صناعة الحكم التحكيمي و اثاره

0
(0)

جلال السباعي

تقديم

      يعتبر نظام التحكيم نظاما قانونيا اختياريا أو مؤسسة اختيارية  لأن الأطراف يختارون اللجوء  الى هذا النظام عن طواعية واختيار, وكانت هذه المؤسسة تشكل النظام الطبيعي الأصيل للفصل بين الناس، والبث في قضاياهم في غالب العصور،  وكانت أمة العرب سباقة الى هذا النظام قبل وبعد مجيئ الإسلام حيث كان يتم الاحتكام الى شيخ القبيلة كلما نشأ نزاع ما داخل القبيلة  فكانت هذه الأحكام تصدر بشكل بات ولا تقبل أي طعن  ومع ظهور مفهوم الدولة الحديثة و ظهور القانون بشكله الوضعي  الى جانب تطور العلاقات التجارية سواء داخل حدودها أو خارجها  أصبح هناك اقبال  على الاحتكام الى هيئات, أو جهات مختصة من أجل حل النزاعات، فيما تبنت التشريعات الحديثة نظام التحكيم، لبساطة الإجراءات، وقلة المصاريف، وسرعة البت، وسرية الجلسات، ولأن قضاء التحكيم هو قضاء المحيط المهني، حيث يمكن أن يكون المحكمون تجارا والمتنازعون كذلك، فيتطلب ذلك وجود هيئة تحكيمية تتشكل من متخصصين ففي الغالب ما يقع الاختيار على رجال الأعمال والاقتصاد والتجارة المحنكين الذين يتوفرون على تجربة كافية تخول لهم إمكانية الوصول الى الحقيقة وإصدار أحكام لا يتخللها أي عيب.[1]

تصدر أحكام التحكيم بعد اتباع العديد من المراحل الضرورية التي يترتب عن عدم احترامها العديد من الاثار حتى يصبح لدينا حكما حائزا على حجية الشيء المقضي به ومخلفا لأثاره.

هذا الحكم ينبغي ان يتضمن مجموعة من البيانات، كما يتعين أن يصدر عن جهة تتوفر فيها العديد من الشروط ووفق كيفيات مضبوطة منصوص عليها في القانون المؤطر.

ويقصد بحكم التحكيم، ذلك الحكم النهائي الذي تصدره هيئة التحكيم في موضوع النزاع، سواء كان الحكم شاملا لكل النزاع أو لجزء منه، وسواء قبلت هيئة التحكيم طلبات أي من الطرفين كلها أو رفضتها كلها، أو قبلت جزءا منها ورفضت الجزء الآخر. ففي النزاع المعروض على هيئة التحكيم، قد يطلب أحد الطرفين طلبات معينة يرفضها الآخر كاملة، بل ويتقدم بدعوى متقابلة، وبعد تبادل المذكرات وتقديم البينات، تحجز الهيئة الدعوى للحكم، وتصدر حكمها النهائي في كل طلبات الطرفين مرة واحدة، وهذا هو الحكم النهائي الشامل.

أهمية الموضوع

    انطلاقا مما سبق الإشارة اليه فان أهمية هذا الموضوع تكمن أساسا وراء الغاية التي جاء من أجلها تنظيم المشرع المغربي لمسألة صناعة حكم التحكيم عبر المقتضيات القانونية التي تؤطره، وما يرتبه من اثار تشكل بالأساس ثمرة مجهود الهيئة التحكيمية، للحسم في النزاع الذي يكون في نهاية المطاف تجسيدا لرغبة الأطراف وفق مبدأ سلطان الإرادة ومن جهة ثانية الابتعاد عن المنازعات القضائية التي من شأنها إطالة عمر المسطرة.

إشكالية الموضوع

    تتمحور إشكالية هذا الموضوع حول مدى تفوق المشرع المغربي في وضع قواعد أساسية ملائمة لصناعة حكم التحكيم نظرا لطبيعة النزاعات وتأثيرها داخل العلاقات التجارية وكيف يساهم ذلك في التشجيع على ولوج هذه المؤسسة الاختيارية وانعكاسات ذلك على مردود المقاولة والعلاقات التجارية.

وتتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة التالية:

ما ماهية الحكم التحكيمي والإجراءات المتبعة؟

ما مراحل اصدار الحكم التحكيمي واثاره؟

المنهج المعتمد

اعتمدنا في هذا البحث على المنهج الوصفي من خلال وصف بعض الأمور المتعلقة بموضوع البحث 

وكذلك المنهج التحليلي عبر تحليل مجموعة من المقتضيات القانونية والوقوف عندها

سنحاول الإجابة عن هذا الاشكال من خلال التقسيم التالي:

المبحث الأول: ماهية الحكم التحكيمي ونظام الطلبات والدفوع

المبحث الثاني: مراحل صدور الحكم واثاره

المبحث الأول: ماهية الحكم التحكيمي واجراءاته

تخضع دعوى التحكيم للعديد من الإجراءات الى غاية اصدار الحكم التحكيمي الذي يتميز الحكم بمجموعة من الخصائص، حيث يتعين أن يصدر متضمنا للعديد من البيانات.

المطلب الأول: ماهية الحكم والهيئة

هناك العديد من الخصوصيات التي تميز الحكم التحكيمي عن غيره من الأحكام بما في ذلك الهيئة المكلفة بإصداره حيث يجب أن تتوفر فيها هي الأخرى مجموعة من الشروط.

الفقرة الاولى: تعريف الحكم وبيان

سنحاول من خلال هذه الفقرة الوقوف عند تعريف الحكم التحكيمي والبيانات التي يتعين توفرها فيه.

أولا: تعريف الحكم لتحكيمي

    بالرجوع الى مقتضيات القانون المؤطر نجد أن المشرع المغربي قد عرف  الحكم التحكيمي, بأنه ذلك الحكم الذي يصدر عن محكم او هيئة تحكيمية, كما عرفه بعض الفقه بانه الحكم الصادر عن المحكمة الذي يفصل بشكل قطعي اما جزئيا أو كليا في المنازعة المعروضة عليه سواء تعلق موضوع الحكم بالمنازعة نفسها ام الاختصاص أم الإجراءات التي أدت بالمحكم الى الحكم بإنهاء الخصومة. [2]

 فيما عرفته اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية الصادرة عن الأمم المتحدة لسنة 1958 في مادتها الأولى بأنه يقصد بقرارات التحكيم ليس فقط القرارات الصادرة عن محكمين معينين للفصل في حالات محددة بل أيضا القرارات الصادرة عن هيئات تحكيم دائمة يحتكم اليها الأطراف.

يعتبر هذا التعريف ناقصا، وغير متضمن لكافة العناصر التي يتعين توفرها في الحكم التحكيمي والتي تميزه عن الأحكام المشابهة، فلم تتم الإشارة في هذا التعريف الى كون الحكم التحكيمي نهائيا وباتا في النزاع بأكمله أو في جزء فيه.

حيث دفع ذلك القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي اليونس ترال الى وضع تعريف دقيق و واضح للحكم التحكيمي, فعرفه بأنه كل حكم قطعي يفصل في جميع المسائل المعروضة على هيئة التحكيم, كذلك كل حكم اخر صادر عن هيئة التحكيم يفصل بشكل نهائي في مسألة تتعلق بموضوع النزاع أيا كانت طبيعتها, أو يفصل في  مسألة اختصاص هيئة التحكيم أو أي مسألة أخرى تتعلق بالإجراءات. 

ثانيا: البيانات التي يتعين أن يتضمنها الحكم التحكيمي

     بالرجوع الى مقتضيات القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية يتبين لنا بأن الحكم التحكيمي يجب أن يصدر كتابة في دعامة ورقية أو الكترونية، وأن يشار فيه الى اتفاق التحكيم

وأيضا تضمينه مجموعة من البيانات المتعلقة بأطراف النزاع والهيئة التحكيمية، حيث أشارت الى ذلك المادة 51 من القانون المذكور فقد اكدت على ضرورة أن يضم الحكم العديد من البيانات كتاريخ

 ومكان صدور الحكم وأسماء المحكمين الذين أصدروه وجنسياتهم، وهوية الأطراف.[3]

ومتى تعلق الأمر بالشخص الاعتباري، فانه يتعين في ذلك بيان النوع والتسمية والمقر الإداري

 والاجتماعي إذا كان أحد الأطراف شخصا اعتباريا، مع ضرورة تعليل الحكم إذا كان أحد الأطراف شخصا من أشخاص القانون العام. وأيضا يجب أن يتضمن هذا الحكم عرضا موجزا للوقائع وادعاءات الأطراف، والدفوع المثارة والنقط التي تم الفصل فيها.

وبالرجوع أيضا الى مقتضيات المادة 52 من نفس القانون، نجدها قد أشارت أيضا هي الأخرى الى ضرورة تحديد أتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها ببين الأطراف.

الفقرة الثانية: الشروط الواجب توفرها في الهيئة

   بصور عامة، هناك اجماع على أن الاتفاق على الشروط المطلوب توافرها في المحكم هي لغرض ضمان الحياد واستقلاله، ولكي يشعر الاطراف بالاطمئنان على قدرته في حسم النزاع، وقد يكون من المفيد أن نذكر في هذه المناسبة أن المحكم عند اختياره من أحد أطراف النزاع، فإنه لا يعتبر وكيلا عن ذلك الطرف ولا يعتبر بعبارة أخرى مدافعا أو محاميا عن وجهة نظر الطرف الذي اختاره، وانما يمكن القول ان الاختيار ما هو الا تفويض من الشخص لشخص اخر بأن يقوم هذا الأخير بحل النزاع وان يقبل الأول بما يقرره المحكم..

فعلى صعيد القوانين الوطنية، نجد أن قانون 95,17 بموجب المواد 11 و12، قد نصت على مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في المحكم، إذ يعد المحكم العنصر الاساسي اللازم لنجاح العملية التحكيمية، فبقدر كفاءته ونزاهته وحياده واستقلاله تتحقق سلامة اجراءات التحكيم، ويكون الحكم التحكيمي عادلا ومنصفا

 وعموما يمكن أن تقسم لنا الشروط التي يجب أن تتوفر في المحكم الى شروط قانونية واخرى اتفاقية.

 أولا: الشروط القانونية

   تتمثل في الشروط القانونية الواجب توافرها في المحكم وهي أن يكون المحكم شخصا ذاتيا لا معنويا، وأن يتمتع بالأهلية اللازمة قانونا، وأن يكون المحكم صالحا للقيام بمهمة التحكيم من حيث استقامته

وحسن سلوكه وأخلاقه..

فيما يخص أن يكون المحكم شخصا ذاتيا لا معنويا نجد أن الفقه انقسم حول هذا الشرط، حيث يرى اتجاه فقهي أنه لا مانع من تولي الشخص المعنوي مهمة التحكيم وذلك من خلال ممثليه، بحيث ينسب إليه في النهاية حكم التحكيم

 ويكون المسؤول عنه، وفي تقديرهم فإن اختيار الشخص المعنوي محكما على هذا النحو من شأنه أن يحفظ للقائمين بمهمة التحكيم استقلالهم عن الأطراف، لكن لاحظ هذا الاتجاه الفقهي في الأخير أن مهمة المحكم لا يمكن

أن يتولاها إلا شخص طبيعي ولو اتفق الاطراف على شخص معنوي، ولهذا فإن اختيار شخص اعتباري كمحكم يعني قيام هذا الشخص بتعيين شخص اخر طبيعي يمثله ليقوم بالتحكيم..

في حين ذهب الاتجاه الفقهي الغالب الى عدم جواز إسناد مهمة التحكيم إلا لشخص طبيعي، معتمدين في رأيهم هذا على عنصر الثقة الذي يجمع ما بين الأطراف ومحكميهم، حيث تعتبر الثقة السبب الاساسي لاختيار المحتكم لمحكميه.

كما يجب أن يتمتع المحكم بالأهلية فنظرا لجسامة المهمة التي سيضطلع بها المحكم والمتمثلة في التحكيم بين الخصوم وتحقيق العدالة بينهم، فقد اشتركت التشريعات، بالإضافة إلى شرط ذاتية المحكم، أن يكون هذا الأخير مؤهلا من الناحية القانونية، أي أن تتوفر فيه الأهلية التي تجعله قادرا على لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات أو ما يصطلح عليه بأهلية التصرف، وهي تخضع في تنظيمها للقانون الشخصي للمحكم..

وفي الأخير يجب أن يكون المحكم متمتعا بحسن الأخلاق والسلوك، حيث أن المحكم ومهما بلغ من درجات التأهيل العلمي والخبرة والتفاني في أداء عمله، إلا أنه بدون وازع أخلاقي ورادع رقابي ذاتي في نفسه يمكن ان ينحرف عن عمله، وينحاز إلى أحد الأطراف مما يؤثر في حياته واستقلاله وعدالة أحكامه، لاسيما أمام الإغراءات المادية الضخمة التي قد تعرض على المحكمين.[4]

ثانيا: الشروط الاتفاقية:

    بالإضافة إلى الشروط القانونية الضرورية منها لأي شخص أراد اعتلاء مهمة المحكم، فإنه يمكن لأطراف التحكيم الاتفاق على شروط إضافية يجب توفرها في المحكم حتى يكون مؤهلا للتحكيم في نزاعهم، فلهم الحرية في تحديد هذه الشروط والضوابط التي من شأنها أن تبت الثقة والطمأنينة في نفوسهم تجاه المحكم، وبما يجعل هذا الأخير قادرا على التحكيم في خلافهم بكل تجرد وحيادية بعيدا عن تغليب مصالح طرف على اخر[5].

 وقد نصت معظم القوانين الوطنية للدول على إمكانية فرض أطراف الاتفاق الشروط اتفاقية يجب توفرها في المحكم، وفي هذا الصدد ينص المشرع المغربي في المادة 23 من قانون رقم 95-17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية على أنه” يجب أن يراعي رئيس المحكمة المختصة في المحكم الذي يعينه الشروط التي يتطلبها هذا القانون، وتلك التي اتفق عليها الاطراف”. وهو نص يفيد بما لا يدع مجالا للشك أن للمحتكمين الحرية في الاتفاق على شروط إضافية فيما يخص الشخص الذي يتولى الفصل في نزاعهم التحكيمي، وبالتالي فالأطراف يمكنهم الاتفاق على جنس المحكم وكذلك جنسيته والاستعانة بمحكم ذو خبرة وكفاءة.

المطلب الثاني: نظام الطلبات والدفوع في الدعوى التحكيمية

سنخصص هذا المطلب للحديث عن الطلبات والدفوع في الدعوى التحكيمية

الفقرة الأولى: الطلبات الأصلية والعارضة في الدعوى التحكيمية

سنتوقف في هذه الفقرة عند الطلبات الأصلية والعارضة في الدعوى التحكيمية

أولا: الطلبات الأصلية

أ – المذكرة الافتتاحية

            تنص المادة 14-327 من ق 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية في فقرتها الأولى يجب على المدعي أن يرسل خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعى عليه وإلى كل واحد من المحكمين مذكرة مكتوبة بدعواه تشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعى عليه وعنوانه وشرح لوقائع المدعوة تحديد المسائل موضوع النزاع وطلباته وكل أمر أخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذه المذكرة ويرفقها بكل وثائق وأدلة الإثبات التي يريد استعمالها.

وتنص الفقرة الثالثة على يمكن لهيئات التحكيم أن تطالب الأطراف بتقييم أصول المستندات أو الوثائق التي يستندون إليها كلما ارتأت ذلك يمكن لهيئات التحكيم أن تطالب الأطراف بتقييم أصول المستندات   أو الوثائق التي يستندون إليها كلما ارتأت ذلك.

وتنص الفقرة الرابعة على أنه، ترسل أي الهيئة التحكيمية – صور كل ما يقدمه أحد الطرفين لهيئة التحكيم من مذكرات أو مستندات أو أوراق أخرى إلى الطرف الآخر، وكذلك كل ما يقدم إلى الهيئة من تقارير الخبراء وغيرها من الأدلة مع منحهم أجلا لتقديم ما لديهم من ردود وملاحظات

   وتنص كذلك الفقرة التاسعة من نفس المادة أعلاه بأنه يترتب على عدم تقديم المدعي دون عذر مقبول مذكرة فتح الدعوى داخل الأجل المحدد له أن تقرر هيئة التحكيم إنها إجراءات التحكيم ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك..

ومنه يتضح بأن المذكرة الافتتاحية أو ما يعرف بالمقال الافتتاحي هي العنصر أساسي المحرك للخصومة أو التي تبنى عليها الخصومة ومنها كدلك يستشف موضوع الخصومة أو وأطرافها وكذلك للوثائق التي تعزز الطلب..

ومنه يتضح كذلك أنه إذا كان يقدم المقال في الدعوى القضائية فهو نفس الأمر ما يسمى بالمذكرة الافتتاحية في الدعوى التحكيمية. التي يتقدم بها المدعي أمام الهيئة التحكيمية من أجل البث له في الطلب.

ورغم هذه الضوابط التي قررها المشرع المغربي المذكرة الافتتاحية إلا أنه لم ينضم كيفية إرسال المذكرة افتتاحية إلى المدعى عليه وأيضا للمحكمين، حيث اكتفى فقدا بشرط كتابتها وقد ينتج عن هذه الإشكالية نزاعات حول عدم توصل بالإرسال من طرف المدعي عليه أو الهيئة التحكيمية، وخاصة إذا لم يتفق الأطراف بطريقة الأرسال في الاتفاق التحكيمي. ولم يحدث كذلك طريقة العلم بتوصل المدعي والهيئة التحكيمية بالمدكرة المكتوبة.[6] وهذا ما قد يستغله المدعي عليه سيئ النية وبالتالي لتفادي هذه الاشكالات العملية: يجب على المدعي أن يستعمل وسيلة سليمة في الإرسال ليضمن اثبات توصل المدعى عليه بالمذكرة الافتتاحية.[7]

ونتساءل كذلك عن تاريخ افتتاح الدعوى التحكيمية وإرسال المذكرة الافتتاحية؟

اجابة على الوضعية الإشكالية فان تاريخ الدعوى التحكيمية سيبدأ بعد تاريخ إرسال المذكرة الافتتاحية من قبل المدعي إلى المدعي عليه أو المحكمين وترسل المذكرات الافتتاحية باتفاق الأطراف حيث لا يوجد تاريخ محدد، وفي حالة عدم وجود اتفاق فالهيئة التحكيمية هي التي ستتولى تحديد ذلك الأجل وهو ما نص عليه الفصل

14-327.[8]

أما في حالة لم تحدد الهيئة التحكيمية للأجل نجد الجواب لذلك في للفقرة الأولى من الفصل 20-327 من ق    05 – 08 التي تنص على أنه إذا لم يحدد اتفاق التحكيم للهيئة التحكيمية أجلا لإصدار الحكم التحكيمي، فإن مهمة المحكمين تنتهي بعد مضى ستة أشهر على اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته.

وتجدر الاشارة الى الفقرة التاسعة يترتب على عدم تقديم المدعي دون عذر مقبول مذكرة فتح الدعوى داخل الأجل المحدد له أن تقرر هيئة التحكيم إنها إجراءات التحكيم ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.

ونستخلص مما سبق أن المشرع المغربي حاول وضع مقتضيات تنظم وتؤطر المذكرة الافتتاحية للدعوى التحكيمية ووضع لها قواعد كألية قانونية تحمي حق الدفاع للمدعي على حقوقه، وننتقل للتعرف على المذكرة الجوابية.

ب: المذكرة الجوابية

تماشيا مع حق الدفاع وضمان للمساواة أمام الخصوم في الدفاع عن حقوقهم فقد نضم المشرع المغربي المذكرة كألية قانونية تفتح امام المدعي عليه للدفاع عن حقوقهم.

 حيث نص في الفقرة الثانية من الفصل 14-327 من .ق. 08.05 المتعلق بالوساطة الاتفاقية. على أنه يجب على المدعى عليه أن يرسل خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعي ولكل واحد من المحكمين مذكرة جوابية مكتوبة بدفاعه ردا على ما جاء بمذكرة الدعوى.[9]

وينص الفصل 21-327 من.ق.08.05 في الفقرة الثانية لا يجوز بعد هذا التاريخ تقديم أي طلب جديد أو إثارة أي دفع جديد ولا يجوز إبداء أية ملاحظة جديدة ولا الإدلاء بأية وثيقة جديدة ما لم يكن ذلك بطلب من الهيئة التحكيمية..

 ويتبين من خلال هذه المقتضيات أن المذكرة الجوابية كوسيلة تخول حق الدفاع المدعي عليه في مواجهة المدعي أمام الهيئة التحكيمية وللأطراف حرية تامة في تحديد موعد إرسال مذكرة الجوابية وكذلك موعد تقديم المذكرة الافتتاحية وعلى الأطراف استغلال هذه الحرية فيما يخدم مصلحتهم كتحديد أجل معقول يمكن الأطراف من إعداد طلباته وادعاءه والذي يحتم على الأطراف احترام هذه القواعد..

 وفي حالة عدم وجود اتفاق بين الأطراف لأجل تقديم المذكرة الجوابية، تتدخل الهيئة التحكيمية وتتولى تعديل أجل للمدعي عليه لتقديم مذكرته الجوابية وعليه فإنه على الهيئة تحديد أجل معقول يناسب المدعي عليه لإحضار دفاعه ومستنداته.[10]

ويجب في إطار التوازن والمساواة بين الأطراف ألا يقل الوقت الممنوح للمدعي عليه لإعداد مذكرة دفاعه عن ذاك الممنوح للمدعي عند تقديم مذكرته الافتتاحية.

ويلزم المدعي عليه بإرسال المذكرة الجوابية في الموعد المحدد وهو ما أكدت عليه الفقرة العاشرة من الفصل 14-327 ق 08.05 حيث نصت إذا لم يقدم المدعى عليه مذكرته الجوابية داخل الأجل المحدد له تقرر الهيئة التحكيمية في إنهاء إجراءات التحكيم دون أن يعتبر ذلك بذاته إقرارا من المدعي عليه بدعوى المدعي.[11]

فإن خصوصية وقت إرسال المذكرة الجوابية من قبل المدعي عليه و ذاك لشكليات كتابة المذكرة والبيانات التي تستلزمها نفسها التي شهدنها أعلاه, بخصوص المذكرة الافتتاحية كما تنص لذلك الفقرة الثانية من . ق.14-327

بالإضافة إلى طريقة الارسال نفس الخصوصية وهي حرية الأطراف في اختيار الوسيلة المناسبة ويستحسن اختيار وسيلة أكثر حماية لحقوقهم، وتجدر الإشارات إلى مقتضيات الفصل 14-327 في الفقرة الرابعة

ترسل صور كل ما يقدمه أحد الطرفين لهيئة التحكيم من مذكرات أو مستندات أو أوراق أخرى الى الطرف الأخر وكذلك كل ما يقدم إلى الهيئة من تقارير الخبراء وغيرها من الأدلة مع منحهم أجلا لتقديم ما لديهم من ردود وملاحظات.

وخلاصة القول إن المشرع المغربي قد حاول إلى حد ما في ترسيخ وتعزيز حق الدفاع والمواجهة بين الخصوم وبطرق وأساليب تراعي حقوق الأطراف بدءا من افتتاح الدعوى مرورا للتعرف بقواعد الطلبات العارضة.

ثانيا: الطلبات العارضة في الدعوى التحكيمية

      يراد بالطلبات العارضة تلك الطلبات التي يقدمها أحد الخصوم أثناء سير الدعوى أي بعد افتتاحها سواء كانت مقدمة من طرف المدعي أو المدعي، حيث يختلف الطلب العارض عن الطلب الأصلي بأن هذا الأخير هو ذلك الطلب الذي تنشئ عنه خصومة أو الدعوى وهنا لم تكن الخصومة موجودة إلا بعد تقديم الطلب الأصلي، أما الطلب العارض هو الذي يتم إبداؤه بعد افتتاح الدعوى وسير إجراءاتها، والطلبات العارضة لا يتصورها إلا بعد وجود الخصومة والدعوى قائمة قبل إبدائها.

وهنا تميز بين الطلبات العارضة المقدمة من طرف المدعي في مواجهة المدعي عليه فتسمى بالطلبات الإضافية

أما الطلبات العارضة المقدمة من طرف المدعي عليه في مواجهة المدعي فتسمى بالطلبات المضادة أو المقابلة.[12]

وتستخلص من هذا المنطلق أن الطلبات العارضة هي التي تغير موضوع الدعوى الذي افتتحت به بالطلب الأصلي إما بإضافة جديد في الدعوى أو تأكيد ما تضمنته ما يجعلنا أمام هذه الخصوصية للطلبات، ننتقل لدراستها في مجال التحكيم.

 ومن خلال الفقرة الثانية من الفصل 14-327 من – ق – 05- 08

يتضح من أن تقديم الطلبات العارضة في الدعوى التحكيمية أمر جائز في مجال التحكيم إلا أنه له خصوصيته تتجلى في اشتراط لقبول الطلبات العارضة، أن تكون مرتبطة بشكل كافي مع اتفاق التحكيم أي ألا تتجاوز الطلبات سواء الطلبات العارضة أو المقابلة لنطاق موضوع الاتفاق التحكيمي.[13]

ي هذه الوضعية مدى إمكانية قبول الطلبات العارضة من عدمها نجد ما ينص به الفصل 14-327 الفقرة الخامسة  

“يمكن لكل من طرفي التحكيم تعديل طلباته أو أوجه دفاعه أو استكمالها خلال

إجراءات التحكيم ما لم تقرر هيئة التحكيم عدم قبول ذلك، منعا من إعادة الفصل في النزاع وهنا تبقى صلاحية الهيئة في قبول الطلبات العارض من العدم وذلك تماشيا مع خصوصية التحكيم وهي السرعة والمرونة في الإجراءات.

الفقرة الثانية: الدفوع في إطار الدعوى التحكيمية

سنخصص هذه الفقرة للحديث عن الدفوع الشكلية والموضوعية في الدعوى التحكيمية

أولا – الدفوع الشكلية والموضوعية

أ – الدفوع الشكلية

تطرق المشرع المغربي للدفوع الشكلية في نصوص متفرقة من قانون المسطرة المدنية، مثل المادة 49 التي تنص يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين

وتنص المادة 16 ق م م. جب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع     أو دفاع

لا يمكن إثارة هذا الدفع في طور الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية يجب على من يثير الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإلا كان الطلب غير مقبول. ويستشف من هذه النصوص أن الدفوع الشكلية تنقسم الى أنواع من بينها الدفع بعدم الاختصاص.[14]  

 والدفع بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى إما لتقديميها أمام محكمتين مختلفتين أو للارتباط.[15]

وتجدر الاشارة إلى أن الدفوع الشكلية لا يمكن إثارتها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، إلا أن المشرع ستثنى من هذه القاعدة الدفع بعدم الاختصاص النوعي والمكاني، حيث يمكن من إثارته في طور الاستئناف وذلك بالنسبة للأحكام الغيابية فقط.[16]

ونستخلص بأن الدفوع الشكلية تحكمها العديد من الضوابط والقواعد أمام المحاكم الرسمية، وبالتالي هو نفس الأمر بالنسبة لمجال التحكيم وان كانت له خصوصية خاصة في بعض الأحيان لأنه لم تنظم بشكل مستقل وكافي في القانون الخاص بالتحكيم وبالتالي تستدعي الرجوع الى النصوص العامة المنضمة

ب – الدفوع الموضوعية

لم يعرفها المشرع المغربي وعيه قد عرفها بعض الفقه بأنها تلك الدفوع التي تتعلق بموضوع الخصومة

اذ ينازع بها الخصم في الحق الذي يدعيه خصمه، كالدفع بانقضاء الدين المطالب به أو إنكار وجود 

ينص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 09 -327 من القانون رقـم 05-08 على أنه “على الهيئة التحكيمية، قبل النظر في الموضوع، أن تبت، إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة أو حـدود اختصاصاته وتخول للأطــراف أحقية طلب الهيئة التحكيمية أن تنظر في صحـة أو حدود اختصاصها قبل البت في موضوع النزاع.

ثانيا: الدفع بعدم القبول  

يقصد بالدفع بعدم القبول ذلك الدفع الذي لا يوجه إلى موضوع الدعوى بالمعنى الدقيق ولا يوجه إلى الإجراءات وإنما يوجه إلى الحق في الدعوى، أو بعبارة أخرى إلى مكنة الحصول على حكم في موضوع النزاع، وموضوع هذا الدفع هو التمسك بعدم توافر شرط من شروط الدعوى كانتفاء الصفة أو انتفاء المصلحة أو تقادم الحق موضوع الدعوى أو انقضاء الميعاد الحتمي لرفع الدعوى أو حجية الأمر المقضي. ويخضع الدفع بعدم القبول لجملة قواعد أخصها أنه يجوز إبداؤه في أي حالة تكون عليها الدعوى، فلا يسقط بالكلام في الموضوع، ولا يجوز الحكم الصادر فيه حجية الأمر المقضي، ويضيف البعض إلى ذلك أنه يجب الفصل فيه استقلالا، وأن الحكم الصادر فيه لا يستنفد سلطة مصدره بالنسبة لموضوع الدعوى، وهذا كله ما ينطبق على الدفوع بعدم القبول المثارة أمام هيئة التحكيم، بمثل ما ينطبق على الدفوع بعدم القبول المثارة أمام المحكمة.[17]

المبحث الثاني: مراحل صدور الحكم واثاره

من أجل اصدار الحكم التحكيمي فانه يتعين أن يمر بمجموعة من المراحل

المطلب الأول: مراحل صدور الحكم

    بعد انتهاء الهيئة التحكيمية من إجراءات التحقيق والمناقشة واعتبارها القضية جاهزة فإنها تحدد تاريخ حجزها للمداولة، وكذا التاريخ المقرر لصدور الحكم.

الفقرة الأولى: المداولة

تقع المداولة بعد انتهاء المحكمة من مناقشة القضية، حيث لا تقبل الهيئة التحكيمية خلالها أي طلب

أو مستند من الخصوم الا بناء على طلب وقفل باب المرافعات، وذلك تمهيدا لإصدار الحكم الا أن هذا الأمر لا يعتبر باتا ولا رجعة فيه، اذ يمكن لهيئة التحكيم أن تقرر سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب إعادة فتح باب المرافعات إذا تبين لها أنه بحوزة الخصوم مستندات مهمة يمكن أن تساهم في كشف الحقيقة.  فيتوخى من المداولة درس القضية وتمحيص الأدلة والمستندات وتبادل الآراء بين المحكمين. تتم المداولة بأي مكان تم الاتفاق على الاجتماع فيه وفي أي ساعة. فتتم المداولة بأغلبية الأصوات وينبغي على المحكمين التصويت لفائدة مشروع الحكم التحكيمي أو ضده. وتعتبر المداولة من قواعد النظام العام حيت يترتب على عدم سلوك هذه المسطرة بطلان الحكم التحكيمي ككل.[18]

الفقرة الثانية: صدور الحكم

بعد اجراء المداولة والتصويت لفائدة مشروع الحكم أو ضده يتعين إصداره بشكل سري حيث تنتقل الهيئة الى النطق بالحكم التحكيمي والذي يجب أن يكون بأغلبية الأصوات متى كانت الهيئة تتشكل بأكثر من محكم اما إذا كان المحكم فردا فلا اشكال بهذا الخصوص. وفي حالة تعدد الأصوات يرجع رأي رئيس الهيئة ويمكن تضمين الرأي المخالف في محضر مستقل حيث يدفعنا هذا الأمر الى التساؤل حول أهمية اجراء التصويت؟ وما الغاية من وراء تضمين الرأي المخالف في محضر مستقل طالما أن ما يميز سلوك هذه المؤسسة لحل النزاعات هو طبيعة هذه المؤسسة الاختيارية؟ وما الآثار التي تترتب عن ذلك؟

اذا فبعد أن يتطلب الاتفاق النطق بالحكم وقررت الهيئة ذلك فانه يتعين أن يتم ذلك شفويا في هذه الجلسة و بشكل سري ولا يلزم في ذلك ان يحضر النطق بالحكم جميع أعضاء الهيئة الذين اشتركوا في المداولة ووقعوا على الحكم ماعدا اذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، ومهما كان فان الحكم التحكيمي يجب ان يصدر في جلسة معلومة المكان و الزمان.

المطلب الثاني: أثار حكم التحكيم

    ينتج عن الحكم التحكيمي انتهاء مهمة هيئة التحكيم، واكتساب حجية الأمر المقضي به.

 الفقرة الأولى: انتهاء مهمة هيئة التحكيم

    إن أول وأهم أثر لصدور الحكم التحكيمي، يتمثل في رفع يد المحكمين عن الدعوى وبالتالي ينهي حكم التحكيم عمل هيئة التحكيم باستثناء الحالات المشار إليها في المادة 55 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة: ” ينهي الحكم التحكيمي مهمة الهيئة التحكيمية بشأن النزاع الذي تم الفصل فيه،

غير أنه يمكن إصلاح كل خطأ مادي أو خطأ في الحساب ورد في الحكم التحكيمي بعد استدعاء الأطراف إما:

  • تلقائيا من طرف الهيئة التحكيمية داخل أجل 30 يوما التالية من صدور الحكم التحكيمي
  • بطلب من أحد الأطراف داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الحكم التحكيمي

كما يمكن للأطراف تقديم طلب تفسير الحكم التحكيمي وفق نفس الشروط أعلاه

ويمكن للهيئة التحكيمية، بناء على طلب أحد الأطراف إصدار حكم تحكيمي تكميلي داخل أجل ستين يوما من تاريخ تبليغ الحكم التحكيمي، بشأن طلب وقع إغفال البت فيه، وذلك بعد استدعاء الأطراف

إذا لم تبت الهيئة التحكيمية في الطلب داخل الأجل المذكور تطبق مقتضيات المادة 56 (من نفس القانون)”

   على ضوء هذه القراءة يتبين لنا أنه كلما تعلق الأمر بتفسير حكم التحكيم أو تصحيحه والإضافة إليه أن المشرع المغربي أعطى للهيئة التحكيمية على غرار المحكمة، صلاحية النظر فيما يخص الحالات المذكورة، أيضا إذا تعلق الأمر بإصدار حكم تكميلي بشأن طلب وقع اغفال البت فيه، في خضم الحديث عن حكم التحكيم التكميلي، اشترط بعض الفقه المصري لتكملة الحكم التحكيمي ألا يكون ميعاد التحكيم قد انتهى لأنه بفوات أجل صدور الحكم تنتهي سلطة المحكم.

  وعليه تمثل الحالات المذكورة مجمل الحالات التي توقف عمل هيئة التحكيم. فباستثناء هذه الحالات فإن حكم التحكيم ينهي عمل الهيئة التحكيمية وبالتالي استنفاذ هيئة التحكيم لولايتها كمبدأ عام على أنه ينبغي أن نؤكد على أنه استنفاذ هيئة التحكيم لولايتها أمر لا يتحقق إلا إذا كانت هذه الهيئة قد أصدرت حكمها قطعيا في النزاع المعروض عليها وفي حدود هذا الحكم.[19]

 فإذا كان الحكم القطعي الذي أصدرته هيئة التحكيم قد فصل في كل النزاع المعروض عليها فإن استنفادها لولايتها يكون عاما، أما إذا كان الحكم القطعي الذي أصدرته هيئة التحكيم لم يفصل إلا في جزء من النزاع المعروض عليها فإن استنفاذ ولايتها ينحصر في حدود هذا الجزء فقط.

الفقرة الثانية: اكتساب الحكم التحكيمي حجية الشيء المقضي به

  قد يخطر على البال أن حكم المحكمين ليست له حجية الشيء المقضي به على اعتبار أن هذه الصفة لا تمنح إلا للأحكام الصادرة عن القضاء، أما ما يصدر عن باقي الجهات الأخرى ومنها التحكيم فليست له حجية الشيء المقضي به مند صدوره. ذلك أن التحكيم ولو أنه قضاء خاص وكذا ارتباطه بعقد فلا يجب اغفال أن المشرع اعترف للمحكمين بصلاحية الفصل في نزاعات الأفراد ونظم التحكيم واعتبر ما يصدره المحكمون من أحكام له صفة الأحكام القضائية، وأوجب على المحكمين تطبيق نفس الإجراءات المسطرية والقواعد الجوهرية وكأن النزاع عرض على المحكمة المختصة. [20]

 المشرع المغربي أضفى على الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه، وهذا ما أكدته المادة 53 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة.[21]

وبهذا يمكن القول إن لأحكام المحكمين حجية فيما قضت به بين أطراف الخصومة لا يجوز معها طرح نفس النزاع الذي تم فصله عن طريق التحكيم على القضاء مرة أخرى أو على هيئة قضائية ثانية إذ أن الحجية التي اكتسبها الحكم تمنع ذلك.

كما يعتبر الحكم التحكيمي بمثابة حكم قضائي من حيث أثاره وإن كانت تنقصه صيغة التنفيذية لصدوره عن أشخاص لا يتحلون في الأصل بصفة قاضي.

 ومن أهم الأثار التي تترتب على المحكمين هي:

  يتمتع الحكم التحكيمي بما تتمتع به الأسناد الرسمية من حيث قوتها الثبوتية بحيث لا يجوز اتباث عكس مضمون حكم المحكمين ومشتملاته إلا بطريق الادعاء والتزوير.

إن لحكم المحكمين قوة الشيء المقضي به مند صيرورته قطعيا حتى قبل أن يتم إيداعه في كتابة ضبط المحكمة أو يصدر الأمر بتنفيذه، وعليه لا يجوز إثارة النزاع الذي انتهى إلى صدور حكم المحكمين من جديد أمام القضاء.

خاتمة

     بناء على ما سبق، يمكن القول إن الحكم التحكيمي وعلمية صناعته، تشكل حلقة مهمة في نظام التحكيم

 وصمام الامان لحقوق ومصالح الأطراف، وتكريس للمبادئ الأساسية للتقاضي، وبالرغم مما للأطراف

 و الهيئات التحكيمية من سلطة في تنظيم الدعوى و اختيار القواعد الإجرائية الملائمة للنزاع التحكيمي، إلا أنه في مقابل ذلك يتعين احترام هذه المبادئ العامة التي تحكم النزاع التحكيمي من حق للدفاع وما يتطلبه من تمكين الاطراف و على قدم المساواة من عرض طلباتهم و دفوعاتهم و تقديم ما لديهم من أدلة و مستندات و حق المواجهة و ما يستدعيه من ضرورة مناقشة و ابداء كل طرف رأيه حول العناصر القانونية و الواقعية التي سيبنى عليها الحكم التحكيمي، و مبدأي الحياد و الاستقلال و ما يتطلبانه من صفات و اخلاق و سمات في شخصية المحكمين و التي من شأنها أن تجعلهم في منأى عن الحكم حسب هواهم ، و ترتيب الاثار القانونية المتوخاة منه ، وهذا ما كرسه المشرع المغربي من خلال قانون 95,17 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية ؟ وعموما فإن صناعة حكم التحكيم وترتيب اثاره، يبقى متوقفا على تنفيذه، وفي هذا السياق يمكننا طرح الإشكالية التالية:

ماهي أهم الاشكالات القانونية التي تعترض تنفيذ الحكم التحكيمي.؟ 


1 – شكري أحمد السباعي، الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن، الجزء الأول، النظرية العامة للتجارة والتجار.

 2 – ناصر أحمد صالح حيدر، تنفيذ أحكام التحكيم الطبعة الأولى 2017 دار السلام للطباعة والنشر الرباط ص 15-16

                                                                                          

 3- المادة 52 من ق 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية

4 – إبراهيم العسرى ضمانات التحكيم التجاري أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص مركز دراسات الدكتورة في القانون والاقتصاد 306

  السنة الجامعية 2016-2015 ص 268-303- 304 جامعة محمد الأول كفية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية.

 

6- إبراهيم العسرى م س ص 167 وما يليه

7- وما له من أثر سلبي على المدعي من إضرار بمصالحه المادية وطول الوقت والإجراءات وقد تصل درجة ضياع الحقوق.

8- جب على المدعي أن يرسل خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعى عليه وإلى كل واحد من المحكمين  

مذكرة مكتوبة بدعواه تشمل على اسمه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد المسائل موضوع النزاع، وطلباته وكل أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذه المذكرة ويرفقها بكل الوثائق وأدلة الإثبات التي يريد استعماله

9-ومن هذا النص فإن المذكرة الجوابية كوثيقة تشمل عدة بيانات قد يكون موضوعها من الدفوع الشكلية أو الموضوعية يقدمها المدعي عليه للرد  

عن المدعي وتقدم للهيئة التحكيمية للبث في النزاع

10- مع مراعاة حجم النزاع وكل الشروق المرتبطة به من مشاكل قانونية وواقعية

11- إن المشرع هنا كقاعدة عامة قد منح سلطان الإرادة إلى الأطراف في تقديم المذكرة الجوابية وجاء كاستثناء في النص القانوني أعلاه خول فيه   

سلطة تقديرية إلى الهيئة التحكيمية في إمكانية إنهاء الإجراءات التحكيمية في حالة عدم الالتزام بالنص أعلاه.

إلا أنه تمادي وتماطل المدعي عليه في عدم إرسال المذكرة الجوابية وما له من أضرار على مصالح الأطراف، كطول الإجراءات التحكيم ومدة النزاع التحكيمي وتعقيد إجراءات الدعوى وهذا ما لا يتمشى مع خصائص التحكيم.

12- عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية م س، ص 219 و مايلي

13- إبراهيم العسرى م س ص 2006

14- الدفع بعدم الاختصاص دفع شكلي يطلب به الخصم من المحكمة الامتناع عن الفصل في الدعوى المرفوعة أمامها لكونها غير مختصة بنظرها.

15 – يقصد بالدفع بالإحالة إخراج الدعوى من ولاية المحكمة التي تنظرها لإدخالها في ولاية لمحكمة أخرى لأحد الأسباب التالية:

الارتباط بين دعويين مختلفتين أمام محكمتين مختلفتين، تفاق الخصوم على التقاضي أمام محكمة أخرى غير التي رفعت أمامها الدعوى قيام نفس النزاع أمام محكمتين مختلفتين، ويعتبر هذا الدفع من الدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام

16-طبقا للفصل 16 من ق. م.م الفقرة الثانية من هذا الفصل لا تجيز للأطراف إثارة عدم الاختصاص بنوعيه في طور الاستئناف إلا بالنسبة

للأحكام الغيابية

17 – عكاشة محمد عبد العالي، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية الجزء الأول الطبعة الأولى ص 652

18- حمزة أحمد حداد, التحكيم في القوانين العربية الجزء الأول , ص .86

19- فاطمة الزهراء الديلال، الحكم التحكيمي و صيغته التنفيذية ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، السنة الجامعية 2011/2010،الصفحة 40

20- فاطمة الزهراء الديلال، مرجع نفسه، الصفحة 42

21- المادة 53من القانون 95.17 المتعلق بالتحكم و الوساطة “تجوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه، ……”

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك