السياسة العقابية وبدائل الدعوى العمومية

5
(1)

إعداد : فاطمة الزياني

مقدمة

عرف الفكر الجنائي تطورا على مر التاريخ الإنساني من عدة نواحي بحيث ان التشريعات الجنائية الحديثة انتقلت من سياسة جنائية وعقابية تقليدية إلى سياسة برغماتية؛ حيث أصبحت تأخذ بظروف المتهم والمحكوم عليه وبذلك تغيرت نظرة المجتمع له من جاني يستحق أقصى العقوبات دون تعاطفا تقولي إلى نظرة كضحية تأخذ بظروف المتهم وتبحث له عن مبررات عوامل اجتماعية اقتصادية أدت به للانحراف.

العدالة الجنائية اليوم وتطور الفكر الجنائي تقتضي منا البحث وتنزيل عن بدائل العقوبة خصوصا مع فشل العقوبة التقليدية في تحقيق الردع العام وتنامي ظاهرة الإجرام وتطورها، إن كانت العقوبة السالبة الحريات تهم الجانب الموضوعي العقوبة واشكالية حق الدولة في العقاب فان بدائل الدعوى العمومية تهم الشق الإجرائي المتعلق بالمحاكمة الذي لا يجب اغفاله لأنه قد يكون سبب في الإجرام.

فأزمة العدالة الجنائية المتمثلة في عدة نقاط:

– التضخم التشريعي الجنائي الذي جعل الأجهزة القضائية تحت كم هذا من القضايا والأعباء

– قصور العقوبة عن تحقيق أهدافها خصوصا العقوبات قصيرة المدة، تنامي حالات العود

–  من بين التحديات التي تواجه نظام العدالة الجنائية هو تصاعد الجدل حول دور السياسات العقابية في الحد من الجريمة أو تخفيفها.

   فأهمية بدائل الدعوى العمومية أساسا في كونها بديل أنسب عن القضاء في فض النزاعات وهو ما يظهر في قلة شكلياتها وغلبة الجانب الرضائي عليها، أيضا تحقيق أهداف العدالة الجنائية بتكلفة أقل.

  بحيث عرف كل بديل عن النطاق القضائي التقليدي المعروف بكون الدعوى يتم الفصل فيها أمام القضاء وذلك داخل بناية المحكمة أمام القضاء نيابة عامة وقضاء الحكم ووفق ضمانات المحاكمة العادية التي تروم حضور جميع الأطراف والشهود

وكل إجراءات الدعوى من تحقيق ومرافعة بحيث إن لمقصود ببدائل، أن يتم الحسم في النزاع دون كل هذه الشروط الإجرائية المتداخلة وبسرعة وإيجاز ودون تأخير من دون المساطر القضائية. هي كالآتي وأقصد بها الصلح والتصالح الجنائي والوساطة الجنائية والسند التنفيذي والأمر القضائي على عكس المتوقع فإن بدائل الدعوى العمومية ليست مستجدة فالرجوع للأعراف والتقاليد في القبائل المغربية نجد أنها اعتمدت بعض هاته البدائل، بل أنه حتى في ديننا الحنيف فان الشريعة أحازت الصلح والعفو بين المتخاصمين والوساطة بينهم في حال النزاع.

   كل هذا جعلنا نسوغ الإشكالات التالية:

      ما موقف المشرع المغربي من هذه البدائل؟

     ومدى تبنيها؟

     لكن أهم إشكال يبقى هل تحقق هذه البدائل الهدف المتوخى منها؟

    هل تحترم الحقوق والحريات؟

     هل تضمن مصلحة الضحية ومصالح العليا المجتمع؟

   كل هذه التساؤلات جعلتنا نتطرق الى تقسيم الموضوع حسب المنهج المعتاد الى مبحثين بحيث سنتناول في المبحث الأول ماهية الدعوى العمومية وبدائلها على أساس ان نخصص المبحث الثاني لبدائل الدعوى العمومية ودورها في تحقيق العقاب.

   المبحث الأول ماهية الدعوى العمومية وبدائلها

من خلال هذا المبحث سنتطرق ماهية الدعوى العمومية وذلك في (المطلب الأول) على أساس تحديد ماهية بدائل الدعوى العمومية وأنواعها في (الطلب الثاني)

       المطلب الأول ماهية الدعوى العمومية  

    سنتطرق في هذا المطلب لبيان وتوضيح مفهوم الدعوى العمومية (الفقرة الأولى) على أساس تحديد الجهات التي خول لها المشرع تحريك الدعوى العمومية باعتبار هناك جهة أصلية وجهات استثنائية مع الإشارة الى كيفية تحريك وممارسة الدعوى العمومية حسب كل جهة (الفقرة الثانية) 

  الفقرة الأولى مفهوم الدعوى العمومية

      الدعوى العمومية هي دعوى قضائية يرفعها المجتمع ممثلا في النيابة العامة بهدف إنزال العقاب على مرتكبي الجرائم التي تتسبب في اضطراب أمن المجتمع وألحقت أضرارا بالفرد.

فانطلاقا من مقتضيات المادة الثانية من قانون المسطرة الجنائية ” يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات[1]

  إذن يمكن تعريف الدعوى العمومية بأنها حسب ما ثم استخلاصه من المادة السابقة: “من حق الدولة في ملاحقة من تعتبره مرتكبا لجريمة، و تقديمه للقضاء قصد توقيع الجزاء الجنائي عليه “إنها:“ وسيلة من وسائل تطبيق العقوبات، تستهدف القضاء على الاضطراب الاجتماعي”
فالدعوى العمومية إذن هي مجموعة من الإجراءات التي تهدف الكشف عن الحقيقة وإقرار سلطة الدولة في العقاب. 

   فنيابة العامة هي الطرف الأساسي الذي يرجع له حق تحريك أو إثارة أو إقامة الدعوى العمومية وممارستها للمطالبة وباسم المجتمع بتوقيع الجزاء على من أجرم.

 ولكن إلى جانب النيابة العامة نجد جهات أخرى خولها القانون أمر تحريك الدعوى العمومية سنتطرق لها في الفقرة الثانية من هذا المطلب.

لكن لابد من التوضيح بين مصطلحين تحريك الدعوى العمومية وممارستها.

        أولا: تحريك الدعوى العمومية

   تحريك الدعوى العمومية هو اختصاص أصلي للنيابة العامة فهي التي تقوم بإحالة الخصومة الزجرية على المحكمة المختصة للبت في شكلها وجوهرها وذلك عن طريق مجموعة من الأليات.

    وقد خول المشرع كذلك عند الاقتضاء لبعض الجهات صلاحية تحريك الدعوى العمومية كما هو الشأن بالنسبة للطرف المتضرر وبعض الإدارات بموجب بعض النصوص الخاصة نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

 – ظهير 1917 المتعلق بالمياه والغابات

 -ظهير 1977 المتعلق بمدونة الجمارك

والمقصود بمصطلح التحريك هو الإجراء الذي بمقتضاه أو بموجبه تنطلق الدعوى العمومية لتعرض على القضاء من أجل البت فيها.

وقد نصت المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية على الطرق التي يتم بموجبها تحريك الدعوى العمومية وعرضها على القضاء ، وقد أحسن المشرع صنعا بإيراده لعبارة ترفع الدعوى إلى المحكمة في مستهل هذه المادة ، وذلك يعني أن الأليات الممكنة لتحريك الدعوى العمومية محصورة في هذه المادة كقاعدة عامة ، فالمستفاد من منطوق المادة السالفة الذكر أنه قبل أي إحالة على الهيئة القضائية المختصة للنظر في الدعوى العمومية لا يجوز القول بوجود دعوى عمومية محركة، لأن وقائعها لم تعرض بعد على القضاء ، لكن بمجرد تحقق إحدى الحالات الواردة في المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية وهذه الحالات هي كتالي:

1- بتعرض المتهم على الأمر القضائي في الجنح طبقا للمادة 383؛

2- بالاستدعاء المباشر الذي يسلمه وكيل الملك أو الطرف المدني للمتهم أو عند الاقتضاء للمسؤولين عن الحقوق المدنية؛

3- باستدعاء يسلمه أحد أعوان الإدارة المأذون له بذلك قانونا، إذا كان هناك نص خاص يسمح لهذه الإدارة بتحريك الدعوى العمومية؛

 4- بالإحالة الصادرة عن قاضي التحقيق أو هيئة الحكم؛

 5- بالتقديم الفوري للجلسة في الحالة المنصوص عليها في المادة 74؛

 6- بإحالة من وكيل الملك بناء على تصريح مرتكب المخالفة أو المسؤول عن الحقوق المدنية المشار إليه في الفقرة الأخيرة من المادة377

    وبذلك الدعوى تحرك ولا مجال للتراجع عنها كقاعدة عامة، وتتولى النيابة العامة بالموازاة مع هذا الإجراء ممارسة الدعوى العمومية، فلذلك فهذه المادة قد أقامت تمييزا وحدا فاصلا بين مرحلة ما قبل التحريك ومرحلة ما بعد تحريك الدعوى العمومية.

إلا أنه في بعض الحالات نجد هناك نوعا من الارتباك التشريعي في ثنايا مقتضيات قانون المسطرة الجنائية الذي يحول دون احترام الوضوح الوارد في المادة 384 ، ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في المادة السادسة في فقرتها الثانية من قانون المسطرة الجنائية حيث نصت على أنه “يقصد بإجراءات المتابعة في مفهوم هذه المادة كل إجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية أمام هيئة الحكم أو هيئة التحقيق” فالملاحظ أن المشرع قد استعمل مصطلح رفع الدعوى أمام هيئة التحقيق وهو تنصيص مخالف في جوهره لما نصت عليه المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية ، فلا يمكن الحديث عن رفع دعوى عمومية أمام هيئة التحقيق والحال أن هذا الأخير وهو سلطة منحها المشرع صلاحية البحث في مدى توفر الأدلة والحجج عن قيام الجريمة والبحث عن الحقيقة ، وبعد ذلك تتخدد قرارا إما بالإحالة وهو الذي اعتبرته المادة 384 من قانون المسطرة  الجنائية بمثابة ألية لرفع الدعوى العمومية إلى المحكمة أو أن تصدر قرار بعدم المتابعة.

فبعد تحريك الدعوى العمومية إذن تأتي المرحلة اللاحقة عن التحريك وهي ممارسة الدعوى العمومية، فممارسة الدعوى العمومية لم تحظى بالكثير من البحث من مختلف الفاعليين في المادة الجنائية، والمشرع لم يعمد كذلك إلى وضع تعريف للممارسة على اعتبار أن مهمة وضع التعاريف هي من اختصاص الفقه والقضاء.

      ثانيا: ممارسة الدعوى العمومية

 ممارسة الدعوى العمومية تكون عن طريق تقديم الملتمسات والترافع أمام المحكمة وممارسة طرق الطعن، أي أن كل إجراء يتم من قبل النيابة العامة بعد تحريك الدعوى العمومية فهو ممارسة.

وباستقراء مضمون المادة 3 التي تنص على أن:” تمارس الدعوى العمومية ضد الفاعل الأصلي للجريمة والمساهمين والمشاركين في ارتكابها.

 يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانوناً يمكن أن يقيمها الطرف المتضرر طبقا للشروط المحددة في هذا القانون [2]

وكذلك المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أن: ” تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون، ولها أثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة “.

  بحيث نستشف من هاتين المادتين على أن المشرع قد أوكل بصفة حصرية للنيابة العامة الحق في ممارسة الدعوى العمومية دون غيرها.

   إلا أنه أثناء بحثنا في هذا الموضوع قمنا بملامسة بعض الحالات التي تقترب نوعيا لممارسة الدعوى العمومية من قبل بعض الجهات الأخرى، فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 73 من ظهير 1977 المتعلق بالمياه والغابات فإننا نجده قد خول لبعض موظفيها صلاحية الطعن بالاستئناف في الأحكام الابتدائية الصادرة بشأن الدعوى العمومية، وكذلك بالرجوع إلى مضمون المادة 397 من قانون المسطرة الجنائية نجدها في فقرتها الأخيرة تخول لبعض الإدارات في حالة إن هي قامت بتحريك الدعوى العمومية الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة في الجنح أي كان منطوقها.

    الفقرة الثانية الجهات المخول لها تحريك وممارسة الدعوى

العمومية

    تعتبر النيابة العامة السلطة التي أوكل لها المشرع في قانون المسطرة الجنائية تحريك الدعوى العمومية بشأن الجرائم التي تحال عليها، حيث منحها المشرع مجموعة من الوسائل في سبيل ذلك لاسيما ما يتعلق بملائمة وتكييف الأفعال الجرمية.

فكما سبق الإشارة فقد جاء في المادة الثانية من قانون المسطرة الجنائية على أن الدعوى العمومية يقيمها ويمارسها قضاة النيابة العامة وكذلك يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا وعليه فالنيابة العامة تبقى الجهة الأصلية المخول لها صلاحية إقامة وممارسة الدعوى العمومية (أولا)، غير أن سلطة الملائمة التي تملكها هذه الأخيرة أي النيابة العامة في إقامة الدعوى العمومية من جهة وخصوصية بعض الجرائم المرتكبة في بعض القطاعات دفعت بالمشرع المغربي تخويل صلاحية إقامة الدعوى العمومية استثناء لبعض الجهات المنصوص عليها قانونا (ثانيا).

            أولا: الجهة الأصلية في تحريك وممارسة الدعوى العمومية

       عهد المشرع من خلال قانون المسطرة الجنائية إلى جهاز النيابة العامة صلاحية تحرك الدعوى العمومية وممارستها وكذلك مراقبتها إلى جانب المطالبة بتطبيق القانون، ولها أثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة [3] .

  وعليه فإقامة الدعوى يتمثل في إحالة الخصومة الجنائية إلى المحكمة لتنظر فيها، وأما ممارستها فهي تتبع الدعوى وتقديم الملتمسات وحضور الجلسات إضافة إلى سلوك طرق الطعن المسموح بها قانونا [4]، وهكذا فالنيابة العامة تعتمد عدة طرق لإقامة الدعوى العمومية يمكن إرادها فيما يلي على سبيل المثال:

             1: الاستدعاء أو الإحالة الفورية للجلسة 

   يمكن للنيابة العامة أن تسلك الاستدعاء للجلسة في تحريكها للدعوى العمومية، كما يمكن لها أن تسلك طريق الإحالة الفورية للمتهم إلى الجلسة.

                         – الاستدعاء لجلسة المحكمة 

    هذه الطريقة تعتبر الالية الأصلية أو المعتادة في تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة خصوصا في المخالفات والجنح الغير المتلبس بها، بحيث يكون المتهمون بها غير معتقلين لارتكابهم جرائم لا يعاقب عليها إلا بغرامة أو كانت تعاقب بالحبس إلا أن ضمانات حضورهم للمحاكمة مؤكدة وهكذا فإن النيابة العامة بهذه الطريقة تكتفي بتوجيه وثيقة رسمية تسمى بالاستدعاء توجهها إلى المتهم ويتم بموجبها عرض القضية مباشرة على المحكمة بقصد البث فيها، وهذا ما يستفاد من البند الثاني من المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية إذ ترفع الدعوى العمومية إلى المحكمة الابتدائية بالاستدعاء المباشر الذي يسلمه وكيل الملك أو الطرف المدني للمتهم أو عند الاقتضاء للمسؤولين عن الحقوق المدنية.

                          – الإحالة الفورية على المحكمة

تعتبر الإحالة الفورية على المحكمة إحدى صور تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة من خلال عرض هذه الأخيرة المتهم بشكل مباشر على الجلسة من أجل الحكم عليه، وفي هذا الإطار يجب التميز بين الإحالة المباشرة في الجنح والجنايات:

        الإحالة الفورية في الجنح

    بالرجوع إلى مقتضيات المادة 74 من( ق.م.ج ) فإنه يمكن لوكيل الملك أو نائبه إذا تعلق الأمر بجنحة معاقب عليها بالحبس أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور بأن يقوم بإصدار أمر بإيداع المتهم بالسجن بعد إشعاره بحقه في تنصيب محامي حالا واستنطاقه عن هويته وعن الأفعال المنسوبة إليه على أن تتم إحالته على أول جلسة تعقدها المحكمة الابتدائية، كما يمكن لوكيل الملك إتباع نفس المسطرة حتى في الجنح الغير متلبس بها وفقا لما جاء في المادة 47 وذلك في حق المشتبه فيه الذي اعترف بالأفعال المكونة لجريمة معاقب عليها بالحبس أو ظهرت أدلة قوية على ارتكابه لها والذي لا تتوفر فيه ضمانات الحضور أو ظهر أنه خطير على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال.

 وبذلك فإن لم يكن مقرر عقد جلسة في نفس اليوم فإنه يجب لزوما عرض المتهم داخل أجل ثلاثة أيام على جلسة تعقد خصيصا لذلك [5].

      الإحالة الفورية في الجنايات  

   لقد خولت المادة 49 من قانون المسطرة الجنائية للوكيل العام للملك صلاحية إحالة ما يتخذه من إجراءات إلى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم المختصة [6]، وطريقة الإحالة المباشرة تكون ممكنة طبقا للمادة 73 من قانون المسطرة الجنائية متى تعلق الأمر بالتلبس بجناية وفق للمادة 56 من نفس القانون، ولم تكن الجريمة من الجرائم التي يكون التحقيق فيها إلزاميا وكانت القضية جاهزة للحكم، ففي هذه الحالة فالوكيل العام للملك يصدر أمرا بإيداع المتهم في السجن ويحيله مباشرة على غرفة الجنايات داخل أجل خمسة عشر يوما على الأكثر[7].

     أما بخصوص الجنح أو المخالفات المرتبطة بجناية أو غير القابلة للتجزئة فتتم إحالتها بنفس الكيفية مع مراعاة المقتضيات المتعلقة بنوع الجريمة، بحيث لا يجوز إيداع مرتكب مخالفة في السجن وكذلك مرتكب الجنحة لكونها تطبق عليها المقتضيات المتعلقة بالمتابعة من أجل الجنح ويتعلق الأمر هنا بالاستدعاء للجلسة أو الإحالة الفورية [8].

           2: التماس النيابة العامة بإجراء تحقيق

   ترتبط هذه الوسيلة في تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة بالأحكام المتعلقة بإجراء التحقيق وفق مقتضيات المسطرة الجنائية في الجنح وكذلك في الجنايات وفقا للمادة [9] 83 من قانون المسطرة الجنائية.

يكون الوكيل العام للملك ملزما بتحريك الدعوى العمومية عن طريق تقديم ملتمس بإجراء تحقيق في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو في الجنايات التي يعاقب عليها كحد أقصى بالسجن لثلاثين سنة، بالإضافة إلى الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث بغض النظر عن العقوبة المقررة لهذه الجناية، كما أن الوكيل العام للملك في غير الجنايات السالفة الذكر التي يكون فيها التحقيق إلزامي يمكن له أن يسلك بشكل اختياري في تحريك الدعوى العمومية طريق تقديم ملتمس لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق. وفي نفس السياق فإن الوكيل العام في الجنايات المتلبس بها والتي يكون فيها التحقيق غير إلزامي، إذا ظهر أن القضية جاهزة للحكم سلك طريق الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات داخل اجال خمسة عشر يوما على الأكثر كوسيلة في تحريكه للدعوى العمومية، غير أنه إذا ظهر له أن القضية غير جاهزة فإنه يسلك في تحريكه للدعوى العمومية طريق التماس إجراء التحقيق [10].

     أما فيما يخص تحريك الدعوى العمومية في الجنح بهذه الوسيلة فتتحكم فيه مقتضيات التحقيق في الجنح، بحيث يكون التحقيق إلزامي في بعض الجنح بنص خاص مما يتوجب معه على وكيل الملك أن يقيم الدعوى العمومية بناء على التماس يوجهه إلى قاضي التحقيق من أجل إجراء تحقيق كما أن وكيل الملك حتى في الحالات التي لا يكون فيها التحقيق إلزاميا في الجنح فإنه يملك إمكانية تحريك الدعوى العمومية بشكل اختياري في الجنح المرتكبة من طرف الأحداث وكذلك في الجنح التي يكون الحد الاقصى للعقوبة المقررة خمس سنوات حبسا أو أكثر.

 إن ما يميز هذه الوسيلة عن باقي الطرق الأخرى كون الملتمس بإجراء تحقيق يمكن اللجوء إليه حتى وإن كان مرتكب الجريمة مجهول الهوية [11]، وتجدر الإشارة في هذا الإطار أنه وعملا بالمبدأ الشهير في قانون الإجراءات القاضي بكون التحقيق الإعدادي عيني يتعلق بالجريمة المرتكبة وليس بفاعلها، فإن صلاحية قاضي التحقيق تنحصر في الوقائع الإجرامية التي عرضتها النيابة العامة عليه من أجل البحث فيها، فعلى سبيل المثال فليس له أن يحقق تلقائيا في سرقة أشياء إن هو عرض عليه إجراء تحقيق في جريمة اعتداء وظهر له أن جريمة السرقة ارتكبت بمناسبة الاعتداء [12] وإنما عليه إحاطة النيابة العامة علما بذلك كي تلتمس منه التحقيق في تلك الجريمة إن رأت ضرورة لذلك.

في مقابل ذلك يحق لقاضي التحقيق اتهام أي شخص له علاقة بالوقائع الإجرامية موضوع التحقيق كمساهم أو كمشارك حتى ولو لم يرد اسمه في الملتمس[13]، فيصبح بذلك المساهم أو المشارك كمتابع أقيمت في مواجهته الدعوى العمومية بملتمس بإجراء تحقيق لم يرد فيه لاسمه من قبل النيابة العامة[14].

      ثانيا: الجهات المخول لها استثناء تحريك الدعوى العمومية 

   إقامة الدعوى العمومية ترتبط بشكل أصلي بالنيابة العامة فإنه قد عهد المشرع استثناء لبعض الجهات والأشخاص بإقامة الدعوى العمومية، نتيجة لبعض الخصوصيات ترتبط سواء بطبيعة الجرائم المرتكبة أو بطبيعة الأشخاص المرتكبون للأفعال المجرمة أو نتيجة لسلطة الملائمة التي تملكها النيابة العامة في تحريكها للدعوى العمومية.

                    1: بعض الجهات

  في هذا الإطار سنحاول أن نميز في تحريك الدعوى العمومية استثناء من طرف بعض الجهات الإدارية، كما سنبرز خصوصية تحريك الدعوى العمومي في علاقتها بجهاز العدالة.

                            – بعض الجهات الإدارية

   كما سبق الإشارة على انه نصت المادة الثالثة من( ق.م.ج) على أنه يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانوناً” وبهذا المقتضى يكون المشرع قد خول لبعض الموظفين خارج أسلاك قضاة النيابة العامة حق إثارة الدعوى العمومية بموجب القانون، وعليه سنتعرض لبعض هذه الجهات في قضايا الجمارك: فبالرجوع لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة  [15] في ما يتعلق بتحريك الدعوى العمومية و ممارستها في للفصل[16] 249، فإنه يمكن تحريك الدعوى العمومية في بعض الجنح الجمركية من قبل النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير إدارة الجمارك أو أحد ممثليه المؤهلين للقيام بذلك ، وبذلك يكون موظفي إدارة الجمارك من بين الجهات الإدارية التي خول لها المشرع إمكانية تحريك الدعوى العمومية، كما يمكن لإدارة الجمارك في هذا الإطار أن تعين من يمثلها في الجلسة و يقوم بتقديم القضية أمام المحكمة و كذا إيداع طلبات الإدارة[17].

في قضايا المياه والغابات بالنسبة لموظفي إدارة المياه والغابات: فبالرجوع إلى الظهير المتعلق بحفظ الغابات واستغلالها الصادر ب 01/7191/01 والتي حلت محلها المندوبية السامية للمياه والغابات خول لهؤلاء حق متابعة مرتكبي المخالفات الغابوية وتوجيه الاستدعاء إليهم إلى جانب حق ممارستها واستعمال الطعن[18] .

                  – الجهات القضائية

   ترتبط إقامة الدعوى العمومية استثناء من قبل بعض الجهات القضائية في إطار قواعد الاختصاص الاستثنائية من خلال الحكم في الجنايات والجنح المرتكبة من طرف بعض القضاة أو الموظفين وكذلك في الجرائم المرتكبة أثناء جلسات هيئة الحكم.

                        الغرفة الجنائية بمحكمة النقض

    أناط المشرع بموجب مقتضيات الاختصاص الاستثنائي للغرفة الجنائية بمحكمة النقض إقامة الدعوى العمومية في حق بعض الأشخاص، إذا نسب إليهم أثناء مزاولة مهامهم أو خارجها ارتكاب فعل معاقب عليه بوصفه جناية أو جنحة، بحيث أنه متى كان الفعل منسوبا إلى أحد مستشاري الملك أو أحد أعضاء الحكومة، أو كاتب الدولة، أو نائب كاتب الدولة، أو قاضي بمحكمة النقض أو بالمجلس الأعلى للحسابات، أو عضو في المجلس الدستوري أو ولي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها، بحيث تأمر بناء على ملتمس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من الغرفة الجنائية [19].

    كما يعهد كذلك للغرفة الجنائية بمحكمة النقض بتحريك الدعوى العمومية طبقا لمقتضيات المادة 266 من قانون المسطرة الجنائية إذا كان الفعل منسوبا إلى قاض بمحكمة استئناف أو رئيس محكمة ابتدائية عادية أو متخصصة أو وكيل للملك بها أو قاض بأحد المجالس الجهوية للحسابات وذلك بناء على ملتمس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بحيث اذا تبين للغرفة الجنائية بمحكمة النقض أن الامر يقتضي إجراء تحقيق تقوم بتعين محكمة استئناف التي سيجرى فيها التحقيق غير محكمة الاستئناف التي يباشر بدائرتها المعني بالأمر مهمته.

                   الرؤساء الأولون بمحاكم الاستئناف

   خول القانون لرؤساء الأولون بمحاكم الاستئناف استثناء تحريك الدعوى العمومية في الحالة التي يكون فيها الفعل منسوبا إلى قاض بمحكمة ابتدائية عادية أو متخصصة، وذلك بناء على ملتمس للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف الذي بموجبه يحيل القضية إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة الذي يأمر بإجراء التحقيق إذا كان الامر يقتضي ذلك إذ يعهد إلى قاض للتحقيق أو مستشار بمحكمته يكلفه بالتحقيق قصد القيام ببحث في الوقائع محل المتابعة [20] .

     كما يعهد كذلك لرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بإقامة الدعوى العمومية طبقا للمادة 268 من قانون المسطرة الجنائية إذا نسب لباشا أو خليفة أول لعامل أو رئيس دائرة أو قائد أو لضابط شرطة قضائية ارتكابه لجناية أو جنحة أثناء مزاولته مهامه، وذلك بناء على ملتمس من طرف الوكيل العام للملك، بحيث إذا تبين له أن الأمر يتطلب إجراء بحث عين بذلك مستشارا بمحكمته وكلفه بالتحقيق.

                   محاكم الحكم

     إن الجرائم التي لها وصف مخالفة والتي ترتكب أثناء جلسات هيئة الحكم يسند تحريك الدعوى العمومية بشأنها لهيئة الحكم التي وقعت الجريمة أمامها وتصدر الحكم فيها حالا ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 357 وما يليها إلى المادة 359 من قانون المسطرة الجنائية أو بناء على ملتمسات من النيابة العامة.

وتجدر الاشارة إلى أنه إذا تعلق الأمر بجريمة لها وصف جنحة أو جناية فهيئة الحكم تأمر بتحرير محضر بالوقائع وتحيل فورا مرتكب الفعل بواسطة القوة العمومية والمستندات إلى النيابة العامة المختصة.

                    2: المتضرر

   تقضى المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية بأنه يمكن للشخص المتضرر أن يقيم الدعوى العمومية، ويجد هذا التوجه أساسه في النظام الاتهامي الذي ينيط بالمتضرر نفسه حق إقامة الدعوي العمومية أمام القضاء بصفته مطالبا بالحق المدني مما يضفي الطبيعة المدنية والزجرية على الادعاء المباشر[21] .

     كما أن تمكين المتضرر بشكل استثنائي في إقامة الدعوى العمومية له ما يبرره فيما للنيابة العامة من سلطة الملائمة في المتابعة من عدمها لذلك فتقاعس النيابة العامة يقابله تحريك المتضرر للدعوى العمومية من خلال ألية الشكاية المباشرة والاستدعاء المباشر[22].

    ويشترط القانون في الشكاية المباشرة أو الاستدعاء المباشر كطريق لتحريك الدعوى العمومية أن يكون المتضرر قد تعرض شخصيا لضرر مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة، كما يتعين على المتضرر أن يوجه شكايته إما إلى قاضي التحقيق أو إلى هيئة الحكم شريطة تنصيب نفسه مطالبا بالحق المدني، وأن يضمن شكايته عرض للأفعال المكونة للجريمة ومبلغ التعويض المطلوب كما يتعين عليه أن يودع لدى كتابة الضبط مصاريف الدعوى ما لم يكن مستفيدا من المساعدة القضائية تحت طائلة عدم قبول الشكاية [23].       

   بعد تقديم الادعاء المباشر وفقا للشروط القانونية، فإذا صدر الأمر بعدم المتابعة وأصبح نهائيا، فإنه يمكن لكل الاشخاص المشار إليهم في الشكاية أن يطلبوا من المشتكي تعويضهم عن الضرر الذي لحقهم، كما يمكن لهم أيضا متابعته بالوشاية الكاذبة [24].

    ومع ما سبق فإنه لا يمكن للمتضرر من الجريمة إقامة الدعوى العمومية بواسطة الادعاء المباشر في مواجهة حدث طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 463 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه لا يمكن إقامة الدعوى العمومية في حق حدث من قبل الطرف المدني، كما لا يمكن للمتضرر أيضا تحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المدني في مواجهة الأشخاص أصحاب الامتياز القضائي المنصوص عليهم في المواد 264 الى 268 من نفس القانون.

    وتجدر الإشارة إلى أن حق المتضرر يقتصر فقط في تحريك الدعوى العمومية دون أن يتعدى ذلك الى ممارسته لها، وهذا ما أكده المجلس الأعلى أي محكمة النقض حاليا في قرار له جاء فيه: ” أن حق المتضرر في إقامة الدعوى العمومية ينحصر أثاره في تحريك هذه الدعوى ووضعها بالمحكمة، في حين أن النيابة العامة تملك سلطة مباشرتها ويبقى للمتضرر حق الادعاء المدني فقط [25]” ، وبالتالي فاختصاص النيابة العامة في ممارسة الدعوى العمومية يبقى من النظام العام حتى ولو كان المتضرر هو الذي حركها بواسطة الشكاية المباشرة[26] .

         إذن خلصنا من كل ما سبق أن المشرع المغربي حق تحريك الدعوى العمومية من أجل نهج السياسة العقابية مخول إلى جهاز النيابة العامة وذلك من خلال تحرك وممارستها وكذلك المراقبة إلى جانب المطالبة بتطبيق القانون، باعتبارها هي الجهة الأصلية في تحريك الدعوى العمومية بتالي سنخصص المطلب الثاني لبدائل الدعوى العمومية وبيان أنواع هذه البدائل.

   المطلب الثاني ماهية بدائل الدعوى العمومية وأنواعها

   سنحاول في هذا الطلب الى تحديد مفهوم بدائل الدعوى العمومية (الفقرة الأولى) ثم سنتطرق الى التعرف على بعض أنواع بدائل الدعوى العمومية علا سبيل المثال لا للحصر (الفقرة الثانية)

        الفقرة الأولى مفهوم بدائل الدعوى العمومية

      تعددت التعريفات لها من الزاوية التي ينظر إليها وضعها، حيث عرفها بعضهم بأنها تعني أن الجريمة قد وقعت، ويمكن للنيابة أن ترفع الدعوى الجنائية، إلا أنه في ضوء الأفكار التي تتطلب الحد من العقوبات المقيدة للحرية قصيرة المدة والحد من العقاب، بل والحد من التجريم، فإنه يجب عدم تعريض المتهم للإجراءات التقليدية للخصومة الجنائية، منعاً من تعريضه لمخاطر المحاكمة الجنائية [27]

ولكن يؤخذ على هذا التعريف أنه لم يحدد ماهية البدائل، إن كان حدد هدف البدائل وتأثير الاتجاهات الحديثة في نشأة هذه البدائل، وهناك من عرفها بأنها “إحدى وسائل السياسة الجنائية التي تهدف إلى تفعيل دور العدالة الجنائية وتيسير الإجراءات الجنائية” [28]

وإن كان يؤخذ على هذا التعريف أن بدائل الدعوى الجنائية بأنه قاصر، وأن البدائل هي إحدى وسائل العدالة الرضائية كبديل عن الدعوى الجنائية لتيسير الإجراءات الجنائية نتيجة لأزمة العدالة الجنائية.

وهناك من عرفها على حسب أثرها بقوله “بأن هذه البدائل تؤدي إلى انقضاء الحق[29] «  في الدعوى الجنائية، وهذا الحق هو الذي ترتكز عليه الدعوى مباشرة، فإذا بوشر البدائل التي يسمح بها القانون لسرعة البت، ترتب على ذلك انقضاء هذا الحق”.

    وقبل أن نتعرض لتعريفنا لبدائل الدعوى الجنائية، يجب التعرض لأهداف بدائل الدعوى العمومية، حيث تحقق بدائل الدعوى الجنائية أهدافاً كثيرة تتفق كلها مع السياسة الجنائية

الحديثة، وبالتالي تحقق هدفا من أهداف علم الإجرام [30]

 وأهم هذه الأهداف

     -إصلاح المجرم بوصفها الهدف المنشود من تطور سلطة الدولة في العقاب وذلك من خلال عدم تعريض بعض المتهمين لأخطار المحاكمة الجنائية، وتحميلهم عقوبات لا تتفق مع شخصياتهم [31] .

    – تعاون جميع قطاعات الدولة في مكافحة الإجرام إلى جانب القطاع الجنائي؛ لتحقيق هذا الهدف حيث إن مكافحة الإجرام لم يغد قاصرا على القطاع الجنائي وحده.

     -البحث عن أسباب النزاع، وبذل الجهود للقضاء على مسبباته في المستقبل.

     -تخفيف العبء عن كاهل أجهزة تنفيذ القانون وبالتالي الإقلال من الجهد الذي تبذله الهيئات المكلفة بالبحث الجنائي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توفير الوقت والجهد والنفقات، حيث إن عرض القضايا البسيطة على القضاء، وعلى كثرتها فيها مضيعة للوقت وتبديد للجهد، وإسراف في النفقات.

في حين أن هذه الدعاوى يمكن، بل يحسن معالجتها خارج إطار الدعوى الجنائية.

        وتخفيف عبء القضاء الجنائي باستبعاد الجرائم القليلة الأهمية؛ لكي يتفرغ للقضايا الخطرة، حيث الجرائم القليلة الأهمية تتزايد بشكل كبير.

    من خلال إبراز الهدف من بدائل الدعوى العمومية يمكن تعريفها على أن:

   بأنها: ” الاتفاق الذي تبرمه النيابة العامة مع المتهم بغية تخفيف العقوبة واختصار إجراءات الدعوى

   وكذلك فقد عرفت بأنها أسلوب قانوني غير قضائي لإدارة الدعوى الجنائية يتمثل في دفع مبلغ من المال للدولة، أو تعويض المجني عليه، أو قبول تدابير أخرى مقابل انقضاء الدعوى العمومية.

     كما نجد في تعريف أخر بأنها: «هي الاعتراف بإرادة أطراف الدعوى الجنائية في تحديد مصير هذه الدعوى بالاستمرار أو الانقضاء» [32]

     كما عرفها بعضهم بأنها: التحول عن العدالة القسرية (الدعوى العمومية) إلى الأخذ في الاعتبار إرادة المتهم وإرادة المجني عليه عند إدارة العدالة الجنائية بصدد بعض الجرائم بالنظر إلى المزايا الكبيرة التي يحققها هذا التحول، وليس فقط بالنسبة للمتهم والمجني عليه، بل أيضا بالنسبة للمجتمع”.

الفقرة الثانية أنواع بدائل الدعوى العمومية  

من خلال هذه الفقرة سنتطرق الى بعض أنواع بدائل الدعوى العمومية كأصلح ،الوساطة الجنائية ،الأمر القضائي ،التصالح الجنائي ، التسوية الجنائية وذلك على سبيل المثال لا للحصر

أولا: الصلح الجنائي

يجد “الصلح ” أصله التاريخي في الرصيد الهائل من الأعراف والتقاليد لدى كثير من المجتمعات ثم في رحاب القانون المدني، إذ هو من قبيل عقود المعاوضة التي يلجأ إليها الأطراف، وهو بذلك أحد صور العدالة الرضائية التي تستعين بها التشريعات الحديثة للحد من تكدس القضايا ولتفادي مساوئ العقوبات السالبة للحرية، وقد اختلفت جميع التشريعات حول وضع تعريف للصلح الجنائي، تاركة ذلك الاجتهاد الفقه والقضاء مما حال دون تحديد تعريف موحد للصلح الجنائي.

أولا: الصلح لغة: إنهاء الخصومة، ويقال صلح الشيء صالحا، أي كان نافعا ومناسبا  وأصلح ذات بينهما أو ما بينهما، أي أزال ما بينهما من عداوة وشقاق، وصالحه أي صافاه [33]والصلح بذلك لغة هو الاتفاق على إنهاء الخصومة “، وعرفه البعض بأنه: ” تلاقي إرادة المتهم وإرادة المجني عليه  [34]أو هو: ” تخلص المتهم من الدعوى العمومية  إذا دفع مبلغا معينا خلال مدة معينة [35]، ويعتبره البعض الآخر بأنه إجراء يتم عن طريقه التراضي على الجريمة بين المجني عليه ومرتكبها خارج المحكمة، والذي يمكن اتخاذه أساسا لسحب الاتهام في الجريمة، ويعني أن المجني عليه قد قدمت له ترضية حفزته لان يرغب في الامتناع عن الاتهام[36] .

 ثانيا: تعريف الصلح في الفقه: “أسلوب قانوني غير قضائي لإدارة الدعوى العمومية، ويتمثل في دفع مبلغ من المال للدولة، أو تعويض المجني عليه، أو قبول تدابير أخرى، مقابل انقضاء الدعوى العمومية.

ويعرفه البعض بقوله: “هو الإجراء الذي بمقتضاه تتلاقى إرادة المجني عليه مع إرادة المتهم في وضع حد للدعوى العمومية ويخضع هذا الإجراء لتقييم الجهة القائمة على الأخذ به، فان قبلته ترتب عليه انقضاء الدعوى العمومية دون تأثير على حقوق المضرور من الجريمة[37].

ويعرف الفقيه الأستاذ أحمد فتحي سرور الصلح الجنائي بأنه:” اتفاق بين جهة الإدارة المجني عليه في بعض الجرائم وبين المتهم من شانه أن يوفق بين مصلحة هذه الإدارة ومصلحة المجتمع.

ثانيا: التصالح الجنائي    

   التصالح بمثابة عقد: يعرف البعض التصالح بأنه: “عقد رضائي بين طرفين، الجهة الإدارية المختصة من ناحية، والمتهم من ناحية أخرى بموجبه تتنازل الجهة الإدارية عن طلب رفع الدعوى العمومية مقابل دفع المخالف الجعل المحدد في القانون كتعويض، أو تنازله عن المضبوطات[38].

وعرفه اخرون بأنه: “اتفاق بين الإدارة والمتهم، يدفع بمقتضاه المتهم المبلغ المتفق عليه للخزينة العامة وفق ما يحدده القانون، لتجنب اتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهته، أو لتلاقي تنفيذ العقوبات المحكوم بها عليه [39] .

 واعتبر البعض التصالح بأنه: “تعبير عن إرادة فردية تتلقاه وتؤكد صحة السلطة الإدارية المختصة، ويعني ذلك تخلي الفرد عن الضمانات القضائية التي قررها المشرع بصدد الجريمة التي ارتكبها، وتخلي الدولة عن حقها في العقاب حيث تنقضي بذلك الجريمة[40] .

ثالتا: الأمر الجنائي       

   لم يضع المشرع المغربي تعريف للأمر الجنائي، بل استعمل لفظ القضائي عوض الجنائي واعتمد المشرع المغربي في ذلك السند التنفيذي في المخالفات والأمر القضائي في الجنح – وللإشارة فلفظ قضائي توازي جنائي عند الحديث عن الأمر الجنائي سيما وأن الأمر يتعلق بجنح ومخالفات أن تقترح على المخالف بمقتضى سند قابل للتنفيذ أداء غرامة جزافية تبلغ نصف الحد الأقصى لما هو منصوص عليه قانونا، ولقد عرف التشريع المغربي تطبيق الأمر الجنائي وذلك بمقتضى قانون المسطرة  الجنائية لعام 1959 وخاصة المواد 355 – 365 [41] ، حيث كانت المسطرة المعمول بها تعطي للقضاة حق إصدار أوامر قضائية في غيبة الأطراف في المخالفات التي لا يعاقب عنها بعقوبات سالبة للحرية، ولا يظهر فيها متضرر، وذلك بناء على ملتمسات النيابة العامة، فيصدر الأمر بغرامة بسيطة يحق للمحكوم عليه التعرض عليها، ولتجاوز التعقيدات والمجهودات المادية والبشرية، منح المشرع المغربي للنيابة العامة أخيرا حق اقتراح أداء غرامة جزافية لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للمخالفة كما سبق ذكره، وفي حالة عدم موافقة المتهم المخالف تعرض القضية وفق المسطرة العادية، وبالمقابل يصبح الاقتراح سندا قابلا للتنفيذ في  حالة قبول المخالف به، أو عدم تعرضه عليه – المواد ،375 382 ق م ج – [42]وذلك وفق شكليات المادة 376 من قانون المسطرة الجنائية هذا عن السند التنفيذي في المخالفات.

أما بخصوص الأمر القضائي في الجنح، فقد أوجد بخصوصه المشرع المغربي مسطرة مبسطة للجنح البسيطة التي يعاقب عنها فقط بغرامة ال تتجاوز خمسة آلاف -5000.00-

درهم، ولا يظهر فيها مطالب بالحق المدني، طبعا متى كانت ثابتة بمقتضى محضر أو تقرير، وهذه المسطرة تمكن القاضي من إصدار أمر بأداء الغرامة بناء على ملتمس النيابة العامة، والبث في غيبة المتهم والمسؤول المدني بأمر يمكنهما التعرض عليها بعد تبليغهما به، مع ما يتيحه ذلك من فرصة المحاكمة العادية التي تكون آنذاك حضورية[43] .

  وبالبحث عن تعريف للأمر الجنائي، نجد أنه يسمى أمرا قضائيا حينا وسندا تنفيذيا حينا آخر، يتأثر بمدى منح النيابة العامة سلطة إصدار الأمر الجنائي، وهي بذلك تصبح حكما وخصما في آن واحد، مما حدى ببعض الفقه إلى استعمال لفظ العمل القضائي ليشمل الأمر الصادر من القاضي أو النيابة العامة[44]

     رابعا: الوساطة الجنائية

الوساطة في اللغة: اسم للفعل وسط، ووسط الشيء، صار في وسطه فهو واسط، ووسط القوم، وفيهم وساطة: توسط بينهم بالحق والعدل، وتوسط بينهم، وسط فيهم بالحق والعدل والوساطة، التوسط بين أمرين أو شخصين لفض النزاع القائم بينهما بالتفاوض، والوسيط هو المتوسط بين المتخاصمين[45].

والجنائية لغويا: مأخوذة من الجناية، والجناية في اللغة مصدر مشتق من الفعل الثلاثي “جنى” يقال جنى الذنب عليه: تجنيه جناية أي جره إليه، وهو جان والجمع جناة وجناء، وتجنى عليه: أدعى ذنبا لم يفعله[46]

   “يقصد بالوساطة الجنائية إمكانية الاستعانة بطرف ثالث محايد يتولى التواصل مع طرفي القضية الجاني والمجني عليه في الجرائم التي تتصل بالبساطة أو بوجود روابط مستمرة بين أطرافها، ويعمل على الاستماع لکل طرف محاولاً تقريب وجهات النظر بين الطرفين بغرض التوصل إلى تسوية ودية، حيث يترتب على نجاح الوساطة إرسال الموضوع للنيابة العامة”

خامسا: التسوية الجنائية

ورد تعريف التسوية الجنائية لدى بعضهم بإنهاء الاتفاق بين شخصين أو أكتر على قبول التنازل وصولا للتسوية.

وأن هذا التعريف لا يمس بحقيقة الواقع بأنه عرض للتصالح والتسوية من جانب النيابة على المتهم في مقابل فرض عقوبة رضائية بديلة عن العقوبة الأصلية وبالتالي فإن هذا التعريف يتنافى مع حقيقة نضام التسوية الجنائية وهذا النظام يجد مشروعيته من المشرع الذي أقر بوجوده لغايات ابتغاها وهذا النظام كان نتيجة لإخفاق مشرع نضام الأمر الجنائي في عام 1994 بعد حكم المحكمة الدستورية الفرنسية بعدم دستورية، لإهدار للحريات الفردية وهذا يدل على مدى التشابك والتداخل بين أنظمة العقوبات الرضائية.

   ويصل بنا المطاف لتحديد مدلول نظام التسوية الجنائية على ضوء ما ذكر، ” بأنه أحد أنظمة العقوبات الرضائية البديلة القضائية، يمنح بموجبه للنيابة العامة بأن تقترح على الجانح المعترف بارتكابه أحد الجنح المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس لمدة تقل ،أو تعادل خمس سنوات أو أحدى المخالفات المرتبطة به، أن تنفد برضائه المطلق إحدى التدابير المنصوص عليه حصرا ، المقيد للحرية أو الحقوق ، بشرط اعتمادها من القاضي المختص، وبذلك تنقضي الدعوى الجنائية.

المبحث الثاني بدائل الدعوى العمومية ودورها في تحقيق العقاب

سنتطرق في هذا المبحث الى دور بدائل الدعوة العمومية تماشيا مع السياسة العقابية مع تحديد وخصائصها وذلك في (المطلب الأول) ثم دراسة لبعض بدائل الدعوى العمومية في التشريع المغربي على ضوء المسطرة الجنائية وبعض القوانين الخاصة (المطلب الثاني)

المطلب الأول: دور بدائل الدعوة العمومية تماشيا مع السياسة   العقابية وخصائصها

من خلال هذا المطلب سنقوم بتحديد دور بدائل الدعوى العمومية في الحد من أزمة العدالة الجنائية تماشيا مع السياسة عقابية (الفقرة الأولى) مع إبراز خصائص بدائل لدعوى العمومية (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: دور بدائل الدعوى العمومية في الحد من أزمة العدالة الجنائية تماشيا مع السياسة عقابية  

    إن من أهم وأبرز سمات أزمة العدالة الجنائية هي عجز العقوبة عن تحقيق أهدفها وعلى رأسها تحقيق العدالة، إلى جانب اعتماد أجهزة العدالة والقضاء على سياسة تأجيل الجلسات تارة وحفظ الدعاوى وطول وتعقيد إجراءاتها الشكلية تارة أخرى، فولد لدى المتقاضين شعور بعدم الرضا عن أدائها مما ألجأهم إلى البحث عن بدائل يمكنه من خلالها أن يحققوا عدالتهم عبر بدائل تبحث عن أسباب النزاع، بل تمتد إلى القضاء عليها وعلى مخلفاتها وآثارها.

لذا ظهرت الوسائل البديلة لحل المنازعات والخلافات خارج الإطار القضائي، كنتاج لعدم فاعلية أساليب العدالة الجنائية التقليدية في حسم القضايا الجنائية العامة، فقد كانت ممارسة الدعوى العمومية تقتضي المرور عبر مراحلها الإجرائية في الاتهام والتحقيق والمحاكمة، فهذه الوسائل البديلة بمختلف أنواعها تستهدف بالدرجة الأولى، اختصار هذه الإجراءات والمساطر القانونية أملا في تحقيق فعالية العدالة الجنائية.

وإنه لمن أهم أهداف الوسائل البديلة إصلاح الجاني وتأهيله عبر البحث عن أسباب النزاع وبذل الجهود للقضاء على مسبباته، كما تعتبر الوسائل البديلة في الواقع مقاربة عملية لفض النزاعات تتميز بقلة شكلياتها ومحدودية الخصومة فيها، وغلبة الجانب الرضائي والتعاقدي عليها، حيث تتشكل من جملة من الإجراءات المستحدثة المتميزة والمختلفة عن الإجراءات الجنائية التقليدية والمكملة لها في نفس الوقت.

ولقد تراكمت مجموعة من الأسباب، ساهمت في التفكير بإيجاد بدائل للدعوى العمومية أمام قصور النظام العقابي في تحقيق أهداف وغايات السياسة الجنائية لمكافحة الجريمة وردع الجناة، أي تماشيا فيما تنوي السياسة العقابية تحقيقه.

   فكما سبق التطرق إليه في المبحث الأول أن الاعتقاد السائد أن الدعوى العمومية جوهر القوانين الإجرائية المختلفة، وان إقامتها هي الوسيلة التي تمنح للدولة حق إيقاع العقاب لأن هناك تلازم بين سلطة الدولة في العقاب وبين الضمانات التي يحفل بها القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية في إطار تحريك الدعوى العمومية.

     فمن جهة أولى: فإن الدعوى العمومية هي الوسيلة القانونية لتقرير الحق وصولا لاستيفائه بمعونة من النيابة العامة، من خلال اللجوء إلى السلطة القضائية لضمان استيفاء الحقوق، وجاءت بدائل الدعوى العمومية لإعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى العمومية سواء كان المتهم أو المجني عليه وبمشاركة المجتمع في إنهاء الدعوى العمومية والسيطرة على مجرياتها المعروضة أمامه.

   ومن جهة ثانية: تعتبر بدائل الدعوى العمومية مؤشرا على مرحلة جديدة طابعها التحول من العدالة القهرية إلى العدالة الرضائية، وفي نفس الوقت تحقيق أهداف العدالة بأقل تكلفة مما يساهم في استقرار المراكز القانونية.

وينبغي القول بأن العالم شهد حركة فقهية وتشريعية لتنظيم بدائل الدعوى العمومية لتكون أداة فاعلة ومؤثرة لتحقيق وترسيخ العدالة وصونا للحقوق وحماية للحريات، وذلك من خلال إيجاد إطار ملائم يضمن لهذه البدائل تتقنينها ثم تطبيقها، ومن الجدير ذكره بأنها تنسجم مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، التي تدعو إلى السلم والأمن والترابط المجتمعي، من خلال علاقات مبنية على العفو والتسامح والصفح والصلح، والقضاء على مسببات النزاع وتطهير أثاره.

فإذا كان بعض الباحثين يعتبرون أن المشاكل التي يعاني منها قضاء الدولة هي السبب الأساسي في اللجوء المتزايد إلى هذه البدائل، فإننا نظن أن الاهتمام بهذه الأخيرة راجع بالأساس إلى المزايا التي تتسم بها وإلى مدى اقتناع الأطراف بنجاتها وفعاليتها في حل النزعات، وهكذا يمكن القول إن حل النزعات الجنائية باللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية أصبح من المظاهر الحضارية لتسوية النزاع، وذلك لأن الحل عن طريق الحوار الهادف والبناء الذي توفره يدل على حضارية هذه البدائل وحضارية المجتمعات التي تعمل بها.

لكن هذا الحل البديل يقتصر فقط على المتهم دون المجتمع أي أن ما تطمح له السياسة العقابية يمكن القول أنه لا يتحقق من خلال الوسائل البديلة لان حل المشكل بين النتهم وضحية هنا تنعدم العقوبة وبتالي لا يحدث نوع من التخويف للمجتمع.

   من خلال هذا الإشكال سوف نحول التوسع فيه أكثر من خلال المبحث الثاني للوصل هل فعلا بدائل الدعوى العمومية عند اللجوء لها لا يمكن تصور نجاح ما هو متوخاه من السياسة العقابية، لكن قبل ذلك لبد من التطرق الى خصاص بدائل الدعوى العمومية

الفقرة الثانية: خصائص بدائل لدعوى العمومية

      هناك عدد مهم من المزايا التي توفرها بدائل الدعوى العمومية للأطراف المتنازعة، وهي ما يجعلها تمثل حظوظا وافرة للنجاعة وهي في مجملها تهتم بالمتطلبات الأساسية الواجب على الوسيط الالتزام بمراعاتها، والسعي إلى استكمالها ضمانا لتهيئة البيئة المواتية لتمكينه من أداء مهمته، والتقريب بين وجهات النظر المتعارضة للأطراف المعنية، ومساعدته في التوصل إلى صيغة مقبولة من كليهما، والتوصل إلى تسوية أو حل لمشكلات أو قضايا النزاع، ومن ثم نجاح بدائل للدعوى العمومية، ومن بين أهم تلك الخصائص ما يتعلق بالقضايا والأبعاد المتصلة بحياد وشكل أو نمط الاجتماع.

   ويوجه الكثير من الباحثين في مجال القانون انتقاداتهم للجهاز القضائي ويصفون هذا النوع من العدالة بأنها بطيئة وجد معقدة، ومتباعدة وغالبا ما تكون غير مؤكدة في حين أن بدائل للدعوى العمومية تتميز بالخصائص التالية:

        1: سرعة الفصل في النزاع واختصار الوقت

   يعتبر ازدياد نسبة الجرائم وكذا حالات العود من بين العوامل التي أثبتت فشل العقوبة في حماية المجتمع من الجريمة، وبما أن العقوبة نتوصل إليها من خلال مباشرة إجراءات الدعوى العمومية، دعا الفقه إلى هجر فكرة العقوبة، وبالتالي هجر الدعوى العمومية باعتبارها الوسيلة القانونية للوصول إلى تطبيق العقوبة، من هنا بدأ البحث عن أنظمة إجرائية بديلة للدعوى العمومية.

من بين المشاكل التي تعاني منها جل الأنظمة القضائية، كثرة القضايا المعروضة على المحاكم وتزايدها بشكل ملفت للانتباه، وقلة الموارد البشرية، إضافة إلى ضرورة التقيد بالإجراءات الشكلية والتي يؤدي الإخلال بها إلى ضياع الحق من صاحبه، وصدور أحكام لا تنسجم في بعض الأحيان مع روح العدل والإنصاف.

   وبالإضافة إلى ما ذكر، هناك البطء في إصدار الأحكام، بسبب تعدد المساطر والمراحل القضائية وما يرتبط بذلك من تبليغ وتنفيذ، بحيث أن المعدل العمري للقضايا قد يصل إلى أكثر من أربع سنوات ناهيك عن ضعف بعض الأحكام ونقصان جودتها.

    ومن خلال ما ذكر يتضح أن حل النزاع عن طريق بدائل للدعوى العمومية بصفة عامة يتم بالسرعة واختصار الوقت بالمقارنة مع النظام القضائي التقليدي، الذي يستغرق البث في النزاع أمامه مدة زمنية طويلة، حيث إن القانون لم يحدد مدة زمنية للفصل في النزاع.

      2: السرية

     من المبادئ المسلم بها قانونيا ودستوريا مبدأ علنية الجلسات أمام المحاكم القضائية، باستثناء بعض القضايا التي يفرض القانون مناقشتها في السرية، في حين أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها إجراءات بدائل للدعوى العمومية هو مبدأ السرية، سواء تعلق الأمر بالوسيط أو بالأطراف المتنازعة، فمبدأ المحافظة على السرية يجعل الأطراف المعنية تعبر عما لديها بكل حرية، أو تقدم تنازلات لأنها تثق في الوسيط، ومن هنا فإن على هذا الأخير ألا يقوم بإفشاء ما صرح له به الأطراف.

     3: المرونة  

     تتجلى هذه الخاصية في غياب القيود السطرية والقانونية، التي من شأنها الحد من فعالية الوسيط ومبادرته، حيث يبقى للأطراف اتخاذ أية مبادرة مناسبة للتفاوض، والوصول إلى حلول ودية وفق اتفاقهم، وبشكل يسمح لكل طرف باقتراح عدة حلول وتصورات لفض النزاع، إلى أن يتم الوصول إلى حل مناسب ومرض للجميع فبدائل الدعوى العمومية  وبخلاف المحاكمة التقليدية التي تؤطرها عدة نصوص وقواعد تقلص من حرية الأطراف، تتميز بالمرونة التي تسمح بتحرك الوسيط بكل حرية، بهدف الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتنازعة، على المقاس الذي يرغبون فيه، دون أن يكون ملزما باتباع مسطرة معينة، مادام الهدف الأساسي هو حل يرضي الأطراف جميعا.

  وتبرز مرونة بدائل الدعوى العمومية في إمكانية توظيفها في أي مرحلة من مراحل التقاضي، وإمكانية حل جزء من النزاع أو النزاع كله، وفي الصلاحية الممنوحة في تحديد موعد كل جلسة، وإشعار الأطراف بذلك مع إمكانية الاجتماع مع كل طرف على حدة أو بالأطراف مجتمعين، ومن بين المرونة المرتبطة ببدائل للدعوى العمومية، إمكانية مواصلة الدعوى العمومية أمام القضاء في حالة فشلها، بحيث لا يمكن أن يواجه الأطراف بسبقية البت في النزاع.

والواقع أنه لا مرونة دون صرامة، ولا حرية دون مسؤولية، ذلك أن بعض المواقف تقتضي من القضاء أن يتسلح بنوع من الصرامة، وهو ما يعني تطبيق وفرض الطرق والقواعد الأخلاقية التي يضعها القانون.

       4: مشاركة الأطراف في إجراءات بدائل للدعوى العمومية  

   تعد هذه الخاصية من أهم ما يميز إجراءات بدائل للدعوى العمومية، ومن خلالها يتمكن الطرفان في المنازعة الجنائية، وبمساعدة وسيط، من استعادة التواصل والحوار، بهدف خلق الحلول المرضية لهما معا، وأحيانا إعادة بناء العلاقة من جديد، والحيلولة دون خلق بوادر الحقد والانتقام.

  فما يميز بدائل للدعوى العمومية بالتحديد، هو أن أطراف النزاع هم من يختارون العدالة بأنفسهم، بدل الخضوع لها، فحل مشاكلهم يكون على أيديهم، وبمساعدة الوسيط طبعا، بعد الحوارات والمفاوضات التي تجمعهم، وتتيح لهم فرصة المكاشفة، والمصارحة لبعضهم البعض، وتفريغ المؤاخذات المتبادلة، ثم بعد تهدئة النفوس، التطرق إلى جوهر النزاع ومحاولة إيجاد تسوية ودية له بتدخل الوسيط.

