جلال السباعي
مقدمة
ان فكرة الأصل التجاري بمفهومها الحالي فكرة حديثة، ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر ميلادي، وذلك بعد تزايد الحاجة الى مكان مستقر يستطيع من خلاله التاجر ممارسة نشاطه التجاري وعرض بضائعه بكل شطارة وحنكة، وما يستدعيه ذلك من استعمال أدوات وشعار واسم تجاري، كلها عناصر من أجل تمييز محله عن غيره من المحلات التجارية، بهدف الحصول على سمعة تجارية طيبة تكون محل جلب للزبون.
يتمتع الأصل التجاري بأهمية بالغة كألية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح محطة اهتمام مدونة التجارة، حيث عرفته في المادة 79 بأنه مال منقول معنوي يشمل جميع الأصول المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية، ويشمل الأصل التجاري أيضا بناء على ما جاءت به المادة 80 من نفس القانون أيضا الزبناء والسمعة التجارية، وكل الأموال الأخرى الضرورية للاشتغال كالاسم التجاري …
وبالرجوع الى مقتضيات مدونة التجارة نجدها قد تضمنت التصرفات الواردة على الأصل التجاري كضمانة لحمايته، سواء كانت هذه التصرفات ناقلة لملكيته كما هو الحال بالنسبة لعقد بيع الأصل التجاري أو غير ناقلة لملكيته كعقد رهن الأصل التجاري، فالرهن طبقا للفصل 1170 من ق ل ع اما أن يكون حيازيا أو بدون حيازة.
وعليه فان الأصل التجاري قد شكل محطة اهتمام لدى التجار عبر التاريخ، من أجل ضمان استمرار نشاطهم نهاية بتكريس هذه الأهمية من خلال صدور قانون مدونة التجارة في فاتح غشت 1996 التي حاولت تنظيم المجال التجاري بالمغرب، وتعزيز ذلك بصدور القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة، من أجل تسهيل ولوج المقاولات الى مختلف مصادر التمويل المتاحة.
ومن خلال ما سبق ذكره، فان أهمية موضوعنا هذا تتمثل أساسا في نقطتين مهمتين تتجلى الأولى في تمكين التاجر من الاحتفاظ بحيازة محله التجاري والاستمرار في استغلاله، والثانية تكمن في ضمان وحماية حقوق الدائنين.
أهمية الموضوع:
تكم أهمية هذا الموضوع على المستوى النظري في وجود مقتضيات متفرقة عبر مجموعة من النصوص القانونية والتي لها علاقة بالموضوع، وتأثير ذلك على تطبيق النص لقانوني بما يحمي مصلحة وحقوق الأطراف، وعلى المستوى العملي تتجلى هذه الأهمية في الدور الذي تلعبه عملية رهن الصل التجاري داخل المقاولة نفسها والاقتصاد الوطني.
إشكالية الموضوع:
الى أي حد استطاع المشرع المغربي أن يضع قواعد قانونية منظمة لعملية رهن الأصل التجاري
مع ضمان حقوق الدائنين؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة التالية:
ما المقصود برهن الأصل التجاري واجراءاته؟
ما هي شروط عقد رهن الأصل التجاري واثاره؟
سنحاول الإجابة عن هذا الاشكال من خلال التقسيم التالي:
المبحث الأول: عقد رهن الأصل التجاري شروطه واجراءاته
المحث الثاني: اثار عقد رهن الأصل التجاري
المنهج المعتمد:
اعتمدنا في دراستنا لهذا الموضوع على المنهج الوصفي، من خلال وصف مجموعة من المعطيات المتعلقة برهن الأصل التجاري، والمنهج التحليلي عبر الوقوق عند العديد من المقتضيات القانونية المؤطر في محاولة تحليلها والوصول الى مبتغاها.
المبحث الأول: عقد رهن الأصل التجاري شروطه واجراءاته
يعتبر عقد رهن الأصل التجاري من أهم العقود الواردة على الأصل التجاري، غير انه ليس من العقود الناقلة لملكية الأصل التجاري، كما يتمتع عقد رهن الأصل التجاري في تكوينه بمجموعة من الخصوصيات أبرزها على مستوى محل هذا العقد من حيث الشروط الموضوعية لإبرامه، بالإضافة الى مجموعة من الشروط الشكلية.
المطلب الأول: المقصود بعقد رهن الأصل التجاري واجراءاته
يشكل الأصل التجاري قيمة اقتصادية كبيرة، تجعل منه الية مهمة لتعزيز الائتمان التجاري ووسيلة لدعم تمويل المقاولة، حيث يضمن التاجر المدين حق دائنه عبر عملية رهن الأصل التجاري، حيث يعتبر من أبرز الضمانات العينية التي منحها المشرع للتاجر، كما يساهم في ذات الوقت في ضمان استمرار استغلاله للأصل التجاري، وتحقيق أرباح تخول له سداد دينه.
الفقرة الأولى: تعريف عقد رهن الأصل التجاري
نظرا للأهمية التي تكتسبها عملية رهن الأصل التجاري والاثار التي ترتبها، قام المشرع بتنظيمه ضمن المقتضيات التي جاءت بها مدونة التجارة، قبل أن يعزز هذه الأهمية من خلال صدور القانون رقم 21.18
المتعلق بالضمانات المنقولة والتعديلات التي جاء بها على مدونة التجارة، حيث ساهم بشكل كبير في تسهيل ولوج المقاولات الى مصادر التمويل، عبر تمكينها من تقديم الأصول المنقولة المملوكة لها كضمان وتحسين شروط تنافسية المقاولات من خلال تأمين عمليات تمويل الاستثمار.
يعتبر رهن الأصل التجاري ضمانا عينيا منقولا، حيث يخصص التاجر المدين عناصر هذا الأصل التجاري لضمان تسديد دينه كما أشرنا من قبل، وذلك من خلال رهنه دون نقل حيازته وبالرجوع الى الفصل 1170
من ق ل ع ند أن المشرع المغربي قد عرف بدون حيازة معتبرا إياه ذلك العقد الذي يخصص بمقتضاه المدين
أو أحد من الغير يعمل لمصلحته شيئا لضمان الالتزام، والذي لا يستلزم تخلي الراهن عن حيازته.[1]
الفقرة الثانية: إجراءات تقييد رهن الأصل التجاري بالسجل الوطني الالكتروني
يعتبر السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة البديل الحديث واليسير لمسطرة تقييد الضمانات المنقولة والعمليات المتعلقة بها بصفة عامة، وتقييد الرهون الواردة على الأصل التجاري بصفة خاصة، وهذا ما نصت عليه المادة 12 من القانون رقم 21.18. حيث تتم من خلاله عملية اشهار جميع أنواع الرهون بدون حيازة التي تهم الاليات المنصوص عليها في المادة 376 من، م، ت.[2]
حيث يعهد بتدبير السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة الى السلطة الحكومية المكلفة بالعمل على اتخاد جميع الإجراءات اللازمة لسير المنصة الالكترونية الخاصة بهذا السجل، كما تتولى هذه الأخيرة مهمة مسكه وتجميع وحفظ وتأمين المعطيات المضمنة فيه.
ولإجراء هذه التقييدات على الشخص الذاتي أو الاعتباري أو وكيله أو ممثله القانوني، قد يتم فتح حساب في السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة يسمى حساب الزبون عبر ملئ استمارة خاصة معدة لهذا الغرض
تتوفر هذه الاستمارة على البيانات اللازمة لتقييد هذا الرهن، من اسم المستخدم ورقم هاتفه، وعنوانه وبريده الالكتروني، كما تقوم الإدارة المكلفة بإعداد حساب الزبون الخاص به متضمنا كل المعلومات اللازمة، وبعد ذلك تأتي مرحلة تقييد الضمانة حيت يتعين على الراغب في تقييد الضمانة ادخال معلومات خاصة بهو الصفة التي يتخذها ومعلومات خاصة بالضمانة، وبع القيام بهذه الإجراءات المتعلقة بالتقييدات و الاشعار بالرهن و تثبيت المعلومات، يصبح رهن الأصل التجاري المقيد كضمان منقول ساري المفعول، ويمكن أن يحتج به في مواجهة الغير ابتداء من تاريخ ووقت نفاده و يبقى نافدا حتى تاريخ انقضاءه مالم يتم التشطيب عليه قبل ذلك.
ويشترط طبقا لما جاءت به المادة 15 من قانون الضمانات المنقولة والمادة 5 من مرسومه التطبيقي، على أنه يتضمن كل تقييد في السجل الوطني ما يلي:
- هوية الراهن
- هوية المرتهن، وعند الاقتضاء هوية وكيل الضمانات
- مبلغ الدين وعند الاقتضاء المبلغ الأقصى للدين
- بيان المال المرهون
- تاريخ انقضاء الرهن
ويمكن لأي شخص استخراج شهادة اشعار من السجل الوطني المذكور تثبت اشهار التقييد والتقييدات اللاحقة
والتشطيبات في هذا السجل.[3]
المطلب الثاني: شروط رهن الأصل التجاري
من أجل رهن الأصل التجاري، فان هذا الأمر يتطلب توفر مجموعة من الشروط الموضوعية المرتبطة بالقواعد العامة للقيام بأي تصرف قانوني، والمنصوص عليها ضمن مقتضيات ق ل ع بالإضافة الى قواعد أخرى نجدها بمدونة التجارة، بالإضافة الى بعض الشروط الشكلية الخاصة والتي انفردت بها هذه الأخيرة.
الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية لعقد رهن الأصل التجاري
نظرا لأن عملية رهن الأصل التجاري تعتبر من العقود غير الناقلة للملكية، فإنها تخضع هي الأخرى لنفس الشروط الموضوعية التي يخضع لها عقد البيع الذي يعتبر من العقود الناقلة لملكية الأصل التجاري، وبالتالي فان هذه العملية تعتبر أيضا من أعمال التصرف كما أشرنا سابقا، وبناء على ذلك فانه ولصحتها يجب أن يكون هناك تراضي وأهلية ومحل وسبب مشروع، الا أنه بالنسبة للمحل فقد خصه المشرع المغربي ببعض الأحكام الخاصة
من خلال تحديد العناصر المادية والمعنوية التي يمكن أن تكون محلا للرهن، والمنصوص عليها في المادة 80 من مدونة التجارة.[4]
لكن المشرع المغربي استثنى البضائع من هذه العناصر التي يمكن أن تكون محلا للرهن، لأن البضائع من العناصر غير الثابتة، وبقاؤها قيد الرهن يؤدي حتما الى هلاكها وضياع قيمتها، الشيء الذي جعل من المشرع المغربي أن يستبعدها من وعاء الرهن، حتى يتسنى لمالك الأصل التجاري بيعها والاستمرار في استغلال أصله بشكل يسمح بسداد الدين، وبما أن عناصر الصل التجاري تختلف حسب طبيعة النشاط الممارس، فانه يتعين أن يتم تحديد العناصر التي يشملها الأصل التجاري في الرهن، حيث اذا لم يبين العقد محتوى الرهن بصفة صريحة و دقيقة لا يشمل الرهن في هذه الحالة الا الاسم التجاري و الشعار و الحق في الكراء و الزبناء و السمعة التجارية .[5]
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية لعقد رهن الأصل التجاري
خلافا لما نجده مقررا بالنسبة للشروط الموضوعية التي تتمثل في تلك المقتضيات العامة المتعلقة بأهلية التصرف المنصوص عليها بقانون الالتزامات و العقود و خصوصية المحل، فان رهن الأصل التجاري يخضع بدوره لنفس للشروط و الإجراءات المتعلقة ببيعه المنصوص عليها في مدونة التجارة فقط، حيث يتعين بداية ان يتم ابرام هذا العقد كتابة، و أن يحدد فيه تاريخ العقد و الأسماء العائلية والشخصية للأطراف و موطنهم و عناصر الأصل التجاري المشمولة بالرهن و مبلغ الدين الذي يضمنه، والشروط المتعلقة بالفوائد و الاستحقاق كما تمت الإشارة الى ذلك من خلال المادة 108 من مدونة التجارة .[6]
ويجب أن يسجل العقد لدى مصلحة التسجيل، حتى لا يتم رفض تسجيله في السجل التجاري من قبل كاتب الضبط.[7] كما اشارت الى ذلك المادة 109 من م ت.[8]
وبعد تحرير العقد والقيام بإجراءات التسجيل في مصلحة التسجيل، يتعين على الدائن المرتهن أن يقوم اما شخصيا او بواسطة الغير، داخل أجل 15 يوم من تاريخ العقد، بإيداع نسخة منه إذا كان عرفيا أو نظيرا منه إذا كان رسميا، لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة بمسك السجل التجاري لمقر الأصل التجاري، مرفقا بجدولين محررين على ورق عادي موقعين من طرفه، يتضمنان الاسم الشخصي والعائلي والموطن لكل من الدائن والمدين وكذلك مالك الأصل التجاري إذا كان من الغير ومهنتهم عند الاقتضاء، كذلك تاريخ العقد وطبيعته
وأثمان المعدات والبضائع والعناصر المعنوية للأصل التجاري كل منها على حدة مع الإشارة عند الاقتضاء الى التحملات المقدرة أو الى مبلغ الدين المذكور في السند والشروط المتعلقة بالفوائد والاستحقاق، وأيضا تعيين الأصل التجاري، وعند الاقتضاء، كذلك الفروع التابعة له مع الإشارة بشكل دقيق الى العناصر المكونة لها والتي يشملها الرهن وطبيعة العمليات التي يباشرها كل من الأصل والفروع والمقر الخاص بها بغض النظر عن جميع البيانات الأخرى التي من شأنها التعريف بها. وأيضا يتعين ذكر اسم العناصر الأخرى التي يشملها غير الاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والزبناء. وأيضا الموطن المختار من طرف الدائن المرتهن في دائرة المحكمة التي وقع فيها التقييد، ويجب أن يتضمن المستخرج تاريخ العقد، والأسماء الشخصية والعائلية لمالك الأصل وللدائن وموطنهما، وبيان الفروع ومقارها التي قد يشملها الرهن، ولا يخضع هذه التقييد للنشر في الجرائد.[9]
ويجب أن يتكرر التسجيل لدى كتابة ضبط كل محكمة يوجد في دائرة نفوذها فرع مشمول بالرهن، وإذا طال أمد الرهن وجب عليه أن يجدد القيد في السجل التجاري في أجل خمس سنوات.
كما أنه إذا كان يوجد من بين العناصر المرهونة حق من حقوق الملكية الصناعية، فانه يجب تسجيل الرهن الواقع عليه في السجل الخاص به.
ويترتب عن اهمال احدى البيانات التي سبق ذكرها بطلان التقييد إذا نشأ عنه ضرر للغير، ويطلب الحكم بالبطلان الأشخاص الذين لحقهم الضرر من جراء الإهمال أو الاخلال، وللقاضي الذي ينظر في الطلب أن يقرر بحسب أهمية الضرر ونوعه، اما ابطال التقييد او الحد من اثاره.[10]
المبحث الثاني: اثار رهن الأصل التجاري
بمجرد قيد الرهن في السجل التجاري، يرتب ذلك العديد من الاثار، حيث ينشأ للدائن المرتهن بمقتضى هذا العقد امتياز على الأصل التجاري وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ تقييده. وعلاوة على ما يخوله حق الامتياز للدائن من حقوق تضمن له استحقاق دينه بالأفضلية على باقي الدائنين، فقد وضع المشرع بعض المقتضيات الحمائية بالنسبة للدائنين العاديين السابقين لرهن الأصل التجاري.
المطلب الأول: اثار الرهن بالنسبة للمال المرهون وللدائنين العاديين
يترتب عن رهن الأصل التجاري عدة اثار بالنسبة للدائنين العادين وأيضا للمال المرهون حماية للأصل التجاري المرهون من كل التصرفات التي من شأنها أن تعيبه، وأن تخلف أي ضرر. فلذلك أحاطه المشرع المغربي بحماية قانونية ورتب العديد من الجزاءات عن عدم احترام ذلك.
الفقرة الأولى: اثار الرهن بالنسبة للمال المرهون
لتجنب الحاق الضرر بالأصل التجاري المرهون، فان المدين يبقى مسؤولا عن الدين المضمون بالرهن حتى الأداء، باعتبار أن المدين الراهن يظل محتفظا بحيازة استغلال أصله. فلهذا نجد بأن المشرع قد وفر حماية قانونية للأصل التجاري المرهون، حيث نجده قد أشار الى ذلك من خلال الفصل 1183 من ق ل ع حيث إذا ما هلك الشيء المرهون أو تعيب بفعل المدين، يمكن للدائن أن يطلب الوفاء بحقه على الفور حتى في تاريخ غير الاجل المحدد الذي لم يحل بعد، ما عدا إذا قدم له المدين ضمانا اخر معادلا أو مكملا له.[11]
فيتضح من خلال مقتضيات هذا الفصل ان المدين يبقى مسؤولا مسؤولية قابلة لإثبات العكس طيلة المدة المحددة في عقد رهن الأصل التجاري الى غاية حلول اجل الاستحقاق، ففي بعض الحالات يمكن أن يغادر صاحب الأصل التجاري المحل فيصبح هذا الأخير بذلك عرضة للضياع ففي مثل هذه الحالات يمكن للدائن المرتهن اللجوء الى قاضي المستعجلات لاتخاذ كافة الإجراءات من اجل ضمان سلامة عناصر الأصل التجاري.
كما يمكن أن يصبح المدين مسؤولا مسؤولية جنائية في الحالة التي يتعمد فيها الحاق الضرر بعناصر الأصل التجاري المرهون، حيث أشار الى ذلك الفصل 525 من القانون الجنائي.[12]
الفقرة الثانية: اثار الرهن بالنسبة للدائنين العاديين
قد تضيع حقوق الدائنين العاديين بسبب رهن الأصل التجاري، وذلك راجع لكونهم عندما أقرضوا مالك الأصل التجاري، قد كان ذلك بناء ذلك الضمان الذي يوفره الأصل التجاري الخالي من أية رهون، فقد عمل المشرع على ترتيب مجموعة من المقتضيات المتعلقة باستحقاق الديون حماية للدائنين العاديين على تقييد الأصل التجاري. حيث بإمكانهم أن يطلبوا من المحكمة استيفاء ديونهم قبل حلول اجالها، متى تبين لهم أن رهن الأصل التجاري من شأنه المساس بحقوقهم، وقد أخضع المشرع البت في طلب اسقاط اجال الديون لمسطرة سريعة، اذ يتعين على المحكمة أن تصدر الحكم داخل اجل 15 يوما التي تلي أول جلسة، و يكون هذا الحكم غير قابل للتعرض و مشمولا بالنفاد على الأصل، غير أنه يمكن استئنافه خلال 15 يوما من تبليغ الحكم، ويكون لهذا الاستئناف اثر موقف، كما يتعين أن يصدر قرار محكمة الاستئناف خلال 30 يوما، و يكون قرارا قابلا للتنفيذ على الأصل ، فيما يبقى طلب اسقاط الأجل رهينا بقرار من السلطة التقديرية للمحكمة، حيث لها أن تحكم به اذا تأكدت من خطورة عملية رهن لصل التجاري على مصالح الدائنين العاديين.[13]
المطلب الثاني: اثار الرهن بالنسبة للدائن المرتهن.
يستفيد الدائن المرتهن من ضمانات هامة، فبالإضافة الى ضمانة الافضلية والتتبع وحق البيع الجبري (الفقرة الاولى)، يستفيد من ضمانات اخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حق الافضلية التتبع وحق البيع الجبري:
- حق الأفضلية:
حق الأفضلية او الأولوية هو حق يخول للدائن المرتهن استيفاء دينه بالأسبقية عن سائر الدائنين الاخرين العاديين أو الدائنين المرتهنين الذين سجلوا رهنهم في تاريخ لاحق، ذلك أن مرتبة الدائنين المرتهنين تحدد فيما بينهم حسب تاريخ تقييدهم في السجل التجاري، حيث تكون الأولوية لأسبقهم قيدا تطبيقا لمبدأ الأسبق قيدا أسبق حقا. ويكون للدائنين المرتهنين المقيدين في يوم واحد نفس الرتبة حسب مقتضيات المادة 110 من م. ت[14].
بالرغم من اهمية هذا الحق الا ان هناك بعض الأنواع من الديون التي تعتبر ديون ممتازة بنص القانون، بحيث يتم الرفاء بها أولا قبل الديون المرهونة. وهي الديون المنصوص عليها في الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود، وكذلك الديون المنصوص عليها في المادتين من قانون 17. 73.
- حق التتبع:
يترتب عن عقد الرهن تمتع الدائم بحق التتبع ويعني ذلك تتبع الأصل التجاري في أي يد انتقل اليها، المادة 122 من م. ت [15]. اذ يمكن لهذا الدائن المرتهن تتبع الأصل التجاري والتنفيذي عليه[16] لأن الأصل التجاري مال معنوي لا تنطبق عليه الحيازة في المنقول سند الملكية.
- حق طلب البيع الجبري:
يحق للدائن المقيد أن يستصدر أمرا بيع الأصل التجاري بعدما يحل تاريخ الدين ويوجه انذار للمدين أو الحائز الجديد. تمر ثمانية أيام دون أن يدفع المدين ما عليه للدائن المقيد فهذا ما تنص عليه الفقرة الاولى من المادة 114.
وعندما يبلغ كاتب الضبط للمحكوم عليه الحكم أو القرار الاستئنافي القاضي يبيع الأصل التجاري، فقرة أولى من المادة 115 م. ت، يقوم هذا الكاتب بالشهر القانوني على نفقة طالب البيع، يبين فيه الإعلان عن تاريخ افتتاح المزاد ومدته وإيداع الوثائق بكتابة الضبط والتنصيص على شروط البيع الفقرة الثالثة من المادة 115 م. ت.
وبحلول اليوم والساعة المعنيان لإجراء المزايدة، وعدم قيام المالك بأداء ماله من ديون للدائنين المقيدين، فإن المزاد يرسو على من قدم أعلى عرض، حسب الفقرة الأولى من المادة 117 م. ت. ويقوم من رسي عليه المزاد داخل أجل 20 يوما من المزاد بأداء الثمن والمصاريف حسب الفقرة الثانية من المادة 117م.ت.
هذا وقد حرص المشرع على توفير حماية هامة للحائز الجديد الأصال التجاري الذي يكون مثقلا بديون مقيدة من خلال مسطرة أصطلح عليها ب ” التطهير “. وتتلخص هذه المسطرة المخولة للمالك الجديد للأصل التجاري في أنه يملك بمقتضاها تفادي حق التتبع الذي يمارسه الدائن المقيد على الأصل التجاري. فعلى المشتري، حسب المادة 122 مرت الفقرة الثانية التحت طائلة سقوط حقه وأن يخطر جميع الدائنين المقيدين في المحل المختار لكل منهم قبل المطالبة أو داخل أجل 30 يوما من إخطاره بالدفع، وعلى أكثر تقدير داخل سنة تبتدئ من تاريخ الاقتناء
ويملك كل دائن مقيد، حسب الفقرة الأولى من المادة 123 م ت، أن يطلب بيع الأصل التجاري، إذا لاحظ عدم كفاية الثمن الذي بيع به الأصل، على أن يرفع ثمن الأصل بزيادة عشر العناصر المعنوية.
ويقوم الدائن المقيد الذي يريد إعادة البيع بتبليغ طلبه إلى كل من المالك الجديد، والمالك السابق للأصل التجاري، 30 يوما بعد آخر التبليغات تحت طائلة سقوط حقه، الفقرة الثانية من المادة 123 م. ت[17].
الفقرة الثانية: الضمانات الإضافية
يتمتع الدائن المرتهن بالإضافة إلى حق الأسبقية والتتبع، بمجموعة من الضمانات الإضافية التي توفرها له مدونة التجارة ويتعلق الأمر بحالة نقل الأصل التجاري إلى محل أخر(أولا)، وكذلك في حالة فسخ عقد كراء المحل التجاري (ثانيا).
[1] – الفصل 1170 من ق ل ع: الرهن إما أن يكون حيازيا أو بدون حيازة. وهو يتعلق بشيء، سواء كان منقولا أو عقارا أو حقا معنويا. وهو يمنح الدائن حق استيفاء دينه من هذا الشيء، بالأولوية على جميع الدائنين الآخرين، إذا لم يف له به المدين. أما الرهن الحيازي فهو عقد بمقتضاه يخصص المدين أو أحد من الغير يعمل لمصلحته شيئا لضمان التزام، والذي يقتضي التخلي عن حيازة الشيء محل الرهن الحيازي. وأما الرهن بدون حيازة فهو عقد بمقتضاه يخصص المدين أو أحد من الغير يعمل لمصلحته شيئا لضمان التزام، والذي ال يستلزم تخلي الراهن عن حيازة الشيء.
[2] – ظهير شريف رقم 76.19.1 صادر في 11 شعبان 1440 )17 أبريل 2019 – بتنفيذ القانون رقم 18.21 المتعلق بالضمانات المنقول
[3] – المادة 15 من ق 21.18:
يتضمن كل تقييد في السجل الوطني ما يلي: 1 -هوية الراهن؛
2 -هوية المرتهن، وعند الاقتضاء هوية وكيل الضمانات
3 -مبلغ الدين وعند الاقتضاء، المبلغ الأقصى للدين؛
4 -بيان المال المرهون
5 –تاريخ انقضاء الرهن
[4] – المادة 80 من م ت: يشتمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء وسمعة تجارية. ويشمل أيضا كل الأموال الأخرى الضرورية لاستغلال الأصل كالاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والأثاث التجاري والبضائع والمعدات والأدوات وبراءات الاختراع والرخص وعالمات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم والنماذج الصناعية وبصفة عامة كل حقوق الملكية الصناعية أو الأدبية أو الفنية الملحقة بالأصل.
[5] – سعاد بنور، النظام القانوني للتاجر وفق اخر المستجدات القانونية والاجتهادات القضائية، ط 2 – 2019، ص 337
[6] – المادة 108 من م ت: لا يجوز أن يشمل رهن الأصل التجاري سوى العناصر المحددة في المادة 80 من هذا القانون باستثناء البضائع. إذا شمل الرهن براءة الاختراع، فإن الشهادة الإضافية المنطبقة عليها والناشئة بعده، تكون مشمولة أيضا بالرهن كالبراءة الأصلية. إذا لم يبين العقد محتوى الرهن بصفة صريحة ودقيقة، فإن الرهن لا يشمل الا الاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والزبناء والسمعة التجارية.
[7] – سعاد بنور، م س، ص 337
[8] – المادة 109 م ، م ت: يحتج برهن الأصل التجاري في مواجهة الغير، ابتداء من تاريخ تقييده في السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة المحدث بموجب التشريع الجاري به العمل.
[9] – سعاد بنور، م س، ص 338
[10] – سعاد بنور م س، ص 338
[11] – الفصل 183 من ق ل ع: إذا هلك الشيء المرهون أو تعيب بفعل المدين، كان للدائن أن يطلب الوفاء بحقه على الفور، حتى لو كان مضافا إلى أجل لم يحل بعد، وذلك ما لم يقدم له المدين ضمانا آخر معادلا أو يكمل له الضمان
[12]– الفصل 525 مق ج: الراهن الذي يبدد أو يتلف عمدا شيئا مملوكا له، رهنه في دين عليه أو على غيره يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم.
[13] – سعاد بنور م، ص 338
[14] سعاد بنور: مرجع سابق. ص340.
[15] تم تغيير وتتميم المادة 122.بمقتضى المادة 8 من القانون 18 .21المتعلق بالضمانات المنقولة.
[16] يستفيد من هذه الضمانة حتى بائع صاحب الامتياز.
[17] عبد الرحيم شميعة: القانون التجاري الأساسي. مطبعة سجلماسة، مكناس.طبعة 2019 ص258-259.
تعليقات فيسبوك