أيوب الطاهري
مقدمة:
يعتبر حق تملك العقار من أقدم وأقدس الحقوق على الإطلاق، باعتباره حقا أصيلا طبيعيا لصيقا بحياة الأفراد و الجماعات فالأرض هي مصدر قوتهم اليومي، وضمان أمنهم وطمأنينتهم ومحل سكناهم، فهي جزء لا يتجزأ من الإنسان، وقد ارتقى المشرع المغربي بحق الملكية إلى المصاف الحقوق الدستورية، بحيث يعد حق الملكية من أقوى الحقوق العينية على الإطلاق، باعتباره يمنح صاحبه سلطة الاستعمال، والاستغلال، والتصرف، وقد أشارت جميع الدساتير المغربية إلى أن حق الملكية حق مضمون وهو ما جعل تملكها يكتسي أهمية خاصة سياسية و اقتصادية ة اجتماعية و قانونية، غير أن حب الأرض وحب تملكها وقيمتها المادية و المعنوية ولد الأفراد ذوي النيات السيئة سلوكاتهم تدفعهم إلى التمسك بها والسعي دائما لحيازتها وسلبها و الاستلاء عليها بجميع الطرق ولو باستعمال العنف الشيء الذي يترتب عنه العديد من النزاعات التي تستوجب حمايتها منهم، وفي هذا الصدد ثم إقرار مجموعة من المقتضيات الزجرية التي تهدف الي الحيلولة دون تعرضه للاعتداءات المتمثلة في الاستلاء و الانتزاع وذلك من خلال تجريم ومعاقبة كل فعل يرمي إلى المساس بهذا الحق بعقوبات سالبة للحرية وبغرامات مالية، كما نشير أنه كلما اجتهدا المشرع الجنائي في فرض قواعد حمائية كلما تطورت الجريمة، إذ نجد أن تطور الجريمة في المجال العقاري هو الأكثر شيوعا، على اعتبار أن جرائم الاعتداء على العقار هي الجرائم التي تكثر فيها الحيل القانونية و الثغرات التي تستغلها العصابات المنظمة، بحيث أصبحنا أمام انتزاع عقارات تتواجد بعمق المدن الكبرى وفي أماكن ترتفع فيها الأسعار من اجل استغلالها. الشيء الذي دفع المشرع المغربي الوقوف وقفة تأمل للنظر في هذه المشاكل وما تحتاج إليه من أليات قانونية ومؤسساتية كفيلة بمواجهتها خصوصا في الشق المتعلق بجرائم الاعتداء على الأملاك العقارية وما تسببه من مشاكل اجتماعية اقتصادية وبيئية تؤثر سلبا على السياسات الوطنية في مجال العقار، بنيات تحتية، مدارس، مستشفيات، جامعات، طرق قناطر، سدود، مشاريع سكنية صناعية وتجارية….
وعليه فالجريمة هي سلوك انساني غير مشروع تؤدي الفرد والمجتمع، ويعاقب عليها بمقتضى القانون طبقا لمبدأ لجريمة ولا عقوبة إلا بنص، الان الأصل في الأفعال هو الإباحة والتجريم، ويمثل التجريم إحدى الوسائل الفعالة في توفير الحماية الجنائية للحيازة ولبعض الأملاك العقارية الخاصة نظرا الارتباط الجريمة بالعقوبة وهو تلازم منطقي إلى تحقيق الردع العام والخاص. وعلى هذا الأساس قرر المشرع فصل وحيد وفريد وهو الفصل 570 من القانون الجنائي المغربي كإطار قانوني عام ينظم الاعتداء على الأملاك العقارية كما يقرر عقوبات وغرامات مالية على كل معتدي على هذا الحق. وعليه فإن المقصود بالاعتداء على الأملاك العقارية هو التعدي على الأراضي او الفضاء أو المباني دون سند قانوني وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي بالغصب.
أهمية الموضوع:
ان لهذا الموضوع قيد التحليل والمناقشة يكتسي أهمية بالغة ومكانة متميزة في مجال الدراسات القانونية وذلك بالنظر لعدة اعتبارات منها
- ماهو اجتماعي: تعد الأرض من اهم أسباب تماسك القبيلة وافراد العائلة وذلك للرغبة الأكيدة في الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها، فعلى الأرض يشيد الإنسان مسكنه وكذا محلا الاعمال الاجتماعية، كما يعتبر من جهة مقياسا للثروة، وعنوانا للمكانة الاجتماعية.
- ماهو قانوني: إن الغاية من هذه الدراسة بالدرجة الأولى تحديد ملامح هذه الجريمة من خلال القانون الجنائي المغربي ومحاولة جعل الحقوق العقارية تقوم على أساس ثابث.
- ماهو اقتصادي: يعتبر العقار عنصر أساسيا في بناء الاقتصاد الوطني ومنطلقا الأنشطة الاقتصادية فهو يساعد المقاولات الصغيرة والمتوسطة على إنجاز مشاريع كفيلة بخلق مناصب شغل مهمة، مما يخفف العبء الكبير الذي تتحمله الدولة، ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف ولا الوصول إليها دون وجود رصيد عقاري وأمن عقاري مستقر غير متنازع عليه يصلح أن يكون أرضية للإستثمار وجلب رؤوس الأموال.
اشكالية الموضوع:
إن إشكالية جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية يمكن اختزالها في السؤال التالي: ماهي ملامح جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية وما مدى إسهام المقتضيات الزجرية الموضوعية الحالية الواردة في القانون الجنائي المغربي في وقف الاعتداء على الأملاك العقارية؟
المنهج المعتمد:
في دراستنا لهذا الموضوع سوف نعتمد على المنهج الوصفي من اجل الوقوف على المقتضيات القانونية التي تجرم الاعتداء على الأملاك العقارية، وكذا المنهج التحليلي من اجل تحليل بعض النصوص القانونية وفهمها وبالأخص الفصل 570 من القانون الجنائي.
وعليه وللإلمام بموضوع جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية إرتأينا تقسيم الموضوع إلى مطلبيين أساسيين:
- المطلب لأول: العناصر التكوينية لجريمة الاعتداء على الأملاك العقارية.
- المطلب الثاني: السياسة العقابية لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير.
المطلب الأول: العناصر التكوينية لجريمة الاعتداء على الأملاك العقارية
إن المقصود بالاعتداء على الأملاك العقارية هو التعدي على الأراضي أو الفضاء أو المباني دون سند قانوني، وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي بالغصب، ومن الناحية القانونية ومن خلال الفصل 570 من القانون الجنائي نلاحظ أن المشرع قد قرن مفهوم الاعتداء بالانتزاع. ويتضح أن فعل الانتزاع في جوهره سلوك وردة فعل، لا تتأتى واقعيا إلا بالقهر والعنف الشيء الذي يوسم فعل الانتزاع بالاعتداء.
وعليه تقوم جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية كغيرها من الجرائم على الأركان الثلاثة المعروفة، وهي الركن القانوني الذي يجرم الفعل ويعاقب عليه عملا بالمبدأ المعروف لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، حيث لا يمكن تجريم أي فعل مالم ينص عليه القانون، ثم الركن المادي الذي يتجسد في ذلك النشاط الذي يقوم به الجاني ويؤدي إلى نتيجة إجرامية أي أنه ذلك النشاط الخارجي للفاعل الذي يعطي للجريمة وجودا في العالم الخارجي. والركن المعنوي الذي يعتبر من العناصر الأساسية في قيام جريمة فهو الذي يضفي الصفة الإجرامية على فعل انتزاع الحيازة، وإذا كان الركن القانوني لا يثير أي إشكال والذي يتمثل في الفصل 570 من القانون الجنائي[1] فإن الركن المادي والمعنوي يحتاج إلى شيء من التفصيل، وذلك على الشكل الذي سوف نخصص (الفقرة الأولى) الركن المادي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير،ثم (الفقرة الثانية) الركن المعنوي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير.
الفقرة الأولى: الركن المادي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير
يعرف فقهاء القانون الركن المادي بالسلوك المادي المحسوس الذي يأتيه الفاعل سواء بقوله أو فعله أو بامتناعه، يتجرم من خلاله نيته الإجرامية ويقع بالتالي تحت طائلة العقاب، وبعبارة أخرى هو ذلك النشاط الخارجي للفاعل والذي يعطي للجريمة وجودا في العالم الخارجي[2].
والقانون الجنائي لا يعاقب على مجرد الأفكار و النوايا التي لم تترجم إلى أفعال مادية والتي تعد بمثابة الفعل غير المشروع الذي يعكس النية والقصد الجنائي، وهذا ما يقتضيه القانون الجنائي في الفعل المجرم للاعتداء على الحيازة العقارية. وعليه يتكون الركن المادي لهذه الجريمة من ثلاث عناصر أساسية:
أولا: فعل الانتزاع
يتحقق الركن المادي في جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير في الاستيلاء، الفعلي على العقار وحرمان الحائز السابق من حيازته ويكفي لقيام هذه الجريمة أن تتوفر للمشتكي الحيازة التي تفيد وضع اليد ولا تشترط الحيازة بالمفهوم الذي تثبث يه الملكية، ولذلك يعاقب من يتعرض للحائز الفعلي حتى لو كانت الملكية شائعة أو متنازعا عليها بين المتعرض و الحائز وهو ما عبر عليه التشريع المصري بفعل الدخول، ويقصد بدخول المكان أو العقار الولوج إليه من أي طريق وهو كل فعل يعتبر تعرضا ماديا للغير في حيازته للعقار حيازة فعلية بنية الاستلاء عليها بالقوة، أما المشرع المغربي نجده لم يقم بتحديد مفهوم محدد لفعل الانتزاع،[3] مما جعل المفهوم القانوني يتسم بالقصور فاتحا المجال للاجتهاد القضائي خصوصا على مستوى المجلس الأعلى ابقا محكمة النقض حاليا الذي يضيق مفهومه تارة ويوسعه تارة أخرى الشيء الذي برز معه المفهوم الواقعي لفعل الانتزاع مكرسا بذلك الخصوصية التي يتميز بها الركن المادي للجريمة[4]. وقد قضى المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا من جهته أن الفصل 570 من القانون الجنائي يشترط لتبرير العقاب بجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير أن يقع انتزاع العقار فعلا ، أي أن يخرج العقار من يد حائزه، وعليه اعتبر أن مجرد منع الطاعن للمشتكي من الحرث لا يعتبر انتزاعا للحيازة ولا تتوفر فيه الشروط القانونية المحددة في الفصل 570، كما أن اعتراض المتهم للمشتكين ومنعهم من استغلال العقار موضوع النزاع لا يشكل انتزاعا للحيازة بالمعنى الوارد في الفصل 570 من القانون الجنائي، وقد جاء في قرار لمحكمة النقض أنه يجب إثبات الحيازة لتصبح الإدانة بمقتضيات الفصل 570 من ق، ج كما يجب إثبات انتزاعها بوسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الصل المذكور، حيث جاء في احد قرارات محكمة النقض: لا يكفي لقيام جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير إثبات واقعة الانتزاع، وإنما أيضا إبراز الوسيلة التي تم بها الانتزاع، وهو نفس توجه المحكمة الابتدائية بطنجة في مجموعة من أحكامها نرد منها على سبيل المثال لا الحصر، الملف الابتدائي عدد 1630/2010 القاضي في منطوقه ببراءة المتهم من جنحة انتزاع عقارمن حيازة الغير لانتفاء أي وسيلة من الوسائل المذكورة في الفصل 570 من القانون الجنائي. [5]
ثانيا: أن يقع انتزاع العقار من حيازة الغير
إن الظاهر من نص الفصل 570 من القانون الجنائي أن المقصود من الحيازة [6].المعاقب عن انتزاعها من الغير بإحدى الوسائل المحددة في الفقرة الأولى والثانية من نفس الفصل هي الحيازة المادية والفعلية. ومن هذا المنطلق لا يمكن تصور قيام فعل الانتزاع إلا بشأن الحيازة التي تفيد وضع اليد، وبمفهوم اخر لا يعقل أن يتم الانتزاع من شخص لا يضع يده على العقار أي علاقة مادية بينه وبين العقار[7]. وهذا ما ذهبت إليه محمة الاستئناف في قرارها بتاريخ 25 ماي 2005 حيث جاء فيه [8]: إن تحقق الحيازة في جنحة الانتزاع عقار ليس من المفروض توفر الحيازة بالمفهوم الذي تثبت به الملكية، وإنما الحيازة التي تفيد أن المشتكي كان واضعا يده على الملك. ولكي يتحقق الانتزاع يجب أن يكون العقار محل الانتزاع مملوكا للغير أو في حيازته وقت القيام بالفعل، ويستفاد ذلك من مصطلح، غيره. الذي جاء به الفصل 570 من القانون الجنائي إذ لا تتحقق جنحة الاعتداء على الملكية العقارية إلا بانتزاع حيازة عقار مملوك للغير.
ثالثا : ان يكون محل الانتزاع عقارا.
إن واقعة الحيازة بمعنى الاستيلاء ووضع اليد على الشيء تقع على المنقولات كما تقع على العقارات، إلا أن المشرع المغربي في إطار الفصل 570 من القانون الجنائي اقتصر على الاعتداء على الأموال العقارية، أما الاعتداء على المنقولات فإنه يخضع لمقتضيات نصوص جنائية أخرى، أهمها تلك التي تعاقب على السرقة وخيانة الأمانة والنصب. وللإشارة فإن الاعتداء يتعلق بعقار محفظ أو عقار غير محفظ لان الفصل 750 لم يفرق بين الاثنين، وتطلق العقارات عادة على الأراضي كلها أو ما يتصل بها، وقد قسم القانون المغربي العقار الى عقار بالطبيعة وعقار بالتخصيص وعقارات محفظة وعقارات غير محفظة[9].
- العقارات بالطبيعة:
إن سريان مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي على أن العقار بالطبيعة يبدو واضحا، مادام فعل الانتزاع يظهر جليا من خلال وضع اليد، وهو ما يسهل عملية كشف انتزاع الحيازة دون لبس يمكن أن يشوش على القاضي لإعمال بمقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي ونميز في هذا النطاق بين العقارات المحفظة والعقارات غير محفظة.
- العقارات غير المحفظة:
تعتبر الحيازة سبب من أسباب كسب ملكية العقارات غير محفظة، عملا بمقتضيات المادة 3 من القانون 39.08 المتعلقة بمدونة الحقوق العينية. وفي هذا الإطار قد يحكم للشخص باستحقاق عقار وقبل سلوك مسطرة التنفيذ يعمل على تجريد الحائز من العقار، فهذا العمل يشكل تهديدا للأمن، وكما يقول الأستاذ عبد اللطيف الودناسي، ذلك في البادية نظرا لتفشي الأمية والجهل بالقانون ويحاول من انتزعت منه الحيازة استردادها بالقوة ويؤدي ذلك إلى سقوط ضحايا لذلك حرص المشرع على حماية حيازة العقار غير المحفظ جنائيا.
ويترتب على الحيازة المستوفية لشروطها القانونية كتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو أي حق عيني اخر يرد عليه. وانسجاما مع هذه المقتضيات التي تتعلق بالحيازة القانونية والتي أردفها المشرع بإجراء مسطري يهم الحيازة إجرائيا، عمل المشرع على حماية الحيازة من الناحية الجنائية [10].
- العقارات المحفظة:
أوضح المشرع بمقتضى الفصل 63 من القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري أن التقادم لا يكسب حقا على عقار محفظ ولا يسقطه، وأوضح بمقتضى المادة 260 من القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية أن العقارات المحفظة لا تكتسب بالحيازة.
وبهذا المعنى نتساءل هل المشرع أراد من خلال هذين النصين أن يستثني تطبيق مقتضيات الفصل 570 من ق.ج على العقارات المحفظة؟
إذا بنينا جوابنا على قاعدة المفاضلة التي تقتضي بتطبيق النص الخاص في حالة تعارضه مع النص العام، فإن الجواب طبعا هو لا لتعارض الفصلين المشار إليهما أعلاه باعتبارهما نصين يطبقان على العقارات المحفظة مع الفصل 570 من ق. ج على العقارات المحفظة لها مايبررها وذلك للأسباب الاتية:
- الفصل 570 من ق.ج والذي جرم الاعتداء على الحيازة لا يستثني العقارات المحفظة من الحماية، والقاعدة أن ما لا يمنعه القانون فهو يبيحه.
- تحديد الطبيعة القانونية للحيازة المشمولة بحماية الفصل 570 فإن اسقاط مقتضيات الفصل 63 من القانون 14.07 والمادة 260 من القانون 39.08 لا محل لهما لاستبعاد تطبيق الفصل 570 على العقارات المحفظة لإنهما يتعلقان بالحيازة القانونية لا بالحيازة الفعلية.
- العقارات بالتخصيص:
إذا كانت صفة العقار بالطبيعة لا تطرح أي إشكال بمناسبة تطبيق الفصل 570 من ق.ج فما هو الموقف بالنسبة للعقار بالتخصيص؟
ربما وللوهلة الأولى قد يتبادر إلى الذهن بأن لا حاجة لطرح مثل هذا السؤال على اعتبار أن المشرع لم يهمل هذا النوع من العقارات والتي هي منقولات في الأصل، من الحماية الجنائية بسنه مجموعة من النصوص التي تجرم الاعتداء عليها ليس بالانتزاع ولكن بأفعال أخرى قد تضاهي فعل الانتزاع من حيث الخطورة، مثل السرقة، والتخريب، والتعييب، والإتلاف، و الإحراق إلى غير ذلك من صور الاعتداء.[11]
الفقرة الثانية: الركن المعنوي لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير.
إن الركن المعنوي هو توجيه الإرادة إلى تحقيق النشاط الإجرامي، وهو ما يعبر عنه بالنية الجرمية أي أن يكون الحائز قاصدا أن يستعمل الحق لحساب نفسه، مع علمه بحقيقة ما يقدم عليه من الناحية الواقعية، فالركن المعنوي هو الذي يخرج التصرف من الأفعال المدنية إلى خانة الأفعال الجنائية وله ارتباط وثيق بنية الفاعل وتصميمه في الاعتداء على حيازة الغير[12] ويتوفر القصد الجنائي في جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية بتوجيه الفاعل إرادته إلى تجريد الحائز من حيازته للعقار وحرمان الحائز من الاستغلال. وبالرجوع للفصل 570 من القانون الجنائي فإنه نجد ينص على مجموعة من الوسائل التي يستعملها الجاني في اعتدائه على الحيازة وهذه الوسائل هي التي يعتمدها قاضي الموضوع، ويتحقق من وجودها للقول بوجود العنصر المعنوي في هذه الجريمة أو بعدمه، وبالتالي إعطاء الصبغة الجرمية لهذا الفعل.
فالركن المعنوي يعتر الأساس في قيام جريمة انتزاع الحيازة، لذلك فإن له ارتباطا وثيقا بنية الفاعل وتصميمه في الاعتداء على حيازة الغير. وتجدر الإشارة أن لهذا الركن خصوصيات ينفرد بها وتجعله مميزا، ف، فن هذا الركن برره المشرع في صور منها التدليس، الخلسة ، والعنف ، و التهديد. كما جاء في الفصل570 من القانون الجنائي كجريمة واقعية لنية الفاعل في الاعتداء على الحيازة إلا أن العنصر المعنوي في هذا الفعل على النحو المحدد في الفصل السالف الذكر هدف من ورائه المشرع تضييق دائرة تجريم أفعال الاعتداء على حيازة الغير[13]. وعموما فإن الإدانة في جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير لابد فيها من إبراز الوقائع التي استخلصت منها عناصر جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير، مع ابراز وتبيان الوسائل المعتمدة في الجريمة والمضمنة في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 570 من ق،ج.
المطلب الثاني: السياسة العقابية لجنحة انتزاع عقار من حيازة الغير.
تعد العقوبة أهم أثر من الاثار الجنائية التي تترتب عن ارتكاب جريمة ما، ويمكن تعريف العقوبة على أنها إيلام يصيب المجرم باسم المجتمع في جسمه، أو حريته، أو ماله أو حقوقه. وعليه فإن السياسة العقابية وسيلة لتنفيذ جزء محدد من السياسة الجنائية والمرتبط بالأساس بالقانون الجنائي والمسطرة الجنائية باعتبارهما أليتين محوريتين في تحديد ردود الفعل ، إلا أنه يجب التمييز بين السياسة الجنائية و السياسة العقابية إذ أن السياسة الجنائية تكتسي مجالا واسعا يتعلق بمجموعة من الإجراءات التي تشكل حلولا للحد من ظاهرة الإجرام في مستويات عدة منها ما يتعلق بالوقاية من الجريمة، والإصلاح وإعادة إدماج الجاني[14].
وعليه فالعقوبة المقررة في هذه الجريمة إما أن تكون عقوبة مخففة نصت عليها الفقرة الأولى من الفصل 570 من القانون الجنائي. (الفقرة الأولى ) وإما أن تكون عقوبة مشددة ( الفقرة الثانية).والتي نص عليها المشرع المغربي في الفقرة الثانية من نفس الفصل.
الفقرة الأولى: العقوبة المخففة
يتضح جليا من خلال الفصل 570 من القانون الجنائي أن الركن المادي لجريمة انتزاع عقار من حيازة الغير يقوم عند وضع المتهم يده فعليا على العقار موضوع النزاع، وقيامه بأفعال تؤدي إلى قطع الصلة بين العقار وحائزه الشرعي. كما يتضح من خلال الفقرة الأولى أن الخلسة والتدليس هما الوسيلتان الأقل خطورة في جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية، لذلك عاقب عليها المشرع بعقوبة أخف. إن أول ملاحظة يمكن ملاحظتها حول هذين الفعلين، هي أنهما فعلان يرتبطان بنفسية المجرم المعتدي على العقار، الذي يدبر في الخفاء لجريمة الاعتداء على العقار وما فعل الانتزاع إلا ترجمة للخلسة والتدليس[15]. وقد نص الفصل 570 من نفس القانون على أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو باستعمال التدليس. وتتمثل لنا هذه
الأفعال في أنه إما أن يتم انتزاع العقار خلسة أو بالتدليس.
أولا: انتزاع العقار خلسة
لم يرد في القانون الجنائي المغربي تعريف محدد لمصطلح الخلسة،[16] كما أن الفقه اعتمد تعريفات الواردة بالأحكام والقرارات القضائية التي عرفت الخلسة بأنها إخراج الشيء من حوزة غيره بدون علمه ورضاه، والاستلاء على العقار بسرعة وفي غفلة من الحائز كالقيام بحرث الأرض، أو غرسها في ظرف وجيز أثناء غيبة الحائز السابق أو ابتعاده من مكتن الأرض لعمل ما. وعليه فانتزاع الحيازة خلسة يتحقق بمجرد وقوعه خفية ودون علم الحائز أو في غيبته وهو ما أشارت إليه العديد من القرارات القضائية منها :
قرار محكمة النقض الذي جاء فيه: الانتزاع خلسة هو كل صورة من صور الانتزاع تتم خفية أي في غفلة من الحائز أو بدون علمه للترامي على أملاكه، سواء، كانت غيبته بعيدة أو قريبة من مكان تواجد العقار المترمى عليه[17].
وفي قرار اخر، حيث إن الشهادة السلبية تدحضها الشهادة المنتجة في الإثبات التي أدتها الشاهدة أمام المحكمة الابتدائية والتي أكدت عنصر الخلسة في حقه المتهم والمتمثل في استغلال غياب المشتكية للدخول والترامي على أرضها وبذلك يكون الانتزاع قد تم بوسيلة الخلسة [18].
وفي قرار اخر، وحيث إن أقدام المتهمة على حصاد الأرض المذكورة خلسة عن المشتكي…يجعل العناصر التكوينية للجنحة قائمة في حقها…[19]
ثانيا: انتزاع العقار بالتدليس
التدليس هو الفعل الذي يقوم به المعتدي تضليلا للتوصل إلى انتزاع الحيازة من يد الحائز الفعلي ويتحقق بكل وسائل الاحتيال التي من شأنها تضليل الغير للاستلاء على عقاره. كما يتحقق بالإدلاء بسندات أو وثائق مزورة. وهكذا تبقى الخلسة والتدليس عناصر أساسية لهذه الجريمة،[20]. فالتدليس هو كل فعل يستهدف إخفاء وقائع بهدف تضليل الغير وجره إلى القيام بأعمال لو علم بحقيقتها لما أقدم عليها. ومفهوم التدليس في الميدان الجنائي يختلف لا يختلف عن مفهومه في الميدان المدني حيث يبنى في المجال المدني على الغلط الدافع على التعاقد والذي يقع فيه المدلس عليه نتيجة استعمال وسائل احتيالية.
ونفس الشيء في الميدان الجنائي حيث يبنى التدليس على الاحتيال واستعمال الخديعة بهدف إيقاع المجني عليه في الغلط. ومن صور التدليس في العمل القضائي هو ما ذهبت اليه المحكمة الابتدائية بمراكش حيث اعتبرت أن ادعاء تملك الأرض من طرف المتهمين وأنهم ورثوها من والدهما الذي كان قد سلمها بالشركة للمدعو… هو مجرد وسيلة للتضليل مما يكون معه عنصر التدليس متوفرا طبقا لمقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي.[21] . وبالإضافة إلى الخلسة والتدليس يمكن أن يتم تنفيذ فعل انتزاع الحيازة من الغير بوسائل أخرى وفي ظروف محددة وذلك ما سوف نتطرق إليه في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: العقوبة المشددة
إن هذه الظروف هي بمثابة قرائن على انتزاع حيازة عقار من الغير والتي من خلالها يتم تشديد العقوبة في حق المتهم، بحيث أوضح المشرع المغربي بمقتضى الفصل 570 من القانون الجنائي على أنه يعاقب: بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو استعمال التدليس.
فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا أو باستعمال العنف أو التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبئا فإن الحبس يكون من ثلاثة اشهر الى سنتين وغرامة من 200 إلى 750 درهم[22].
يتضح من خلال هذه الفقرة الثانية من هذا الفصل أن الليل و العنف و التهديد و الكسر و السلاح والتعدد، هي الوسائل أشد خطورة في جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية، لذلك عقاب عليها المشرع بعقوبة أشد.