   فالمسلمة الكبرى التي تقوم عليها بدائل الدعوى العمومية بشكل عام، هي أن حل النزاع ينبغي أن يكون بصورة رئيسية، من صنع قطبي النزاع كليهما، إذ أن هدف البدائل، هو إتاحة الفرصة للخصمين لفض نزاعهما، والتمكن من التعاون على إدارته، والسيطرة عليه وحله معا، ويبقى الوسيط مجرد ميسر ييسر التواصل بين الطرفين، كي يتمكنا من التعبير عن مشاكلهما، والاستماع لبعضهما البعض، والتفاهم والتوصل إلى اتفاق ودي.

  المطلب الثاني: دراسة لبعض بدائل الدعوى العمومية في التشريع المغربي

سنخصص هذا المطلب لدراسة الصلح (الفقرة الأولى) والوساطة الجنائية
(الفقرة الثانية) وذلك على ضوء التشريع المغربي

الفقرة الأولى الصلح الجنائي على ضوء قانون المسطرة الجنائية وبعض القوانين الخاصة

       أولا: مرحلة انعقاد الصلح

المشرع المغربي منح المتضرر والمشتكى به هذا الحق شرط موافقة النيابة العامة وإن كان   يبدو من ظاهر النص أن الأمر يتعلق باتفاق على صلح وإعلانه أمام جهاز النيابة العامة مادام أن العبرة بالعلاقة الصلحية أساسا وليس بمكان انعقاد الصلح سواء كان أمام نيابة عامة أو أمام هيئة المحكمة، حتى أنه متى انعقد الصلح بين طرفي الخصومة أمكن إثباته على شرط توافر الشروط اللاحقة.

    أ: أن تكون الجريمة مما يسمح القانون بالصلح فيها ويجيزه.

    بمعنى أن النزاع موضوع الصلح ينبغي أن يدخل ضمن الجرائم المسموح فيها بالصلح، وهي الجرائم التي تطبق بخصوصها مقتضيات المادة 41 قانون المسطرة الجنائية بالنسبة، وكذلك في بعض القوانين الخاصة – قانون التجارة الذي أجاز الصلح في جرائم الشيك.

   أما إذا اتفق المجني عليه، أو ورثته، والمتهم على الصلح وكانت الجريمة مما لا يجوز فيه الصلح، فإن صلحهما يعتبر كأن لم يكن، خاصة وأن الصلح الجنائي يعد استثناء يجب التقيد بحدوده [47] وشروطه، حيث لم يسمح المشرع المغربي بإمكانية اللجوء إليها في جميع الأحوال وإزاء شتى الأفعال التي يحال بمقتضاها الأطراف أمام النيابة العامة لاستنطاقهم    ومن ثمة اتخاذ ما تراه مناسبا أو متفقا والقانون، ومن الشروط ما حصرهالمشرع بمقتضى المادة   41 في  أن يكون الفعل معاقب عليه بعقوبة حبسية لا تفوق سنتين أو بغرامة تقل عن 5000,00 درهم، وهي الجنح الضبطية وهو ما لا يمكن تصوره في الجنايات أو في الجنح التأديبية وفي حالة الأحداث القاصرين، ومعيار ذلك هو ضابط العقوبة الذي يحدد وصف الجريمة من جهة وألا تنم عن خطر كبير ولا تتعلق بفئة الأحداث.

        ب: تطابق إرادتي الطرفين على اختيار الصلح

  لما كان الصلح نظام اختياري ينعقد باتفاق وتلاقي إرادتي المجنيعليه أو وكيله الخاص. والمتهم بصرف النظر عن  من بادر بذلك ما دام الإيجاب صادف قبولا من الطرف الآخر فلا يجوز لأي منهما العدول عنه [48] ،مما يقتضي ضرورة توافر الصفة النهائية للصلح دونما تعليق ذلك على شرط حتى لا يسمح للمجني عليه بالتلاعب بالإجراءات الجنائية وابتزاز المتهم، ولأن الاتفاق على الصلح  يجب أن يكون نهائيا، إذ لا أثر لرجوع المجني عليه أي عن الصلح وفي تصرف النيابة العامة في الدعوى والعلة من ذلك أن المجني عليه لم يكن ليقبل بالصلح ما لم ترد إليه حقوقه أو يتم تعويضه مما لحقه من أضرار وبالمقابل لا يتم تجاهل إرادة المتهم في الصلح ومدى موافقته عليه ، أي أن المشرع المغربي ينص على ذلك فبموازاة رضى الضحية وقبوله بالصلح، يكون في المقابل رضى المتهم بالصلح، وهو كذلك شرط لازم لدى المشرع الفرنسي عندما يتعلق الأمر بالوساطة الجنائية التي تتطلب موافقة الطرفين الأساسين في الواقعة الإجرامية ورضاء كل منهما  على قرار النيابة العامة إجراء وساطة بينهما.

             ثانيا: تقديم طلب الصلح

 يشترط أولا وبداهة الصفة في تقديم طلب الصلح متى توافرت بوادر الصلح واتفق طرفي الخصومة الجنائية على إنهاء النزاع صلحا بينهما حيث اشترط المشرع المغربي أن يتقدم المتضرر أو المشتكى به بطلب تضمين الصلح الحاصل بينهما، المادة 41 ق م ج  أو المجني عليه أو وكيله الخاص لإثبات صلحه مع المتهم مما يقتضي تفصيل طريقة تقديم طلب إثبات الصلح الذي يتم خلال مرحلتين : الأولى تكون فيها الدعوى أمام النيابة العامة ولم تحرك بعد المتابعة والثانية تكون فيها الدعوى منظورة أمام قضاء الحكم أي المحكمة وضعت يدها على القضية.

   أ: مرحلة تقديم طلب الصلح أمام النيابة العامة.

   يمكن اعتبار مرحلة تقديم طلب إثبات الصلح بمرحلة فحص لشروط المسطرة ككل، حيث أن مراقبة النيابة العامة للطلب المقدم إليها لمعرفة وتحديد ما إذا كان النزاع يدخل ضمن الجرائم التي أجاز فيها المشرع الصلح ، وهي الجنح الضبطية بالنسبة للمشرع المغربي وباستثناء الأحداث في جميع الجرائم – وفق المادة 41 ق م ج – الذي اشترط أن يكون الفعل معاقب عليه بعقوبة حبسية لا تفوق سنتين أو بغرامة تقل عن 5000,00 درهم، عندها يمكن المرور إلى مرحلة تضمين الصلح في المحضر ويشمل تصريحات الطرفين والنيابة العامة، فكإشارة فقط  عكس ما هو عليه الأمر في المجال المدني حيث يتم

الاكتفاء بالمصادقة على الصلح أو التنازل عليها أن تقوم بتضمين الصلح في محضر ينجز من قبلها ويكون معدا وفق نموذج خاص بذلك وتضمن فيه جميع الاقتراحات التي يبديها الأطراف، بعدها يشعر وكيل الملك الطرفين أو دفاعهما بتاريخ الجلسة أمام غرفة المشورة، بعدما يتم توقيع المحضر من طرف عضو النيابة العامة الذي باشر الإجراءات والطرفين لتتم إحالته على رئيس المحكمة للمصادقة على ما تضمنه، وذلك في غرفة المشورة وبحضور النيابة العامة، ليصدر رئيس بعد ذلك أمرا قضائيا لا يقبل أي طعن [49] ، ومن نماذج العمل القضائي المغربي استكمل موضعا ضمن هذا البحث، نماذج من تطبيقات مقتضيات المادة 41. ق.م.ج.

       ب: تقديم طلب الصلح من طرف المتضرر.

  بالرجوع إلى مقتضيات المادة 41 ق م ج نجد المشرع المغربي يتحدث عن خاصية مميزة للصلح التي تبنى على طلب من جهة وتكون تلقائية من جهة ثانية، وهو المتضرر الذي له مصلحة في الصلح وبعده المشتكى به، وعند عدم وجود المتضرر أو تنازله تتولى النيابة العامة عرض الصلح وهو ما يشكل الشق التلقائي الذي يمكن للنيابة العامة القيام به.    أما في حالة حضور الطرفين معا أمامها، فلا بد لها من انتظار تقديم طلب تضمين أو الإشهاد على الصلح الحاصل بينهما.

  وذلك قبل أن تقرر بشأن الجريمة موضوع المسطرة المحالة عليها رفقة طرفي الخصومة ولو أن الأمر يكون تلقائيا و باقتراح من النيابة العامة حالة عدم وجود متضرر أو أسبقية تنازله، لو أن ذلك مثار نقاش وهو ما يطرح إشكالية حضور الطرفين أمام النيابة العامة، حيث كان الأولى أن يكون التقديم والحضور إجباريا في كافة المساطر الجنحة وليس في بعضها فقط رغم أن ذلك يتعارض مع الاعتبار الشخصي لكثير من الأطراف والحال أن في حضورهم أمام النيابة العامة تشجيع لها على تناول الملفات بعناية واهتمام أكبر وهو ما يتيح للمتضرر أو المشتكي قبل إقامة الدعوى العمومية  هده الإمكانية أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر ، في حالة موافقة وكيل الملك وتراضي الطرفين

على الصلح، يحرر وكيل الملك محضرا بحضورهما وحضور دفاعهما ما لم يتنازلا أو يتنازل أحدهما عن ذلك  – المادة 41 في فقرتها 1 و 2  وجرت العادة أن في مسطرة التقديم أمام النيابة العامة لا يسمح بحضور دفاع المشتكي ويكتفى فقط بدفاع المشتكى به المتهم، وهو أمر حقا فيه إجحاف كبير بحقوق الدفاع ناهيك على تعارضه مع أدنى شروط المحاكمة العادلة، فكيف يعقل أن يسمح للمتهم أن يكون مؤازرا بدفاع، في حين أن الضحية الذي ظلمه المتهم بالاعتداء عليه، يظلم ثانية بحرمانه من الحضور معززا بدفاعه أمام النيابة العامة، ونرى أنه لا طائل ولا فائدة من مسطرة الصلح على هذا النحو، والأخطر أن الضحية لا يجد من يرشده إلى حقوقه التي تبقى معلقة ورهينة بمآل مسطرة التقديم: البحث عن الصلح حالة اعتقال المتهم وتجاهل الضحية عند تسريحه ناهيك على الشروط والظروف التي تتم فيها عملية التقديم والاستنطاق.

        ج: تقديم طلب الصلح أمام المحكمة

    لم يتشدد المشرع المغربي في قبول الصلح عندها إسوة بباقي التشريعات الجنائية المعاصرة التي تسمح بالصلح بعد تحريك الدعوى العمومية أمام المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف سيما وأن الضحية سيكون جاهلا لحقه في الصلح مع المتهم وقد لا يجد من ينبهه لذلك باعتبار الصلح اختياري بالنسبة للمشرع المغربي فلا يلزمه المشرع بتنبيه الضحية أو المشتكى به لذلك، حتى لا يعتبر توجيها للدعوى أو تدخلا فيها كما يعتبره العض[50]

وبذلك نجد المادة 372 ق م ج تنص على أنه: ” إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من اجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المواد 41 من هذا القانون فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية ما لم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي ….” وهو دور جديد منحه المشرع للنيابة العامة التي لها الحق الأصلي بتوجيه الاتهام والمتابعة إلى تقديمها لملتمس وقف المتابعة وإيقاف سير الدعوى العمومية حينما يكون الملف أمام القضاء ويجوز إثبات الصلح بأي طريقة من طرق الإثبات كإقرار المجني عليه أو وكيله بالصلح في محضر الجلسة  أو بواسطة تنازل كتابي مصادق على صحة توقيعه، وإن كنا لا نطمئن لذلك بالنظر لإمكانية التزوير في ذلك وانتزاعه تحت الإكراه، أو شهادة رسمية من الجهة العامة المجني عليها   تفيد بتنازلها وصلحها مع المتهم، وعلى المحكمة المقدم أمامها طلب إثبات الصلح أن تتحقق من شروط صحة وانعقاد الصلح، فإن

اطمأنت إلى انعقاده وصدوره ممن يملكه وأنه في أحد الجرائم الجائز فيها الصلح وأنه متوفر على كافة الشروط المتطلبة قضت بانقضاء الدعوى العمومية بالصلح أما إذا رأت غير ذلك، تعين عليها أن تعرض عنه وتستمر في الفصل في موضوع الدعوى العمومية وفق الإجراءات العادية ولذلك فإن تقدير الصلح من المسائل الواقعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع، كما يمكن أن تغير المحكمة الوصف القانوني للفعل موضوع المتابعة ويصبح ضمن الجرائم المسموح فيها بالصلح حيث يتعين تنبيه المتهم لذلك سواء بشكل صريح أو ضمني وذلك ضمانا لحق الدفاع الذي يكفله القانون. حتى إذا كان الصلح متوافرا على الشروط المتطلبة قانونا ثم اعتماده وقبوله وأنتج آثاره.

تناول المشرع المغربي إيقاف وقف الدعوى العمومية: وذلك بناء على ملتمس تتقدم به النيابة العامة التي حركت الدعوى العمومية أمام المحكمة تطلب فيه إيقاف سير إجراءاتها بناء على مقتضيات المادة 372 ق م ج والتي جاء فيها: ” إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من اجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون، فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته، أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية، مالم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي …” ، وبذلك فالسند التشريعي يفيد أن إيقاف الدعوى العمومية نظام اختياري، لا يلجا إليه إلا بعد تحريك الدعوى العمومية في جنحة من الجنح الضبطية وبالمعايير التي حددتها المادة 41 ق م ج – تكون فيها العقوبة سنتين حبسا أو أقل، ولا تتعدى غرامتها 5000,00 درهم – وذلك بملتمس تقدمه النيابة العامة للمحكمة التي تنظر فيه وتقرر إما إيقاف سير الدعوى العمومية متى وجدت أن الطلب موافق للشروط المقررة في الفصل 372 ق م ج أو ترفضه عند عدم تحقق شروطه التي منها أن تكون عقوبة الغرامة في الدعوى المطلوب إيقافها تفوق مبلغ 5000,00 درهم ، أو أن تنازل المشتكي / المتضرر يتعلق بشخص آخر غير الذي تحركت ضده المتابعة – لأن الاختصاص في التأكد من صحة الصلح، من عدمه  راجع لمحكمة الموضوع ويقدم ذلك أمام المحكمة الابتدائية وكذا أمام محكمة الاستئناف مادام أن الاستئناف بنشر الدعوى من جديد، دون محكمة النقض.

 كما أصبحت تسمى بمقتضى الدستور المغربي لعام 2011.

    علة المشرع المغربي في ذلك أن النص القانوني اشترط لإيقاف الدعوى العمومية ألا يكون الحكم نهائيا غير قابل للتعرض أو الاستئناف مادام أنه يجوز استئناف الأحكام الابتدائية كما يجوز التعرض عليها وعلى الأحكام الاستئنافية متى كانت غيابة ……) وهو ما يمنع من اللجوء إلى هذه المسطرة أمام محكمة النقض لأنها محكمة قانون وليست محكمة موضوع لتقدر صحة تنازل المتضرر أو صلحه من عدمه.

وهو موقف نراه سلميا ومنطقيا حتى لا تمدد أجال الصلح إلى أطول مدة تضيع معها غاية الصلح.

ويختلف كذلك المشرع المغربي مع باقي التشريعات الأخرى التي تقضي بانقضاء الدعوى الجنائية صلحا إذا ما تم الصلح أمام المحكمة وبعد تحريك العمومية، في كون آلية إيقاف الدعوى العمومية، والذي تصدره المحكمة الزجرية لا يكون حائزا لقوة الشيء المقضي به بخصوص الدعوى العمومية ما لم تسقط أو تتقادم الدعوى العمومية وهو ما اعتبر آلية موقفة للدعوى العمومية ومسقطة لها على شرط [51] ، حين تصبح الدعوى العمومية بناء على قرار إيقاف المتابعة في حالة سكون بعدما كانت في حالة حركة وبذلك فمسطرة إيقاف المتابعة تتم في نطاق ضوابط حددها المشرع من خلال المادتين 372 ق م ج الخاصة بالرشداء، و461 الخاصة بالأحداث الجانحين واللتان تحيلان على المادة 41 ق م ج ، وذلك ينبني على تنازل الضحية أولا وهو ما تعتمده النيابة العامة في ملتمسها الذي تتقدم به أمام المحكمة وتنتظر موافقتها على إيقاف الدعوى العمومية، وهي خاصية نجدها تنطبق على مسطرة السند التنفيذي 372 ق م ج ومسطرة الصلح الخاصة بالأحداث 461 ق م ج ، ولا يسمح بهما إلا في الجرائم المبينة في المادة 41 ق م ج [52] .

وهذا يرتب آثار مختلفة على المحكمة ذاتها فتوفر عنها العناء والجهد حيث توقف الدعوى العمومية وتبقى عليها كذلك إلى حين إنهاء أمد التقادم لمدة أربعة سنوات وتسقط تبعا لذلك، ويعطي للعدالة التصالحية قيمة أكثر عبر توفير حلول ودية ورضائية بين أطراف الخصومة من خلال إرضاء الضحية وجبر ضرره، وتجنيب المتهم وصمة الإدانة وتبعات ذلك متى تم تسجيل الحكم بسوابقه العدلية، ما يثيره ذلك من إشكالات مطروحة على بعض المحاكم، فيما يتعلق بتسجيل الأمر القضائي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية فالمصادقة على الصلح بالسجل العدلي للمتهم أو العكس حيث يرى البعض أنه مادام لم تحرك الدعوى العمومية أصلا ولم تتم المتابعة من طرف النيابة العامة ،بعد، فإن الأمر المصادق عليه، لا يعتبر حكما نهائيا بالمعنى القانوني للكلمة، بل هو مجرد إنهاء على الصلح بين الطرفين ولا يكتسب حجية إلا بعد انصرام أمد التقادم [53] وهو ما نتفق معه سيما وأن الصلح نعتبره فرصة مهداة، فلا حاجة من ورائه إذا لم يكن مستحيلا، لكن الأمر قد يتخذ شكل عادة، فبمجرد معرفة أن النزاع أو الخصومة ستنتهي صلحا ولا تأثير على ذلك على السوابق لن يتوانى المتهم في الإقدام على إتيان السلوك الإجرامي خاصة متى تعلق الأمر بالضرب والجرح أو السرقة البسيطة التي سمح فيها بالصلح وعلى الأقل نرى أن يجل ذلك ضمن البطاقة رقم 1 وإن كان هذا الرأي قد يثير بعض النقاش فإنه لا حاجة من صلح لا خير فيه، ووجه الميز أن يسلك المتهم سلوك يحترم القانون وليس العكس.

أما النيابة العامة فهي في ظل السياسة الجنائية الحديثة وتماشيا مع السياسة العقابية أضحت تقوم بدور إنساني كلما كان ذلك لا يتعارض ومصلحة المجتمع ووفق ما يسمح به القانون، فاعلة في إطار العدالة التصالحية من خلال التوفيق بين مصلحة الأفراد ومصلحة المجتمع ولو أن الأمر بالنسبة

للمشرع المغربي يقتضي تخصص بعض أعضاء النيابة العامة في مجال العدالة التصالحية.

   ثالتا: أثار الصلح الجنائي بشكل عام وعلى العقوبة بشكل خاص

        أ: أثار الصلح الجنائي

      بخصوص الأثار الذي يترتب على الصلح قبل إحالة الدعوى العمومية على المحكمة وذلك بمناسبة عرض النزاع على النيابة العامة، حيث أصبحت مسطرة الصلح بمقتضى قانون 22.01 المتضمن لمقتضيات المادة 41 ق م ج توقف سير المتابعة الزجرية، ويمكن التمييز في أثر الصلح الجنائي بين نوعين: أثر واقف مؤقت، وأثر مسقط أو مانع للدعوى العمومية.

     الأثر الواقف المؤقت: فهو ما يتعلق بإجراءات مسطرة الصلح التي يتعين ممارستها قبل إقامة الدعوى العمومية حيث توقف إقامة الدعوى سواء في مرحلة تهيئ محضر الصلح أمام النيابة العامة أو في مرحلة المصادقة على الصلح أمام المحكمة، ويبقى الأثر الواقف ساريا إلى حين انتهاء الأجل المحدد في المحضر المصادق عليه لتنفيذ شروط الصلح، أو إلى تاريخ صدور قرار رئيس المحكمة بالرفض عندها ينتهي الأثر الواقف المؤقت ويصبح بإمكان وكيل الملك إقامة الدعوى العمومية، وبذلك تنتهي إمكانية إبرام الصلح وفي إطار المادة 41 ق.م.ج. وهو أثر لا يمس أمد التقادم بصريح الفقرة 8 من المادة 41 ق.م.ج التي تنص على أن مسطرة الصلح توقف إقامة الدعوى العمومية، ولا توقف أو تقطع سريان أمد التقادم، وهو ما يستفاد من النص”… ما لم تكن هذه الأخيرة قد تقادمت”

      الأثار المسقط للدعوى العمومية: الصلح بين المتضرر والمتهم في الدعوى العمومية عندما يميزه القانون بنص خاص ويبقى الأمد بالنسبة للشكاية عندما تكون بشرط إقامة الدعوى العمومية، فإن الصلح وهو القواعد العامة لفقه الإجراءات الجنائية يكون له أثر نهائي على الدعوى العمومية، بل ويمتد أثره حتى بعد إقامتها، وحتى بعد صدور الحكم ما يجيز قوة الشيء المقضي.

 وقياسا على ذلك واعتبارا لأن تقسيم القاعدة الجنائية يكون دائما لصالح المتهم، خاصة يمكن اعتبار الصلح الجنائي سببا من أسباب سقوط الدعوى العمومية بمجرد تنفيذ مقتضياته، رغم ما تثيره الفقرة 8 من المادة 41 ق.م.ج. التي اتفق على إمكانية تحريك الدعوى العمومية من جديد أو بعد الصلح أو حتى بعد تنفيذه، وذلك في حالات استثنائية بظهور عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية [54]

عكس ما كان عليه الأمر قبل تعديل القانون 22.01 حيث كان الحديث عن قيود المتابعة بحيث يمكن مواصلة إجراءاتها والبت فيها ما لم تحترم أو تنفد الالتزامات موضوع الاتفاق بالصلح، ومتى ظهرت عناصر جديدة في ذات القضية لأن غاية المشرع من مسطرة الصلح هو جبر ضرر الضحية من خلال ضمانات وفي وقت وجيز، فتكون بذلك المسطرة موقفة

لتحريك الدعوى العمومية وإجراءاتها وليست مسقطة لها بقراءة الفقرة الأخيرة من الفصل 41 ق م ج نجد أنها تنص: ” توقف مسطرة الصلح والأمر الذي يتخذه رئيس المحكمة أو من ينوب عنه … إقامة الدعوى العمومية “تبدو أول ملاحظة هل بصدور التصديق عن رئيس المحكمة توقف الدعوى العمومية وكذلك سريان التقادم؟ الجواب أن سريان التقادم يبقى قائما ومستمرا حتى انتهاء الأجل – 4 سنوات بدل 05 سنوات سابقا، وهو ما يتفق مع المنطق القانوني للصلح الذي إذا لم يتم الوفاء بالالتزامات المترتبة عليه ، أمكن للنيابة العامة الاستمرار في الدعوى العمومية لأنها لم تنقض بعد تقادما مسقطا وهذا ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 41 ق م ج ..” ويمكن لوكيل الملك إقامتها في حالة عدم المصادقة على محضر الصلح، أو في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة داخل الأجل المحدد، أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية ما لم تكن هذه الأخيرة قد تقادمت [55] .

        ب: أثار الصلح على العقوبة

 يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسبب فيه الجريمة مباشرة – المادة 7 فقرة أولى ق م ج  وقد منح المشرع المغربي المتضرر من الجريمة الخيار بين إقامة الدعوى المدنية أمام المحكمة الزجرية التي تنظر في  الدعوى العمومية أو منفصلة عنها لدى المحكمة المدنية المختصة [56] ، لأن اختصاص المحكمة الجنائية بالدعوى المدنية يتجدد وقت إقامة هذه الدعوى، وهكذا فالمدعي المدني يكون هو كل متضرر شخصيا ومباشرة من الجريمة، وهو ليس المجني عليه بالضرورة فهو الذي مست الجريمة حقا من حقوقه قد يتضرر معها غيره ممن لم ترتكب في حقه الجريمة   والدعوى المدنية، “يمكن أن تقام ضد الفاعلين الأصليين أو المساهمين المشاركين في ارتكاب الجريمة وضد ورثتهم أو الأشخاص المسؤولين مدنيا عنهم” المادة 8 من ق م ج.

  إذن اثار الصلح على العقوبة هو إذا وﻗﻊ اﻟﺼﻠﺢ ﺑﻌﺪ إﺣﺎﻟﺔ اﻟﺪﻋﻮى اﻟﺠﻨﺎﺋﯿﺔ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺗﺼﺪر اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺣﻜﻤﺎ ﺑﺎﻧﻘﻀﺎء اﻟﺪﻋﻮى اﻟﺠﻨﺎﺋﯿﺔ ﺑﺎﻟﺼﻠﺢ وإذا وﻗﻊ اﻟﺼﻠﺢ أﺛﻨﺎء ﻧﻈﺮ اﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ أﻣﺎم ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﻨﻘﺾ ﺗﺤﻜﻢ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺑﺮﻓﺾ اﻟﻄﻌﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺼﻠﺢ وﯾﻮﻗﻒ ﺗﻨﻔﯿﺬ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ.

     رابعا: تقيم نضام الصلح الجنائي مع السياسة العقابية  

        صحيح أنه ثم اعتماد آلية الصلح الجنائي كبديل من جملة بدائل الدعوى العمومية يعتمد أسلوب العدالة الرضائية التي تروم جبر خاطر الضحية وتعويضه عما أصابه من ضرر نتيجة الجريمة التي اقترفها في حقه المتهم، الذي منحه المشرع فرصة ذهبية تجنبه إجراءات المحاكمة واحتمال التعرض للعقاب أي التهرب لما تهدف له السياسة العقابية.

      الطابع الاختياري للصلح من أوله وحتى صيرورة إجراءاته تامة، إلا أن ذلك شكل موضوع نقاش بين مؤيد ومعارض، بين من يرى أن الصلح الجنائي يمس بمبدأ المساواة والعدالة بين الأفراد، ويحرم المتهم من مجموعة ضمانات تتوزع ما بين قرينة البراءة وحقوق الدفاع وغيرها، من الضمانات من خلال رصد مختلف المبادئ القانونية في عالقة بالصلح.

   فالسياسة العقابية تهدف الى نوعين من الردع لكن الصلح يؤدي الى اندثار ما هو متوخى من سياسة العقاب.

     1: الردع العام

     يتيح الصلح الجنائي قدرا مهما من التسامح تتيحه الدولة للمتهم عبر تجنيب المتهم الخضوع للعقوبات الجنائية وإخضاعه لجزاءات أقل جسامة وهي ميزة من مزايا الصلح لفائدة المتهم، ففي علاقته بالردع العام: فإن الاتفاق بشان الصلح يتم بعيدا عن العموم، ولا ينظر إلى شخص المتهم كذلك وسط الأهل والجيران والحي والأماكن التي يرتادها وهو ما لا يعلمه الغير، رغم أن الجريمة موضوع الصلح هي جريمة خطيرة وفعل ممقوت.

فهنا لا نجد ما تسعى إليه السياسة العقابية.

     2: الردع الخاص

   يكفل الصلح الجنائي للمتهم فرصة إدراك ما ارتكبه من فعل إجرامي وذلك بجعله يشعر بالمسؤولية ويتحملها لحظة جبر الضرر الذي ألحقه بالضحية.

  حيث يرى جانب من الفقه [57] أن نظام الصلح الجنائي لا يكفل تحقيق الردع الخاص الذي يقتضي بأن يقف المتهم علنا في موقف الاتهام، ويصدر عليه حكم يسجل ضمن سجل سوابقه، بما يمنعه كما هو مفترض من العودة إلى الإجرام مرة أخرى أي هنا يمكن القول أن الصلح الجنائي يقضي على ما تسعى له السياسة العقابية من ردع.

     الفقرة الثانية الوساطة الجنائية على ضوء قانون

                  المسطرة الجنائية

            أولا: شروط الوساطة الجنائية 

   بالنظر لمصالح أطراف الخصومة: مجني عليه أو متهم في عالقة بالمصلحة العامة [58] كما في جرائم الإيذاء البدني الخفيف، السرقات البسيطة، المشاجرات بين الجيران، المنازعات العائلية، هجر العائلة، عدم تسليم الصغير لمن له الحق في طلبه [59] وغيرها في الجرائم التي تتميز بكونها جرائم بسيطة ال تشكل خطرا على أطرافها وعلى المجتمع.

النيابة العامة بامتلاكها لسلطة الملائمة، أجاز لها المشرع أن تختار بين نظامين إجرائيين منحها القانون الحق في اللجوء الى أحدهما بذل الآخر متى توافرت شروطه، وهي التخلي عن إقامة الدعوى العمومية رغم توافر العناصر القانونية لها [60] فتقبل بالصلح المبرم بين المتهم والمجني عليه.

عندها تمتنع عن تحريك الدعوى العمومية أو ترفض ذلك الصلح مع ما يتبعه من مضى في إجراءات الدعوى، وفي المقابل تقدر مدى ملائمة اتهام الجاني، بالنظر إلى تصالحه مع المجني عليه متى تم هناك تصالح بينهما، أو تفاهة الضرر المترتب على الجريمة أو أي سبب آخر تراه النيابة العامة سببا يغل يدها في تحريك المتابعة الدعوى العمومية أو إصدار أمر بحفظها فكان نظام الوساطة حال جديدا اهتدت إليه السياسة الجنائية الحديثة، فمنحت بذلك النيابة العامة سلطة إضافية وهي سلطة تقدير مدى ملائمة اللجوء إلى الصلح منذ البداية شريطة توافر عنصر الرضائية بين طرفي الخصومة بما يحقق إصلاح الضرر الذي لحق المجني عليه، وإنهاء حالة الاضطراب الناتج عن الجريمة بما يمكن من إعادة إدماج الجاني في محيطه الاجتماعي .

          أ: إصلاح ضرر المجني عليه

شكل أولوية العدالة التصالحية التي تهدف عبر التفاوض إلى تعويض الضحية عبر حل متفق عليه للنزاع بين الطرفين يتم من خلاله تعويض المجني عليه بشكل أفضل عوض اللجوء إلى المطالبة بحقوقه أمام القضاء الجنائي أو المدني حسب ظروف وملابسات القضية، وتسترشد النيابة العامة في توقيع خيار اللجوء إلى الوساطة الجنائية بإرادة المجني عليه: الذي تشكل ترضيته أهم مقصد للوساطة الجنائية ولا يمكن تصور شكل التعويض دائما ماديا بل، قد يتخذ أشكالا كثيرة تختلف ما بين الحصول على مبلغ نقدي، أو مال معين، إلى الاعتذار الذي يقدمه المتهم للضحية وقد يكون شفويا أو كتابيا، أو تعهد بعدم الاعتداء عليه أبدا، أو القيام بعمل لصالح المجني عليه، كل ذلك يتم عبر جسر الحوار الذي تتولى الوساطة الجنائية بناؤه مجددا بعدما تكون قد كسرته الجريمة وهو ما يساعد على اختيار أفضل شكل لإصلاح الضرر.

      ب: إنهاء الاضطراب الناتج عن الجريمة

بعدما تم اعتماد مصلحة المجني عليه، تدرج المشرع في شروط الوساطة فجعل المصلحة العامة لاحقة لمصلحة الضحية، والحال أن ما ارتكبه الجاني من فعل يكون قد خلف نوعا من الاضطراب في المجتمع بالنظر إلى مدى امكانية احتوائه ومسح آثاره بالنظر إلى أن الجرائم التي يمكن أن تصلح فيها الوساطة، هي جرائم بسيطة يسهل إنهاء آثارها، ويكن أن نجد في جرائم الأسرة، أو جرائم الجيران خير نموذج لهذه الجرائم التي متى تم فيها إصدار العقاب.

عندها يصعب إنهاء الاضطراب الذي تخلفه [61] الجريمة يضاف إلى ذلك الاهتمام بالمتهم وهو ما يمكن أن نطلق عليه الصلح بالوساطة ولنا أن نتصور المتهم هو أب كما في ضرب أب لابنه لسبب ما، فيتم مثال الحكم بحبس الأب وهو ما ينتج عنه ندم من طرف المشتكي علاوة على الآثار السلبية لعالقة الطرفين إذ الأفضلية والأولوية في تصالحهما وتوافقهما وتسامحهما وليس في إنزال العقاب، على الأب عندها نكون أمام حالة إنهاء الاضطراب الذي تخلقه الجريمة.

      ج: إصلاح الجاني وإعادة تأهيله

على نفس درجة الحرص من طرف المشرع بالضحية خص المشرع كذلك المتهم بالعناية بما يحقق فائدة له بإعادة ادماجه في المجتمع، ومواكبته نفسيا واجتماعيا، من خلال المساعدة التي تقدم له سواء من خلال مراكز الرعاية الاجتماعية أو مصالح المساعدة الاجتماعية أو حتى من طرف الأخصائيين النفسانيين وكذلك من طرف المختصين بإجراء الوساطة أنفسهم، نظرا لما يفترض أن يكون عليه من كفاءة وتدريب بما يمكنهم من تحقيق هدف يعد شرطا من شروط الوساطة ألا وهو إعادة إدماج مرتكب الجريمة التي تمت بشأنها الوساطة الجنائية وانتهت صلحا لا عقابا.

          ثانيا: أشكال الوساطة الجنائية

    يستند نظام الوساطة الجنائية إلى مجموعة من المبررات أهمها تدعيم روح الجماعة في حل المشاكل التي تواجهها ومن هنا تبرز صورة الوساطة المفوضة، التي تتم بناء على تفويض النيابة العامة أو قضاة الحكم، يتم بموجبه تفويض شخص طبيعي أو اعتباري للقيام بمهمة  الوساطة بين طرفي النزاع، أمال في حسمه وإنهائه وديا  [62]فعلاوة على الوسيط، تجرى الوساطة كذلك بواسطة هيئات أو جمعيات  مثل جمعيات مساعدة ضحايا الجريمة والرقابة القضائية ويتم ذلك بناء على قرار تتخذه النيابة العامة باللجوء إلى الوساطة سيما وأنها تراقبها الحقا كلما تعلق الأمر بإصدار قرار التصديق عليها، أو الاستمرار في مواصلة النظر في القضية وتحريك الدعوى العمومية بشأنها.

  جدير ذكره أن من الشروط الواجب توافرها في الوسيط الذي تسند له مهمة إدارة النزاع في الوساطة المفوضة:

   أن يكون تابعا لإحدى الجمعيات السالفة الذكر والتي عادة ما تكون مرتبطة مع النيابة العامة بمقتضى اتفاق شريطة أن تتوافق مع أهداف السياسة الجنائية الحديثة التي تروم تعويض المجني عليه وإعادة تأهيل الجاني فتكون بذلك شكال من أشكال الحفظ المؤقت أو على شرط في انتظار قرار النيابة العامة في مآلها ونتيجتها بناء على التقرير المقدم لها. والوساطة بذلك إما قضائية، يحيل بمقتضاها القضاء أطراف النزاع على وسطاء معينين ضمن قائمة أسماء الوسطاء المعتمدين لدى المحاكم، أو وساطة قانونية عندما يكون هناك نص تشريعي ينص بمقتضاه القانون على إحالة الطرفين على الوساطة قبل المرور إلى مرحلة المحاكمة. [63]

        أ: تطبيق الوساطة المفروضة

إن المشرع المغربي أخذت بنظام الوساطة الجنائية المفوضة أن نطاقها ينحصر في الجرائم البسيطة، كجرائم الجيران وجرائم الإيذاء الخفيف والسبب والشتم والنزاعات العائلية وما بين الزوجين، وغيرها من الجرائم القليلة الخطورة[64].

ويتميز هذا النوع من الوساطة بأنه يجمع بين منهجين: إداري واجتماعي فعدم تحريك الدعوى العمومية في جرائم تجعلها النيابة العامة من اختصاص الوساطة، يوفر النفقات، ويحقق التسامح بين المجني عليه والجاني وينعكس إيجابا على المحاكم التي يقل عدد الدعاوى المرفوعة أمامها، كل ذلك بهدف تحقيق السلم الاجتماعي أحد أهم غايات السياسة الجنائية الحديثة في عالقة بالجريمة والعقاب.

          ب: الوساطة المحتفظ بها

    الأصل أن الوساطة تكون مفوضة، وهي التي تقوم فيها المحكمة أو النيابة العامة بإرسال ملفات القضايا إلى جمعية تمارس أعمال الوساطة.

 لكن من خلال الوساطة [65] المحتفظ بها أصبحت النيابة العامة تنفرد بإدارة الوساطة الجنائية من خلال دوائر حكومية تمارس دور الوسيط تحت إشرافها المباشر بما يعنيه ذلك من احتفاظها بالدعوى من جل التوصل إلى الصلح بين الجاني والمجني عليه[66].

       ثالتا: أثار الوساطة الجنائية

من البديهي أن آثار الوساطة الجنائية تتأثر سلبا وإيجابا بالمدة التي استغرقتها إجراءات الوساطة في حل النزاع، تنجح متى كانت إجراءاتها والمدة التي يتم فيها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بواسطتها قصير وفعال، والعكس كلما استغرق ذلك وقتا أطول.

وهو ما لا يختلف عن الإجراءات العادية في أي شيء، حيث جرت العادة أن يتم ذلك في آجال تتراوح ما بين 3 أشهر و6 أشهر، ما بين إحالة الملف على الوسيط والتصديق على نتائجه بعد تنفيذ مقتضياتها وهي ما يستوجب تمييز آثارها الإيجابية والسلبية والتي تختلف تبعا للنجاح أو الفشل فيها.

     أ: نجاح الوساطة الجنائية

   متى توصل الأطراف إلى اتفاق تحت إشراف الوسيط وانتهى بتنفيذ ما تضمنه يكون الأطراف أمام نجاح الوساطة الجنائية، حيث تقوم النيابة العامة بحفظ الملف رغم أنها غير ملزمة بذلك لعدم وجود ما يمنعها من تحريك الدعوى العمومية بنص القانون  [67]، وهو ما لا يتفق ونهاية الوساطة بنجاح، حيث لا يستساغ الاستمرار في الدعوى العمومية وبالتبعية كذلك الدعوى المدنية سيما أن التعويض يعني عدم مباشرة هذه الأخيرة، لذلك جرى العمل على تضمين اتفاق الصلح بالوساطة شرطا يلتزم بمقتضاه الجاني بتعويض المجني عليه ويلتزم هذا الأخير بالامتناع عن مباشرة الدعوى المدنية [68] كما سبق ذكره.

 إذ بنجاح الوساطة تتحقق نتائج مهمة لعل أبرزها المساهمة في علاج أزمة العدالة الجنائية والتخفيف عن كاهل القضاء من خلال إيجاد حل للمنازعات بين الضحية والمتهم بعيدا عن الإجراءات العادية للدعوى بما يحقق السلم الاجتماعي بينهما.

     ب: فشل الوساطة الجنائية  

 نكون أمام فشل الوساطة عند تعثر إجراءاتها أو تنصل أحد أطرافها من تنفيذ الالتزامات التي يرتبها عليه اتفاق الوساطة.

    بحيث تسترد النيابة العامة سلطتها في تقدير ملائمة تحريك الدعوى العمومية أو عدم تحريكها.

رابعا: تقيم نضام الوساطة الجنائية مع السياسة العقابية

   اختلف الفقه في تقييم الوساطة الجنائية بين من يعتبرها صورة من صور التفاوض بين طرفي الخصومة الجنائية بهدف الوصول إلى تعويض عادل للضحية جراء ما

لحقه من ضرر تسبب له فيه المتهم الذي بفضل الوساطة يتم البحث له عن تخفيف لرد الفعل الجنائي، بينما أعاد للمجني عليه دوره في تحقيق العدالة الجنائية، فبموافقته على الوساطة بينه وبين المتهم، تمنح لهذا الأخير فرصة المسامحة وعفو المجني عليه عنه وذلك متى تعلق الأمر بجرائم بسيطة يتم فيها إيجاد حلول غير قضائية وذلك قبل تحريك الدعوى العمومية وهو ما اعتبر معه البعض بأن الوساطة الجنائية في نتائجها تحقق من النتائج ما لا يحققه الحكم الجنائي سواء تعلق الأمر بإعادة الانسجام بين أفراد المجتمع أو الحد من تدفق القضايا الجنائية على المحاكم، وما يخلقه ذلك من نزع لحدة التوتر في العالقات الاجتماعية، لدرجة اعتبرت معها الوساطة الجنائية وسيلة ذهبية في قوانين الإجراءات الجنائية و الأداة المفضلة للسياسة الجنائية المعاصرة متى تم تعميم نظامها وتطبيقه في المجال الجنائي على غرار ما هو متوفر في المجال التجاري و المدني إذ حان الوقت اعتماد نظام الوساطة الجنائية في التشريع المغربي كما العربي، لا ذلك لا يكلف الكثير بقدر ما يتطلب جرأة من المشرع في توفير آلية الوساطة الجنائية ونطاق تطبيق ما يمكن من الإسهام في توفير أكبر عدد من البدائل الممكنة للدعوى العمومية.

    لكن كل هذه الامتيازات التي تحققها الوساطة الجنائية يمكن أن تخلق نوعا من الاختلاف فيما تطمح لحه السياسة العقابية، لكون السياسة العقابية هي سياسة هدفها الأول توقيع العقاب على المتهم من أن اجل تخويفه من ألا يقوم بنفس الفعل وكذلك تخويف باقي افراد المجتمع من ينوي ارتكب نفس ذلك الفعل يعلم ما ينتظره من عقاب.

                                  خاتمة

   المشرع المغربي، لم تغب عن باله الأهمية القصوى التي تحتلها بدائل الدعوى العمومية، ولئن كان لم يتعرض لجميع صورها من ناحية التنظيم، إلا أنه نظم مؤسسة الصلح في المادة 41 من ق.م.ج، وهو الشيء الذي دفعنا للبحث عن مدى ملاءمة المنظومة التشريعية و حاجة الواقع العملي لنظام بدائل الدعوى العمومية بالمغرب وهل تهدف الى ما تهدف السياسة العقابية تحقيقه؟

ولما كان ميثاق إصلاح منظومة العدالة قد أوصى باللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية فإن الإجابة عن التساؤل الذي تطرحه هذه الدراسة سيكون من خلال فرضية مفادها أن بدائل الدعوى العمومية كنظام قانوني مستحدث في السياسة الجنائية المعاصرة سيساهم في التخفيف من حجم القضايا المعروضة على القضاء، وبالتالي التخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية و إعادة الاعتبار لأطراف الخصومة الجنائية إن تم تنظيم جميع صوره في المنظومة الجنائية، لكن ذلك على حساب مساعي السياسة العقابية

 و للوقوف على مدى صحة هذه الفرضية، اعتمدنا على المنهج التحليلي الذي من خلاله سلطنا الضوء على واقع السياسة الجنائية ببلادنا عن طريق قياس معدل الاهتمام التشريعي بموضوع بدائل الدعوى العمومية و مقارنته بما توفر لدينا من إحصائيات رسمية من جهة، و الوقوف على الدور الذي تلعبه بدائل الدعوى العمومية من جهة أخرى، سواء تعلق الأمر بمؤسسات العدالة أو بأطراف الخصومة الجنائية  .

                                                     لائحة المراجع

  • قوانين
  • قانون 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية
  • ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 الصادر بتاريخ 25 شوال 1397 موافق 9 أكتوبر 1977 المتعلق بمدونة الجمارك والضرائب غير مباشرة منشور بالجريدة الرسمية عدد 3389 مكرر بتاريخ 29 شوال 1397 موافق 13 أكتوبر 1977
  • كتب
  • وزارة العدل شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول مطبعة إليت الرباط
  • عبد الواحد العلمي شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية الجزء الأول الطبعة الرابعة مطبعة الجديدة الدار البيضاء سنة 2014
  • عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول الطبعة الأولى 2006، الدار البيضاء المغرب
  • يونس الرحالي ” إقامة الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المباشر امام قاضي التحقيق”، المجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية عدد 4 و 5 ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 2017،
  • محمد كروط، المجني عليه في الخصومة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة 2008-2009،
  • اليد عتيق التفاوض على الاعتراف في قانون الإجراءات الفرنسية في ضوء أحداث التعديلات دراسة مقارنة دار النهضة العربية القاهرة 2005
  • أحمد فتحي سرور المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية
  • عوض محمد عوض: “المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية، منشاة المعارف، الإسكندرية، مصر
  • علي زكي العرابـي:” المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية “، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، سنة 1952
  • انيس حسيب السيد المحلاوي:” الصلح وأثره في العقوبة والخصومة الجنائية “، دراسة مقارنة ، دار الفكر الجامعي الإسكندرية مصر 2011
  • نبيل لوقايا وي : “جرائم تهريب النقد ومكافحتها”، أكاديمية الشرطة القاهرة مصر من سنة .1992
  • عبد الحميد الشورابي “الجرائم المالية والتجارية” نشأة المعارف مصر القاهرة
  • نبيل لوقا ياوي: “النظرية العامة للتهرب الجمركي” جامعة القاهرة مصر سنة ،1990
  • ليلى قايد ، “الصلح في جرائم الاعتداء على الأفراد”، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية مصر 2011
  • الحسن بيهي ” الصلح الزجري – دراسة للمادة 41 من ق م ج ” مجلة القصر عدد 7 يناير2004
  • حميد ميمون المتابعة الإجرائية وإشكالاتها العملية،
  • محمد بن حم، قضاء الصلح أو غرفة المشورة في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد، العدد 3 مطبعة فضالة أبريل 2004
  • علي محمد المبيضين ، الصلح الجنائي وأثره في الدعوى العامة ، دار الثقافة للنشر، عمان، الطبعة الأولى 2010
  • أنور محمد صدقي المساعدة ود. بشير سعد زغلول. الوساطة في انهاء الخصومة الجنائية دراسة كلية مقاربة
  • محمد غريب “المركز القانوني للنيابة العامة” . دراسة تحليلية مقارنة، دار الفكر العربي. 1979
  • أسامة حسن عبيد. الصلح في قانون الإجراءات الجنائية. دار النهضة العربية الطبعة الأول 2005
  • قرارات قضائية
  • قرار المجلس الأعلى عدد 3/1362 الصادر بتاريخ 27/5/1998 ملف جنحي عدد 273/3/97، أوردته وزارة العدل،
  • قرار للمجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – عدد 533/3 مؤرخ في 17/3/1999 في الملف الجنحي عدد 14072/98، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55 مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2000،
  • رسائل
  • عبد الله عادل خزينة كتابي الإجراءات الجنائية الموجزة رسالة دكتوراه
  • حمدي رجب عطية: “دور المجني عليه في إنهاء الدعوى الجنائية “، دكتوراه 1990
  • محمود جلال طه أصول التجريم والعقاب في السياسة المعاصرة دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب رسالة دكتوراه منشورة الطبعة الأولى دار النهضة العربية القاهرة
  • مجلة
  • النقيب محمد الزركشي العبادي، أثر الصلح على الدعوى العمومية، مجلة البحوث، العدد 4 يونيو 2005
  • لمعجم الوجيز، معجم اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1977 ، مصر ص 368 د.ة ليلى قايد : “الصلح في جرائم الاعتداء على الأفراد “، دار الجامعة الجديدة 2011

[1]  المادة الثانية من قانون 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية

[2] المادة 3 من القانون 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية

[3] المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية

[4] وزارة العدل شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول مطبعة إليت الرباط 2004 الصفحة 27

[5] المادة 385 من قانون المسطرة الجنائية

[6] المادة 419 من قانون المسطرة الجنائية

[7]المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية

[8] وزارة العدل المرجع السابق ص 38

[9] المادة83 من القانون 22.01

[10] المادة 73 من قانون 22.01

[11] الفقرة الثانية من المادة 84 من القانون 22.01

[12] عبد الواحد العلمي شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية الجزء الأول الطبعة الرابعة مطبعة الجديدة الدار البيضاء سنة 2014 صفحة 111

[13] الفقرة الثانية من المادة 84 من القانون 22.01

[14] عبد الواحد العلمي مرجع سابق صفحة 111

[15] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 الصادر بتاريخ 25 شوال 1397 موافق 9 أكتوبر 1977 المتعلق بمدونة الجمارك والضرائب غير مباشرة منشور بالجريدة الرسمية عدد 3389 مكرر بتاريخ 29 شوال 1397 موافق 13 أكتوبر 1977 ص 2982

[16] الفصل 249 من مدونة الجمارك والضرائب الغير المباشرة

[17] الفصل 250من مدونة الجمارك والضرائب الغير مباشرة

[18] وزارة العدل مرجع سابق ص41

[19] المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية

[20] المادة 267 من قانون المسطرة الجنائية

[21] يونس الرحالي ” إقامة الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المباشر امام قاضي التحقيق”، المجلة المغربية للقانون الجنائي والعلوم الجنائية عدد 4 و 5 ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 2017، الصفحة 261

[22] محمد كروط، المجني عليه في الخصومة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة 2008-2009، الصفحة 260 و ما بعدها. 

[23] تراجع المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية

[24] تراجع المادة 98 من قانون المسطرة الجنائية

[25] قرار المجلس الأعلى عدد 3/1362 الصادر بتاريخ 27/5/1998 ملف جنحي عدد 273/3/97، أوردته وزارة العدل، مرجع سابق، الصفحة 43

[26] قرار للمجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – عدد 533/3 مؤرخ في 17/3/1999 في الملف الجنحي عدد 14072/98، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55 مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2000، الصفحة 349 وما يليها

[27] أحمد فتحي سرور المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية م.س ص 64 وبعدها

[28] اليد عتيق التفاوض على الاعتراف في قانون الإجراءات الفرنسية في ضوء أحداث التعديلات دراسة مقارنة دار النهضة العربية القاهرة 2005 ص 29

[29] عبد الله عادل خزينة كتابي الإجراءات الجنائية الموجزة رسالة دكتوراه

[30] احمد فتحي سرور مرجع سابق ص65

[31] احمد فتحي سرور مرجع سابق ص 212

[32] محمود جلال طه أصول التجريم والعقاب في السياسة المعاصرة دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب رسالة دكتوراه منشورة الطبعة الأولى دار النهضة العربية القاهرة 2005 ص393

[33] لمعجم الوجيز، معجم اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1977 ، مصر ص 368 د.ة ليلى قايد : “الصلح في جرائم الاعتداء على الأفراد “، دار الجامعة الجديدة 2011 صفحة 25

[34] د. عوض محمد عوض: “المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية، منشاة المعارف، الإسكندرية، مصر ص131

[35] ذ. علي زكي العرابـي:” المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية “، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، سنة 1952 ص131

[36] د. حمدي رجب عطية: “دور المجني عليه في إنهاء الدعوى الجنائية “، دكتوراه 1990 صفحة 312

[37] د. انيس حسيب السيد المحلاوي:” الصلح وأثره في العقوبة والخصومة الجنائية “، دراسة مقارنة ، دار الفكر الجامعي الإسكندرية مصر 2011 صفحة 41

[38] د. نبيل لوقايا وي : “جرائم تهريب النقد ومكافحتها”، أكاديمية الشرطة القاهرة مصر من سنة .1992 ص : .326

[39] د. نبيل لوقا ياوي: “النظرية العامة للتهرب الجمركي” جامعة القاهرة مصر سنة ،1990 ص : .461

[40] د. عبد الحميد الشورابي “الجرائم المالية والتجارية” نشأة المعارف مصر القاهرة، ص : .213

[41] مصطلح الأمر الجنائي يعني أمر جنائي في التشريع المصري والإيطالي، وأمر جزائي في العراق والكويت وأصول موجزة بالأردن وسوريا ولبنان وتسوية جنائية بفرنسا وأمر قضائي بالمغرب.

[42] نصوص قانون المسطرة الجنائية رقم 22-01 وفق آخر المستجدات، سلسلة المعرفة القانونية للجميع، دار الإنماء الثقافي. المغرب الطبعة الأولى 2009 ص 19 وما بعدها. تنص المادة 375 ق م ج:”يجوز للنيابة العامة في سائر الأحوال التي ترتكب فيها المخالفة يعاقب عليها القانون بغرامة مالية فقط، يكون ارتكابها مثبتا في محضر أو تقرير وال يظهر فيها تضررا أو ضحية أن تقترح على المخالف سندا قابلا للتنفيذ بأداء غرامة جزافية تبليغ نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها قانونا”

[43] ديباجة قانون المسطرة الجنائية رقم 01-22 ونص المادة 383 من ق م ج، “والأمر القضائي الذي انفرد المشرع المغربي بتسميته ليس جديدا على المستوى التشريعي والعلمي بالمغرب فقد كان معمول به ضمن قانون المسطرة الجنائية لعام 1959 – المواد 355 و 365

[44] د ة غيمان محمد الجابري الأمر الجنائي دراسة مقارنة ص .15

[45] مجمع اللغة العربية، المعجم الوجيز ، طبعة وزارة التربية والتعليم 2000 ص .228

[46] القاموس المحيط، مجد الدين محمد يعقوب، الطبعة 7. مؤسسة الرسالة بيروت 2002 صفحة .1281

[47] – د ة. ليلى قايد ، “الصلح في جرائم الاعتداء على الأفراد”، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية مصر .2011 ، ص 243 .

[48] الحسن بيهي ” الصلح الزجري – دراسة للمادة 41 من ق م ج ” مجلة القصر عدد 7 يناير 2004 ص137

[49] -يتضمن الأمر القضائي الصادر عن رئيس المحكمة تصديق على الصلح بيانات بخصوص الالتزامات المتفق عليها من قبل الأطراف

 – تعويض أو إرجاع الحالة أو تعهد، وأداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا ، مع تحديد اجل لتنفيذ تلك الالتزامات ، حيث يتم إشعار النيابة العامة بما آلت إليه مسطرة الصلح قصد التأكد من تنفيذ ما تضمنه الأمر القضائي موضوع المصادقة من لدن رئيس المحكمة.

  وقد يثار سؤال بخصوص حالة الامتناع عن تنفيذ ما تضمنه الأمر القضائي، مع ما يترتب عن ذلك من تحريك النيابة العامة للدعوى من جديد أم الإجبار على التنفيذ لما ثم الاتفاق عليه ونرى انه كان الأجدر ألا تتم المصادقة على الصلح بمقتضى الأمر القضائي إلا بعد أن يتم الوفاء بجميع الالتزامات وأداء غرامة الصلح قطعا لكل لبس.

[50] نسجل بكل أسف أن ثمة بعض مسؤولين النيابات العامة لدى بعض المحاكم المغربية، ممن لا يكلفون أنفسهم حتى سماع طلبات الصلح التي تعرضها الطرفان أمامها تعد ذريعة تمس خوض في مساطر شائكة ومثيرة، مرجع ذلك عدم وضوح وعدم يسر إجراء المادة 41 ق م ج

[51] د عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول الطبعة الأولى 2006، الدار البيضاء المغرب، ص 210 وما بعدها ، بتصرف

[52] ذ حميد ميمون المتابعة الإجرائية وإشكالاتها العملية، ص 130 وما بعدها

[53] ذ. محمد بن حم، قضاء الصلح أو غرفة المشورة في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد، العدد 3 مطبعة فضالة أبريل 2004 ص 91

[54] ذ. النقيب محمد الزركشي العبادي، أثر الصلح على الدعوى العمومية، مجلة البحوث، العدد 4 يونيو 2005 ، ص 133 وما بعدها.

[55] المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية المعدلة بالقانون رقم 35.11 بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.169 الصادر بتاريخ 17 أكتوبر 2001 والمتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية ـ الجريدة الرسمية عدد 5990 بتاريخ 27 أكتوبر .2001 وتنص على أنه: تتقادم الدعوى العمومية ما لم تنص قوانين خاصة على خالف ذلك بمرور: – خمس عشرة سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية. – أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة. – سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب المخالفة

[56] لمادة /9 فقرة 1 والمادة 10 / فقرة 1 ق م ج

[57] ذ علي محمد المبيضين ، الصلح الجنائي وأثره في الدعوى العامة ، دار الثقافة للنشر، عمان، الطبعة الأولى 2010م.ص 72

[58] د. أنور محمد صدقي المساعدة ود. بشير سعد زغلول. الوساطة في انهاء الخصومة الجنائية دراسة كلية مقاربة ، ص .338

[59] – شريف سيد كامل . الحق في سرعة الإجراءات الجنائية، ، ص .99

[60] د. محمد غريب “المركز القانوني للنيابة العامة” . دراسة تحليلية مقارنة، دار الفكر العربي. 1979 بند 194 صفحة .369

[61] في المغرب هناك مؤسسة الوسيط التي تقوم بدور شبيه بالصلح بالوساطة، ويتعلق الأمر بديوان المظالم الذي تشكل بمقتضى الظهير الشريف رقم 1-01-298 بتاريخ 09 دجنبر 2001 الذي يقوم بمقتضى المادة 10 به بكل مساعي الوساطة خاصة التوفيقية بين طرفي العالقة: الإدارة والمواطن بما يحقق تراضي الطرفين وينهي حالة الاضطراب أو التعسف في بعض القرارات الصادرة من الإدارة أحيانا في مواجهة أحد المواطنين.

[62] ذ اسامة حسين عبيد. الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ص .524

[63] د. محمد سالم، دور الطرق البديلة لحل النزاعات في إصلاح القضاء. ص .37

[64] د محمد حكيم حسين الحكيم النظرية العام للصلح. مرجع سابق ص .470 د أشرف رمضان عبد الحميد . الوساطة الجنائية مرجع سابق ص .42

[65] د. أشرف رمضان عبد الحميد “الوساطة الجنائية” ص47

[66] محمد حكيم حسين الحكيم “النظرية العامة للصلح” ص .472

[67] – دة ليلى قايد. الصلح في جرائم الاعتداء على الأفراد. مرجع سابق، ص .307

[68] د أسامة حسن عبيد. الصلح في قانون الإجراءات الجنائية. دار النهضة العربية الطبعة الأول .2005، ص 556 وما بعدها

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 5 / 5. عدد التقييمات 1

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك