إعداد : هجر بروم _ شيماء الفروكي
تعتبر المقاولة أداة للتنمية وآلية مهمة لتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي، فهي تلعب دورا أساسيا في إرساء البناء الاقتصادي وترسيخ الدعائم الحقيقية للاستقرار الاجتماعي، وذلك من خلال غرضها المتمثل أساسا في تحسين نوعية إنتاجها لتحقيق الربح، وتجدر الإشارة إلى أن المقاولة باعتبارها ملتقى العديد من المصالح الفردية والجماعية لا يمكنها أن تقوم بالدور المنوط بها دون أن يكون لها رأس مال كافي يمكنها من مواجهة المنافسة الشرسة التي يعرفها عالم الأموال والأعمال، إلا أنه يكون من الصعب على المقاولة مهما كان حجمها وشكلها وأهميتها الاكتفاء بتمويلها الخاص وإمكانياتها الذاتية لتحقيق أهدافها ومجابهة التحديات المطروحة، الأمر الذي يفرض عليها التفكير في حلول بديلة لمواجهة مثل هذه العراقيل، وذلك عبر تقنيات الائتمان الذي يشكل عصب الحياة الاقتصادية وقوامها في وقتنا الراهن، ومن هذه التقنيات تكون المؤسسات البنكية من أهم الجهات التي تقوم بتنفيذ التوجهات المالية والنقدية المرسومة من قبل السلطات المختصة في هذا الإطار، أي أن المقاولة تكون بحاجة ضرورية إلى التمويل البنكي باعتباره عنصرا حيويا يهدف إلى توفير المبالغ النقدية اللازمة لها، كما أن كافة أطراف العملية التجارية هم في حاجة إلى التمويل لمزاولة نشاطهم، فالمقاولات الإنتاجية تكون بحاجة لتمويل استثماراتها الصناعية، والتجار في حاجة إليه للحصول عل ما يحتاجون إليه من مواد…
ونظرا للدور الكبير الذي أصبحت تلعبه البنوك التجارية في الاقتصاديات الوطنية، فقد قامت مختلف دول العالم بإخضاع البنوك للرقابة خصوصا بعد الأزمات البنكية التي شهدتها كل من الولايات المتحدة الأمريكي وألمانيا[1]، ما أبان بشكل جلي مدى خطورة ترك الحرية المطلقة في مزاولة المهنة الائتمانية…
وجدير بالذكر أن النظام الائتماني المغربي عرف طفرة نوعية على مستوى الإطار القانوني خلال القرن 20م، بصدور أول قانون ينظم المهنة البنكية والقروض بتاريخ (21 أبريل 1967م)[2]، الذي منح للسلطات الوصاية الممثلة في الوزارة المكلفة بالمالية، أي وزارة الاقتصاد والمالية حسب التسمية الجديدة صلاحيات واسعة في تقنين وتسيير شؤون مؤسسات الائتمان، يأتي بعده الظهير الشريف رقم 1.93.147 الصادر بتاريخ (6 يوليوز 1993م) المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، الذي قام بتوحيد الإطار القانوني وتمديده ليشمل أغلب مؤسسات القطاع الائتماني، وتوسيع نطاق العمليات التي تمارسها هذه الأخيرة وترسيخ أسس التشاور بينها وبين السلطات النقدية، وكذلك تدعيم حماية الزبناء وتعزيز رقابة السلطات المختصة..
غير أنه بمجرد دخول القانون المنظم لنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها لسنة 1993م حيز التنفيذ، ظهرت مجموعة من العيوب في هذا القانون، ومن أهم هذه العيوب أنه لم يحقق الحماية الكافية للزبناء، وأنه لم يحقق التنافسية المطلوبة بين مؤسسات الائتمان، كما أصبحت الحاجة ملحة لجعل هذا القانون أكثر انسجاما مع مختلف القوانين المتعلقة بالتجارة والأعمال..[3]
وحرصا على ضرورة مواكبة التشريع الداخلي للتطورات الاقتصادية والمالية والدولية، قامت السلطات المختصة بمسلسل إصلاحي توج بصدور القانون رقم 34.03 بتاريخ (14 فبراير 2006م) المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الذي وسع من نطاق تطبيقه ليشمل إلى جانب البنوك وشركات التمويل هيئات أخرى أطلق عليها اسم “الهيئات المعتبرة في حكم مؤسسات الائتمان”، يليه بعد ذلك القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 193-14-1 بتاريخ (24 ديسمبر 2014)، حيث تتمثل أهدافه في تعزيز استقلالية بنك المغرب، وتمديد أحكامه إلى مؤسسات مالية أخرى، وكذا تدعيم الهيئات الاستشارية، كما أعاد النظر في قواعد تدبير الأزمات المالية والقواعد الاحترازية بجعلها أكثر تشددا، فضلا عن تعزيز حماية الزبناء وخلق إطار للتعاون بين السلطات المكلفة بالرقابة على القطاع الائتماني.
وتسليما بسلامة موضوعنا، فإن منح الاعتماد من طرف المؤسسة البنكية بمختلف أنواعه يتم عن طريق آليات وتقنيات تستلزم توفر ضمانات لتامين البنك من خطورة عدم السداد، وهنا تنشأ التزامات ومسؤولية الأطراف تحت رقابة مشددة، وذلك تفاديا للوقوع في المخاطر التي قد تنتج عن التمويل، ما يدفعنا إلى طرح إشكالية هذا العمل على النحو التالي:
كيف يمكن للتشريع البنكي تعزيز تمويل المقاولة بشكل فعال، مع توفير آليات تنظيمية تحد من المخاطر المحتملة في هذه العملية؟
انطلاقا من التقديم السالف، ومن خلال قراءتنا للقوانين المعنية ببعض جوانب موضوعنا، ارتأينا تقسيم هذا العرض إلى مبحثين:
المبحث الأول: تمويل المقاولة عن طريق القرض
المبحث الثاني: مسؤوليات البنك والمقاولة عند التمويل
تمويل المقاولة
Financement d’entreprise
إعتمد المشرع المغربي سواء في قانون 1967 أو قانون 1993 أو قانون 2006 ثم قانون 2014، ظهير شريف رقم 1.14.193 الصادر في فاتح ربيع الأول 24 ديسمبر 2014 بتنفيذ القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، بالإضافة إلى القانون رقم 44.20 على نوعية العمليات التي يمكن للبنك ممارستها كأساس لتحديد مفهوم مؤسسة الائتمان، ما أبان بشكل جلي انتقال البنوك من الدور التقليدي المتمثل في تلقي الودائع إلى دور أكثر إيجابي يتمثل في توزيع الائتمانات الذي يمتد في هذا الزمن إلى مختلف أنواع الأنشطة الإنسانية، كتمويل استثمارات المؤسسات وتمويل مشاريع الأفراد الخاصة (تمويل المقاولة تحديدا)..، ومنه فالتمويل بشتى أنواعه يتم عبر طرق مدروسة تستوجب شروطا وضمانات لتفادي المخاطر التي تؤثر بشكل سلبي على مردودية البنك أو تتسبب في التقليص من أرباحه.
الآليات المعتمدة في تمويل المقاولة
Les outils et mesures du financement
الفقرة الأولى: تمويل المقاولة وأنواعه:
أولا: تمويل المقاولة
تعتبر عملية التمويل التعاوني من خلال القرض إحدى عمليات الائتمان[4] التي تهدف إلى تشجيع المبادرات أو المشاريع أو الاستثمارات المختلفة، وتكون هذه العملية هي العامل الأساسي في سد الفجوة بين الموارد المتاحة والأموال المطلوبة لغرض معين، وعلى هذا الأساس يتيح التمويل للمقاولة الحصول على رأس المال اللازم لبدء الأعمال التجارية والاستثمار أو السعي لتحقيق أهداف مالية أخرى، وبالتالي يكون التمويل من المستلزمات الضرورية للتغلب على التحديات المتزايدة التي تواجه المقاولة في مزاولة نشاطها ونموها، إذ لا يمكن لأي مقاولة تجارية أن تحقق أهدافها، وتطبق برامجها بدون هذا العنصر الحيوي، ويعني التمويل لغة “الإمداد بالمال”، أما اصطلاحا فهو “توفير المال اللازم لاستثمار جديد”، كما يعرفه آخرون بأنه “مختلف الأنشطة التي تتضمن مختلف الأعمال التي يقوم بها الأفراد والمشروعات للحصول على النقود اللازمة للوفاء بالالتزامات المستحقة للغير في مواعيد استحقاقها”.[5]
ورغم اختلاف وجهة نظر الباحثين في تقديم تعريف للتمويل، فإنهم يجمعون على كونه يهدف إلى توفير المبالغ النقدية اللازمة لدفع وتطوير مشروع خاص أو عام، وبالتالي فإن التمويل يستهدف إقامة هيكلة تمويلية متوازنة في المشروع، وذلك من أجل تحقيق أكبر عائد بأقل تكلفة ممكنة، إذ لا يمكن الفصل بين تكلفة التمويل وقيمة الربح في المشروع.[6]
وجدير بالذكر أن الائتمان البنكي يعد بمثابة وسيلة التمويل الأكثر هيمنة على المقاولة، فهو يمكن المقاولة من المحافظة على مركزها في السوق لتتحسن وتبقى في وضع مناسب بين المنافسين، حيث لا يمكنها أن تعيش من دون أن تقوم باستمرار بالتوظيفات اللازمة[7]، فالتمويل يعين المقاولة من عدة جوانب، لا سيما أنه يساهم في توسيع وتجديد وسائل الإنتاج داخلها، وتحسين طرق أداء خدماتها من حيث العمل حسب سياسة جماعية مناسبة، وكذا منح تسهيلات في الأداء لزبنائها مما يشجع على التعامل معها.
ثانيا: أنواع التمويل
تتعدد أنواع التمويل حسب احتياجات المقاولة وظروفها المالية، حيث تتقدم كل مقاولة أو كل شركة بطلباتها المصنفة والمحددة لبداية مشروعها أو تجاوز الصعوبات التي قد تعترضها دون حالة التوقف عن الدفع، ومن هذا المنطلق سنتطرق بإيجاز إلى ذكر بعض هذه الأنواع لعل أبرزها:
1.التمويل الذاتي: غالبا ما يشير التمويل الذاتي إلى استخدام الموارد المالية الداخلية للمقاولة مع محاولة تفادي اللجوء إلى الطرق التمويلية الخارجية، وبالتالي ففي أغلب الأحيان لا يكون ذا علاقة بمنح القروض إلا في حالات ناذرة، ذلك عندما تكون المقاولة غير قادرة على تحمل كامل أعبائها وتكاليفها…
2. التمويل الجماعي: يشمل توفير قروض للأفراد لتلبية احتياجاتهم المالية، فهو يعتمد على جمع الموارد المالية من مجموعة واسعة من المستثمرين، سواء كانوا أفرادًا أو شركات لدعم مشروع المقاولة، ويهدف التمويل الجماعي إلى توفير فرص استثمارية مباشرة للمشاريع الابتكارية التي تحتاج إلى تمويل للنمو والتوسع، ويتميز التمويل الجماعي بأنه يسهل الوصول إلى تمويل المقاولات والمشاريع الناشئة التي قد تجد صعوبة في الحصول على تمويل من التقاليد المصرفية التقليدية. كما يعزز التمويل الجماعي التفاعل والتواصل بين المستثمرين وأصحاب المشروعات، مما يسهم في بناء مجتمع استثماري داعم ومحفز للابتكار والنمو الاقتصادي.
3. التمويل التعاوني: يقوم هذا النوع من التمويل على مفهوم التعاون والتضامن بين مجموعة من الأفراد أو الشركات لتحقيق أهداف مشتركة، حيث أنه يهدف إلى توفير خدمات مالية واستثمارية للأعضاء داخل المقاولة، وذلك من خلال جمع المدخرات وتقديم القروض والخدمات المصرفية الأخرى، ويتميز التمويل التعاوني بتقديم خدمات مالية بتكلفة منخفضة وبشكل أكثر شمولية، مما يساعد على تحسين الوضع المالي والاقتصادي للمقاولة، وكذا تعزيز التضامن والتعاون بين أعضائها من أجل تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المالية لها.
4. التمويل التجاري: هو عملية توفير الأموال والموارد المالية لدعم الأنشطة التجارية، ويشمل عمليات البيع والشراء وتغطية تكاليف التشغيل اليومية لتوسيع الأعمال والتمكن من شراء المعدات والأصول وكذا إدارة رأس المال العامل، ويمكن تصنيف التمويل التجاري ضمن المصادر الداخلية مثل الأرباح المكتسبة أو ضمن المصادر الخارجية مثل القروض المصرفية أو خطوط الائتمان التجارية.
5. التمويل الإسلامي: وهذا النوع من التمويل يتبع مبادئ الشريعة الإسلامية وذلك بمنح القروض من البنوك التشاركية مع تجنب الفوائد، وفي هذه الحالة يتم استخدام هياكل تمويلية مبتكرة للقيام بهذه العمليات بشكل يضمن جودة التمويل.
الفقرة الثانية: طرق تمويل المقاولة
تعد طرق التمويل أحد الاستراتيجيات المالية المهمة في إنجاح أي مشروع، حيث تساهم في توفير الأموال الضرورية لريادة الأعمال التجارية وتطورها، كاللجوء إلى القروض البنكية بحيث يمكن للمقاولين الحصول على قروض من البنوك أو المؤسسات المالية الأخرى لهذا الغرض، وفي هذه الحالة يضع البنك رهن إشارة المقاولة أموالا لمواجهة احتياجاتها من السيولة والذي ينجم عن أنشطتها الموسمية أو الظرفية، ثم هناك حالة إقدام البنك على منح قرض قصير الأجل للمقاولة لأجل القيام بالوفاء قبل تحصيلها على الأموال، والتي تنتظرها المقاولة مستقبلا من الكمبيالات ما زالت غير مستحقة الأداء أو من عمليات استخلاص الشيك أو غير ذلك، ويترتب عن وضع الأموال رهن الإشارة من عمليات تحصيل الديون كالخصم، كما أن هناك فرضيات تتمثل فيها عملية الوضع رهن الإشارة المحتملة، حيث لا تكون الفعلية إلا عند عجز المدين الزبون كما هو الحال في حالة الكفالة والضمان، التي يمكن تجميعها تحت تسمية الائتمان بطريقة التوقيع، باختصار يمكن القول على أن وضع الأموال رهن الإشارة يكون حالا عندما يتم سحب المبالغ الموضوعة، وذلك لإبرام العقد حتى لا يكون متوقفا على أي تصرف لاحق، وتكون مستقبلية عندما يتعهد البنك بوضع الأموال رهن إشارة الزبون، مما يعني أن تحقق العملية يظل متوقفا على عقد آخر أو تقديم مستند يكون هو نفسه عملية اعتماد[8]، إضافة إلى الاستثمار الذي يمكن المقاولة من الحصول على رأس المال من خلال تقديم تمويل عن طريق استخدام الموارد الشخصية، حيث تتم هذه العملية على شكل مشاركة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، من خلال إصدار سندات أو شراء سندات أو من خلال تسبيق في الحساب الجاري للمساهم، هذا إلى جانب بعض الطرق الأخرى كالتبرعات وغيرها…
المخاطر والضمانات الناتجة عن تمويل المقاولة
Les risques et les garanties de financement
إن عملية تمويل المقاولة من طرف البنك عبر تقنيات الائتمان، تعد وسيلة مهمة لا سيما أنها ترقى بالوضعية المالية للمقاولة بشكل مضمون يؤثر إيجابيا على حياتها، إلا أن هذا يستلزم وفاء المقترض كشرط واجب يقابل تخلفه عواقب تكون وخيمة حسب قيمة القرض، وعلى هذا الأساس تسري احكاما قانونية منذ بداية طلب الإعتماد إلى حين استيفاء الديون بأكملها، من خلال وضع شروطا تضمن عدم الوقوع في الأزمات المالية كتخلف المدين عن أداء ما بذمته من مال في حالة مواجهة المقاولة للصعوبات وغير ذلك، ولأجل تفادي هذه المخاطر فرضت مؤسسات الائتمان ضمانات متنوعة لاطمئنانها في وضع الثقة في المقترض، وهذا ما سنتناوله في هذا المطلب من خلال تقسيمه لفقرتين:
الفقرة الأولى: المخاطر التي تعترض البنك والمقاولة عند التمويل
أولا: المخاطر التي تعترض البنك:
وترجع طبيعة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها البنك لعدة أسباب، مثل جمود السياسة الائتمانية للمصرف وعدم مسايرتها للمتغيرات، وخاصة تعليمات البنك المركزي، والمنافسة الشديدة التي يتعرض لها المصرف أو مؤسسة الائتمان [9]، وظروف السوق المحلي والإقليمي والدولي، ومجملا يمكن القول بأن هذه المخاطر تتجلى في الخسائر المادية من خلال ارتكاب تصرفات وعمليات مشبوهة غير قانونية أو تطبيق مساطر غير ملائمة من طرف المقاولة كزبون خصوصا إذا تعلق الأمر بمنح قروض ذات قيمة كبيرة، ما يسبب في وقوع صدمات خطيرة خارج عن إرادة المسيرين والمسؤولين عن البنوك وحتى عن إرادة سلطات الرقابة، وهذه الصدمات المعروفة بمخاطر المجموعة[10] لا يتحكم فيها أحد، ويمكنها أن تعرقل النشاط الكلي لأي نظام مالي، وبالتالي ظهور شبح الانهيار.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن منح الاعتماد وضمان المبالغ الممنوحة لمختلف القطاعات أدت إلى حدوث مخاطر تجلت في أن نسبة هامة من تلك القروض لم تسترجع في النظام الاقتصادي المغربي خلا سنة 2014 على سبيل المثال، ومنه فإن عدم تحصيل القروض الممنوحة يؤثر على مردودية البنك ويقلص من الأرباح، وفي حالة تجاوز مشكل عدم استيفاء الديون المستحقة النسب العادية والمعتادة، فإن البنك يفقد توازنه المالي، وقد يصل به ذلك إلى الانهيار.
ثانيا: المخاطر التي تعترض المقاولة
يقصد بالمخاطر في هذه الحالة احتمال وقوع حدث يؤثر سلبا على السير العادي للمقاولة خصوصا على إنتاجها، وبالتالي على الربح الذي تتوخاه، وعلى الرغم من كثرة التعريفات الخاصة بمصطلح المخاطر، إلا أن من أشملها التعريف الذي أورده البعض بأنه “التقلبات في القيمة السوقية للمؤسسة[11]“، فلا يخفى أن الالتزامات القانونية للمقاولة لا تنحصر في تسديد القرض للبنك فقط، إنما تتعدى ذلك بالامتثال للتشريعات الحكومية وكذا الالتزام بالضرائب إلى جانب المسؤوليات المدنية والجنائية المنظمة لسير المقاولة…، وعند مواجهتها لما يعرف بصعوبات المقاولة، تكون هذه الأخيرة مقبلة على عدم الوفاء اتجاه البنك مما يشكل الخسائر المالية الوخيمة للمؤسسة البنكية كما سبق أن أشرنا لذلك، ما عدا في حالة تدخل الأجهزة الداخلية لها أو الخارجية لمواجهة كل تلك العراقيل، وبالتالي الرجوع إلى ما كانت عليه، ومنه يمكننا حصر المخاطر التي تعترض المقاولة في فشل استمراريتها بالإضافة إلى الديون وفوائد البنك حسب نوعه سواء من طرف البنك وحده أو من طرف أشخاص ذاتيين أو اعتباريين آخرين.
الفقرة الثانية: ضمانات التمويل البنكي للمقاولة
تختلف ضمانات التمويل البنكي باختلاف العمليات الائتمانية ومدتها ودرجة الخطر فيها، فهي بمثابة الوسائل التي تهدف إلى ضمان الالتزامات بشكل عام، فهي تؤمن البنك الدائن من خطر عدم وفاء الزبون المدين بالتزاماته في مواجهة البنك الدائن وتتيح له استيفاء حقه عند حلول أجل الدين، بحيث أنها تحقق للدائن الطمأنينة والضمان وتوفر للمدين الائتمان الذي يحتاجه، ومنه فإن هذه الضمانات تتعدد من حيث عدة معايير، إما تبعا لمصدرها أو تبعا للتطورات الحاصلة في المجال العملي[12]:
أولا: الضمانات تبعا لمصدرها
1ـالضمانات القانونية: هي التي تنشأ بموجب القانون أو إرادة المشرع لمنح دائن معين امتيازا لصفة في الدين [13].
2ـ الضمانات القضائية: هي التي تنشأ بموجب قرار قضائي كالإجراءات التحفظية لتجنب إعسار الذمة المالية للمدين.
3ـ الضمانات الاتفاقية: وهي الأكثر تعددا وشيوعا وتنشأ بموجب اتفاق الأطراف وصورها كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (الرهن الرسمي، الكفالة….).
ثانيا: الضمانات تبعا لتقنياتها:
وتتمثل في الضمانات العينية والضمانات الشخصية التي تكون في مقدمة الضمانات التي تكون على الخصوص في الائتمانات قصيرة الأجل عكس الضمانات العينية، كما أن محل الضمان فيها ليس هو المال كما في الضمانات العينية، بل تستند إلى وجود شخص يتدخل لضمان شخص آخر الذي هو العميل طالب الائتمان[14].
ثالثا: الضمانات تبعا للتطور الحاصل في المجال العملي:
هي الضمانات التقليدية مثل الضمانات الحقيقية المتمثلة في العقارات والرهون بأنواعها، والضمانات الحديثة التي أفرزتها الممارسة البنكية وهي الضمانات البنكية غير المباشرة كخطاب الضمان والاعتماد بالقبول، وهي تقنيات في مجموعها من شأنها حماية الدائن من مطل أو تعثر أو إعسار المدين، والضمانات الشخصية الحديثة، وتعتبر الكفالة هي النوع الأكثر دلالة على الضمانات الشخصية، إذ ترتكز على التزام بين الكفيل والمدين، مما قد لا يوفر الأمان للدائن ما دام أن الكفيل يستعمل نفس وسائل الدفاع التي يلجأ إليها المدين، لذلك أفرز التطور العملي للممارسة البنكية تقنيات لا ترتكز على مبدأ التبعية كالضمانات المستقلة، حيث يكون الالتزام الضامن مستقلا عن التزام الدين، وكذا الضمانات العينية الحديثة التي أفرزها التطور العملي للممارسة البنكية، وذلك باللجوء إلى استعمال ضمانات حديثة وهي أموال وممتلكات عينية وليست سيولة نقدية.
الالتزامات الناشئة عن التمويل البنكي للمقاولة
Les crédits différer par le financement bancaire
عند إقدام البنك على تمويل المقاولة من خلال منح الاعتماد، يتقيد كل من الإثنين باحترام شروطا قائمة على عدم الإخلال بالمسؤوليات الملقاة على عاتقيهما، ذلك أن طبيعة
المسؤولية التي يتحملها البنك تكون مهمة تجاهه وتجاه المقاولة أيضا، كما يمكن القول أن طبيعة مسؤولية المقاولة تكون هي الأخرى ذات طابع إلزامي يتعين عليها العمل به دون تسويف أو تماطل خصوصا في ما يخص استرداد القروض البنكية مع الفوائد، ومنه سنحاول التطرق لهذه الالتزامات من خلال توضيح واستعراض مسؤوليات البنك (المطلب الأولى ) ثم مسؤوليات المقاولة (المطلب الثاني).
مسؤوليات البنك عند تمويل المقاولة
Les obligations des banques aux financement des établissements
تعتبر البنوك فاعلا أساسيا في الحياة الاقتصادية خاصة في ظل سياسة حماية المؤسسات أو السعي للإبقاء عليها تحقيقا للأهداف لاقتصادية والاجتماعية، وبالمقابل فإن تنظيم مسؤولية البنك عند الائتمان يعتبر من المسائل المهمة أيضا حفاظا على المؤسسة وحماية لدائنيها، وبالتالي فإن منح الائتمان يقترن بالتزامات ضرورية التطبيق وإلزامية التنفيذ على البنك، سواء تجاه نفسه (الفقرة الأولى) أو تجاه المقاولة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسؤولية البنك تجاه نفسه:
يمكن إجمال مسؤولية البنك تجاه نفسه عند منح الائتمان للمقاولة في الرقابة المشددة والصارمة ضمانا لتحقيق الأرباح وتجنبا للخسائر والإفلاس، وبالتالي فإن تمويل المقاولة من خلال منح الاعتماد تقتضي بالضرورة وضع ضوابط يجب مراعاتها في كل المراحل العملية الائتمانية، بداية من مرحلة الموافقة على منح الائتمان الى غاية سداده تدعيما للدور الاقتصادي الذي تقوم به، فالقواعد المصرفية بذاتها تفرض على البنك المرور عبر مراحل ضرورية، كالاستعلام عن الأهلية الائتمانية للمقاولة من خلال نوعيتها وحجمها وإنتاجها ومعرفة ما إذا كان مشروع المقاولة قابلا للتنفيذ ويمتلك فرصا ناجحة للنمو عن طريق تقييم مدى قدرة المقاولة على سداد القرض عبر دراسة تفصيلية للوضع المالي والقدرات التشغيلية والتوقعات المستقبلية للمشروع..
وتجدر الإشارة أنه يجب على البنك تحقيق وضبط مسار التسهيل الائتماني تجاه هدفه المرسوم مع التأكد من استمرار المقاولة الممولة على نحو طيب طوال فترة التسهيل بما يدعو إلى الاطمئنان دائما وبصفة مستمرة إلى انتظام السداد في تاريخ الاستحقاق[15]…
الفقرة الثانية: مسؤولية البنك تجاه المقاولة
تنشأ مسؤولية البنك في هذه الحالة من خلال قيامه بأنشطة إيجابية، وذلك بمساهمته بشكل فعال في توفير التمويل اللازم لتشغيل المشروع وتحقيق أهدافه الاقتصادية، وكذا الخدمات المصرفية المتخصصة لتلبية احتياجات السيولة وإدارة التدفق النقدي، كما أنه يجب على البنك توفير الإرشاد و النصح للمقاولة من خلال تقديم المشورة الفنية والاستشارات اللازمة لضمان نجاح المشروع وتحقيق أهدافه، وذلك لمساعدة المقاولة في تقييم وإدارة المخاطر المالية المختلفة وتحقيق العوائد المستقرة، مع ضرورة التزام البنك بضمان الشفافية والنزاهة في كل العمليات المتعلقة بتمويل المقاولة، إضافة إلى حماية سرية المعلومات المالية والتجارية للمقاولة قصد عدم تسربها إلى أطراف غير مصرح لهم بذلك، في إطار التزام البنك بالامتثال لجميع القوانين واللوائح المحلية والدولية المتعلقة بتمويل المقاولات لأجل عدم تورطيه في أي أنشطة غير مشروعة..
مسؤوليات المقاولة عند التمويل البنكي:
Les animateurs des établissements dans institutions financiers par les banques
باعتبار المقاولة وحدة أساسية حيوية في اقتصاد السوق، كان لها الحق في الحصول على الائتمان البنكي لبداية مشروعها أو تحسين جودة إنتاجها، وبالتالي فالمقاولة عند العملية الائتمانية تكون ذات مسؤولية على نفسها (الفقرة الأولى)، وتكون أيضا مسؤولة بدورها أمام المؤسسة البنكية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسؤولية المقاولة عن نفسها
إن ما يقابل حسن سير المقاولة الممولة هو حسن تسييرها وتدبيرها، وذلك من خلال جودة إنتاجها وتعاملها مع الزبناء، وبالتالي كان على المقاولة أن تلتزم بكل ما عليها من مسؤوليات، من بينهم مسؤوليتها عن نفسها، المتمثلة أساسا في وضع أهداف مالية واضحة وخطط استراتيجية للنمو والتوسع، وضمان تحقيق العوائد المستهدفة، كما ينبغي على المقاولة إدارة النقدية بحكمة لتحقيق الأهداف المالية، وكذا متابعة أداء الأعمال بانتظام واتخاذ الإجراءات اللازمة وضبط العمليات والتكاليف بشكل صحيح لضمان كفاءة وفعالية الأعمال، وتحقيق أقصى استفادة من التمويل المتاح مع تجنب تفاقم الوضع المالي، مما يساعد المقاولة على تعزيز نجاح أعمالها وبناء سمعة جيدة في الأسواق…
الفقرة الثانية: مسؤولية المقاولة أمام البنك
تتعدد مسؤوليات المقاولة أمام البنك، حيث أنها تتضمن عدة نقاط مهمة لأجل ضمان التعامل الناجح وبناء علاقة جيدة ومستدامة بين الطرفين، ويمكن إجمال هذه الالتزامات فيما يلي:
- 1. سداد القروض والأقساط في الوقت المحدد، حيث ينبغي على المقاولة سدادها بانتظام وفي المواعيد المحددة للحفاظ على علاقة جيدة مع البنك وتجنب تأخيرات أو المشاكل المالية؛
2. تقديم تقارير مالية دورية وصحيحة للبنك لأجل إظهار صحة واستقرار الأعمال والقدرة عل سداد القروض والالتزامات المالية؛
3. البقاء على اتصال منتظم وصريح مع البنك وإبلاغه بأي تغييرات في الأعمال أو الظروف التي قد تؤثر على القدرة على سداد القروض؛.
4. الالتزام بجميع الشروط والاتفاقيات القانونية المتعلقة بالتمويل البنكي، والتعاون مع البنك لحل أي خلافات أو استفسارات قد تنشأ؛
5. تقديم معلومات دقيقة وشفافة للبنك حول الأعمال والمشروعات الممولة لضمان ثقة البنك واستمرارية التمويل؛
يعتبر التمويل البنكي أداة أساسية لدعم الأعمال والمشاريع، فهو من بين الوسائل الرئيسية التي يلجأ إليها المقاولون ورواد الأعمال لإنجاح وتوسيع مشاريعهم، ذلك لدوره المهم في توفير رأس المال اللازم لبدء الأعمال وتطويرها عن طريق مختلف أنواع العمليات الائتمانية، وبهذا يعد التمويل من أهم ركائز نجاح أي مقاولة كيفما كان شكلها، ولذلك يجب الاهتمام بالآليات التي بواسطتها تستمد المقاولة الأموال اللازمة لممارسة نشاطها وتطوير إنتاجها، وهذا ما جعل البنوك ترقى بمكانة مهمة في القطاع المالي، وبالتالي فإن اتساع نطاقها أدى إلى الإقبال الشديد على الضمانات بمناسبة أي عملية ائتمانية تفاديا للمخاطر التي من شأنها تهديد البنك بشبح الانهيار والإفلاس وعدم استقرار السيولة النقدية، وتبعا لذلك كان من الضروري وجود وحدة مراجعة داخلية مستقلة بالبنوك لتفعيل الرقابة وإدارة المخاطر…
وبناء على ما سلف، فإن التمويل البنكي للمقاولة تنشأ عنه مجموعة من الالتزامات والمسؤوليات التي تقع على عاتقي كل من المقاولة والمؤسسة البنكية، لا سيما أن الأمر يتعلق بالاستقرار الاقتصادي للدولة…
[1] محمد لفروجي، القانون البنكي المغربي وحماية حقوق الزبناء، أطروحة لنيل الدكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، الموسم الجامعي 1996_1997، ص96
[2] المرسوم الملكي 1067.66 الصادر بتاريخ 21 أبريل 1967، ص810
[3] الظهير الشريف رقم 1.93.211 الصادر بتاريخ 21 سبتمبر 1993 المعتبر بمثابة قانون يتعلق ببورصة القيم، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4223 بتاريخ 6 أكتوبر 1993، ص1882
[4] تعرف المادة الثالثة من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.74 بتاريخ 4 ذي الحجة 1441 (25 يوليوز 2020)، المنشور بالجريدة الرسمية ع 6903 بتاريخ 6 ذي الحجة 1441 (27 يوليو 2020) عملية الائتمان أنها كل تصرف بعوض، يقوم بمقتضاه شخص من الأشخاص: -بوضع أموال أو الالتزام بوضعها رهن تصرف آخر يكون ملزما بإرجاعها
-أو الالتزام لمصلحة شخص آخر، عن طريق التوقيع، في شكل ضمان احتياطي أو كفالة أو أي ضمان آخر…
[5] محمد عثمان إسماعيل، أساسيات التمويل الإداري، اتخاذ قرارات الاستثمار، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية 1985/1986 ص10 ا
[6] بهاء الدين سعد، التمويل في منظمات الأعمال، مكتبة عين الشمس 1985/1986 الجزء الثاني، ص7
[7] عبد الرحيم بنعيد الله، مصادر تمويل المقاولات المغربية، الطبعة الأولى 1979، بدون مكان ودار نشر، ص 60
[8] الدكتور محمد الأطرش، القانون البنكي “محاضرات موجهة لطلبة ماستر قانون الأعمال والفصل 6 من الإجازة في القانون” ص52
[9] ومن ذلك تعدد المصارف التي تسمح بها التشريعات التي تنهج النظام الليبيرالي، كالأمر القانوني رقم 020/07 الموريتاني المنضم لي مؤسسات القرض
[10] محيي الدين إسماعيل علم الدين: “العمليات الائتمانية في البنوك وضماناتها” خطاب الضمان، الاعتماد، دار الكتاب القاهرة 1975 ص63
[11] محمد علي علي: “إدارة المخاطر المالية في شركات المساهمة المصرية”، ط4، وما بعده وكذلك: إدارة المخاطر، تحليل قضايا في الصناعة المالية الإسلامية، ص72
[13]عادل مبرك محمد، “قروض البنوك الظاهرة والحل، ا لحلول البديلة الظاهرة الضمان المصرفي المتعثر”، الناشر: kotobarab.comص7
[14] دكتوررشيد صبيح: “محاضرات وسائل الأداء والائتمان”
[15] ذ/أزوا عبد القادر، “المسؤولية المدنية للبنك عن منح الائتمان للمؤسسات في وضعية مالية صعبة” جامعة أحمد دراية، ادرار (الجزائر)، نشر بتاريخ: 30.12.2020
تعليقات فيسبوك