أولا: انتزاع عقار أثناء الليل
لم يعرف المشرع المغربي الليل[23] ، وإن كان يشير لبعض مقتضياته في المادة 62 من قانون المسطرة الجنائية، ولا يعتبر الوقت المحدد لعدم دخول المنازل من الساعة 9 ليلا إلى 6 صباحا معيار لدخول الليل، فالليل قد يبدأ من وقت متقدم خاصة في فصل الشتاء، حيث قد يبدأ الظلام على الساعة 6 مساء. وبالتالي فإن محكمة الموضوع تعتبر الاعتداء على الحيازة داخل هذا الوقت ظرفا من ظروف التشديد ، على اعتبار أن ظرف الليل مسألة موضوعية وليست قانونية تخضع لرقابة قاضي الموضوع، والحكمة من إدراجه ضمن الظروف المشددة أن الليل هو الوقت الذي يأوي فيه الناس إلى الراحة من عناء الاعمال، فالمجني عليه يباغت بالجريمة وقد خلد إلى الراحة واستسلم إلى النوم ، فلا يمكن الدفاع عن حرمة مسكنه.
ثانيا: انتزاع العقار بالعنف أو التهديد
- انتزاع العقار بالعنف
غالبا ما يكون العنف مرتبط بالتهديد، وهذا الأخير مرتبط بالعنف، والعنف هو تصرف غير مشروع يلحق ضررا جسمانيا بالغير ذا طبيعة مادية، فهو كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها، وهي أعمال الضرب والجرح التي تؤدي إلى إحداث ألم لجسم المعتدي عليه بغض النظر عن درجة خطورتها.[24]
والعنف المقصود في الفصل 570 هو الذي يتجلى في منع الحائزمن الانتفاع الكامل من حيازته الفعلية وحرمانه من التصرف في عقاره كالقيام بالبناء فيه مثلا لذلك يبقى التهديد بالعنف هو كل مساس بشخص صاحب العقار أو من يوجد فيه أو بدافع حيازته حيث يقع على الأشخاص لا على الأشياء. وجاء في قرار محكمة النقض: أن المنع من الحرث يشكل وجها من أوجه العنف الهادف إلى الحرمان من استغلال العقار، وبالتالي يشكل انتزاعا للحيازة.
وقد أدخل الفصل 570 من مسودة القانون الجنائي ضمن عناصر الجريمة إلى جانب العنف والخلسة والتدليس القيام بأي عمل يحد من الانتفاع بالحيازة تماشيا مع اجتهادات محكمة النقض، وهو تعديل من خلاله تم توسيع مظاهر الاعتداء على الحيازة، ومن شأنه أيضا أن يضمن حماية جنائية للعقار[25].
- انتزاع العقار بالتهديد
التهديد هو كل قول أو كتابة [26]، من شأنه إلقاء الرعب والخوف في قلب الشخص المهدد، فهو إكراه معنوي يتحقق بمجرد إنذار الشخص المهدد وقد يكون صريحا يوجهه المتهم علانية إلى من يحاول رده فيما عزم عليه، وقد يكون ضمنيا يستفاد من الملابسات المحيطة بالانتزاع وهو ما اشارت إليه الفصول 421 إلى 429 من القانون الجنائي.
ويستوي أن تكون وسائل القوة العنف أو التهديد مادية أو معنوية، ولا يقتصر استعمال القوة على الإذاء أو التعدي بالضرب بل يشمل كل ما فيه قهر، فإذا توافر التهديد المقرون بالعنف في المعتدي فإن الفعل يدخل في الفقرة الثانية من الفصل 570 من مجموعة القانون الجنائي المتعلق بظروف التشديد. وبالتالي فإن الانتزاع عن طريق التهديد من شأنه أن يضاعف من درجة خطورة الفعل المرتكب ويجعل تشديد العقوبة أمرا مقبولا. غير أنه من الناحية العملية يبقى جزاء انتزاع العقار بالتهديد لا يحقق الحماية المرجوة، كما أن القضاء لا يعاقب بعقوبة رادعة تحول دون تكرار ارتكاب الفعل، بل إن جريمة التهديد يصعب إثباتها، وغالبا ما تقضي المحاكم بالبراءة، وهو أمر يضعف من الحماية الجنائية للعقار.
ثالثا : الانتزاع بالتسلق أو الكسر
التسلق [27]، لغة هو من تسلق، يتسلق تسلقا، فهو متسلق، يقال بات يتسلق، واصطلاحا عرفه الفصل 513 من مجموعة القانون الجنائي بأنه يعد تسلقا الدخول إلى منزل أو مبنى أو ساحة أو حظيرة أو أية بناية أو حديقة أو بستان أو مكان مسور، وذلك بطريقة تسور الحوائط أو الأبواب أو السقوف، أو الحواجز الأخرى.
وأي اعتداء على العقار بواسطة الدخول إلى المساكن من غير أبوابها ومهما كانت طريقة الدخول.
أما الكسر فقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 512 من مجموعة القانون الجنائي على أنه يعد كسرا التغلب أو محاولة التغلب على أي وسيلة من وسائل الإغلاق سواء بالتحطيم أو الإتلاف أو بأية وسيلة أخرى تمكن الشخص من الدخول إلى مكان مغلق، أو من أخد شيء موضوع في مكان مقفل أو أثاث أو وعاء مغلق. فهو ارتكاب الفاعل عملا من أعمال العنف للدخول إلى المكان المراد التعدي عليه وهو نوعان كسر من الخارج ويقصد به تحطيم أو نزع أو هدم النطاق الخارجي للجدار أو المكان المراد المكان المسور أو الشقق أو الجهاز المقفل. وكسر من الداخل يقصد به تحطيم أو نزع يقع على الأبواب أو المكان أو الحواجز الداخلية، أو الخزائن أو المكاتب والأثاث وغيرها.
وتعتبر هاتين الحالتين من أكثر الجرائم شيوعا بحكم تقارب الحدود وعدم تسييجها بشكل واضح، إذ غالبا ما تسيج بأعمدة صغيرة، أو بقطع حجر ملونة بلون مغاير. أو بغرس الأشجار الزيتون أو الصبار.. مما يسهل تسلقها وكسرها والاعتداء عليها. وهنا يثور اشكال فهل تجريم هاتين الحالتين يحقق الحماية؟ أم ينبغي على المشرع إيجاد حلول أخرى أكثر نجاعة مع الأخذ بعين الاعتبار علاقة الجوار والنسب.
رابعا: الانتزاع بتعدد الفاعلين وحمل السلاح
إن التعدد هو ارتكاب الفعل من طرف شخصين أو أكثر عزموا وخططوا على تنفيد الفعل المجرم قانونا ونظرا لخطورته جعله المشرع ظرفا مشددا، وقد أدرج المشرع تعدد الأشخاص المرتكبين لجريمة انتزاع عقار حيازة عقار من الغير ضمن خانة التشديد المعاقب عليها في الفقرة الثانية من الفصل من ، م ق،ج نظرا لما يشكله هذا التعدد من خطر بالغ على الفعل المجرم. باعتبار أن تقديم المساعدة في الاعمال التحضيرية لتنفيذ الجريمة بأي وسيلة من الوسائل يجعل الفعل المرتكب أكثر خطورة من الجرم المرتكب من طرف شخص واحد، وبالتالي يبقى الاعتداء على العقار بأكثر من شخص واحد عمل من شأنه الإضرار بالأرض ومالكها، بحيث يتسبب في إلحاق خسائر مادية وجسدية تستوجب عقوبة اشد حماية للعقار والضرب على أيدي العصابات الاجرامية[28].
أما انتزاع عقار بحمل السلاح نظرا لخطورته فقد جعل له المشرع مفهوما واسعا، وأدخل العديد من الوسائل التي باستعمالها نكون أمام ظرف تشديد، ذلك أنه برجوع للفصل 303 من القانون الجنائي نجد المشرع يعرف السلاح كالاتي: يعد سلاحا في تطبيق هذا القانون جميع الأسلحة النارية والمتفجرات وجميع الأجهزة أو الأشياء الواخزة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة، ويدخل حمل السلاح في الظروف المشددة سواء كان ظاهرا أو مخبئا وقت ارتكاب العقار الاعتداء على العقار. وسواء استعمل ام لم يستعمل لأن من شأنه زرع الرعب في نفس الطرف الاخر ولا يشترط في حمل السلاح حيازة جميع الفاعلين بل يكفي إمساك أحدهم أداة تعتبر وسيلة اعتداء. فالمساس بالعقار بواسطة حمل السلاح، هو فعل جرمي وعمل غير مشروع، يدفع بالمشرع المزيد من تشديد العقوبة على المعتدي، ويدفع بالقاضي إلى عدم التخفيف من العقوبة بغاية حماية العقار[29].
خاتمة:
صفوة القول يمكن القول بأن جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية تقوم كلما توافر الركن المادي مقترنا بظرف من الظروف سالفة الذكر، سواء الواردة في الفقرة الأولى أو الواردة في الفقرة الثانية من الفصل 570 من القانون الجنائي، وبما أن العقار قد يكون موضوعا لمجموعة من الجرائم الواقعة على العقار من الاعتداء على الحيازة، والعقوبات المقررة لها باعتبارها أكبر ضمان لمواجهة كل معتد تسول له نفسه الاعتداء على عقار الغير، وارتباطا بعنوان موضوعنا فقد تم الاقتصار على جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير. لان هذه الاعتداءات تهدد الامن القانوني والقضائي والاجتماعي والاقتصادي والإداري. مما أصبحت تطرح إشكالات وإكراهات عديدة لمختلف الفاعلين في الحقل الجنائي، وعليه فإن الجانب الزجري يستوجب الكثير من التأمل والتفكير إذ بدونه لا يتأتى تحقيق الغاية التي توخاها المشرع من الحماية الجنائية للعقار، ومن تم فإن المقاربة المعتمدة للزجر والعقاب أبانت عن محدوديتها وعجزها في تصدي الاعتداءات المتكررة العقار لا سيما ظاهرة الاستلاء على عقارات الغير. مما أوجب على المشرع التدخل وتوفير حماية أكثر ضمانا للعقار. إذا يمكننا أن نبدي من موقعنا بعض الاستنتاجات والتوصيات والاقتراحات التي خلصنا إليها وهي:
- مراجعة المنظومة التشريعية الزجرية وإصلاح سياسة التجريم والعقاب، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة.
- عرض مرسوم يتعلق بتجريم ظاهرة الاستلاء على عقارات الغير.
- العقوبات الهزيلة تتنافى مع تحقيق الحماية الجنائية للعقار وهي من مكامن القصور.
- الرفع من نجاعة الأداء القضائي من خلال تبسيط المساطر، وجودة الاحكام، وتسريع إجراءات البث في القضايا.
- تشديد العقوبة وتفعيل دور القضاء الزجري باعتباره الحامي الأساسي للحقوق العقارية من الاعتداء عليها.
[1]ينص هذا الفصل على أنه: يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم من انتزاع عقار من حيازة غير خلسة أو باستعمال التدليس.
فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا او باستعمال العنف او التهديد أو التسلق، أو الكسر، او بواسطة أشخاص متعددين او كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ فإن الحبس يكون من ثلاثة اشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين الى سبعمائة وخمسين درهما.
[2]محسن الصويب، جريمة الاعتداء على الأملاك العقارية في القانون المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2014- 2015.
[3]يعرف الانتزاع بالانقطاع، ويقال نزع الشيء أي اقتلعه، وكف عنه وامتنع أما بالنسبة الانتزاع من الغير فيقصد بع إزالته من يد شخص وحرمانه منه. وبصيغة أخرى فإن الانتزاع يؤدي الى وضع اليد على العقار بدون إدن من صاحبه وبدون موافقته صراحة أو ضمنيا.
[4]عبد السلام النوينو، دور القضاء الزجري في حماية الحيازة العقارية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، ماستر القانون المدني والاعمال جامعة عبد مالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2012/2011، ص . 19.
المقصود بالاعتداء على الأملاك، التعدي على الأراضي أو الفضاء أو المباني دون سند قانوني وهو مايطلق عليه في الفقه الإسلامي بالغصب.
الاعتداء: مصدر، اعتدى، وهو التخطي ومجاوزة الحد. فهو مهاجمة الأشخاص أو الأملاك، أو المؤسسات واستعمال القوة.
[5]الملف الابتدائي عدد 1630/2010 ، الصادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة.
[6]الحيازة هي سلطة فعلية يمارسها شخص على شيء يستأثر به ويقوم عليه بفعل مادي تظهره على أنه هو صاحب حق الملكية أو حق عيني اخر.
[7]حسن البكري، الحماية القانونية لحيازة العقارات، في التشريع الجنائي المغربي، الطبعة الأولى 2001، ص 11.
[8] الملف الجنحي 6112/ 05 الصادر بتاريخ 25/05/2005، الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان، غير منشور.
[9]هشام الغلبزوري، الحماية الجنائية للعقار، رسالة نهاية الترين بالمعهد العالي للقضاء، السنة 2010-2008 الفوج 35.ص 23.
[10]عبد اللطيف الودناسي، تملك العقار بالحيازة في التشريع المغربي، ص 276.
[11]محسن الصويب، م، س ص 64 وما يليها.
[12]الشرقي حراث، الحماية الجنائية للعقار في التشريع المغربي، ط الأولى 2019 مكتبة الرشاد سطات، ص 32.
[13]كنزة غنام، الحماية الجنائية للعقار، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 2007/2006 ص 74.
[14]عبد السلام بنحدو، شرح القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ، الطبعة السادسة، 2006 ، مكتبة اسبارطيل، ص 108.
[15]محسن الصويب، م،س ص 71و 72.
[16]وتعرف الخلسة بأنها إنعدام عنصر العلم لدى الغير، وتختلف الخلسة عن الاختلاس ، فالخلسة surprise هي الطريقة احتيالية تؤدي الى الانتزاع، بينما الاختلاس sustraction هو مباشرة الفعل المجرم وأخد أموال الغير. انظر:
بربارة عبد الرحمان، الحماية الجزائية للملكية العقارية الخاصة، ص 107.
[17]قرار صادر عن محكمة النقض عدد 108 صادر بتاريخ 05/01/ 2010 في الملف الجنائي رقم 24467-868/2008.
[18]قرار محكمة الاستئناف بالجديدة عدد 1843 صادر بتاريخ 05/10/2011في الملف الجنحي رقم 887/2011.
[19]حكم المحكمة الابتدائية بابن أحمد عدد 217/2015 بتاريخ 30/12/2015.في الملف الجنحي رقم 87/2013.
[20]الشرقي حراث، م، س ص 34.
[21]قرار صادر عن محكمة الاستئناف بمراكش، عدد 1205 صادر بتاريخ 15/07/2012،ملف جنحي عادي عدد 10/809 غير منشور.
[22]الفقرة الثانية من الفصل 570 من القانون الجنائي.
[23]الليل لغة: هو مايعقب النهار من الظلام، وهو من مغرب الشمس الى طاوعها يقال اثناى الليل أي ساعته، واصطلاحا هو الفترة التي تقع بين غروب الشمس وشروقها.
[24]الفاضل الخمار، الجرائم الواقعة على العقار، ط الأولى، ص 35.
[25]شرقي حراث، م، س ، ص 37 وما يليها.
[26]التهديد قد يكون كتابيا أو شفويا، فالتهديد الكتابي يكون بواسطة محرر موقع او غير موقع عليه أو بالرسم أو بالرمز أو بالشعارات ويشترط فيه أن يكون جديا. أما التهديد الشفوي وهو أقل خطرا من التهديد الكتابي ، فهو يتم بواسطة الاقوال ويحصل عادة إثر غضب أو نقاش شديد ولا يعاقب عليه القانون الا إذا كتن مصحوبا بأمر أو شرط شفاهي.
[27]التسلق : هو دخول الأماكن المسورة من غير أبوابها باستعمال سلم أو الصعود على الجدران.
[28]جاء في قرار لمحكمة النقض: مادام الاعتداء على الحيازة وقع بأكثر من شخص واحد حسبما جاء في تعليلات القرار المطعون فيه فإن عناصر الفصل 570 من ق، ج تكون متوفرة بصرف النظر عن المناقشة في حقيقة الوقائع، قرار محكمة النقض صادر بتاريخ 14/05/1996 عدد 883/3/96 في الملف الجنحي رقم 211863/91.اورده حسن البكري ، الحماية الجنائية لحيازة العقارات.ص 93.
[29]شرقي حراث، الحماية الجنائية للعقار في التشريع المغربي م، س، ص 40 و 41
تعليقات فيسبوك