ابراهيم طبزين طالب باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية-مراكش
مقدمة
تحدث الجريمة مساسا وضررا على الحقوق الأساسية للأفراد وعلى الضوابط الاجتماعية، وعلاوة على ذلك تؤثر على الاستقرار والأمن الاجتماعيين، بالتالي تمس بالمجتمع بأكمله، لذلك تقوم الدولة بأجهزتها المحددة قانونا بحماية النظام والأمن العام، فبمجرد وقوع الجريمة تتولى الدولة متمثلة في شخص النيابة العامة، تحريك الدعوى العمومية، ومتابعة الجاني دفاعا عن الحق المشترك لأفراد المجتمع واقتصاصا من الجاني لتحقيق الردع العام والخاص.
وبالرجوع للفصل 110 من مجموعة القانون الجنائي نجد أن المشرع عرف الجريمة بأنها “عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه” ، والعلة في اعتبار الفعل أو الترك مجرم هو الضرر والاضطراب الاجتماعي الذي يحدثه[1]، من خلال هذا التعريف يتضح أن مفهوم الجريمة لا يتحقق قانونا إلا إذا وجد نص قانوني يجرم الفعل أو الامتناع ويعاقب عليه وبكونه (أي الفعل أو الترك) يؤدي إلى اضطراب اجتماعي، وقد عرف بعض الفقه الجريمة بما يلي” الجريمة هي كل فعل أو امتناع جرم المشرع اتيانه في نص من النصوص الجنائية، وقرر له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي ويكون هذا الفعل أو الامتناع صادرا عن شخص أهل للمساءلة الجنائية”[2]
تكمن ميزة هذا التعريف أنه يتضمن جميع الأركان العامة اللازم توافرها لقيام أية جريمة وبالإضافة إلى عِلة تجريم الفعل أو الترك والعقاب عليه، فالجريمة تستلزم وجود نص تشريعي وهذا هو الركن القانوني، وتستوجب ارتكاب فعل أو الامتناع عن الفعل، وهذا هو الركن المادي، وتستلزم بالإضافة إلى ذلك بحث المسؤولية الجنائية بحيث لا يسأل الشخص عن هذا الفعل أو الترك إلا إذا قام به بإرادة واختيار وهذا هو الركن المعنوي. وبالتالي يتوقف وجود الجريمة على وجود هذه الأركان، لذلك تسمى بالأركان العامة، وتوجد بجانبها شروط خاصة بجريمة معينة ولا يجب توفرها في كل جريمة وهي ما يسمى بالأركان الخاصة للجريمة.
ولعل أهمية الركن القانوني للجريمة تكمن في أنه لا يمكن مساءلة أي شخص عن سلوك معين إلا إذا كان هذا السلوك منصوص عليه ضمن لائحة الأفعال و الإمتناعات التي تعد جرائم بمقتضى نصوص القانون الجنائي، وتجدر الإشارة الى أن اعتبار الفعل أو الامتناع جريمة بمقتضى نص من النصوص الجنائية لا يكفي وحده لاعتبار مرتكبها مجرما ومساء لته، انما يلزم ان لا يكون ( الفعل أو الامتناع) خاضعا لسبب من أسباب التبرير أو الإباحة كما هي محددة قانونا، ولا يمكن معاقبة الجاني أو اتخاد أي تدبير وقائي إلا في حدود العقوبات و التدابير الوقائية المنصوص عليها، وهذ التحديد هو ما يسمى في القانون الجنائي بمبدأ الشرعية الجنائية.
بالرغم مما لمبدأ الشرعية الجنائية من أهمية، فإنه وقع ولا يزال يقع في مجموعة من الأزمات، حيث صدرت و تصدر نصوص تفتقد لمقومات مبدأ الشرعية الجنائية، بشكل قد يضر ويضر لا محالة بالمصالح التي يحميها القانون أساسا، بالتالي كلما فقد النص مقومات هذا المبدأ يكون في اتجاه قد يخرج به من غاياته الأساسية.
وفقا لهذه الأهمية وبناءا على ما سبق تتضح اشكالية مهمة حول ماهية مبدأ الشرعية الجنائية ومدى توفق المشرع المغربي بتحقيق هذا المبدأ.
ما يجعلنا ومن أجل بسط هذه الاشكالية ومحاولة الالمام بها نطرح بعض التساؤلات الفرعية التالية:
- ما هو مبدأ الشرعية الجنائية وما أساسه القانوني؟
- ماهي نتائج مبدأ الشرعية الجنائية؟
- اين تتجلى وتتمظهر أزمة مبدأ الشرعية الجنائية في القانون الجنائي المغربي الموضوعي والشكلي؟
ولمعالجة ما ذكر سنتناول هذا الموضوع من خلال مطلبين:
- المطلب الأول: ماهية مبدأ الشرعية الجنائية.
- المطلب الثاني: تجليات ومظاهر أزمة الشرعية الجنائية في التشريع الجنائي المغربي
المطلب الأول: المطلب الأول: ماهية مبدأ الشرعية الجنائية
يعبر الركن القانوني للجريمة عن تدخل المشرع بتحديد وبشكل حصري الأفعال و الإمتناعات التي تعتبر جرائم، وما يقرر لها من عقوبات أو تدابير وقائية، ولدراسة هذا المبدأ سنتناول مفهومه والأساس القانوني الذي ينبني عليه (الفقرة الأولى)، ونتائجه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية وأساسه القانوني:
أولا: مفهوم مبدأ الشرعية الجنائية:
مبدأ الشرعية الجنائية، أو مبدأ شرعية التجريم والعقاب، أو مبدأ النصية الجنائية، ويعبر عنه كذلك ب “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”[3]، هي مسميات مختلفة لنفس المعنى، هو أنه لكي يعتبر الفعل أو الامتناع جريمة يستوجب وجود نص جنائي يجرم هذا الفعل أو الامتناع ويضفي عليه صبغة عدم المشروعية، أي أنه لا يمكن إدانة شخص من أجل فعل أو الامتناع عن فعل إلا إذا نص على ذلك نص قانوني سابق، ولا يمكن معاقبته أو اخضاعه لأي تدبير وقائي، إلا اذا كانت محددة قانونا من حيث النوع والمدة بمقتضى نص سابق، ولا يجوز ادانة متهم من أجل فعل لا يعد جريمة، وإعمالا لهذا المبدأ (مبدأ الشرعية الجنائية ) فإن محكمة النقض تراقب تقيد محاكم الموضوع بهذه الضوابط ذات الصلة بالنظام العام، وتطبيقا لذلك؛ فقد اعتبر المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) أنه لا وجود) لأي جريمة خاصة متعلقة بالافتضاض، بل إنما يمكن أن يكون ظرف تشديد في جنايتي هتك العرض والاغتصاب.[4]
إن قرار المجلس الأعلى هذا كان واضحا في احترام وإعمال مبدأ الشرعية الجنائية في شقه الأول أي عدم جواز مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة، كما قد عملت على الشق الثاني منه أي أنه لا عقوبة إلا بنص، من خلال حكم محكمة الموضوع بعقوبة الحبس والغرامة ضد المتهم، والحال أن النص المجرم للفعل يحدد العقوبة في الغرامة فقط دون الحبس، و بناءا على ذلك نقضت القرار المطعون فيه.[5]
ووفقا لكل ما سبق فإن الغاية من هذا المبدأ واضحة وهي حماية الفرد من المشرع ومن القاضي، الحماية من المشرع لأنه يقصر سلطته على التشريع للمستقبل فيكون الفرد على بينة من التصرفات المجرمة التي يعاقب عليها القانون فيجتنبها ويسلم من العقاب، ولولا هذا المبدأ لأمكن للمشرع أن يصدر قانونا يعاقب على أفعال ارتكبت قبل نشره، وذلك بأن يضمن نصا يقضي بسريانه بأثر رجعي، ولا تخفى خطورة هذه الحالة التي تعرض الفرد للعقاب على تصرفات كانت مباحة وقت ارتكابها.
ويحميه من القاضي لأن قانونية الجريمة والعقاب تغل يده من اعتبار فعل ما جريمة اذا لم ينص عليه القانون، كما يمنعه من الحكم بأية عقوبة لم ينص عليها القانون للجريمة المعروضة عليه. [6]
ثانيا: الأساس القانوني لمبدأ الشرعية الجنائية
إن التشريعات الحديثة استاقت مبدأ الشرعية الجنائية والذي يعتبر مبدأ عالميا من المادة الثامنة من وثيقة إعلان حقوق الانسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية[7]، وقد جاء فيها: “لا يجوز عقاب أي شخص إلا بمقتضى قانون يصدر سابقا على ارتكاب الجريمة”[8]. وكما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1948، حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 11 منه على أنه ” لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي.”.
ليصبح بعدها هذا المبدأ قاعدة دستورية في ميدان التشريع يحترمها المشرع ولا يجوز خرقها، والمشرع المغربي بدوره منخرط في هذا التصور الهادف الى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، بالنص في المادة السابعة من القانون الجنائي الصادر سنة 1953 على أنه:” لا يمكن أن يحكم بأية عقوبة إلا لأجل جريمة نص القانون عليها وعلى عقوبتها وارتكبت بعد صدور هذا القانون ما لم يقع نص على خلاف ذلك”.
ولتحصين هذا المبدأ من كل الانتهاكات فقد ارتقى به المشرع الى القواعد السامية للدولة من خلال دسترته، بنص الفصل 23 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على أنه:” لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.”
لتأتي نصوص القانون الجنائي والجاري بها العمل مطابقة لهذا المبدأ، وذلك من خلال الفصول 3 و4 و5 منه، بنصه على المبدأ العام وهو أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص:” لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون.”[9]
ثم بين المشرع عدم جواز تطبيق القانون الجنائي على وقائع سابقة على حصوله:” لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه.” [10].
ومن خلال الفصل 5 الذي ينص على أنه:” لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه، فإن كان قد صدر حكم بالإدانة، فإن العقوبات المحكوم بها، أصلية كانت أو إضافية، يجعل حد لتنفيذها.”[11] نرى أن المشرع اذا رفع الصفة الإجرامية على فعل أو امتناع معين لم يبقَ من الجائز إدانة الشخص من أجلها، وإن كانت هناك دعوى عمومية يتابع بمقتضاها المتهم من أجل فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى القانون المعمول به فإنه يتعين على المحكمة أن تصرح ببراءته منها، أو اذا كان محكوم عليه بحكم نهائي وضِع حد لتنفيذ العقوبة.
الفقرة الثانية: نتائج مبدأ الشرعية الجنائية:
إن إعمال مبدأ الشرعية الجنائي يستتبع لا محالة بعض النتائج؛ ووفقا لذلك فإن هذا المبدأ يفرض على المشرع عدم إعطاء أثر رجعي للقانون (أولا) ويلزم على القاضي اتباع قواعد التفسير الضيق (ثانيا).
أولا: عدم رجعية القانون الجنائي:
إن القاعدة العامة والأصل هي كون القانون الجنائي لا يسري على الماضي، و هذا ما سماه رجال القانون مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي، ومضمونه أن القانون الجنائي لا يمتد إلى الماضي فيحكم الوقائع كانت قد حدثت قبل نفاده بل يحكم منها فقط تلك الوقائع التي حدثت بعد نفاده، مما يترتب عليه أن القانون الواجب التطبيق على الجريمة هو القانون المعمول به والنافذ وقت ارتكابها لا وقت محاكمة مرتكبيها، والمشرع المغربي كغيره من التشريعات نص على هذه القاعدة صراحة في الفصل 4 من ق ج بقوله: “لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه”، بل ولقد ارتقى بهذا المبدأ إلى مرتبة دستورية من خلال إيراده في الفصل 6 من دستور المملكة على أنه” ليس للقانون اثر رجعي”.
ولعل هذه القاعدة العامة في سريان القانون بدون أثر رجعي، هي نتيجة حتمية لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات ومقتضاها أنه لا يجوز أن يحكم على شخص بعقوبة لفعل لم يكن معاقبا عليه وقت ارتكابه ولا أن يحكم على شخص ارتكب جريمة بعقوبة أشد من تلك التي كانت موضوعة لها وقت ارتكابها. وإذا جاز إعمال بعض القوانين استثناء من القاعدة، فإن هذا الاستثناء لا يمتد إلى قواعد التجريم والعقاب.[12]
وإذا كانت القاعدة هي أن النصوص الجنائية الموضوعية (التجريم والعقاب) لا تسري بأثر رجعي فإن هذه القاعدة لها استثناءات، وهذا الإستثناء يعني تطبيق القواعد الجنائية الموضوعية بأثر رجعي في بعض الحالات من أهمها:
1-الإستثناء الخاص بالقوانين المفسرة:
يراد بالقانون المفسّر ذلك القانون الذي صدر لغرض تفسير قانون سابق له، وإيضاح مقتضياته في ناحية غامضة مختلف عليها، والقانون المفسّر لا يخضع لمبدأ عدم الرجعية، بل إنه عند صدوره يتحد مع القانون الأصل الذي جاء لأجل أن يُفسّره ويُصبح جزءً منه، ولذلك يمتد أثره من الناحية الواقعية إلى تاريخ سابق لتاريخ صدوره ونفاذه الحقيقي وهو تاريخ نفاذ القانون الأصل المفسر، لكن من دون أن يتضمن القانون المفسر أحكاما جديدة لا وجود لها في القانون الأصل أما إذا تضمن أحكاما جديدة، فإنه الرجعية والراجح أن العبرة بوصف القانون بأنه تفسيري عدم يخضع يرجع إلى حقيقة ما تقرره نصوصه لا بالوصف الذي يخلعه عليه المشرع.[13]
2 الاستثناء الخاص بالتدابير الوقائية:
وتسمى أيضا بالتدابير الاحترازية وهي نوع من الإجراءات تتخذ ضد الأشخاص الذين تظهر حالتهم الخطرة عن احتمال إقدامهم على الإجرام، كما في حالة ذوي العاهات العقلية والمتشردين ومدمني المخدرات وممتهني الإجرام. وتكون هذه التدابير إما سالبة للحرية أو مقيدة لها، مثل الحجز في مأوى علاجي أو سالبة للحقوق مثل إسقاط الولاية والوصاية.[14]
ولقد أورد المشرع المغربي ذكر هذه التدابير في الفصل 8 من م ق ج، بنصه على أنه:” لا يجوز الحكم بأي تدبير وقائي إلا في الأحوال وطبق الشروط المقررة في القانون ولا يحكم إلا بالتدابير المنصوص عليها في القانون النافذ وقت صدور الحكم”.
وأساس هذا الحكم أن التدابير الوقائية لا تكون جزاءات جنائية وليست عقوبات للجرائم المرتكبة، وإنما هي وسائل للإدماج الإجتماعي أو تفادي الخطر الذي يشكله من تطبق عليه، على الأمن والطمأنينة العموميين.[15]
3 الاستثناء الخاص بالقانون الأصلح للمتهم:
يعد القانون أصلح للمتهم في مجموعة من الأحوال (مهمة تحديد القانون الأصلح للمتهم تخضع للسلطة التقديرية للقاضي) مثلا:
– إذا أباح الفعل الذي كان مجرما من قبل.
– إذا خفض العقوبة
– إذا قرر مانعا من موانع المسؤولية الجنائية.
– إذا أضاف سببا من أسباب التبرير.
– إذا أعاد تصنيف جريمة من جناية إلى جنحة.
– ثم إذا أعاد تنصيف جريمة من جنحة إلى مخالفة…
إن مسألة تحديد القانون الأصلح للمتهم مهمة موكولة للقاضي، فهو الذي يقرر توافر هذه الصلاحية من عدمها، ولا شأن لإرادة المتهم في ذلك وفي تقدير هذه الصلاحية. فالقاضي لا ينظر إلى القانون محل البحث في جملته باعتباره يتجه إلى التيسير أو التشديد وإنما يجب أن ينظر إلى القانون من حيث انطباقه على الواقعة المعروضة عليه بكافة عناصرها.
وإذا كان القاضي في الكثير من الحالات لا يجد صعوبة في التمييز بين القانون الأصلح للمتهم من الذي في غير مصلحته، فإنه قد تُطرح الكثير من الصعوبات أثناء التمييز، أي القانونيين أصلح للمتهم في بعض الأحيان، ونمثل لذلك في حالة ما إذا خفض القانون الجديد الحد الأدنى للعقوبة المقررة سلفا، ورفع في الآن ذاته من حدها الأقصى أو العكس، أي أن يرفع حدها الأدنى ويُخفض من حدها الأقصى.
وأمام ما تطرحه هذه الحالة ونظيراتها من إشكالات، اختلفت الآراء في تحديد القانون الأصلح للمتهم، لكن الاختيار في النهاية يُترك أمره إلى السلطة التقديرية للقاضي، وذلك حسب ظروف وملابسات كل قضية على حدة، فإن كانت هذه الظروف تستدعي الشدة، فإن القانون الأصلح للمتهم هو ذلك النص الجنائي الذي نزل بالحد الأقصى، ولا عبرة بالحد الأدنى، حيث إن المتهم سوف لن يستفيد من الحد الأدنى الأدنى. أما إن كانت ظروف الجريمة تستدعي توقيع عقوبة أخف، فإن القانون الأصلح للمتهم هو الذي ينزل بالعقوبة في حدها الأدنى.[16]
وإذا كان المشرع المغربي قد أخذ برجعية النص الجنائي إذا كان أصلحا للمتهم انطلاقا من الفصل 6 من م ق ج بنصه على ما يلي:” في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم”، فإن ذلك يتطلب توافر شرطين أساسيين:
أ- يلزم ألا يكون قد صدر حكم أصبح باتا في موضوع الدعوى العمومية عن الجريمة المرتكبة قبل نفاذ القانون الجديد، والمقصود بالحكم البات في هذا المقام هو كل حكم أصبح غير قابل للتعرض، والإستئناف، والنقض لفائدة الأطراف. وإن هو أصبح كذلك، فلا يبقى للمتهم المحكوم عليه الا التماس العفو عن العقوبة.[17]
ب: استثناء القوانين المؤقتة من سريان القانون الأصلح للمتهم بأثر رجعي، وقد نص المشرع المغربي من خلال الفصل 7 من ق ج على أنه: “لا تشمل مقتضيات الفصلين 5 و6 القوانين المؤقتة التي تظل ولو بعد انتهاء العمل بها، سارية على الجرائم المرتكبة خلال مدة تطبيقها”. فالقانون المؤقت ينتهي العمل به خلال فترة محددة عينها المشرع ابتداء لمواجهة أوضاع طارئة واستثنائية. ومثال ذلك صدور قانون يُجرم إضرام النار في بعض المناطق المحادية للغابات في أشهر الصيف، أو إصدار قانون يجرم صيد بعض الحيوانات أو نوع من الطيور أو الأسماك خلال فترة محددة.
ثانيا: قواعد التفسير الضيق للقانون الجنائي:
إذا كانت السلطة القضائية هي الجهاز المختص بتطبيق النص الجنائي، فإن هذا الأمر يمكن أن تعترضه أحيانا صعوبات وإشكالات، مما قد يدفع بالقاضي إلى إعمال التفسير، لكن ذلك مرهون بوجوب التزامه بقاعدتين أساسيتين وهما وجوب التفسير الضيق للنص الجنائي ولمصلحة المتهم وعدم جواز استعماله للقياس.
1: وجوب التفسير الضيق لنصوص التجريم والعقاب:
إن قاعدة ضرورة التزام القاضي الجنائي بوجوب التفسير الضيق لنصوص التجريم والعقاب، تعني أن على هذا القاضي ألا يعمد إلى تفسير النص الجنائي متى كان هذا النص يعتريه غموض إلا في أضيق الحدود. إذ أن أغلب الفقهاء يذهبون إلى القول بأن تفسير النصوص الجنائية يجب أن يكون “ضيقاً”، ويقول آخرون إنه ينبغي أن يكون “ضيقا ضد مصلحة المتهم وواسعا لمصلحته.[18]
ولعل ما يبرر ذلك هو أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ثم إن القاضي الجنائي يجب أن يؤسس أحكامه على اليقين، واليقين لا ينصرف إلى نسبة التهمة إلى المتهم فقط، وإنما إلى مدلول النص المطبق أيضا، فلا يصح أن يدين متهما على أساس نص يشك في مدى انطباقه على الواقعة المعروضة عليه.
وليس معنى هذا أن القاضي ممنوع من الرجوع إلى الوثائق التشريعية والأعمال التحضيرية لتحديد المعنى الصحيح للألفاظ التي ورد: أن يستعين بكل ذلك لكي يجلو الغموض الذي يسود النص، ولكي يرجح معنى على آخر، فإذا اطمئن إلى معنى محدد من النص كان له أن يطبقه حتى ولو تعارض ذلك مع مصلحة المتهم.
ولعل ما سلف هو ما يسمى بلجوء القاضي إلى التفسير الضيق الكاشف عن إرادة المشرع، فإذا استحال عليه تفسير النص فنكون بصدد حالة شك والشك يفسر لمصلحة المتهم.
ويبقى عموما أن طبيعة القانون الجنائي كما يدعو لذلك المختصون وهم على حق تفرض عليه أن يتسم بالدقة في تحديد العقوبات والوضوح في التعبير، بما يجعله خاليا من اللبس وسهل الاستيعاب للعموم.
2: حظر استعمال القاضي الجنائي للقياس:
من المقرر في القانون الجنائي حظر القياس في النصوص الجنائية وذلك بإلحاق فعل لم يرد نص بتجريمه على فعل ورد نص بتجريمه لاشتراكهما في علة التجريم وهذا القياس محظور قانونًا حتى ولو تشابه الفعلين أو اتحدا في العلة لأن في ذلك خلق جرائم من العدم بالتوسع بالتجريم وضرب لمبدأ شرعية الجنائية، كالمادة 487 من م ق ج، التي تعتبر من ظروف التشديد في جريمة الاغتصاب، وهتك عرض قاصر، – كون ان الجاني وصيا على الضحية أو خادما عندها، لا يقاس عليهما مثلا أخ الضحية، ولو كانت القرابة تجعل جريمته أبشع وأفظع من جريمة الوصى والخادم.[19]
المطلب الثاني: بض مظاهر أزمة مبدأ الشرعية الجنائية في التشريع الجنائي المغربي:
تعتبر فترة ما بعد دستور 2011 ثورة تشريعية، لأنه يفرض على المشرع تغييرا جذريا في القوانين لتلائم و مقتضيات الدستور، وهذا تؤكده مشاريع القوانين التي تم إعدادها وحتى التي أصبحت سارية المفعول بعد نشرها في الجريدة الرسمية، والتي ترتبط بمجالات استراتيجية وب تطور الدولة الاجتماعية، كالقانون الجنائي، قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، إضافة للتنظيم القضائي والقوانين المنظمة للسلطة القضائية، ولا يمكن حصر القائمة…، وهذا يعد دليلا قاطعا على الجانب المتضخم الذي لا يعد في كل الحالات معطا إيجابيا. بالإضافة كذلك الى صياغة القوانين في فترات عصيبة وخلال الأزمات، هذا يعد مع مرور الوقت دليلا على التسرع والارتباك أثناء الصياغة وله عواقب وخيمة.
هذا ما سنعالجه في هذا المطلب ففي جهة سنتناول دراسة التضخم التشريعي وأثره على مبدأ الشرعية الجنائية (الفقرة الأولى) ومن جهة اخرى الصياغة الغير الدقيقة لبعض النصوص وتكريسها لأزمة مبدأ الشرعية الجنائية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التضخم التشريعي ووجهه السلبي على مبدأ الشرعية الجنائية:
يعتبر مبدأ الشرعية الجنائية من أهم المبادئ الأساسية في وضع النص الجنائي وهذا لا يختلف عليه اثنان، لكن في حقيقة الأمر يعرف هذا المبدأ أزمة حقيقية تسبب فيها على وجه الخصوص التضخم التشريعي، ويرجع أساس هذا الأخير الى تطور ارتكاب الجرائم وأساليب ارتكابها ما يهدد لا محالة مصلحة الفرد المادية والمعنوية، الأمر الذي أدى معه إلى الاتجاه نحو تطوير وسائل مكافحتها، خصوصا ما شهده العالم في الآونة الأخيرة من تطور الآليات الالكترونية وسهولة ارتكاب الجرائم وطمس معالمها، ففي نفس المنحى تُسرع السياسات الجنائية وثيرتها التدخلية، بل وتتجه في كثير من الأحيان الى التجريم التحوطي[20]ـ
إن ما تطرقنا له الآن يتضح في ظاهره أنه أمر ايجابي ولا ننكره كذلك في اتجاهات، لكن مشكلة التضخم التشريعي والإفراط في التجريم يبرز أثره السلبي في العديد من الجوانب، ولعل ما يمكننا به بدء الحديث؛ فقدان القانون الجنائي غاياته، من خلال تقرير العقاب على الإخلال بالالتزامات التي قد لا تصل الى مستوى التجريم، باعتبارها اختلالات اجتماعية وسوسيو-اقتصادية وليست انحرافات سلوكية، ولا يكاد يخلو أي نص قانوني جديد من جرائم وعقوبات الى درجة تضمين حتى القوانين الإجرائية التي تنظم سير المحاكمات نصوصا تجريمية وعقابية[21]، وهذا نعيشه في وقتنا الراهن من نقاشات في النصوص التجريمية والعقابية في مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23 وما يحمله من غرامات ثقيلة، والتي قد تؤدي إلى تهرب المتضررين من الاتجاه للمحاكم لدعوى جبر الضرر، مخافة اصطدامهم بغرامات مالية تزيد الضرر ضررا، وفقدان النص الجنائي لتلك القوة الزجرية، بحيث يلاحظ أن ثمت أزمة حقيقة في التشريعات المعاصرة ناتجة عن التجريم المبالغ فيه (التضخم) وهذه الحالة تؤدي إلى نتيجة مفادها أنه بقدر ما يزيد عدد النصوص التشريعية الجنائية بصورة سطحية بقدر ما يزيد عدد المجرمين بالنسبة نفسها، وهذا من شأنه أن يضعف الإحساس بالقاعدة الجنائية ويسهل لدى الفرد مخالفتها، حيث يصبح هذا الفعل أو التصرف كالمشروع تماما، وهذه هي الدائرة المغلقة للقانون الجنائي، إذ يضاعف من عدد الجرائم والمجرمين في الوقت الذي يهدف فيه إلى التقليل منها ومنهم[22].
ولعل السبب الأساسي لهذا التضخم هو السهولة في إعداد القوانين والبساطة في تقدير قيمتها وأهميتها، حيث لم يراع المشرع قاعدة أن إعداد القوانين يجب أن يكون بالقدر اللازم لما نحتاجه، وأنه لا يجوز إصدار أي قانون ما لم يكن إصداره ضروريا ولازما، ودليل ذلك أن تضخم التشريع يقلل من قيمته كما أشرنا سابقا، وفي نفس السياق هناك مثل فرنسي شهير يقول: “عندما يثرثر القانون يدير المواطن الأذن الصماء”، وهذا ما يفسر إقدام المشرع الجنائي من خلال سياسته الجنائية على تجريم أفعال جديدة يترتب عنها ما يعرف بتضخم المادة الجنائية[23].
ومن الأسباب التي ساهمت أيضا في تضخم نصوص القانون الجنائي نجد تنوع مصادر التجريم، حيث يلاحظ اتساع نطاق التفويض التشريعي، تحت ذريعة ما يسمى بالتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فمعظم نصوص القانون الجنائي لا تتقيد بالصورة البرلمانية للتشريع، وبذلك لم يعد القانون بمعناه الضيق هو المصدر الوحيد الذي يحتكر إنتاج القاعدة القانونية بل يتجاوزه الى السلطة التنفيذية، وتدخل السلطة التنفيذية الى جانب التشريعية في انتاج النصوص الجنائية له وجه شبه خفي، يتمثل في أن غالبية القوانين يكون مصدرها مشاريع قوانين التي تتقدم بها الحكومة، وليست مقترحات قوانين التي يتقدم بها البرلمان (التي حتى وإن تقدم بها يكون مآلها الرفض بسبب تصويت الأغلبية بذلك)، هذا ما نلاحظه في وقتنا الراهن بخصوص مجموعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية كذلك وغيرها من النصوص والتعديلات مصدرها السلطة التنفيذية، وفي هذه المسطرة الشائعة يبقى دور البرلمان شبه معطل يتولى مهمة المصادقة على تلك المشاريع، وهذه المسطرة أتت نتيجة انبثاق الحكومة من الأغلبية البرلمانية، تستخدمها الحكومة في تمرير مشارعها وتهيمن على ادخال التعديلات وتوجيه القوانين.
ومن خلال ما سبق يلاحظ؛ تغليب المصلحة السياسية والحزبية بالدرجة الأولى، ومصالح فردية وشخصية في درجة ثانية، في صياغة النصوص القانونية التي تتقدم بها الحكومات، وإغفال مصلحة المواطن التي يجب أن تعطى لها الأولوية في الأساس، بيد أن هذا المواطن هو من سيتحمل تبعاتها لزمن بعيد، خصوصا أنها قوانين مهمة وستبقى قائمة عبر الزمن، والمصلحة السياسية تظهر كذلك في عدم النظر للأثر الاجتماعي للقانون، بل فقط يتم السن المرتبط بالكم، دون النظر للفاعلية، وفاعلية النص أهم من كثرته.
الفقرة الثانية: الصياغة الغير دقيقة للنصوص تكرس أزمة مبدأ الشرعية الجنائية:
إن بروز مجموعة من النصوص الجنائية في وقت الأزمات التي تشهدها الدول، فقدت معها مقومات مبدأ الشرعية الجنائية عند صياغتها من حيث الدقة والوضوح، لتأتي بذلك مصدقة للقول المأثور القائل بأن “أسوأ القوانين هي التي تصاغ في وقت الارتباك”[24].
وهذا ما يلاحظ عند الرجوع للقانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، ذلك أنه جهز في فترة زمنية وجيزة لا تتعدى اثني عشر يوما، بحيث صدر يوم 28 ماي 2003، خلفية وقوع الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء يوم 16 ماي 2003، وهي بذلك فترة قياسية لإتمام جميع العمليات اللازمة لإصدار تشريع قانون[25].
وهذا انعكس على جودة النص القانوني في قانون مكافحة الإرهاب وعلاقته الشرعية الجنائية، وحمل مفاهيم جديدة تتعلق بالمساهمة الأصلية والتبعية ومفهوم الجريمة التامة ومجرد الشروع فيها، وأقر المساءلة الجنائية على محض الأفكار والنوايا[26].
هكذا إذن، جاءت النصوص المتعلقة بتجريم الأفعال الإرهابية في مجموعة القانون الجنائي المغربي أبعد ما تكون عن الوضوح والدقة في إبراز شق التكليف والتجريم بوصفهما من مستلزمات ومقومات الشرعية الجنائية، حيث تسللت إليها العديد من المصطلحات الفضفاضة التي لم يعد يفهم منها بدقة وجه المنع والحظر، ومن ذلك عبارات من قبيل: “أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها ”و ” بأي وسيلة كانت” و ” بأي وسيلة من الوسائل” و” كل من يقدم له أي نوع من أنواع المساعدة”[27].
واستخدام عبارات من قبيل:” الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية” من دون توضيح أو إعطاء مفهوم للفظ الالتحاق، وكذا “التجنيد بأي وسيلة كانت والتكوين والتدريب من أجل الالتحاق بكيانات إرهابية”، دون تفسير لهذه المصطلحات على غرار ما فعلته العديد من التشريعات الأخرى[28]،
نجد نصوصا اخرى كذلك، شكلت خروجا عن الأصول الثابتة في التجريم والعقاب، مقومات مبدأ الشرعية الجنائية، عن التوسع في سلطة الدولة والعقاب على حساب حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، هذا ما نجد له أمثلة عديدة في تلك النصوص التي وردت في الباب الأول من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي، ومن أوضح الأمثلة على استعمال المشرع لألفاظ تفتقد إلى الدقة وتوصف بالعمومية[29] استعماله المتكرر لجمل و” إما بأي وسيلة أخرى”، أو” بأي شكل كان أو بأي وسيلة كانت”[30].
وبالإضافة الى تنوع مصادر التشريع الجنائي؛ ففي كثير من الأحيان تأتي الصياغة التشريعية في عبارات أو مصطلحات تقنية لا تفي بالغرض التشريعي المتوخى منها، كاستعمال عبارة السجن في موضع الحبس، أو الخلط بين الجريمة والجناية، أو التردد في استعمال مصطلح المساهم بدل المشارك، أو العكس وهكذا…، حيث أن عدم الدقة في اختيار صياغة النص الجنائي بشكل واضح، قد يؤثر على مدلول هذه النصوص ما إذا كانت تقتضي تجريم الأفعال، أو إباحتها. ومن ثم فإن مبدأ الشرعية الجنائية يمكن أن يفقد مكانته بين نصوص القانون الجنائي الخاص[31].
بذلك يستنتج جانب من الفقه[32]، بأن موضوع القاعدة الجنائية، متى كان واضحا مع وضوح الغرض التشريعي من حمايته، فإن عمل القاضي بدوره، سيكون واضحا، ومن تم فإن معالم العدالة بدورها ستتضح في كل الأحكام التي يصدرها هذا القاضي الذي قد يتلقى قبولا من الرأي العام بشكل يوازي الغرض التشريعي من العقاب على الأفعال التي تدخل في دائرة التجريم.
خاتمة:
يعد مبدأ الشرعية الجنائية من الركائز الأساسية التي تحكم النظام الجنائي في أي دولة، حيث يضمن حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف السلطات التشريعية والقضائية. وقد تناولنا في هذا البحث ماهية هذا المبدأ وأساسه القانوني، بالإضافة إلى أهميته ونتائجه التي تفرض على المشرع والقاضي التزامات صارمة لضمان تطبيقه بشكل عادل. ومع ذلك، فإن التشريع الجنائي المغربي يواجه أزمة حقيقية في تطبيق هذا المبدأ، خاصة في ظل التضخم التشريعي والصياغة غير الدقيقة للنصوص الجنائية، مما يؤثر سلبًا على فعالية القانون الجنائي ومبدأ الشرعية الجنائية ويضعف الثقة في العدالة الجنائية.
لذلك، فإننا نرى أنه من الضروري أن يعيد المشرع المغربي النظر في سياساته التشريعية خصوصا في الشق الزجري، مع التركيز على الدقة والوضوح في صياغة النصوص الجنائية، والحد من تشتت النصوص الزجرية.
في النهاية، يبقى مبدأ الشرعية الجنائية حجر الزاوية في أي نظام جنائي عادل، ويجب أن يكون الهدف الأساسي للمشرع والقاضي هو تحقيق التوازن بين حماية المجتمع واحترام حقوق الأفراد، وذلك من خلال تطبيق هذا المبدأ بشكل صارم وشفاف.
انتهى بعون الله وتوفيقه.
لائحة المراجع
- ، المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة طبعة 1990.
- أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي القسم العام، الطبعة الثانية 1989،ص227.
- مجموعة القانون الجنائي المغربي، المنشور ب الجريدة الرسمية عدد 2640 – مكرر بتاريخ 12 محرم 1383ه الموافق ل 05/06/1963م الصفحة 1253.
- محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1963.
- علي حسن الخلف وسلطان عبد القادرالشاوي المبادئ العامة في قانون العقوبات المكتبة القانونية بغداد 2006.
- عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية أنواعها، أحكامها، أزمنتها دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، مطبعة المعارف الجديدة، ط 2023.
- عبد الحفيظ بلقاضي، تقييد التدخل الجنائي بالحد الأدنى.
- محمد التغدويني، إشكالية التجريم في التشريع المغربي، مطبعة آنفو برانت فاس، ط2005،
- السعدية مجيدي، علم الإجرام، مطبعة الأمنية الرباط، ط2023،
- مجموعة القانون الجنائي كما تم تغييرها وتتميمها.
- قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، بتاريخ 17/04/1996، تحت عدد 526 س12، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في المادة الجنائية 66-86 ص 18 وما يليها.
- قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، عدد 1914/4، بتاريخ 4 أكتوبر 1995،في الملف الجنحي 18191/90،قضاء المجلس الأعلى، العدد49-50،ص234 وما يليها.
[1] جاء في الفصل الأول من القانون الجنائي المغربي ما يلي: “يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية.”
[2] عبد الواحد العلمي، المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي، الجزء الأول، طبعة 1990،ص72
[3] ويعود أصل هذا المبدأ في التشريع الإسلامي الى قوله تعالى في الآية 15 من سورة الإسراء:” ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.
