المنازعات الضريبية ، مفهومها وطرق تدبيرها

5
(4)

إعداد : أسامة بونيت

مقدمة:

تشكل الضرائب والرسوم التي في حكمها أهم مورد مالي لميزانية الدولة والجماعات المحلية، وتساهم بشكل فعال في تمويل النفقات العمومية وإنعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فقد عهد المشرع للسلطة العامة ممثلة في إدارة الضرائب والخزينة أمر فرضها وتحصيلها وزودها من السلطات والامتيازات العامة بما يكفي لأداء وظيفتها، وسن لها قواعد إجرائية تقنن مجال تدخلها للمحافظة على حقوق الخزينة كما سن في مقابل ذلك ضمانات واسعة للخاضعين للضريبة لحمايتهم من كل تعسف أو شطط قد يرتكب في حقهم من طرف الإدارة ضد حقوقهم المالية.

غير أنه بالرغم من وضوح مفهوم الضريبة واقتناع الرأي العام بإجباريتها وأهميتها فإنها مع ذلك بقيت تشكل عبء يجعل الملزمون يعملون عما على التهرب من أدائها، وإما في مقدارها تارة  أخرى، ويكون ذلك عبر رفع تظلماتهم إلى إدارة الضرائب ثم إلى المحاكم.

ويمكن تعريف النزاع الضريبي على أنه خلاف بين طرفين هما الإدارة المكلفة بالضريبة، حيث يدفع كل طرف بموقف متعارض مع موقف الطرف الآخر أمام جهاز قضائي يفصل بينهما بإصدار حكم تنفيذي وملزم[1].

ويعرف النزاع الجبائي بأنه مجموعة الأساليب القانونية التي يتم بمقتضاها فض النزاعات التي تنشأ عن تطبيق قانون الضريبة من طرف الإدارة على الملزم. فالمنازعات الجبائية إذا تعبر عن الخلاف الذي يثور بين الإدارة الجبائية والخاضع للضريبة بمناسبة قيامها بوظائفها المتعلقة بفرض الضريبة واحتسابها أو جبايتها[2].

 وظهرت المنازعات الضريبية في الأنظمة الليبرالية مع تطور الأنشطة التجارية والمالية المربحة، التي يقوم بها الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون ومع تنامي نشاط لإدارة وتعدد هياكلها وحاجتها إلى إمكانات مالية ضخمة للقيام بمسؤولياتها المتعددة.

أما في المغرب فقد كان في ما مضى يعهد للبث في المنازعات الجبائية للقضاء الشامل العادي، لكن بعد مجيء قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية أسند المشرع مهمة الفصل في النزاعات الضريبية إلى المحاكم الإدارية، وورد ذلك في الفصل الثامن من لقانون 41.90 . والمشرع بإنشائه للمحاكم الإدارية وإسناده للمحكمة الفصل في الطعون الضريبية لهذه المحاكم، كان يرمي من وراء كل هذا وضع أسس لقضاء ذي تكوين جباني، يبث في القضايا الخاصة بالوعاء أو بأعمال التحصيل، أو الأشخاص المسؤولين عنه كما يهدف إلى توفير الحماية القضائية اللازمة للمتقاضين. وتتجلى أهمية الضريبة بوجه عام في كونها إحدى وسائل السياسة الاقتصادية، ذلك لأن السياسة الجبائية تبتغي تحقيق ثلاثة أهداف وهي توفير مداخيل للدولة، وتحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة توزيع الثروات، كما تتجلى أهمية الفصل في المنازعات الضريبية في ضمان وحماية حقوق المكلف بأداء الواجب الضريبي من جهة و حقوق الإدارة الضريبية أو الخزينة من جهة ثانية .

  • واعتبارا للأهمية سالفة الذكر، نقترح الإشكال الجوهري التالي:

إلى أي حد استطاع المشرع الضريبي توفير الضمانات الأساسية الملزم  والإدارة الضريبية عبر اعتماد مجموعة من الإجراءات والتدابير المسطرية للبت في النزاع الضريبي القائم؟

  • ويتولد عن هذا الإشكال مجموعة من الأسئلة الفرعية يمكن إجمالها في:
  • ماهي المراحل التي تمر منها المنازعة الجبائية ؟ كيف يمكن التظلم أمام الإدارة؟
  • ماهي طرق الطعن في القرارات الصادرة؟
  • للإجابة عن التساؤلات سالفة الذكر، نقترح التقسيم التالي:

المبحث الأول: المنازعات الضريبية في المرحلة الإدارية.

المبحث الثاني: المنازعات الضريبية في المرحلة القضائية.

المبحث الأول: مسطرة المنازعات الضريبية في المرحلة الإدارية.

المطلب الأول: المنازعات المقامة امام الإدارة الضريبية .

لقد منح المشرع المغربي الملزم بالضريبة حق المنازعة في الأساس التي فرضت عليه الضريبة او في احتسابه ذلك بتقديم مطالبة -شكاية- أمام الإدارة الضريبية (الفقرة الأولى) إضافة إلى ذلك يمكن للخاضع للضريبة -الملـزم- أن يسلك مسلك تقديم طلـب استعطافي إلى الإدارة الجبائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المطالبة امام الإدارة الضريبية.

المطالبة الإدارية تعتبر آلية من الآليات القانونية للطعن الإداري وهي كما يدل عليهـا اصطلاحا فالأمر يتعلق بنزاع في المرحلة الإدارية.

المطالبة أو الشكاية هي عبارة عن وسيلة قانونية في شكل طلب يتقدم به الملـزم بالضريبة أمام الإدارة الضريبية بهدف إعادة النظر أو مراجعة الضريبة المفروضة عليه أو إصلاح أخطاء ترتبط بتحديد أساس أو أسس الضريبة أو بحسابها، وتعتبر هذه ال مسطرة الزامية سنها المشرع وحدد مجموعة من الضوابط التي يجب احترامها عند ممارسة أو استعمال هذه الوسيلة[3].

وفي حالة عدم احترام مسطرة المطالبة الإدارية فإن المسطرة اللاحقة القضائية تعتبر باطلة مما يوحي على أن هذه المرحلة ضرورية وأساسية في إطار المنازعات الجبائية.

نطاق تطبيق الشكايات أمام الإدارة الضريبية

إن المطالبات التي قد يتقدم بها الملزم تتعدد من الطلبات البسيطة إلى الشكايات كما أنها تتنوع حسب تنوع الضرائب والرسوم وبالتالي تتعدد المقتضيات التي تنظمها، ومن هذا المنطلق يمكن التمييز بين متطلبات الوعاء ومتطلبات التحصيل.

فبالنسبة للشكايات المتعلقة بالوعاء والمنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب يجب أن تحرك إما من طرف الملزم بالضريبة أو من ينوب عنه شريطة توفره على وكالة قانونية تخول له القيام بذلك، وبالنسبة للأشخاص المعنوية كالشركات فيتم تقديم الشكاية أو التظلم من طرف ممثلهـا القانوني، ويجب أن تكون الشكاية كتابية وتتضمن المعطيات والبيانات اللازمة للتعريف بالملزم وبموضوع النزاع كتعيين الضريبة المتنازع فـي شـأنها، وفي هذا الشأن يجب إرفاق المطالبة بنسخة من الإشعار الضريبي أو بيان التصفية والوقائع والوسائل التي يستند عليها الملزم، وعدم احترام هذه الشكلية يعتبر كعيـب فـي الطـلـب قـد يؤدي إلى رفضه من طرف الإدارة الجبائية.

اما بخصوص الشروط الموضوعية فهي تهم هل المطالبة النزاعيـة أي النزاع المثـار هنا ،هل هو حول مجموع أو بعض مبلغ الواجبات الجبائية المفروضة على الملزم، حيث نصت كل من المدونة العامة للضرائب وكذا قانون جبايات الجماعات المحلية على كون النزاع ينصب على هذه المبالغ سواء بشكل كلي أو جزئي، ولعل أهم الحالات التي يستوجب فيها على وزير المالية أو الأمر بالصرف أو الأشخاص المفوضين من لدنهما للاستجابة لطلب الملـزم هـي ثـلاث أساسية حسب الفصل 236 مـن المدونة العامة للضرائب والفصل 162 من قانون الجبايات الجماعات المحلية – مبالغ زائدة على المبلغ المستحق- ضرائب أو رسوم فرضت مرتين -ضرائب أو رسوم فرضت من غير موجب صحيح.

أما بالنسبة للشكايات المتعلقة بالتحصيل والمنصوص عليها في الباب السابع من مدونـة تحصيل الديون العمومية، فهـي تـهـم إمـا المطالبة بإيقاف الأداء أو المطالبـات المعترضة على إجراءات التحصيل الجبري.

فبخصوص المطالبة بإيقاف الأداء وباستقرائنا للمادة 177 من مدونة تحصيل الديون العمومية نجدها تنص على أنه يمكن للمدين الذي ينازع في الدين كله أو جزء منه أن يعمل على إيقاف مسطرة الأداء شريطة أن يكون قد رفع مطالبة داخل الأجل المنصوص عليه في القانون والأنظمة الجاري بها العمل وأن يكون قد كون ضمانات من شانها ان تؤدي الى تحصيل الديون المنازع فيها، إضافة إلى كل الأشكال الممكنة التي يتلقاها المحاسب المكلف بالتحصيل، إلا أن هذه الضمانات يجب أن تسمح في قيمتها بتغطية المبالغ الجبائية المتنازع فيها، كما أنه في حالة عدم تكوين الضمانات أو في حالة إذا مـا قـدر المحاسب المكلف بالتحصيل عدم كفاية هذه الضمانات لتغطية الواجبات الجبائية المتنازع حولها، فإن بإمكانه تجاهلها ومتابعة إجراءات التحصيل.

أما بخصوص المطالبات المعترضة على إجراءات التحصيل الجبري فيمكن للملزم أن يعترض على إجراءات التحصيل الجبري وذلك حسب المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية، بتقديمـه مطـالبـة إدارية ويجب أن تستوفي هذه المطالبة مجموعة من الشروط منها:

1-الجهة التي ترفع إليها المطالبة هي رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل أو من يمثله.

2- أجل المطالبة بالتحصيل هو 60 يوما الموالي لتاريخ تبليغ الإجراء.

3-تقديم المستندات المثبتة لتكوين الضمانات، بمعنى أن تكوين الضمانة شرط لصحة المطالبة. أجل تقديم المطالبة: يجب أن تقدم المطالبة أمام الإدارة الضريبية وفق أجال محددة قانونا، فهي تعتبر من النظام العام، إذ أن عدم احترامها يؤدي إلى سقوط حق تقديم المطالبة أمام الإدارة ويمتد الأمر إلى سقوط الحق حتى في مباشرة المسطرة القضائية أيضا. وقد حددت المادة 235  من المدونة العامة للضرائب أجـال تقديم المطالبة بعدما كانت تختلف من ضريبة إلى أخرى كما عمل المشرع المغربي على توحيد هذه الأجال سواء فيما يتعلق بجباية الدولة أو جبايات الجماعات المحلية، وهذه الأجال هي:

– في حالة أداء الضرائب أو الرسوم بصـورة تلقائية خلال الستة أشهر المواليـة لانصرام الأجال المقررة.

-في حالة فرض الضرائب أو الرسوم عن طريق جداول أو قوائم الإيرادات أو أوامر بالاستخلاص خلال الستة أشهر الموالية للشهر الذي يقع فيه صدور الأمر بالتحصيل، تعتبر هذه الأجـال من النظام العام، كما أنهـا أجـال كاملـة بحيث لا يحتسب اليوم الأول والأخير(المادة245) من المدونة العامة للضرائب.

آثار تقديم الشكاية:

يعتبر تقديم الشكاية مـن بـيـن الضمانات المهمة التي منحها المشرع للخاضع للضريبة نظرا لما تتيحه لهذا الأخير من إمكانية اللجوء المباشر إلى الإدارة الضريبية مصدرة الضريبة المتنازع بشـأنها لحثها على مراجعة قرارها و تمتيعه بالإعفـاء أو التخفيض الذي يراه حقا له.

من بين أهم الآثار المترتبة عن تقديم هذه الشكاية هو تكريس مبدأ الحوار بين الإدارة والخاضع للضـريبة، حيث لا يختلف الاثنـان فـي اعتبـار الـحـوار مظهـرا مـن مظـاهر الديمقراطية والتقدم الحضاري، ويعتبر مناسبة للإدارة الضريبية للقيام بدراسة متأنية مستفيضة للقرارات التي سبق أن أصدرتها، ويمكن أن تخلص عند انتهاء هذه الدراسة إما إلى تزكية مطالب الخاضع للضريبة إذ اعتبرت أنها مبنية على أسس معقولة، أو إلى رفضها إذا تبين لها، أن تلك الأسباب غير جدية، وهذا ما يجعلها تمارس رقابة ذاتية عن نشاطها حيث يمكن أن تتدارك الأخطاء التي ارتكبتها وتنصـف الخاضع للضريبة الذي تضرر من جراء هذه الأخطاء دون حاجة اللجوء إلى القضاء خصوص وأن معظم الشكايات تكون إما بسبب فرض متكرر للضريبة ، أو نتيجة أخطاء تشوب الجداول الضريبية سواء تعقلت بمبلغ الضريبة أو بالشخص الخاضع للضريبة. وبعد الانتهاء من دراسة الطلب الذي يباشره مفتش الضريبة ويبدي رأيه فيه من الناحية الشكلية والموضوعية يرفع التقرير إلى الجهة المختصة (المدير الجهوي أو المدير العام لاتخاذ القرار النهائي بشأنه على ضوء نتيجة التحقيق إما بالإيجاب أو الرفض وتعليله ثم تبليغه للمعني بالأمر الخاضع لضريبة . وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يلزم الإدارة الضريبة بأجـال محدد للبث في شكايات الملزم و اتخاذ قراراتها النهائية بشأنها وبالمقابل منح المشرع للخاضع للضريبة إمكانية رفع القضية أمام المحكمة المختصة في حالة إذا لم ترد الإدارة على الشكاية خلال الستة الأشهر الموالية لتاريخ تقديم المطالبة أما إذا حصل تبليغ الملزم بقرار الإدارة فله كذلك مدة شهر يحسب من تاريخ تبليغه القرار لكي يرفع النزاع أمام المحكمة.

الفقرة الثانية: الطلبات الاستعطافية أمام الإدارة الجبائية.

الطلب الاستعطافي هو الطلب الذي يقدمه الملزم بالضريبة يلتمس فيه من الإدارة الضريبية إلغاء الغرامة والزيادات المفروضة أو التخفيف جزئيا أو كليا منها دون منازعة في أساس الضريبة أو مبلغها[4] ، وهو حق من حقوق الملزم.

ان الملزم بالضريبة الذي يسعى إلى الحصول على عطف الإدارة الضريبية يمكن أن يقدم شخصيا طلبا استعطافيا، أو تقديمه من طرف القابض المكلف بالاستخلاص. فبالنسبة للنوع الأول من الاستعطاف يوجه الملزم بالضريبة طلبه إلى الإدارة الضريبية يلتمس منها إعفاءه من الغرامات ومختلف الجزاءات بصفة كلية، وبذلك فإن طلب الاستعطاف يستهدف الضريبة لا في أصلها أو أساسها ولا في مبلغها ولكن في توابعها كما تخفف عنه الضريبة والجزاءات المرتبطة بها بصفة جزئية مراعاة لظروفه الصعبة، كما يمكن أن يطلب تأجيل دفع الضريبة أو دفعها في شكل أقساط دورية [5].

 أما بالنسبة للنوع الثاني من الاستعطاف المقدم من طرف القابض لقد حمل قانون 15.97 بمثابة مدون تحصيل الديون العمومية، المسؤولية للمحاسبين المكلفين بالتحصيل إذا تركوا أجل التقادم يمر دون القيام بإجراء التحصيل ثم تخلوا عنها إلى أن تقادمت الديون، فيتحملون من مالهم الخاص دفع المبالغ غير المحصلة إذا وصل عليها أجل التقادم، فالأصل أن المبالغ التي تؤدى إلى الدولة، يجب أن تدفع ولا يمكن للموظفين الذين ينوبون عن الإدارة أن يتنازلوا عن شيء منها لفائدة الأفراد والهيئات الخاصة لأن هؤلاء الموظفين ليسوا إلا وكلاء عن الإدارة ولا يحق لهم التنازل عن شيء من الحقوق، لذلك خول لهم المشرع المغربي الدفع بهذه المسؤولية من خلال تقديم طلب استعطافي يلتمسون فيه ذلك.

وقد نصت المادة 126 من مدونة التحصيل على أنه ” إذا لم تفض جميع طرق التنفيذ على أموال المدين وعند الاقتضاء على شخصه إلى تحصيل الديون العمومية، يقترح إلغاء هذه الأخيرة بمبادرة من المحاسب المكلف بالتحصيل”.

وتتعدد الأسباب التي تحول دون تمكين المحاسبين من الاستخلاص نذكر منها:

-عجز المدين عجزا تاما عن الوفاء بالدين الضريبي نظرا لظروفه المعسرة.

– تمكين المدين من تهريب أمواله بشكل يحول دون الحجز عليها أو لعدم وجودها أصلا.

– فقدان أو وفاة الملزمين المعينين في جدول التحصيل.

 وتتميز الطلبات الاستعطافية عن نظيرتها النزاعية، كونها لا تخضع لقواعد شكلية معينة كما أنها لا تخضع لأجل معين لتقديمها، ولا يترب عن تقديمها وقف إجراء التنفيذ ضد الملزم.

فالطلب الاستعطافي يرفع في شكل رسالة عادية تتضمن البيانات اللازمة لتحديد ظروف الملزم المعسر ويمكن توجيهه إلى الإدارة الجبائية في أي مرحلة من مراحل مسطرة فرض الضريبة من أجل إعفائه الكلى أو الجزئي من مبلغ الضريبة والجزاءات والغرامات، والطلبات الاستعطافية مفتوحة في وجه جميع الملزمين سواء قبل رفع النزاع إلى القضاء أو بعده ويمكن تقديم الطلب حتى لو تم أداء الدين الضريبي من طرف الملزم.

 وتوجه هذه الطلبات إلى السلطة العليا في الإدارة الضريبية والتي يجسدها الوزير المكلف بالمالية، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من تفويض وزير المالية سلطة البث في التظلمات الاستعطافية إلى موظفين سامين، وغالبا ما يتعلق الأمر بمدير الضرائب أو الخازن العام للمملكة كل في حدود اختصاصه[6] .

 ويتم البت في الطعون الاستعطافية على مستوى الإدارة المركزية لمديرية الضرائب حيث وإن قدمت أمام المديريات الجهوية، فهذه الأخيرة تقوم بدراسة الطلب وتبدي رأيها في هذه الطعون وتحصيلها على الإدارة المركزية لاتخاذ القرار النهائي في شأنها. وحين تتوصل الإدارة الضريبية بالطلبات الاستعطافية يتم تقسيمها إلى نوعين :

 النوع الأول يهم الأشخاص الطبيعيين والنوع الثاني يهم الأشخاص المعنويين:

النوع الأول: يركز على الوضعية المادية للشخص المشتكي خاصة الحالة الاجتماعية والاقتصادية للملزم كعمره ومهنته وأعبائه العائلية ومداخيله، كما أن الإدارة تأخذ بعين الاعتبار حتى بقية أفراد عائلته الذين يقيمون معه، من أصول وفروع فتنظر في حالتهم المادية وإمكانية مساعدتهم له على الوفاء بالضريبة، بالرغم من طابعها الشخصي.

 النوع الثاني: أما بخصوص النوع الثاني المقدم من طرف الأشخاص المعنويين فإن التحقيق في موضوعه يستهدف معرفة الوضعية القانونية للشركة، ووضعية متصرفيها وجميع من يتحملون معهم بالتضامن أمر الوفاء بديونها.

المطلب الثاني: المسطرة المتبعة أمام اللجان المختصة في النزاعات الضريبية.

الفقرة الأولى: المسطرة المتبعة أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة.

سنتطرق من خلال هذه الفقرة إلى المسطرة المتبعة أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة من خلال تقديم الطعن من طرف الملزم ، ثم من خلال تقديمه من طرف الإدارة ثم الآثار المترتبة عن ذلك.

أولا: تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة

على مستوى المسطرة المتبعة أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، يتم بداية إحالة طلب التحكيم كتابة، ويوجه عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل إلى مفتش الضريبة الذي يوجد الخاضع للضريبة في دائرة نفوذه الترابي، وبالتالي فعلى هذا الأخير أن يضمن كتابة جميع البيانات الأساسية وخاصة الوسائل التي تمكنه من تدعيم موقفه لدى اللجنة، ليقوم المفتش بإخطار رئيسها بهذا الكتاب إذ ليس من حق الإدارة الجبائية إحالة الخلاف من تلقاء نفسها إلى اللجنة.

وهكذا على الملزم الراغب في تحكيم اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، أن يطلب صراحة في جوابه على الرسالة الثانية للمفتش من خلال مسطرة تصحيح الضريبة، أنه يريد عرض النزاع على أنظار اللجنة المحلية، ويتعين عليه التعبير عن ذلك بشكل واضح.

أ – تقديم عريضة الطعن من طرف الملزم:

إذا طلب الملزم ذلك صراحة ولم يلتزم المفتش بعرض النزاع على اللجنة، وقام بعرض الضريبة يعتبر ذلك باطلا، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكمها الصادر بتاريخ 12 دجنبر 2002 حيث جاء في تعليلها ” .. وحيث ان المدعيين قد أجابوا على ملاحظات المفتش المكلف برسالة مؤرخة في 14 يوليوز 1998 يعبرون فيها عن رفضهم للأسس المعتمدة في احتساب الضريبة، وطلبوا احالة ملفهم على اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، إلا أن إدارة الضرائب بدل الاستجابة لطلب المدعي، قامت بفرض الضريبة بصورة تلقائية، وهو ما يتنافى مع المقتضيات القانونية المشار إليها أنفا باعتبارها قواعد أمرة، ويشكل مساسا بحقوق الدفاع”.

ب تقديم عريضة الطعن من طرف الادارة

إنه من الثابت أن حقوق الدفاع تعتبر من المبادئ الأساسية للقانون الأصل الذي يقتضي من الإدارة قبل إصدار مقررها القاضي بفرض الضريبة اتخاذ ما يلزم لتمكين الخاضع للضريبة من الدفاع عن وجهة نظره أمام لجان تقدير الضريبة وتقديم جميع مستنداته، وبالتالي فإن حرمان المعنيين بالأمر من هذه الضمانات الأساسية يعتبر خرقا لمبدأ حقوق الدفاع، سيما وأن هذا الحق يستمد أصوله من قاعدة مستقرة في الضمير والوجدان الإنساني تمليها العدالة المثلى، ولا تحتاج إلى نص يقررها، وهو عدم أخذ الأفراد قسرا ودون سابق إنذار.

ثانيا: آثار الطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة.

  • آثار الطعن أمام اللجنة المحلية

يترتب عن رفع الطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أثران أساسيان :

– الأثر الأول: وهو وقف أمد التقادم من تاريخ الطعن إلى غاية انصرام الشهر الثالث الموالي لتبليغ المقرر النهائي الصادر عن اللجنة المذكورة أو عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة، حيث نص البند السادس من المادة 232 من المدونة العامة للضرائب على ما يلي : “يوقف التقادم طول الفترة الممتدة من تاريخ تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة او امام الجنة الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة او امام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة إلى غاية انصرام أجل ثلاثة أشهر الموالية لتاريخ تبليغ المقرر الصادر  عن اللجنة المذكورة .” إلا أن ما يلاحظ هو غموض صياغة هذه المادة بحيث أن المقرر الذي تصدره اللجنة المحلية لا يصبح نهائيا إلا بعد تبليغه إلى الخاضع للضريبة، وعدم الطعن داخل أجل ستين يوما من تاريخ التوصل.

 – الأثر الثاني: وهو اعتبار النزاع مستمرا وعدم إقصاء المسطرة التواجهية إلى حل    رضائي بين الملزم والإدارة، وطالما أن الطرفين لم يتوصلا إلى إبرام صلح أثناء نظر اللجنة المحلية في النزاع، فإن هذه الأخيرة تصدر مقررها الذي يقبل الطعن داخل أجل 60 يوما من تاريخ تبليغ المقرر إلى الخاضع للضريبة [7].

 ب التداول بشأن اتخاذ القرار وتبليغه.

بعد الاستماع لمختلف الأطراف تأتي مرحلة التداول التي يتحتم مغادرة الخاضعين للضريبة للقاعة بمن فيهم الخبراء، ولا يبقى داخلها سوى من لهم حق التصويت، وهم الرئيس وممثل الإدارة الضريبية وممثل الملزمين وممثل العامل..

إذ تعقد الجلسة المداولة في سرية تامة، يتم من خلالها التصويت على القرار المتوصل إليه ويتخذ القرار بالأغلبية، فإن تساوت الأصوات يتم ترجيح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس ليصدر قرار اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، ولا يجوز لأعضاء اللجنة إفشاء أسرار المداولة. إنه لمن البديهي أن يتم إصدار قرار اللجنة المحلية بشأن النزاع، بعد الانتهاء من المداولات لكن هناك شروط يجب توفرها في هذا القرار باعتباره قرارا إداريا، بحيث يجب لأن يحرر أثناء جلسة المداولة من قبل المقرر، وأن يتم تضمينه جميع الحجج التي يستند إليها كل طرف ومناقشتها، ويشترط فيه أيضا أن يكون مؤرخا وموقعا من قبل كافة أعضاء اللجنة المحلية الحاضرين في الجلسة، لأن التاريخ هو الذي يمكن من معرفة دخوله حيز التنفيذ، أما التوقيع فهو الذي يبين مدى صلاحية متخذه واختصاصه بالأمر. وتجدر الإشارة إلى أن وثيقة القرار المتخذة تخضع لجانب شكلي وآخر موضوعي .

 الجانب الشكلي: لم يحدد المشرع شكلا للقرار مما يدفع اللجان إلى ابتكار مطبوعات خاصة والتي من الضروري أن تشمل البيانات التالية:

-اسم اللجنة. – تاريخ انعقاد اللجنة-أطراف النزاع-. موضوع المنازعة.- التعليل-.منطوق القرار.- أعضاء اللجنة وتوقيعاتهم. .

الجانب الموضوعي: أصبحت قرارات اللجان المحلية لتقدير الضريبة تصدر على شاكلة الأحكام الصادرة عن المحاكم، لأنها تتضمن جردا للوقائع، ثم جردا للدفوع والدفوع المضادة مع الإشارة إلى الوثائق المقدمة للجنة، وأخيرا تعليل القرار.

وبالرجوع إلى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء اعتبرت أن من حق اللجنة الوطنية أن ترفض طلب الإحالة إذا لم يكن معللا تعليلا كافيا، ولم تعتبر ذلك خوضا في أمور قانونية بل اعتبرته من قبيل الإجراءات الضرورية لقبول الطعن.

الفقرة الثانية: المسطرة المتبعة أمام الجنة الوطنية للطعون الضريبية وآثارها . يتمتع الخاضع بمجرد توصله بمقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بإمكانية التقدم بطعن ضد المقرر أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.

أولا: شروط اللجوء أمام اللجنة الوطنية

إن الطعن أمام اللجنة الوطنية لا يتم إلا في أجال معينة (أ) ووفق شكليات محددة (ب).

ا- اجال تقديم الطعن أمام اللجنة الوطنية.

أعطى المشرع الضريبي للملزمين حق الطعن باستئناف في مقررات اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبة داخل أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ تبليغ مقرر اللجنة المحلية [8].

جاء في قرار محكمة النقض ما يلي:

حيث تعيب المديرية العامة للضرائب القرار المطعون فيه بخرق مقتضيات جماعية مسطرية ، ذلك أن تاريخ وضع الأمر بتحصيل الضريبة كان في 2005/11/30 و أنها لم ترفع الدعوى إلا بتاريخ 2006/01/26 بعد مرور أكثر من 60 يوما ،واعتبرت بأن الدعوى المقدمة خارج الأجل المنصوص عليه قانونيا ومآلها عدم القبول وأبدت الحكم الابتدائي فجاء قرارها معللا بما فيه الكفاية.[9]

ويطرح من الناحية الإجرائية التساؤل عن تاريخ الطعن المقرر للإدارة الجنائية في مقرر اللجنة الوطنية، هل من تاريخ مقرر اللجنة الوطنية في حالة عدم إصدارها الأمر بالتحصيل.

إن أجل الطعن لا يبدأ في مواجهة الإدارة الضريبية من تاريخ صدور مقرر اللجنة المحلية، لأن تواجد المفتش داخل هذه اللجنة لا يفترض فيه علم الإدارة بالمقرر، كما أن المشرع الضريبي عند الزامه لمفتش الضرائب القيام بمهام التبليغ، يكون عليه تبليغ كل من الإدارة

و الملزمين على السواء لأن الإدارة من طرفي النزاع، وقد رأى بعض الفقه[10] بإمكانية تبليغ مقرر اللجنة للإدارة الضريبة من طرف الملزم متى جاء القرار في مصلحته.

وإذا كان أجل الطعن أمام اللجنة الوطنية في الحالات العادية هو ستين يوما من التبليغ فإن هذا الأجل لا يؤخذ به في بعض الحالات الاستثنائية.

ومن ذلك الحالة التي يرغب فيها الخاضع للضريبة المثول أمام اللجنة المحلية بدون ممثل له حيث حدد 10 أيام من تاريخ التبليغ لتقديم طعنه للجنة الوطنية ، إن تقديم الطعن أمام اللجنة الوطنية لا يقتضي فيه أن يتم داخل أجل معين فقط بل ينبغي أن يكون مستوفيا لشكلياته أيضا.

ب شكليات الطعن أمام اللجنة الوطنية

حدد المشرع الضريبي أجل ستين يوما لتقديم الطعن أمام اللجنة الوطنية بشرط أن يتم في شكل عريضة مستوفية للشروط المنصوص عليها في المادة 43 من قانون الضريبة على القيمة المضافة، والتي جاء فيها : “يقدم الملزم طعنه في صورة عريضة توجه إلى اللجنة المذكورة في رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم داخل أجله 60 يوما من تاريخ تبليغ مقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة وتحدد عريضة الطعن موضوع الخلاف وتتضمن عرضا للحجج المستندة إليها”.

إن المادة أعلاه تقتضي أن يتم الطعن في شكل عريضة تتضمن موضوع الخلاف والحجج التي يستند عليها الطاعن، وفي حالة عدم احترامه لهذه الشكليات يكون للجنة الوطنية الحق بالتصريح بعدم قبول الطعن، وهو نفس التوجه الذي قضت به المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 1998/12/02. وعلى العموم فإن الملزم مطالب بتقديم طعن مسبب ومتضمن للبيانات الضرورية حتى تتمكن اللجنة من الوقوف على موضوع الطعن، وقد جرت العادة لدى الجنة الوطنية في حالة ما كانت العريضة غير متضمنة لأسباب الطعن أو تنقصها إحدى البيانات  الضرورية أن تطلب من الطاعن استيفاء ما ينقصها.[11]

ثانيا: آثار الطعن أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية

اللجوء إلى  تحكيم اللجنة الوطنية من قبل طرفي المنازعة الضريبية، أو كلامهما يمكن أن يؤدي إلى التوصل إلى حل أمام اللجنة يوافق عليه طرفي النزاع كما يمكن أن يؤدي به في حالة عدم تحقق هذه الأخيرة إلى الإدلاء للجنة الوطنية برأيها في النزاع عن طريق مقرر يصدر عنها داخل الأجل القانوني المحدد لها البث فيه، كما أنه يتعذر على اللجنة الوطنية البث في النزاع المعروض عليها داخل الأجل القانوني، إما بسبب عدم عقد اللجنة الفرعية للعدد الكافي من الجلسات أو لتعقد النزاع مما يتطلب وقتا أطول للبث فيه ، وقد وضع المشرع لكل حالة من الحالات السابقة نظاما قانونيا يحدد آثارها على مستوى المنازعة الضريبية، وهذا ما سنتولى تحليله فيما يلي:

أ- حالة توصل اللجنة الوطنية إلى حل ينهي المنازعة

قد يحصل أن يتم اتفاق بين الخاضع للضريبة والادارة حول الأسس الضريبية المتنازع حولها أثناء عرض النزاع على اللجنة الوطنية كما يمكن أن تتوصل هذه الأخيرة إلى حل يتفق عليه طرفي النزاع، وهو ما من شأنه أن ينهي النزاع ويوقف المسطرة التنازعية بينهما.

ب-حالة عدم صدور أي قرار عن اللجنة الوطنية

عند انصرام الأجل القانوني الممنوح للجنة الوطنية للبث في النزاع ولم يتخذها مقرر 12 شهرا يتم وضع جدول التحصيل استنادا إلى القرار الخاضع للضريبة أو استنادا إلى أساس فرض الضريبة المعتمدة من لدن الإدارة في حالة الفرض التلقائي للضريبة ودون إدخال أي تعديل على ذلك.

وفي حالة إعطاء الخاضع للضريبة الموافقة الجزئية على الأسس المبلغة من قبل الإدارة الضريبية، أو في حالة تقديمه الملاحظات على أسباب التصحيح المراد القيام بها من طرف الإدارة، يكون الأساس المعتمد لفرض الضريبة هو الأساس الناتج عن تلك الموافقة الجزئية. وعقب انتهاء الأجل تبث اللجنة الوطنية دون صدور أي مقرر عنها، تقوم الإدارة الضريبية بإصدار الضريبة استنادا إلى الأسس المذكورة سابقا، ويؤدي الخروج عن هذه الأسس إلى نشوء حق الخاضع في اللجوء إلى القضاء لإلزام الإدارة بالتقيد به.

ج- حالة صدور مقرر عن اللجنة الوطنية .

تعتبر حالة صدور مقرر عن اللجنة الوطنية داخل الأجل القانوني، المآل العادي للطعن أمام اللجنة، غير أنه يجب أن نميز بين حالتين:

حالة مقرر يقضي بعدم الاختصاص ، وفي هذه الحالة يتم فرض الضريبة استنادا إلى الأسس التي بلغتها الإدارة إلى الخاضع في رسالة التبليغ الثانية للمفتش ،التي تدخل في المسطرة التواجهية، ويمكن للملزم أن يلجأ إلى القضاء داخل الأجل القانوني للطعن في الأسس المحددة له في هذه الحالة.

حالة صدور مقرر لا يقضي بعدم الاختصاص ،في هذه الحالة يتم وضع جداول التحصيل استنادا إلى مقرر اللجنة الوطنية، إلا أنه يجوز للإدارة في حالة تفضيل مواصلة المنازعة اللجوء إلى القضاء، وفي حالة ما إذا لم يترتب عن مقرر اللجنة الوطنية أو مقرر اللجنة المحلية نهائيا إصدار جداول التحصيل أو دوريات الإيرادات أو أمر الاستخلاص ، جاز تقديم الطعن القضائي داخل اجل 60 يوما [12].

المبحث الثاني: المرحلة القضائية  لتسوية المنازعات الضريبية.

تشكل المسطرة القضائية المرحلة الحاسمة في المنازعات الضريبية، باعتبارها آخر مرحلة يلجأ إليها المتقاضي بعد أن يكون قد استنفذ المرحلة الإدارية، دون وصوله إلى حقه يراعي خلالها القضاء التوفيق وحفظ التوازن بين مصلحتين متعارضتين مصلحة الإدارة الضريبية ومصلحة الملزمين الخاضعين للضريبة.

حيث إن إجراءات التقاضي في المادة الإدارية تستمد من القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وكذلك من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 41.90 وكذا من القوانين الخاصة بكل منازعة على حدة. وتجدر الإشارة إلى أن المسطرة القضائية هي مسطرة كتابية وحضورية تواجهية وتفتيشية.

 وعليه، سنخصص الشق الثاني من موضوع المنازعات الضريبية مفهومها وطرق تدبيرها للحديث عن طبيعة الدعوى في المنازعات الضريبية وشروط تقديمها( المطلب الأول) وطرق سير المسطرة القضائية في المنازعات الضريبية ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: طبيعة الدعوى في المنازعات الضريبية وشروط تقديمها.

الفقرة الأولى : طبيعة الدعوى في المنازعات الضريبية.

وقبل الخضوع في التفصيل بصدد طبيعة هذه الدعوى، لا بد من الإشارة إلى أن دعوى المنازعة الضريبية هاته، يمكن أن تأتي في إطار دعوى الإلغاء تارة ( أولا )، ودعوى القضاء الشامل ( ثانيا )، تارة أخرى.

وللتمييز بينهما، نؤكد أن دعوى الإلغاء تهدف بصفة عامة إلى مراقبة مشروعية القرار والحكم بإلغائه، بسبب ما يشوبه من تجاوز السلطة، والوقوف عند هذا الحد، بينما ترمي الدعوى المطروحة أمام القضاء الشامل، إلى تعديل القرار المطعون فيه وتصحيحه، واستبداله، بقرار آخر يحل محله، عند الاقتضاء[13].

أولا: الدعوى الضريبية كدعوى القضاء الشامل.

بعد أن ثم إحداث المحاكم الإدارية، وغدت تنظر في الدعويين معا، دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل، تواترت أغلب أحكامها على تطبيق المنازعة الضريبية، ضمن دعاوى القضاء الشامل[14].

وقد قضى المجلس الأعلى بعدم قبول دعوى تجاوز السلطة لوجود طريق الطعن موازي من خلال مجموعة من الأحكام، فقد إعتبر أنه “.. فيما يخص المنازعات الأخرى غير تلك المنصبة على أساس الضريبة يمكن للأشخاص المعنيين الذين فرضت عليهم الضريبة سلوك طرق الطعن المنصوص عليها في ظهير 22 نونبر 1924 المتعلق بتحصيل ديون الدولة، وذلك خلال أجل شهرين من بدء تحصيل الجدول، طرق الطعن هذه التي تخول- عند الاقتضاء وبعد فرض الطعن الإداري- التمهيدي- للمحاكم الابتدائية الفصل في النزاع، وتقبل أحكامها الاستئناف[15].

وهذا ما يؤكده المشرع المغربي في الفصل 23 من قانون المحاكم الإدارية[16]، حيث ينص على أنه ” لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء القرارات الإدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل..

ثانيا:  الدعوى الضريبية كدعوى الإلغاء.

نظم المشرع المغربي طلبات أو دعاوى الإلغاء في الباب الثالث من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية، وتعرف دعوى الإلغاء بأنها الدعوى التي يرفعها أحد الأفراد إلى الجهة القضائية المختصة يطلب منها إلغاء القرار الإداري  غير المشروع[17].

فدعوى الإلغاء في المادة الضريبية تستند إلى تجاوز الإدارة لسلطتها بشكل واضح، كأن يتعلق الأمر بفرض ضريبة لا ينص عليها القانون أو أن قانونا ألغاها أو أن تفرض ضريبة على شخص ما بعيد كل البعد عن الوعاء الضريبي المفروضة عليه، كأن تفرض الضريبة المهنية على شخص لم يسبق له أن مارس بتاتا هذه المهنة.

ويشترط لقبول دعوى الإلغاء أمام القضاء انعدام الدعوى الموازية، فلا يقبل طلب الإلغاء الموجه ضد القرارات الإدارية إذا كان باستطاعة المعني بالأمر المطالبة بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل[18].

وقد اعتبر  بعض الفقه أن المجلس الأعلى اتجه إلى قبول دعوى الإلغاء في المجال الضريبي في حالتين؛ الأولى كلما تعلق النزاع بمبدأ الضريبة نفسه، والثانية إذا تعلق الأمر بقرار السلطة الإدارية الرامي إلى استخلاص رسم لإحدى الجماعات المحلية[19].

الفقرة الثانية: شروط تقديم الدعوى

أولا : بالنسبة لأطراف الدعوى.

لا يمكن رفع الدعوى إلا من طرف الملزم شخصيا، أو بوكالة، أو الشريك على أن يقتصر أثرها عليه وحده، واستثناء أقر القضاء الفرنسي دعوى الغير بدون وكالة بالنسبة للزوجة نيابة عن زوجها بشرط الإقامة معه، ودعوى الأم باسم ابنتها الميتة.

كما يلزم القانون رقم 41-90 بضرورة تنصيب محام مسجل في جدول هيئة المحامين[20]،

أما بالنسبة لإدارة الضريبية فإن المديرية العامة للضرائب هي التي تمثل الإدارة الضريبية أمام المحاكم بالنسبة للضرائب التي تدبرها بموجب المادة 8 من مرسوم 2008[21]  بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية، والأمر نفسه بالنسبة للخزينة العامة للمملكة حيث نصت المادة 7 من المرسوم المشار إليه أعلاه، بكون الخزينة تمثل الإدارة الضريبية أمام المحاكم في ميدان منازعات التحصيل.

ثانيا: بالنسبة لآجال ومضمون عريضة الدعوى

وفيما يخص الآجال فهي تختلف حسب كل ضريبة وكل مسطرة، وهي من النظام العام حيث أن عدم احترامها يعرض الطعن لعدم القبول، ودون الخوض في الحالات المحددة لكل أجل يكفي التذكير أن هذه الآجال تتوزع عموما بين الشهر والشهرين والثلاثة أشهر دون احتساب يوم الافتتاح واليوم الأخير.

أما بخصوص مضمون عريضة الدعوى فقد أحالت المادة 7 من القانون رقم 41.90 على المادة 32 من قانون المسطرة المدنية[22] الذي يحدد البيانات اللازم توفرها في العريضة: الاسم العائلي والشخصي وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعي، ثم موضوع الدعوى بإيجاز والوسائل المثارة والوقائع وترفق بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء.

المطلب الثاني: سير المسطرة القضائية في المنازعات الضريبية.

الفقرة الأولى: الإثبات والتحقيق في الدعوى الضريبية .

يتدخل القضاء الإداري للفصل في دعوى المنازعة الضريبية بمجرد إيداع المقال الافتتاحي، ليقول كلمته في مضمون الادعاء المفروض عليه من المدعي، الذي لا ينال ما ادعى به إلا بتقديمه الحجج والوثائق التي تثبت ادعاءاته للمحكمة مستعينا في ذلك بكل وسائل الإثبات المعتمدة قانونا، إلا أن القاضي قد لا يقتنع بالوسائل المثارة أمامه من قبل المدعي أو أن هذه الوسائل تكون ناقصة، فيلجأ إلى إجراءات التحقيق مثل الخبرة أو المعاينة من أجل تكوين قناعته بخصوص ادعاء المدعي في موضوع المنازعة الضريبية، كما أن هذه المنازعة الضريبية تخضع لطرق الطعن في أحكامها بين طرق طعن عادية وأخرى غير عادية.

 وعليه، سنتحدث في هذا المطلب عن الإثبات والتحقيق في الدعوى الضريبية  (الفقرة الأولى) ثم الأحكام الصادرة في المنازعات الضريبية وطرق الطعن فيها (الفقرة الثانية).

أولا: الإثبات في الدعوى الضريبية.

يعتبر الإثبات مرحلة أساسية في سير كل دعوى أمام القضاء ويبقى في المادة الضريبية هو الكفيل لجعل المواطنين سواسية أمام الجناية وتحقيق عنصر العدالة الضريبية .

وعلى هذا الأساس فإن كل طرف يعمل من جانبه على تدعيم ملفه بالحجج والمستندات اللازمة لتأكيد ادعاءه أمام القضاء، إذ تعمل الإدارة الضريبية جاهدة على إثبات توفر شروط إعمال النصوص الضريبية، خاصة ما يتعلق بإثبات الواقعة المنشئة للضريبة والمادة الخاضعة للضريبة ثم الإجراءات المرتبطة بفرضها وتصحيح الضرائب وأيضا إثبات المخالفة للنظام الضريبي، كل ذلك بهدف تطبيق النصوص القانونية الضريبية، وخلق نوع من المساواة في تحمل الأعباء العامة .

وأما بالنسبة للملزم فغايته من الإثبات هو إثبات انعدام صفته كملزم بالقرض الضريبي أو إثبات انعدام الواقعة المنشئة للضريبة كما تكون غايته هي إثبات حقه أو إعفاءه من الواجب الضريبي.

ويقوم الإثبات في المجال الجبائي على عدة مبادئ يمكن إجمالها في ما يلي:

– يتحمل عبء الإثبات من يدعي خلاف الأصل.

– يتحمل عبء الإثبات من كلفه المشرع باحترام التزام إجرائي.

– يعفى من عبء الإثبات من كانت القرينة لصالحه، سواء كانت قرينة قانونية بسيطة أو قرينة واقعية أو قرينة قضائية.

– يتحمل عبء الإثبات من يدعي خلاف تقدير اللجان. سواء اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية أو اللجنة المحلية لتقدير الضريبة.

-لا يجب تحميل المتقاضي أكثر مما في وسعه.

أما بالنسبة لوسائل الإثبات في مجال الخصومة الضريبية لم يتم تحديدها أو تجميعها في القانون الضريبي المغربي، لذلك فوسائل الإثبات اللازمة أمام القاضي في المنازعات الضريبية تشمل جميع الوسائل المعمول بها في إطار الخصومة العادية باستثناء اليمين أو شهادة الشهود لتعارضهما مع الطابع الكتابي للمسطرة في الطعون الضريبية.

وعموما يمكن إجمال وسائل الإثبات في المادة الجبائية في ما يلي:

1- التصريح بالضريبة: يعرف التصريح على أنه تلك الواقعة الأولية التي بواسطتها يقر الملزم أو يسلم بالمداخيل التي حققها خلال فترة معينة إلى الإدارة الضريبية أثناء المهلة المحددة لذلك. وبشكل يتيح لهذه الأخيرة معرفة كل عناصر تقدير أساس الفرض الضريبي.

فالإقرار الجبائي مبني على قرينة الصدق بما ضمنه الملزم من معلومات تتعلق بالواقعة المنشئة للضريبة أو بوعاء الضريبة وهكذا فإن القرار يحمي الملزم ويشكل قرينة لصالحه لأن الإدارة ملزمة بالأخذ به ما لم تقم الدليل على عدم صدقه عن طريق مسطرة تواجهية تقوم على إعلام الملزم بالاخلالات التي تشوب هذا الإقرار أو بالنقصان الذي يطبع أرقامه .

2- الوثائق المحاسبية: تعتبر الوثائق المحاسبية من أهم وسائل الإثبات في النظام الضريبي وهو من الإثبات الجاهز إذا كانت ممسوكة بانتظام أي وفق القانون المحاسبي، وهكذا ورد في قانون الضريبة على الشركات بأن الإدارة الضريبية لا يمكن أن تشك في ممارسة المقاولة الممسوكة بانتظام والتي لا تشوب إختلالات جسيمة إذا أثبتت نقصان الأرقام المصرح بها.

وقد حرص المشرع على النص صراحة على مبدأ مسك محاسبة في أكثر من نص قانوني، وذلك تأكيدا منه على أهمية هذا الالتزام .

3- الحجة الكتابية: يتضمن القانون الضريبي على مقتضيات قانونية تخول معاينة بعض الوقائع المادية من خلال محاصر كتابية تسمح للإدارة الضريبية بإثبات هذه الوقائع بالاعتماد على هذه الوسيلة، لذلك فالمحاضر المحررة بمناسبة المخالفات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب تعتبر وسيلة إثبات متى استجمعت الشروط القانونية، بالإضافة إلى المحاضر هناك الشواهد الإدارية المسلمة من طرف السلطة المحلية التي تعتبر وسيلة إثبات في الميدان الضريبي مثل شهادة التوقف عن العمل مثلا .

4- الإقرار: يقصد بالإقرار الاعتراف الذي يقوم به الخصم أو نائبه المأذون له في ذلك إذنا خاصا، فهو قد يكون قضائيا وقد يكون ناتج عن القانون، فالأول حينما تكون الإدارة أو الملزم بالصمت لا تطلب منه أجلا للإجابة عنه.

فيوجه إليها القاضي صراحة الاجابة عن الدعوى الموجهة إليها.

أما الثاني أي الإقرار الناتج عن القانون أو ما يسمى بالقبول الضمني، يكون حينما يفرض القانون على كل من الملزم أو الإدارة الضريبية التزاما أثناء مرحلة تحديد الوعاء الضريبي ولا يقبلان به، ويتجلى القبول الضمني في عدم جواب الملزم على جميع ملاحظات الإدارة في إطار المسطرة التواجهية.

ثانيا: التحقيق في المنازعة الضريبية.

تتسم المنازعة الضريبية عادة بطابعها التقني والمحاسبي، ولهذا فمرحلة التحقيق في الدعوى التي يقوم بها القاضي المقرر تبدو مرحلة حاسمة في تكييف هذه الأخيرة وتوجيهها بحيث عليه أن يستعمل جميع الوسائل المتوفرة لديه لكي يظهر حقيقة الالتزام الضريبي ويطبقها على أطراف الدعوى، ومن ضمن الوسائل المتوفرة لدية بالإضافة لاستدعاء الأطراف وسيلتي البحث وإجراء الخبرة وذلك طبقا لمقتضيات إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية . فللمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها أو بناء على طرف أحد طرفي النزاع أو هما معا بالقيام بإحدى إجراءات التحقيق متى رأت ذلك ضروريا.

وتعتبر الخبرة وسيلة قررها المشرع لمساعدة القاضي لإثبات وقائع معينة. وتعتبر من أكثر إجراءات التحقيق استعمالا في المادة الضريبية. حيث يستعين القاضي الإداري بخبير مختص قصد تنويره في مشكل تقني أو لمحاسبي. وعموما فإن الخبرة تخضع في المنازعات الجبائية لنفس القواعد العامة.

وتختلف مهمة أو صلاحيات الخبير باختلاف الواقعة المنشئة والتي على أساسها تم فرض الضريبة، فنجد هناك خبرة عقارية لتحديد القيمة التجارية للعقار وهناك خبرة حسابية لتقييم المحاسبة، وترتبط مهام الخبير بعدة شروط أساسية أكدت عليها جميع النصوص القانونية التي تعرضت للخبرة، منها المادة 242 من المدونة العامة للضرائب في فقرتها الأخيرة، ويمكن تلخيصها في ما يلي:

– يجب أن تقتصر الخبرة على البحث في الأمور الفنية دون القانونية التي تدخل في الولاية الحصرية للقاضي.

 – يجب أن تنحصر الخبرة في موضوع النزاع كما جدد من طرف المدعي، وهكذا فإن كان النزاع مثلا يهم الضريبة عن سنة معينه فإن الخبرة لا يمكن أن تمتد إلى سنوات أخرى لاحقة أو سابقة.

 – يجب أن تنصب الخبرة على الإثباتات المقدمة من الأطراف، أي أن الخبير لا يمكن له أن يحل محل الأطراف في إدارة وتقديم الإثبات.

– يجب أن تنصب الخبرة على وقائع من شأنها التأثير على الحل في النزاع، وهذا الشرط هو نتيجة طبيعية لخاصية الإثبات المفيد ولهذا تعد خارج الخبرة الوقائع المستحيلة أو غير الموجودة أو غير القانونية.

الفقرة الثانية:الأحكام الصادرة في المنازعات الضريبية  وطرق الطعن فيها.

أولا: الحكم في المنازعة الضريبية.

إن إجراءات صدور الأحكام في النزاعات الإدارية لا تختلف كثيرا عن إجراءات النزاعات العادية، فقبل صدور الحكم لابد أن تلجأ المحكمة إلى مجموعة من الإجراءات التمهيدية، حتى تصبح القضية جاهزة، أي بعد أن يكون كل طرف قد استنفذ جميع وسائل دفاعه وعقب على دفوعات الطرف الآخر ليتم على إثر ذلك إصدار القاضي المقرر للأمر بالتخلي يبلغ للطرفين لاستدعائهما للجلسة، إلا أن حضورهما ليس ضروريا[23]، ومع شروع الجلسة يتولى المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق عرض مستنتجاته الشفوية والكتابية على هيئة المحكمة ويكون حضوره إلزاميا، لكنه لا يشارك في إصدار الحكم وبذلك تكون القضية جاهزة للبت فيها فيقرر قفل باب المرافعة وحجز ملف النازلة للمداولة يومه قصد النطق بالحكم وتتأكد الهيئة في مداولاتها من استيفاء الدعوى لأركانها الشكلية قبل البت في مضمونها وللمحكمة سلطات واسعة في النزاع الضريبي فلها سلطة إسقاط المبلغ الضريبي كليا أو جزئيا أو إبقائه، كما لها سلطة إيقاف تنفيذ قرارات الإدارة  المتعلق بالمتابعات أو الإكراه في مجال تحصيل الديون العمومية ولن يتسنى لها ذلك إلا إذا كانت الدعوى المقدمة في إطار دعوى القضاء الشامل وليس دعوى الإلغاء.

وعلى كل فإن القرارات تصدر متضمنة للبيانات الإلزامية، موجز الوقائع، التعليل والمنطوق ويتم تبليغها وفقا للقواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية ( الفصول من 50 إلى 54 ) مع إشعار الأطراف بأن لهم أجل 30 يوما من يوم تبليغ الحكم لممارسة الطعن بالاستئناف.

ثانيا: طرق الطعن في المنازعة الضريبية.

تخضع المنازعات الضريبية لنفس طرق الطعن التي نجدها في النزاعات العادية، وهو أمر إيجابي بالنسبة للمكلفين، خاصة أن فتح طرق مختلفة لمراجعة الأحكام ستمكنهم من إيجاد الوسائل الملائمة لإصلاح الخطأ ورفع الضرر الحاصل لهم.

وعليه سنتطرق للطرق الطعن من خلال التقسيم التقليدي الذي سار عليه الفقه والتشريع، أي إلى طرق الطعن العادية (أولا ) وطرق الطعن غير العادية ( ثانيا):

أولا: طرق الطعن العادية.

ويمكن الحديث هنا عن كل من التعرض والاستئناف، والتعرض طريقة من طرق الطعن في الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الإدارية، إذا لم تكن قابلة للاستئناف.

أما الاستئناف فيلتمس فيه الطاعن من محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم الابتدائي موضوع الطعن إبطال هذا الحكم كلا أو جزء، والفصل في الدعوى من جديد للتدقيق في النزاع والحكم فيه من جديد على نحو يصحح معه الخطأ الذي تضرر منه الطاعن، والأحكام القابلة للاستئناف في النزاع هي الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية الفاصلة في الجوهر بصورة غير انتهائية[24].

ثانيا: طرق الطعن غير العادية.

ويمكن الحديث في طرق الطعن غير العادية عن كل من الطعن بإعادة النظر، تعرض الغير الخارج عن الخصومة، والطعن بالنقض.

والطعن بالتماس إعادة النظر  هو طعن استئنافي يقدم من أحد أطراف الدعوى للوصول إلى إلغاء حكم قضائي، لم يعد قابلا للطعن بالطرق العادية، وهو طعن يوجه إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه إذا تحقق شرط من الشروط التي حددها القانون على سبيل الحكم.

ويرى بعض الأساتذة أن الطعن بإعادة النظر الذي يقام أمام المحكمة التي أصدرت الحكم غير قائم في النزاعات الضريبية[25].

أما الطعن بتعرض الغير عن الخصومة يعتبر سبيلا استثنائيا وضعه المشرع لمصلحة الأشخاص الذين لم يكونوا أطرافا ولا ممثلين في دعوى صدر فيها حكم أضر  بمصالحهم وحقوقهم[26]، لكن اللجوء إلى هذه الوسيلة يعتبر ضيقا ما دامت أطراف المنازعة الضريبية معروفة منذ انطلاق المرحلة ما قبل القضائية[27].

وأخيرا  فإن  الطعن بالنقض وهو طعن غير عادي يهدف عرض الحكم المطعون فيه على أنظار محكمة النقض من أجل إلغائه لمخالفته القانون، وفي هذه الحالة فإن محكمة النقض لا تشكل درجة ثالثة من درجات التقاضي حيث لا يجوز عرض النزاع في جوهره أمامها، وبالتالي يتضح من خلال طبيعة هذا الطعن الذي يجعل محكمة النقض محكمة قانون لا محكمة وقائع أي الاقتصار على البحث عن موافقة الحكم المطعون فيه للمبادئ والنصوص القانونية أو عدم موافقته لذلك، وفي هذه الحالة الأخيرة يقضي بنقض الحكم وإعادة الملف للمحكمة التي أصدرته مشكلة من هيئة أخرى[28] ، للنظر فيه

.

خاتمة :

على سبيل الختم، يمكن القول بأن مسطرة البت في المنازعات الضريبية بمرحلتيها الإدارية والقضائية تشكل موضوعا في غاية الأهمية بالنظر لما تشكله الإيرادات الضريبية من أهمية لخزينة الدولة، الأمر الذي يجعل المشرع في تنظيمه لهذه المسطرة المتعلقة بالنزاعات الضريبية، يحكمه هاجس ضمان حقوق الخزينة من جهة، وفي ذات الوقت ضمان حماية أنجع للملزم أثناء منازعته للإجراءات الجبائية المتخذة في حقه من قبل الإدارة الضريبية.


[1]  مصطفى التراب، “المحاكم الإدارية والصعوبات المثارة على مستوى التطبيق في ميدان المنازعات الجبائية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسة مواضيع الساعة، عدد 4، 1996،ص 18.

[2] المعروف أنه لفرض الضريبة ينبغي توافر الواقعة المنشئة وتقدير وعائها وتحديد السعر المناسب المنصوص عليه قانونا، وبعد الانتهاء من هذهالإجراءات تعمد الإدارة الجبائية إلى تحصيلها، وفي حالة تخلف المكلف عن الأداء تقوم الإدارة الجبائية بإتباع إجراءات المتابعة والتنفيذ على أموال المتخلفين عن الدفع بمقتضى طرق خاصة منصوص عليها.

[3] – المحجوب الدربالي، “المنازعات الجبائية المحلية في ضوء المستجدات القانونية وآخر الاجتهادات القضائية”” ط الأولى، س 2015، ص 20

[4] – المحجوب الدربالي، مرجع سابق ،ص 41-42

[5]لمراني علوي الشريف الدربالي، “المنازعات الجبائية” رسالة لنيل شهادة الماستر، س2018/ 2017، ص06 .

[6] لمراني علوي الشريف الدربالي، مرجع سابق ، ص07 .

[7] رضى الثايدي، “دراسة في بعض جوانب مسطرة التصحيح الضريبي على ضوءقانون المالية لسنة 2011″، الندوة الوطنية حول موضوع الإشكالات القانونية و العملية في المجال الضريبي، ع16،ص 164 .   

[8]  المادة 39 من قانون الشركات والمادة 43 من قانون الضريبة على القيمة المضافة

[9]  قرار محكمة النقض عدد 289 المؤرخ في 12-04-2010 ملف اداري عدد 945/ 01/ 2010

[10] محمد السماحي، مسطرة المنازعة في الضريبة مطبعة دار أبي رقراق ،الرباط الطبعة الثانية، ص91 .

[11] نعيمـة والكبير، لجـان الطـعـن الضـريبي فـي المـغـرب، رسالة دبلـوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص سنة 2003-2004،ص 20 .

[12] -محمد السماحي، مرجع سابق ،ص 94.

[13] محمد السماحي، مسطرة المنازعة في الضريبة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 2003، ص178.

[14] محمد السماحي، المرجع نفسه، ص188.

[15] حسن صحيب، القضاء الإداري المغربي، سلسلة دراسات وأبحاث في الإدارة والقانون العدد الثالث، مطبعة و الوراقة الوطنية-مراكش، الطبعة الثانية 2019، ص162.

[16] لقانون رقم 41.90 المحدث بموجبه  المحاكم الإدارية، الصادر بتاريخ 3 نوفمبر 1993، الجريدة الرسمية عدد 4227، ص168.

[17] حميد حماني، القضاء الإداري في المادة الضريبية ودوره في تحقيق التوازن بين الإدارة والملزم، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات، جامعة مولاي إسماعيل، مكناس، الموسم الجامعي 2017-2018،ص:23

[18] حميد الحماني، المرجع نفسه، ص24.

[19] حسن الصحيب، القضاء الإداري المغربي، سلسلة دراسات وأبحاث في الإدارة والقانون العدد الثالث، مطبعة و الوراقة الوطنية-مراكش، الطبعة الثانية 2019، ص164.

[20] مصطفى الفوركي، ” المسطرة القضائية في المادة الضريبية “، مقال منشور بمجلة المنارة، العدد الخامس، دجنبر 2013، ص15.

[21] مرسوم رقم 2.07.995 بشأن تنظيم اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية، الجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 6 نوفمبر 2008.

[22] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 28 شتنبر 1974 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 30 شتنبر 1974، ص2741.

[23] محمد شكيري، القانون الضريبي المغربي ” دراسة تحليلية ونقدية “، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، العدد 49، طبعة 2004، ص576.

[24]. مصطفى الفوركي، مرجع سابق، ص19.

[25] محمد شكيري، مرجع سابق، ص578

[26] مصطفى الفوركي، مرجع سابق، ص.21.

[27] محمد شكيري، مرجع سابق، ص579.

[28] محمد شكيري، المرجع نفسه، ص580.


يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 5 / 5. عدد التقييمات 4

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك