اساس مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع وشروطها   

0
(0)

أيوب الطاهري

يعتبر المشغل هو كل شخص طبيعي او معنوي يبرم عقد الشغل مع الاجراء، ويمارس بمقتضى هذا العقد سلطة الإدارة والإشراف على اجرائه، لقاء تزويدهم بأجر يناسب الشغل. إضافة الى ذلك نجد ان الفقه يقيم سلطة المشغل  بناء على علاقة التبعية التي بوجودها يوجد عقد الشغل، وبانعدامها ينعدم. أي ان علاقة التبعية هي النواة التي تتشكل حولها سلطة المشغل، وهذا ما أكدته المادة 6 من مدونة الشغل والتي تنص على انه يعد اجيرا كل شخص إلتزم ببدل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد او عدة مشغلين، لقاء اجر أيا كان نوعه، وطريقة أدائه.[1] وعليه فالأجير عند قيامه عند قيامه بعمل قد يتسبب في اضرار قد تلحق الزبون نتيجة اهمال او عدم اخد الحيطة والحذر اثناء مزاولة نشاطه، فيقوم هذا الأخير بإلحاق الضرر سواء كان هذا الضرر مادي او معنوي، مما قد يترتب عنه قيام مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع أساسمسؤوليةالمتبوععناعمالالتابعشروط مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع.

اذا كان أساس مسؤولية المتبوع عن اعمال تابع يتم تأسيسها على أساس واحد كان من الصعوبة بمكان بحيث كانت هناك مجموعة من النظريات لتفسير هذه المسؤولية وإقامتها على أساس صحيح، فتم الأخذ في بداية الامر بالمفهوم التقليدي للمسؤولية لتفسير هذا الأساس مع تطور حالات المسؤولية عن أفعال التابعين وظهور مجموعة من النظريات بهذا الخصوص وهي . ( الفقرة الأولى) نظرية الخطأ المفترض (الفقرة الثانية) تحمل التبعية ناتجة عن ضرر بالغير.

الفقرة الأولى: نظرية الخطأ المفترض

يقصد بمسؤولية المتبوع على الخطأ المفترض ان التابع إذا ارتكب خطأ كان المتبوع مسؤولا عنه مسؤولية مفترضة، باعتبار كونه إما قد فصرفي اختيار تابعه او مراقبته او توجيهه الأمر الذي حال بينه وبين احكام الرقابة على تصرفاته. وباعتبار ان التابع هو مرتكب الخطأ ان مسؤولية المتبوع لو كانت مبنية على خطأ مفترض افتراضا غير قابل لإثبات العكس لأمكن للمتبوع رفعها عنه بنفي العلاقة السببية.

عجزت كذلك هذه النظرية عن تبرير وضع المتبوع الذي لم يقوم باختيار تابعه وإنما فرض عليه بقوة القانون او الواقع. كما هو الشأن بالنسبة لعقود العمل الجماعية، وما يجعل فكرة الخطأ المفترض مستبعدة كأساس لمسؤولية المتبوع هو الفصل 85 من ق ل ع عندما جعل قرينة المساءلة قرينة قاطعة غير قابلة لإثبات العكس [2]ولعل قصور هذه النظرية هو الذي فتح المجال لبروز نظريات أخرى في هذا الشأن.

ان مسألة مسؤولية المتبوع من اعمال التابع لم يخلو من اختلافات فقهية كما هو الحال بالنسبة للأساس التي تقوم عليه النظرية التقليدية الخطأ المفترض الذي اظهر قصوره مما أدى الى ظهور نظريات جديدة تؤسس هذه المسؤولية على افكارها. وهي تحمل التبعية و نظرية الضمان، ونظرية التمثيل القانوني. ونظرية الحلول.  

أولا : نظرية الضمان

يرى انصار هذه النظرية ان المتبوع بمثابة ضامن لنتائج الاضرار التي يتسبب فيها اتباعه للغير، خصوصا في حالة إعسارهم او عند امتناعهم عن أداء ما بذمتهم فالضامن يحمل في طياته معنى الكفالة أي ان المتبوع يكمل التابع في نشاطه كما يحل محله في الأداء، وقد مال الاستاد سنهوري بدوره الى فكرة الضمان وقال ان اعتبار مسؤولية المتبوع مسؤولية على الغير يجعل المتبوع مسؤولا عن تابعه ولا يستطيع التخلص من هذه المسؤولية [3]ولو اثبت انه كان يستحيل عليه ان يمنع العمل غير المشروع الذي سبب ضررا بالغير، فالتزامه هو التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية.

 ثانيا : نظرية التمثيل القانوني

تأخذ هذه النظرية بفكرة اعتبار التابع نائبا عن المتبوع نيابة قانونية لكونه يعمل تحت إمرته ولحسابه، وينفذ أوامره قياسا على إلزام النائب الأصلي بما يقوم به من تصرفات قانونية في حدود نيابته فكذلك يلزم التابع المتبوع بما يقوم به من اعمال مادية.

ثالثا : نظرية الحلول

تقر هذه النظرية بأن التابع يحل محل المتبوع فأي خطاء مرتكب من جانب التابع فكأنما ارتكبه المتبوع في حدود الوظيفة. او بصيغة أخرى ان التابع امتداد لشخصية المتبوع. الا انه ما يعيب هذا الاتجاه هو انه مازال يحتفظ بفكرة الخطأ في نطاق هذه المسؤولية.

وعليه فإن بالرغم من تعدد النظريات فإن التشريع المغربي من خلال الفصل 85 من ق ل ع. يبدو انه اخذ بنظرية الخطأ المفترض من جانب المتبوع كأساس لمسؤولية المتبوع عن اعمال التابع. وهي فكرة من الناحية الجوهر انها تهدف الى ذات الغاية التي يهدف إليها انصار النظريات الموضوعية. ويبقى هدف واحد وهو حماية حقوق المتضرر.      

الفقرة الثانية : تحمل التبعية ناتجة عن ضرر بالغير

تتمثل مسؤولية الاجير في مجموعة من الالتزامات الملقاة على عاتقه وهذا ما نصت عليه المادة 20 من مدونة الشغل على انه يكون الاجير مسؤولا في اطار شغله عن فعله، او اهماله او تقصيره او عدم احتياط. وعليه فإن هذه التزامات ترتبط بمسؤولية الاجير عن افعاله التي يقوم بها في اطار شغله، بمعنى ان كل ما يقوم به الاجير يكون مسؤولا عنه كما قد يخضع للمراقبة من قبل المشغل، مادام ان كل واجب او التزام يقوم به احد الطرفين يشكل في حد ذاته حقا للطرف الاخر وهكذا يمكن للمشغل ان يتأكد من ان الاجير قام بالعمل الذي كلفه به وعلى شكل المطلوب. ودون ان يتجاوز الحدود التي وضعت له وعلى الاجير ان يبذل العناية في عمله على أحسن ما يرام وفي حدود ما يملكه من قدرات عقلية وجسدية ودون أي يتهاون او غش او تراخي، كما ترتبط هذه المسؤولية في شقها الثاني بما قد ينتج من اثار تترتب عن قيام الاجير بعمله من خلال ما قد يحصل من اضرار للمشغل عن طريق ما يمكن اعتباره مسؤولية الاجير التقصيرية والتي قد تختلف مظاهرها بحيث قد تكون بسبب اهماله او تقصيره او عدم احتياطه مما قد يتسبب ضررا للغير او زبون.

ويجب التمييز بين الخطأ العمد والخطأ غير العمد، هذا الأخير يكون غير مقصود يفترض في ارتكابه حسن النية، اما اذا كان هناك قصد جنائي فإننا نكون امام المسؤولية الجنائية الى جانب المسؤولية المدنية وفي الحالتين يمكن للمشغل الرجوع على الاجير ومقاضاته امام القضاء في اطار المسؤوليتين والحصول على التعويض، او قد يقتصر المشغل على توقيع احدى العقوبات التأديبية المنصوص عليها مدونة الشغل [4] وتعبيرات الإهمال، والتقصير  وعدم الاحتياط قد تتداخل فيما بينها ،فإن الإهمال يفيد ان الاجير لم يقم بعمل كان عليه القيام به أي انه امتنع عنه، بينما التقصير يعني انه قام بالعمل المسند اليه إلا انه لم يراعي فيه الضوابط او الشكل المطلوب لهذا العمل في حين ان عدم الاحتياط يقصد به انه لم يحرص على تفادي النتيجة غير متوقعة  وغير مرغوب فيها جراء قيامه بعمله وهذا ما أكده الفصل 737 من ق ل ع.

أولا : التبعية القانونية  : هي سلطة لازمة لصفة المؤجر الذي يعطي الأوامر وخضوع لازم من طرف الاجير الذي يتلقى وينفذ تلك الأوامر، أي سيطرة المشغل او رب العمل على الأجير فالمشغل هو الذي يراقب ويشرف على عمل الاجير، وبالتالي فالعمل الذي يؤدى من طرف الاجير يجب ان يؤدي في إطار التبعية والإشراف والرقابة والتوجيه وهذا ما أكدته المادة 6 من مدونة الشغل. فهي تميز الأجير عن المشغل فالأجير يخدع لإشراف وتوجيه المشغل.

ثانيا : مظاهر تبعية الاجير للمشغل

وتتجلى مظاهر تبعية الاجير للمشغل فيما يصدره من أوامر وكيف يتلقاها الاجير ويستجيب لها وفق ما جاءت به المدونة، فإذا كان الاجير يؤدي خدماته لمشغله فإن هذا الأخير يمكنه من جميع حقوقه لذلك يجب توطيد العلاقة وإزالة بعض الحواجز التي تحول دون إيجاد تعايش، وفد يؤدي الامر الى وقوع نزاع بين المشغل والاجير وقد يلحق الاجير ضرر بالغير او زبون مما يتسبب عنه قيام مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع. وفي المقابل يجب ان يمد المشغل يده الاجير من خلال خلق جسور التي توطد أواصر هذه العلاقة.[5] 


[1] المادة 6 من مدونة الشغل.

[2] عبد القادر العرعاري ، مصادر لالتزامات  الكتاب الثاني ،المسؤولية المدنية ،مطبعة دار الأمان ، الرباط ط الثانية 2005، ص 152

ينص الفصل 85 من ق ل ع : لايكون الشخص مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب، لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته.

[3] عبد الرزاق احمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجزء الأول ص 889

[4] محمد سعد جرندي : الدليل العملي لمدونة الشغل ، ط الأولى 2016، مطبعة صناعة الكتاب الدار البيضاء، ص 159 و160ومايليها .

ينص الفصل 737 من ق ل ع على انه : من يلتزم بإنجاز صنع او بأداء خدمة ،يسأل ليس فقط عن فعله ولكن أيضا عن اهماله ورعونته وعدم مهارته.

[5] محمد سعد جرندي : مرجع سابق ص 162

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك