 2022_2021، الصفحة 43
[11] Saunders M. Lewis, research methodes for businnes students, 6th edition, pearson education limited
[12] محمد العروصي، مرجع سابق، الطبعة الرابعة 2021_2022، الصفحة 44
[13] رشيد المودر، المحاضرة السادسة من محاضرات مادة مناهج العلوم القانونية منشورة بالموقع الرسمي لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالمحمدية
تعليقات فيسبوك