ذكر الامام الطبري عند شرحه لهذه الآية:
وقوله ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ) يقول تعالى ذكره: وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ) : إن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبرا، أو يأتيه من الله بيِّنة، وليس معذّبا أحدا إلا بذنبه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أبي هريرة، قال: إذا كان يوم القيامة، جمع الله تبارك وتعالى نسم الذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصمّ والأبكم، والشيوخ الذين جاء الإسلام وقد خرفوا، ثم أرسل رسولا أن ادخلوا النار، فيقولون: كيف ولم يأتنا رسول، وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، ثم يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل؛ قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ).
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة نحوه.
[4] قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، بتاريخ 17/04/1996، تحت عدد 526 س12، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في المادة الجنائية 66-86 ص 18 وما يليها.
وجاء في الفصل 488 القانون الجنائي المغربي باعتبار الافتضاض ظرف تشديد ما يلي:
في الحالات المشار إليها في الفصول 484 و487، إذا نتج عن الجريمة افتضاض المجني عليها، فإن العقوبة تكون على التفصيل الآتي :
“- السجن من خمس إلى عشر سنوات، في الحالة المشار إليها في الفصل 484 ؛
-السجن من عشر إلى عشرين سنة، في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى من الفصل 485 ؛
– السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة، في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل 485 ؛
-السجن من عشر إلى عشرين سنة، في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى من الفصل 486
– السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة، في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل 486.
على أنه إذا كان الجاني أحد الأشخاص المشار إليهم في الفصل 487، فإن الحد الأقصى المقرر للعقوبة في كل فقرة من فقراته يكون هو العقاب”.
[5] قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، عدد 1914/4، بتاريخ 4 أكتوبر 1995،في الملف الجنحي 18191/90،قضاء المجلس الأعلى، العدد49-50،ص234 وما يليها.
[6] أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي القسم العام، الطبعة الثانية 1989،ص227.
[7]وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن التي صدرت على عقب إعلان الثورة الفرنسية، وقد اقتبس مشرع الثورة الفرنسية هذا المبدأ من كتاب بكاريا “الجرائم والعقوبات” الصادر سنة 1764،
كما يرجع البعض أصول مبدأ الشرعية الجنائية الى الميثاق الأعظم أو العهد الأعظم، الذي أعطاه الملك البريطاني الى شعبه سنة 1216م، التي نصت على أنه لا يجوز معاقبة الأشخاص على ارتكاب أي جرائم إلا إذا أدينوا بشكل قانوني.
[8] أحمد الخمليشي، م س، ص 225
[9] المادة 3 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، المنشور ب الجريدة الرسمية عدد 2640 – مكرر بتاريخ 12 محرم 1383ه الموافق ل 05/06/1963م الصفحة 1253.
[10] المادة 4 من مجموعة القانون الجنائي، م س
[11] المادة 5 من مجموعة القانون الجنائي، م س
[12] من هذه الاستثناءات تطبيق القانون الأصلح للمتهم بأثر رجعي كما سنفسر لاحقا.
[13] علي حسن الخلف وسلطان عبد القادرالشاوي المبادئ العامة في قانون العقوبات المكتبة القانونية بغداد 2006ص 64-65
[14] نفس المرجع ص 77
[15] أحمد الخمليشي، م س، ص 235
[16] انظر عبد الواحد العلمي م س ص 105 وما يليها
[17] عبد الواحد العلمي م س ص108
[18] محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1963، ص 92
[19] أحمد الخمليشي م س ص 239
[20] تسعى به السلطات إلى منع الجرائم قبل وقوعها من خلال تجريم السلوكيات التي قد تسهل أو تؤدي إلى ارتكاب فعل اجرامي معين، وهذا الأخير له كذلك عواقب تثير جدلا حول التوازن بين الحفاظ على الأمن العام وحماية الحريات، وبيت القصيد هنا أي يؤدي الى تقييد الحريات بشكل مفرط أحيانا بناءً على توقعات ومخاوف غير مؤكدة.
[21] المادة 153 169 405 وغيرها من مشروع قانون المسطرة المدنية
[22] السعدية مجيدي، علم الإجرام، مطبعة الأمنية الرباط، ط2023، ص96
[23] محمد التغدويني، إشكالية التجريم في التشريع المغربي، مطبعة آنفو برانت فاس، ط2005، ص27
[24] مقولة للفقيه الفرنسي مارك آنسل، ومقولة الفيلسوف تاسيتوس بنفس المعنى. أنظر عبد الحفيظ بلقاضي، تقييد التدخل الجنائي بالحد الأدنى، ص 180
[25] القانون 03.03 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف 1.03.140 الصادر في 26 ربيع الأول 1424 الموافق ل 28 ماي 2003، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5112 بتاريخ 29 ماي 2003
دخل حيز التنفيذ بمجرد نشره طبقا للمادة 8 منه.
[26] عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية أنواعها، أحكامها، أزمنتها دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، مطبعة المعارف الجديدة، ط 2023، ص151
[27] أنظر الفصول 1-218و 4-218و 5-218 و6-218 …
[28] راجع الفصل 1-1-218 من مجموعة القانون الجنائي.
[29] أنظر الفصل 176 و 176 مكرر و 177و 178 وغيرها
[30] أنظر كذلك صياغة الفصل 181 من م ق ج
[31] محمد التغدويني، م س، ص 55
[32] نفس المرجع، ص 41-42
تعليقات فيسبوك