الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و الاجراء المغاربة بالخارج

0
(0)

إعداد : ابراهيم الزائر

بالعودة إلى بعض التشريعات العربية المقارنة كتونس و مصر و غيرها، نجدها تنص في إطار قانون التأمينات الاجتماعية بنص صريح، أنه “يمكن للعاملين الذين يشتغلون خارج أرض الوطن أن يقدموا اشتراكات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لبلدانهم، حتى إذا عادوا أمكنهم الاستفادة من التعويضات”، في حين أن التشريع المغربي يفتقد لمثل هذا النص رغم كونه يعتبر من أهم مصدري اليد العاملة إلى الخارج، و بالتالي فإذا كان هناك قانون الضمان الاجتماعي المغربي الذي يستفيد منه الأجراء الذين يزاولون عملهم في المغرب، فإن هناك نسبة أخرى من نفس الفئة تزاول عملها خارج أرض الوطن ينبغي تمكينها من الاستفادة من نفس الامتيازات التي يمنحها نظام الضمان الاجتماعي.

نظم المشرع المغربي كيفية و شروط التحاق الأجراء المغاربة بالبلد المستقبل في إطار الباب الرابع من الكتاب الرابع من قانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، خاصة المواد من 512 إلى 515 من القانون سالف الذكر، حيث يلاحظ من خلال هذه المواد إحجام المشرع المغربي عن سن أي مقتضى يتعلق بالضمان الاجتماعي بخصوص هذه الفئة المذكورة، اللهم فيما يتعلق بالمادة 520 التي تنص على أولوية و سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني في حالة تنازع و تعارض نصوص هذا الآخير مع بنود الاتفاقية، و يستشف من خلال إيراد المشرع المغربي لعبارة “عند الاقتضاء” حصر تطبيق أحكام هذا النص و آثاره على أجراء الدول المصادقة على الاتفاقية دون سواها. يتبوء موضوع هجرة اليد العاملة أهمية نظرية بالغة من خلال التأطير القانوني ضمن مدونة الشغل قانون رقم 65.99 و من خلال الاتفاقيات الدولية التي أبرمها المغرب مع الدول الأجنبية، كما أن الموضوع سالف الذكر من الأهمية العملية بمكان من حيث الإشكالات التي يطرحها في الواقع العملي ولا سيما على مستوى الضمان الاجتماعي لهذه الفئة الشغيلة، الذي هو موضوع بحثنا، مما يدفعنا إلى التساؤل وطرح الإشكالية التالية:

 إلى أي حد استطاع المشرع المغربي توفير الحماية الفعالة للأجراء المغاربة بالخارج؟

و تأسيسا على ما سبق، ارتآينا تقسيم هذا الموضوع على النحو التالي:

الفقرة الأولى: الاتفاقيات المتعددة الأطراف

الفقرة الثانية: الاتفاقيات الثنائية الأطراف

الفقرة الأولى: الاتفاقيات المتعددة الأطراف

منذ سنة 1960، دخل المغرب في مفاوضات مع دول أجنبية في مجال الحماية الاجتماعية. وقد أسفرت هذه الجهود عن توقيع عدد من الاتفاقيات المتعددة الأطراف و هي تلك الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، حيث تقوم هذه المنظمة بإعداد مجموعة من الاتفاقيات ذات الصلة بالأجراء المهاجرين ثم تعرضها على الدول قصد المصادقة عليها، و لعل من أبرز الاتفاقيات الرائدة في هذا الشأن الاتفاقية الدولية 118 لسنة 1962 التي تكرس مبدأ المساواة بين الوطنيين و غير الوطنيين في مجال الضمان الاجتماعي، و يشترط للاستفادة من بنود هذه الاتفاقية؛ مصادقة كل الدول عليها سواء المصدرة لليد العاملة أو المستقبلة لها. و بالرغم مما ستعود على المغرب من أموال من خلال تعويضات أجرائه المهاجرين إلا أنه لم يصادق عن هذه الاتفاقية حتى هذه اللحظة.

لقد أبلى المغرب بلاء حسنا من خلال إبرام اتفاق التعاون مع دول الاتحاد الأوربي، الذي تم فيه التنصيص على المساواة التامة بين المواطنين الأوربيين و العمال المغاربة و كذلك أفراد أسرهم المتنقلون فوق تراب إحدى دول المجموعة الأوربية، و بالرغم من إلغاء هذا الاتفاق -اتفاق التعاون- إلا أنه تم استبداله باتفاق آخر يسمي باتفاق الشراكة، الذي بدوره يتضمن نفس المكسب الذي تضمنه الاتفاق السابق، كما تجدر الإشارة إلى أن مفعول هذه الاتفاقيات يعمل فقط في الحالة التي يكون فيها المواطن الأجنبي ينتقل فوق تراب المجموعة الأوربية، أما في حالة مغادرته فإن مفعول هذه الاتفاقية يتوقف و تتجمد آثاره.

الفقرة الثانية: الاتفاقيات الثنائية الأطراف

في ظل أهمية الجالية المغربية بالخارج، و التي تنامت خاصة بعد الحرب لعالمية الثانية تولدت لدى المغرب الحاجة إلى تقارب التشريعات في مجال الحماية الاجتماعية، مما دفعه إلى إبرام جملة من الاتفاقيات الثنائية الأطراف، إذ تعتبر هذه الاتفاقيات محدودة ومبرمة مع بعض الدول الأوروبية من قبيل فرنسا وهولندا واسبانيا والدانمارك والبرتغال و بلجيكا و ألمانيا، وهذه الاتفاقيات سيحتاجها المهاجر حينما يعود إلى أرض الوطن من أجل الاستفادة من التعويضات، و لقد جاءت هذه الاتفاقيات لكي تضع استثناءات على القوانين الداخلية، فعلى سبيل المثال؛ فالقوانين الداخلية تشترط مبدأ الإقليمية من أجل الاستفادة من التعويضات، و عليه فإذا أراد المواطن المغربي أن يستفيد من معاش الشيخوخة يجب عليه أن يكون متواجدا فوق التراب الفرنسي، فجاءت هذه الاتفاقيات وأوردت استثناء على مبدأ الإقليمية، و صار من حق المواطن المغربي أن يستفيد من معاش الشيخوخة بالمغرب بالرغم من عدم تواجده في فرنسا استنادا إلى الاتفاقية الثنائية التي تربط المغرب بفرنسا.

بالإضافة إلى اتفاقية أبرمت بين المغرب وفرنسا، تتعلق بجمع المدد ـ مدة التأمين ــ بين مدة الشغل في المغرب ومدة الشغل في فرنسا، وبالتالي إمكانية الاستفادة من معاش الشيخوخة. هناك أيضا التأمين على المرض الذي لا يشمل جميع الاتفاقيات الثنائية، حيث يشمل فقط كل من فرنسا، بلجيكا، هولندا، اسبانيا، إذ بموجب هذه الاتفاقيات الثنائية بين هذه الدول يمكن للمهاجرين المغاربة العائدين إلى أرض الوطن الاستفادة من هذا التأمين. يهدف التعاون بين أنظمة الحماية الاجتماعية في مختلف البلدان، إلى حل المشاكل الخاصة التي تواجه المهاجرين بسبب وضعهم كأجانب و لكي يكون هذا التعاون ناجعا يقتضي:

– إلغاء المقتضيات التمييزية القائمة على الجنسية

– خلق مسارات للتأمين الوطني بالنسبة للمهاجر

– إلغاء القيود التي تؤثر على مجال التطبيق الترابي للتشريع

– إقامة تعاون بين المؤسسات الوطنية للحماية الاجتماعية المكلفة بتقديم الخدمات.

خـــاتمة

ختاما يمكن القول أنه بالرغم من كل الجهود المبذولة سواء على المستوى الدولي أو الوطني من أجل توفير الحماية الاجتماعية الكافية للطبقة الشغيلة خارج أرض الوطن، إلا أن هذا الميدان لازال يعرف مجموعة من الإكراهات التي تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة، مما ينبغي تأهيل القوانين الوطنية لملاءمتها و وضعية الأجراء بالخارج، و ضرورة استكمال مسلسل المصادقة على بعض الاتفاقيات التي لازالت معلقة لحد الآن كاتفاقية اتحاد المغرب العربي لسنة 1991، و خلق دينامية بين هذه الصكوك الدولية و التشريع، ثم العمل على توسيع نطاق الاستفادة من صندوق الحماية الاجتماعية ليضم المغاربة الذين يشتغلون في بلد لا تربطنا معه أية اتفاقية في الحالة التي يحالون فيها على التقاعد و يعودون إلى أرض الوطن.

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 0 / 5. عدد التقييمات 0

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك