جرائم القتل والضرب والجرح في القانون الجنائي المغربي

4.7
(13)

إعداد : إبراهيم عطيف

ارتبطت الجريمة بظهور البشرية، وتعددت صورها وأشكالها بتطور الزمن وتقدم المجتمعات؛ فبعد أن كانت تعد خطأ دينيا محضا، أضحت في الوقت الراهن ظاهرة إجتماعية وقانونية معقدة. ومن أشكال الجريمة: الجرائم البدنية؛ وهي من أخطر وأبشع السلوكات الجرمية كونها تمس بالسلامة الجسدية للشخص التي تقع في مقدمة ما يحرص عليه تنظيم التعايش الإجتماعي باعتبار الفرد أحد الخلايا المكونة لجسم المجتمع ، واستمرار هذا الأخير واستقراره يتوقف أساسا على توفير ضمانة الحماية البدنية للأفراد. هذه الأخيرة تؤطرها مقتضيات التشريعات الجنائية الوطنية والدولية من خلال إقرار الجزاءات في حق كل من أقدم على انتهاك هذه الحماية. وتدخل في نطاق الجرائم البدنية، جريمة القتل، وجرائم الإيذاء تحديدا الضرب والجرح، تناولتها الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية على الرغم من اختلافها وتفاوتها في أنواع العقوبات وأساليب توقيعها. في هذا الصدد، أولى المشرع الجنائي المغربي أهمية بالغة لهاتين الجريمتين السالف ذكرهما نظرا لارتباطهما بالصحة الجسدية للشخص، وذلك من خلال سنه مجموعة من القواعد القانونية التي تشمل عقوبات زجرية مقررة لمرتكبي هذه الجرائم، التي تشدد أو تخفف حسب جسامة الفعل وبناء على الظروف الملابسة له. انطلاقا مما سبق، فإن جرائم القتل والضرب والجرح من الجرائم القديمة الحديثة، التي أثارت نقاشا قويا في الساحة الجنائية. فما هي إذن أركانها، والعقوبات المقررة لها، وظروف التشديد والأعذار المعفية المؤثرة على العقاب؟

  • المطلب الأول: جريمة القتل:

     تم تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين التي من خلالهما سنتعرض إلى أركان جريمة القتل (الفقرة الأولى)، ثم إلى عقوبتها والظروف المشددة، والأعذار القانونية المؤثرة على العقوبة (الفقرة الثانية).

  • الفقرة الأولى: أركان جريمة القتل العمد:

       إن جريمة القتل العمد قائمة على ثلاث أركان أساسية بحيث يتضمن الفصل 293 من القانون الجنائي أركان جريمة القتل العمد التي هي: الركن القانوني والركن المادي والركن المعنوي أو القصد الجنائي[1].

  • أولا: الركن القانوني.

      إن القتل العمد هو المنصوص عليه في القانون الجنائي المغربي في الفصل 392 من مجموعة القانون الجنائي، الذي يقضي بما يلي: “كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا”.

       ويلاحظ أن هذا الفصل عرف القاتل ولم يعرف القتل، والقتل في اصطلاح بعض الفقهاء هو: “إزهاق روح إنسان بفعل إنسان أخر بغير وجه حق”، وهو في رأي البعض الآخر: “كل فعل أو امتناع محرم صادر عن إنسان لإزالة حياة إنسان آخر خلافا للقانون”[2].

  • ثانيا: الركن المادي.

    عبر عنه المشرع ب ”التسبب في قتل الشخص لغيره”. فهو لا يختص بجريمة القتل العمد وحدها، وإنما يتطلب توافره في جميع صور القتل عمدا كانت أم نتيجة خطأ.

     إن القتل العمد هو من الجرائم التي تتطلب أن يتخلف عن نشاط الجاني نتيجة إجرامية، والتي هي إزهاق روح المجني عليه[3].

ومن تم فمكونات الركن المادي هي ثلاث:

1. نشاط صادر من الجاني: 

    إن المشرع في أي نظام جنائي لا يعاقب على النوايا المضمرة مهما كانت خبيثة، ذلك أن النية الإجرامية لا تشكل لوحدها وبذاتها خطورة على الحياة العامة، مادامت في ضمير صاحبها. وعلة المشرع في سلوكه لهذه الطريقة في العقاب، ترجع إلى كونه ارتأى إفساح المجال للشخص للعودة إلى صوابه[4].

   إذن، فالعزم على إزهاق روح إنسان، لا يقع تحت طائلة عقاب القتل العمد، إلا إذا ترجم إلى العالم الخارجي، وتجلى في الواقع في صورة نشاط مادي. وفي هذه الحالة إذا أدى النشاط الجرمي إلى إزهاق روح المجني عليه قامت جريمة القتل العمد، أما إن لم يزهقها وبقي المستهدف حيا، فإننا نكون بصدد “محاولة” إذا هي تحققت عناصرها طبقا للفصل 114 من القانون الجنائي[5].

2. تحقق النتيجة:

   إن القتل العمد هو من جرائم النتيجة، وإزهاق الروح هو هذه النتيجة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المجني عليه ينبغي أن يكون إنسانا، فلو وجه النشاط الذي أدى إلى القتل بنوعيه إلى حيوان، لا يمكن أن تقوم هذه الجريمة حتى ولو كان الجاني يظن أنه يقتل إنسانا وليس حيوانا[6].

  كما أن فعل القتل يجب أن يستهدف إنسانا على قيد الحياة، لذلك فلو وجه الاعتداء إلى من كانت حياته مفقودة سابقا، وقبل مباشرة الاعتداء عليه، فلا تتحقق جريمة القتل العمد التامة. وإن كان الفاعل قد يعاقب كمحاول للجريمة عملا بالفصل 117 من القانون الجنائي الذي يعاقب على الجريمة المستحيلة[7].

3. علاقة السببية بين نشاط الجاني والنتيجة:

    هو أمر بديهي ألا يسأل الفاعل عن النشاط الذي أتاه مهما كان مؤديا إلى وفاة أحد الأشخاص إلا إذا كان ذلك النشاط هو الذي أدى إلى وفاته فعلا، وبمعنى اخر؛ ينبغي أن تتوافر رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة التي تضرر منها المجني عليه، فإن هي غابت فلا مساءلة ولا عقاب طبقا لأحكام القتل العمد، ذلك أنه لكي يكتمل الركن المادي في هذه الجريمة العمدية يلزم، زيادة عن صدور نشاط من الجاني نتيجة اجرامية وقيام رابطة السببية بينهما[8].

ثالثا: الركن المعنوي (القصد الجنائي)

   الركن المعنوي مفاده أن يكون إتيان الركن المادي جاء عن قصد ونية إجرامية، وهذا الركن هو الحد الذي نميز بواسطته بين القتل العمد والقتل نتيجة إهمال أو خطأ.

   والحقيقة أن اشتراط ضرورة اتجاه إرادة الفاعل إلى إزهاق روح المجني عليه إذا كان بالفعل هو علة تجريم النشاط الصادر منه بنوعيه الإيجابي والسلبي، فإنه أيضا هو الذي يمكن من التمييز بين حالات القتل العمد، والقتل الخطأ، حيث إن الفعل الذي يفضي إلى إزهاق الروح يتأثر بمدى إتجاه نية الفاعل إلى إحداث النتيجة[9].

الفقرة الثانية: عقوبة جريمة القتل:

   عقوبة القتل العمد البسيط، كما هي محددة في الفصل   392 من القانون الجنائي هي السجن المؤبد، إلا أن المشرع جعل العقوبة  هي الإعدام, متى صاحب العمد  أحد  الظروف  المشددة التالية:[10]

 1 – سبق الإصرار (الفصل 393 من مجموعة القانون الجنائي):

هناك فرق بين العمد والإصرار فالقاتل العمد يرتكب جريمته فور تقريره ارتكابها، أما في القتل مع سبق الإصرار فإن الفاعل يفكر ويتخذ قراره. ويصمم عليه فيعد له ثم ينفذه.[11]

 2 – الترصد (الفصل 395 من مجموعة القانون الجنائي):

فالترصد هو التربص بإنسان بغية قتله ويشترط الحصول الترصد توافر عنصرين:

     عنصر الزمن: ويتمثل في مرور مدة زمنية في انتظار مرور الشخص المراد قتله.

     عنصر المكان: مثال ذلك أن يتربص الفاعل بالمجني عليه في مكان ينتظره فيه ولم يأت، ثم ينتقل إلى مكان آخر ينتظره فيه لينفذ جريمته.[12]

3 – قتل أحد الأصول (الفصل 396/422 من مجموعة القانون الجنائي):

   ينص الفصل 396 ق.ج “من قتل عمدا أحد أصوله يعاقب بالإعدام” ويقصد بالأصول الأب والجد مهما علوا. والأم والجدة مهما علت. كما أن طبيعة القرابة بين التي يجب أن تكون بين الجاني والمجني عليه يجب أن تكون بين شرعية وليس بالتبني.[13]

 4 – اقتران القتل العمد بجناية (الفصل 392 من مجموعة القانون الجنائي):

عاقب المشرع بالسجن المؤبد القاتل عمدا في الفصل (392 ق ج)، إلا أنه شدد في الحالتين الآتيتين: – إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى…….

 والاقتران معناه المصاحبة الزمنية الإقتران الزمني بين ارتكاب الجاني للقتل العمد، وارتكابه لجناية أخرى، سواء قبل إنجاز القتل أو أثناءه أو بعده.[14]

 5 – إرتباط القتل العمد بجناية أو جنحة (الفصل 392 من مجموعة القانون الجنائي):

القانون الجنائي في هذه الحالة يشترط الارتباط بين القتل العمد والجناية أو الجنحة الأخرى، ولكنه لا يشترط ارتكابها في زمن واحد إذ يكفي أن يكون القتل العمد ارتكب بغية الإعداد لجناية أو جنحة ومثال ذلك القتل العمد من أجل السرقة.[15]

 6 – القتل عن طريق التعذيب أو الأفعال الوحشية (الفصل من مجموعة القانون الجنائي)

      أما بالنسبة الأعذار المخففة لعقوبة القتل العمد:

   نص المشرع المغربي على حالات معينة تخفض فيه العقوبة المقررة للقتل العمد في صورته العادية المنصوص عليها في الفصل 392 من ق.ج وذلك لبعض الاعتبارات التالية:

قتل الأم لوليدها يشكل عذرا مخففا في جريمة القتل العمد فقط بالنسبة للأم حيث تصبح العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر، أما المشاركين والمساهمين معها فلا يعفيهم هذا العذر من العقاب لا كليا ولا جزئيا طبقا للفصل 397 من م.ق.ج.

القتل المرتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم (416 ق.ج).

القتل المرتكب نهارا لدفع تسلق أو كسر سور الحائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهم (417 ق.ج).

  قتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية (418 ق.ج).[16]

     أما بالنسبة لعقاب جريمة القتل الخطأ والظروف المؤثرة:

  عاقب المشرع المغربي على جريمة القتل الخطأ بالحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات وغرامة من 250 إلى 1.000 درهم. (الفصل 432 ق.ج) غير أن القاضي في تطبيقه لهذه العقوبة قد يتشدد في العقاب كما قد يراعي ظروف التخفيف.[17]

الأعذار المعفية:

 المشرع المغربي شدد العقاب على القاتل خطأ في الفصل 434 من ق.ج حين قال تضاعف العقوبات المقررة في الفصلين السابقين 432 و433 إذا كان الجاني قد ارتكب جنحة وهو في حالة سكر أو كان قد حاول التخلص من المسؤولية الجنائية أو المدنية التي قد يتعرض لها، وذلك بفراره عقب وقوع الحادث أو تغيير حالة مكان الجريمة أو بأي وسيلة أخرى.[18]

المطلب الثاني: جريمة الضرب والجرح:

     كل جريمة يتعين لقيامها قانونا توافر ثلاثة أركان مهمة متجسدة في كل من الركن المادي، والركن المعنوي، وهو الشيء الذي يؤثر على العقاب بحد ذاته؛ فلا يتصور فرض عقوبة بخصوص جريمة غير قائمة وغير مستوفية للأركان الثلاثة أو بعضها فقط. لكن هناك ظروف، عندما ترتكب الجريمة في إطارها، تؤثر على العقوبة؛ إذ ترفع هذه الأخيرة أو تخفض حسب الظرف القائم.

الفقرة الأولى: الركن المادي والمعنوي لجرائم الجرح والضرب:

      إن الركن المادي هو فعل الإيذاء الذي يستهدف سلامة جسم الإنسان، والذي يجب أن ترتب عليه نتيجة الجرح العادي أو تؤدي إلى عاهة مستديمة أو تفضي إلى الموت.

     وقد نص على الركن المادي لجرائم الضرب والجرح عدة فصول تختلف فيها العقوبة بحسب النتيجة المترتبة. فبالرجوع إلى هذه الفصول نجدها تنص على أن الركن المادي قد يكون ضربا أو جرحا أو عنفا أو إيذاء أو حرمانا من التغذية أو العناية.[19]

 أولا: الضرب

   ويعرفه الفقه بأنه “كل تأثير راض أو كادم يقع على جسم الإنسان بالضغط أو الصدم” كما يعرفه البعض الآخر بكونه «كل ضغط أو رض أو دفع أو احتكاك بجسم المجني عليه سواء ترك به أثرا أم لم يترك» والغالب أن يترك الضرب أثرا خارجيا على جسم الضحية كاحمرار في الجلد أو انتفاخ أو تورم أو تغيير في لونه إلى الزرقة، وهذا إذا كان يساعد على إثبات الواقعة الإجرامية فإن عدم وجود أي أثر على الجلد مثلا يؤدي مع ذلك إلى معاقبة مقترف الضرب على اعتبار أن هذا الأخير لا يشترط للمعاقبة عليه أن يترك أثرا ما على الجسم. وهذا ويعتبر الفقه أن الضرب يشمل اللطم باليد أو بالرجل أو بأية وسيلة أخرى كالعصا أو الحزام أو سلك من الأسلاك الحديدية أو البلاستيكية، وكذا الضغط على عنق الضحية أو فرك أذنها بشدة أو إسقاطها أرضا أو ثني ذراعها .[20]

 ثانيا: الجرح

     وهو النشاط الذي يأتيه الفاعل ويترك أثرا في جسم الضحية إما أن تراه العين، كتسلخ الجلد أو حرقه أو قطع بسكين لأحد الأوعية الدموية السطحية، أو لا تراه لكونه باطنيا، ككسر في أحد العظام أو نزيف دموي داخلي لا يتأتى كشفه إلا بعد إجراء تصوير بالأشعة السينية أو الجراحة.

     وغني عن البيان أن الجرح يعاقب عليه سواء كان ظاهرا أو غير ظاهر وبغض النظر عن الوسيلة، إذ أن هذا النوع من الإيذاء يتم بطرق ووسائل عديدة لا حصر لها كفرز المسامير في جسم المجني عليه أو قطع بعض أعضائه بآلة حادة أو إطلاق عيار ناري عليه أو تسليط أشعة الليزر على عضو بغرض إهلاكه أو تسليط حيوان مفترس (كلب مثلا) لعض الضحية.[21]

     والركن المعنوي لجرائم الضرب والجرح هي جريمة عمدية. يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي العام والمتمثل في الإرادة والعلم.

فالإرادة تعني أن الفاعل كان مميزا أو مدركا عند اقترافه فعل الضرب والجرح أما العلم فيعني علم الفاعل بأن فعل الضرب والجرح يشكل جريمة ومعاقب عليه وبأنه سيترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته.[22]

الفقرة الثانية: عقوبة جريمة الضرب والجرح والظروف المؤثرة:

أولا: عقوبة جريمة الضرب والجرح:

   يختلف الوصف الجنائي الذي يطلق على جريمة الضرب والجرح، تبعا للنتائج الضارة التي تلحق الضحية [23]، وهكذا اعتبرهما المشرع تارة جناية وتارة أخرى جنحة وأحيانا أخرى مخالفة، وعاقب عليهما على هذا الأساس.

  • عقاب جناية الضرب والجرح المفضي للموت:

     جاء في الفصل 403 من م.ق.ج: “إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكبت عمدا، ولكن دون نية القتل، ومع ذلك ترتب عنه الموت فإن العقوبة تكون السجن من عشرة إلى عشرين سنة.

وفي حالة سبق الإصرار أو الترصد أو إستعمال السلاح [24] تكون العقوبة السجن المؤبد”.

      أما إذا ارتكبت جريمة الضرب والجرح ضد أحد أصول الجاني، أو ضد كافله، أو ضد زوجه تبعا للفصل 404 من م.ق.ج فإن العقوبة تصل إلى السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة، أما إن هي اقترنت بسبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح فتكون العقوبة هي السجن المؤبد.[25]

     وقد اشترطت المادة 403 أن يكون الموت قد حدث دون أن يقصده الجاني، وهو شرط بديهي، لأنه في حالة قصد القتل تكون الجريمة جناية قتل عمد وليس مجرد عنف أدى إلى موت.[26]  

  • عقاب جناية الضرب والجرح المفضي إلى عاهة دائمة:

      عاقب المشرع على هذه الجريمة في الفصل 402 من م.ق.ج، حيث نص على أنه: ” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل العنف أو الإيذاء قد نتج عنه فقد عضو او بتره أو الحرمان من منفعته أو عمي أو عور أو أية عاهة دائمة أخرى فإن العقوبة تكون السجن من خمس إلى عشر سنوات.

وفي حالة توافر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة السجن من عشر إلى عشرين سنة”.

     وبمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 404 من م.ق.ج شدد المشرع عقوبة هذه الجريمة إذا كان المجني عليه أحد أصول الجاني، أو كافله، أو زوجه، حيث العقوبة إذ ذاك تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة، إذا كانت غير مرفقة بأي ظرف من ظروف التشديد، أما إن هي اقترنت بأي ظرف من الظروف الواردة في الفصل 402 (فقرة أخيرة) فإن العقوبة تكون السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة .[27]

  • عقاب جنحة الضرب والجرح الذي لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية، أو نتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية يقل عن عشرين يوما:

    ينص الفصل 400 من م.ق.ج على أنه:” من ارتكب عمدا ضد غير جرحا أو ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء، سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية، أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

    وفي حالة توافر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى ألف درهم”.

    اعتمادا على النص السابق يكون القاضي مخيرا بين الغرامة المالية والعقوبة السالبة للحرية إذا لم يترافق ارتكاب الجنحة بإحدى ظروف التشديد الواردة في الفقرة الثانية من النص، أما إذا كان الإيذاء بأحد تلك الظروف فإن القاضي يكون ملزما بتطبيق العقوبة السالبة للحرية والمالية معا وبدون تخيير بينهما.[28]

     وتجدر الإشارة إلى أن المشرع شدد وضاعف هذه العقوبة إذا ارتكبت ضد أحد أصول الجاني، أو كافله، أو زوجه وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 404 من م.ق.ج.[29]

  • عقوبة جنحة الضرب والجرح الذي ينتج عنه عجز تتجاوز مدته 20 يوما:

    تم العقاب على هذه الجنحة بمقتضى نص الفصل 401 من م.ق.ج الذي يقول:” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من أنواع العنف أو الإيذاء قد نتج عنه عجز تتجاوز مدته عشرين يوما فإن العقوبة تكون الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم.

    وفي حالة توفر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح، تكون العقوبة الحبس من سنتين إلى خمس، والغرامة من مائتين وخمسين إلى ألفي درهم.

    ويجوز أن يحكم على مرتكب الجريمة، علاوة على ذلك، بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق إليها في الفصل 40 وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر”.

    والعجز الوارد في الفصل أعلاه أتى مطلقا بدون نعت، والفقه يرى بأن المقصود به هو عدم قدرة المجني عليه على القيام بالأعمال البدنية التي يمارسها في الحياة المعتادة كالمشي والحركة، إلى غير ذلك، دون النشاطات المهنية ولا الأعمال غير العادية، إذ قد يتحقق العجز عن ممارسة الأعمال العادية للضحية دون العجز عن ممارسة النشاط المهني لها.[30]

    يلاحظ في الفقرة الأولى من الفصل 404 من م.ق.ج أن المشرع شدد عقوبة هذه الجريمة، وهي الفقرة التي تمت الإحالة عليها في موضع سابق.

   بعد التعرف على جريمة الضرب والجرح المكونة لجناية وتلك المكونة لجنحة والعقوبات المقررة لها، لابد من الإشارة إلى جرائم الإيذاء غير العمدية المكونة لمخالفة من المخالفات، ولا تدخل تحت هذه الزمرة سوى مخالفة العنف أو الإيذاء الخفيف التي عاقب عليها المشرع بعقوبة مالية تتراوح بين 300 إلى 700 درهم في الفقرة الأولى من المادة 16 من القانون المتعلق بتنظيم قضاء القرب واختصاصاته.

    يعتبر العنف أو الإيذاء خفيفا إذا لم يخلف أثرا في الجسم ولم يلحق بالضحية ألما، فهو أقرب إلى الإهانة والتحقير منه إلى الإيذاء والعنف الجسميين كإمساك الضحية من ثوبه، أو تمزيق طرف من هذا الثوب والبصق عليه…

    قد لا يتوافر عنصر العمد في جريمة الضرب والجرح، في هذه الحالة تتحقق جريمة الإيذاء غير العمدي المنظمة بمقتضى الفصلين 433 و434 من القانون الجنائي؛ حيث “يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 500 درهم أو بإحدى العقوبتين، كل من تسبب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو عدم مراعاته النظم والقوانين، في جرح غير عمدي أو إصابة أو مرض نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته على ستة أيام”.

    إذا ارتكبت الجريمة في الأحوال المشار إليها في الفصل 434 من ق.ج فإن العقوبة تغلظ وتشدد إلى الضعف.

ثانيا: الظروف المؤثرة على عقوبة جريمة الضرب والجرح:

   ينص القانون الجنائي على عقوبات مقدرة أي أنها محددة من حيث عدد السنوات إذا كان الأمر يتعلق بعقوبات سالبة للحرية، ومحددة القيمة فيما يخص العقوبات المالية، غير أن الجريمة المرتكبة تلابسها أحيانا ظروف تؤثر على هذا التقدير المنصوص عليه سلفا إما بالتشديد أو التخفيف. وعليه، سنتناول على امتداد هذه الأسطر كل من ظروف التشديد وظروف التخفيف المؤثرة على عقوبة جريمة الضرب والجرح.

أ: ظروف التشديد:

   تتمثل ظروف التشديد في هذا الصدد في كل من سبق الإصرار أو الترصد، واستعمال السلاح، وارتباط الجريمة بأحد أصول الجاني، أو كافله، أو زوجه، وهي المنصوص عليها في الفصول المذكورة في الفقرة أعلاه.

هذه الظروف لا تستدعي التفصيل والتوضيح نظرا لأنه تم التعرض لها في موضع سابق.

ب: الأعذار المخففة:

   قد قرر المشرع بعض الأعذار القانونية المعفية جزئيا من العقاب في هذه الجريمة والتي تتمثل في:

  • العذر الوارد في الفصل 416 من ق.ج[31].
  • العذر الوارد في الفصل 417 من ق.ج[32].
  • العذر الوارد في الفصل 418 من ق.ج[33].

وهذه الأعذار الثلاثة سبق التعرض لها في إطار جريمة القتل، وإلى جانبها هناك:

  • العذر الوارد في الفصل 420 من ق.ج الذي جاء فيه: “يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم الجرح والضرب دون نية القتل، حتى ولو نشأ عنها موت، إذا ارتكبها رب أسرة على أشخاص فاجأهم بمنزله وهم في حالة إتصال جنسي غير مشروع”
  • العذر المنصوص عليه في الفصل 421 من ق.ح الذي جاء فيه: “يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم الضرب والجرح إذا ارتكبت ضد شخص بالغ عند مفاجأته متلبسا بهتك عرض أو بمحاولة هتك عرض بعنف أو بدون عنف على طفل دون الثامنة عشر.

       يتوفر نفس العذر في جرائم الضرب والجرح، إذا ارتكبت ضد شخص بالغ عند مفاجأته متلبسا باغتصاب أو بمحاولة اغتصاب”.

وجدير بالذكر أنه إذا توافر أحد الأعذار القانونية الآنف ذكرها لا بالنسبة لجريمة القتل العمد وكذلك للضرب والجرح العمديين، خفضت العقوبة طبقا للفصل 423:

  • الحبس من سنة إلى خمس سنوات في الجنايات المعاقب عليها قانونا بالسجن المؤبد.
  • الحبس من ستة أشهر إلى سنتين في جميع الجنايات الأخرى.
  • الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر في الجنح.

    وصفوى الحديث، فقد أنهينا من مناقشة موضوع نحسبه أهم الموضوعات التي طرحتها الجرائم منذ الجريمة الأولى في تاريخ البشرية إلى العصر الحالي الذي عرف طفرة نوعية في اقترافها. وعلى هذا الأساس، إتبعنا خطة ومنهجنا لمناقشة أهم أفكار هذا المقال الذي جاء مقسما إلى مطلبيين رئيسيين، فتحدثنا في المطلب الأول عن جريمة القتل وأركانها وعقوبتها، بينما في المطلب الثاني عن جريمة الضرب والجرح وأركانها والظروف المؤثرة. فطبقا لما جاءت به المادة 403 من مجموعة القانون الجنائي فإن جريمة الضرب والجرح تعتبر جنحة إلا في حالة ما كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد أرتكب عمدا ولكن دون نية القتل ومع ذلك ترتب عنه الموت فإن العقوبة من عشر إلى عشرين سنة. إن الفرق بين هذه الجريمة وجريمة القتل العمد وبصورة أدق بين الاغتيال هو أنه إذا كان الضرب والجرح عمديا فإن الفاعل لم يكن قصده قتل المعتدي عليه أو تسبب وفاته.

ومن خلال بحثنا هذا في موضوع جرائم القتل والضرب والجرح توصلنا إلى جملة من التوصيات:

  • بعد عرض هذا المقال العلمي عن جريمة القتل، تبين أن انتشار الجريمة يؤدي إلى فساد الأخلاق وتحويل الشباب إلى عناصر غير فعالة في مجتمعاتهم.
  • جريمة الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية القتل وهي كذلك من جرائم الإيذاء التي تمس حياة الإنسان.
  • من واجب المشرع تخصيص أكثر من نص قانوني لتنظيم هذه الجرائم بشكل يسهل معه للقاضي وللمهتم تحديد بؤر الخلاف والشك بدل الاقتصار على نص أو نصين جاءا بصيغة عامة فمثلا جرائم القتل الخطأ أفرد لها المشرع الفصل 432 من القانون الجنائي لم يبين في مفهوم الخطأ مكتفيا بالإشارة إلى بعض صوره والتي لم تعد تساير بعض الحالات العملية المعقدة.

[1] – عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص، “الطبعة غير موجودة”، ” السنة غير موجودة”، الصفحة 140.

[2] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 141.

[3] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 143.

[4] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 144.

[5] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 145.

[6] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 146.

[7] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 147.

[8] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 148.

[9] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 150.

[10] – عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء “السنة غير موجودة ” الصفحة 257.

[11] – سعيد العيطوني وادريس الحياني، محاضرات في القانون الجنائي الخاص المغربي، الطبعة 2021، الصفحة 122.

[12] – سعيد العيطوني وادريس الحياني، نفس المرجع السابق الصفحة 122.

[13] – سعيد العيطوني وادريس الحياني، نفس المرجع السابق الصفحة 123.

[14] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 266.

[15]  – سعيد العيطوني وادريس الحياني، المرجع السابق الصفحة 121.

[16] – محمد تقبلي وعابد العمراني الميلودي، القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح، الطبعة 2020، الصفحة 123.

[17]  – محمد تقبلي وعابد العمراني الميلودي، نفس المرجع السابق الصفحة 130.

[18] – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق الصفحة 298.

[19]  – سعيد العيطوني وادريس الحياني، نفس المرجع السابق الصفحة 134.

[20]  – محمد تقبلي وعابد العمراني الميلودي، نفس المرجع السابق الصفحة 111.

[21]  – محمد تقبلي وعابد العمراني الميلودي، نفس المرجع السابق الصفحة 111.

[22] ­- سعيد العيطوني وادريس الحياني، نفس المرجع السابق الصفحة 135.

[23]  – أحمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص-الجزء الثاني، الطبعة الثانية 1405-1986، مجموعة دار الحاج للإعلام والثقافة، القنيطرة، الصفحة 110.

[24]  – ينص الفصل 303 من م.ق.ج على أنه” يعد سلاحا في تطبيق هذا القانون، جميع الأسلحة النارية والمتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات أو الأشياء الواخزة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة”.

[25]  – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق، الصفحة 327.

[26]  – أحمد الخمليشي، نفس المرجع السابق، الصفحة 123.

[27]  – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق، الصفحة 327.

[28]  – عبد الواحد العلمي، نفس المرجع السابق، الصفحة 332.

[29]  – جاء في هذه الفقرة الأولى أنه” في الحالات المنصوص عليها في الفصلين 400 و401، ضعف العقوبة المقررة لكل حالة، حسب التفصيلات النشار إليها فيهما”.

[30] – عبد الواحد العلمي، نفس مرجع سابق، الصفحة 333-334.

[31] – ينص الفصل 416 من مجموعة القانون الجنائي على:

“يتوفر عذر مخفض للعقوبة، إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما.”

[32] – ينص الفصل 417 من مجموعة القانون الجنائي على:

“يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبت نهارا، لدفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما …”

[33] – ينص الفصل 418 من مجموعة القانون الجنائي على:

“يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.”

يسعدنا تقييمك لهذا المقال

معدل التقييمات 4.7 / 5. عدد التقييمات 13

لا يوجد تقييمات لهذا المقال

تعليقات فيسبوك