إعداد الطالب الباحث: محمد امغيوز طالب باحث بسلك الماستر تخصص قانون العقار والأعمال بجامعة ابن طفيل القنيطرة
مقدمة
يشكل القرار[1] الذي نحن بصدد مناقشته والصادر عن محكمة النقض بشأن النزاع بين البنك الشعبي بمراكش والمدعو محمد الحطاب وابنه كريم الحطاب يشكل نموذجا هاما للإشكالات القانونية المرتبطة بعقود الرهن وكراء العقارات المرهونة. يتمحور هذا القرار حول مدى تأثير عقد الكراء اللاحق لعقد الرهن على حقوق الدائن المرتهن، ومدى احترام مقتضيات قانون الالتزامات والعقود، خاصة الفصل 230 الذي يقر بأن “العقد شريعة المتعاقدين”.
حيث تم تقديم مقال النقض بتاريخ 26 أبريل 2012 من طرف البنك الشعبي لمراكش بني ملال معتمدا على إخلال المدعى عليه محمد الحطاب ببنود عقد الرهن الذي يمنعه من كراء العقار موضوع الرهن إلا بموافقة البنك ابتدائيا واستئنافيا، رفضت المحاكم طلب إبطال عقد الكراء بعلة أن عقد الرهن لم يرتب أي جزاء صريح في حالة الإخلال بهذا البند، وأن الرهن لا يمنع بيع العقار المرهون أو التصرف فيه.
إن الإشكالية القانونية التي عالجتها محكمة النقض تتمثل في تقييم ما إذا كان عقد الكراء اللاحق لعقد الرهن باطلا بطلانا مطلقًا لمخالفته لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وما إذا كان على المحكمة البحث في نية المدين ومدى الإضرار بالدائن المرتهن نتيجة هذا التصرف.
اعتمدت محكمة النقض في قرارها على عدة فصول قانونية من قانون الالتزامات والعقود، وأبرزها الفصل 230 الذي يجعل الاتفاقات المبرمة وفق القانون ملزمة للطرفين، والفصل 228 الذي يتيح للدائن حق الاعتراض على التصرفات التي تضر بحقوقه، إضافة إلى الفصل 1241 الذي يوضح أن أموال المدين تشكل ضمانا عاما لدائنيه محكمة النقض انتقدت قرار محكمة الاستئناف لعدم تعليلها الكافي واعتبرت أن العقد المبرم أضر بالدائن، مما يستوجب نقض القرار وإعادة الملف إلى نفس المحكمة للنظر فيه وفق القانون.
الإشكالية:
يثير الموضوع الذي نحن بصدد دراسته إشكالية مفادها: إلى حد تمكن القضاء التوفيق بين حماية حقوق الدائن المرتهن وضمان احترام المقتضيات القانونية المنظمة للعقود الرهنية؟
للإجابة عن الإشكالية المطروحة سنعتمد التقسيم التالي
المطلب الأول: طبيعة الالتزام التعاقدي في عقد الرهن وانعكاساته القانونية
المطلب الثاني: موقف الفقه والقضاء من إمكانية التصرف في الشيء المرهون
المطلب الأول: طبيعة الالتزام التعاقدي في عقد الرهن وانعكاساته القانونية
يعتبر عقد الرهن من الأدوات القانونية المهمة التي تهدف إلى تأمين حقوق الدائنين من خلال رهن عقار كضمان للدين ويتضمن هذا العقد التزامات واضحة تضمن الحفاظ على قيمة العقار المرهون وعدم تعرضه لأي تصرف قد يؤثر على قدرة الدائن في استيفاء حقه.
وعليه، من خلال هذا المطلب سوف نتطرق في (الفقرة الأولى) إلى الالتزام بعدم كراء العقار في عقد الرهن وكيفية تأثير هذا الالتزام على حماية العقار المرهون. ثم في (الفقرة الثانية)، سنتناول تأثير الالتزام على حقوق الدائن المرتهن ونتائج ذلك على ضمان تنفيذ الدين وحماية حقوق الدائن.
الفقرة الأولى: الالتزام بعدم كراء العقار في عقد الرهن
يعد الالتزام بعدم كراء العقار المرهون من الالتزامات الأساسية في عقد الرهن، حيث يهدف إلى حماية قيمة العقار المرهون وضمان عدم تدهور وضعه المالي وعليه من خلال هذه الفقرة، سوف نتطرق إلى (أولا)الأساس القانوني للالتزام بعدم كراء العقار في عقد الرهن، ثم نناقش (ثانيا)الجزاء المترتب على الإخلال بالالتزام.
أولا: الأساس القانوني للالتزام بعدم كراء العقار
ينص الفصل [2]230 من قانون الالتزامات والعقود (ق.ل.ع) على أن العقد شريعة المتعاقدين، حيث تكتسب بنود العقد قوة قانونية تجعلها ملزمة للطرفين. في هذا السياق، يظهر أن المدين الراهن محمد الحطاب قد أخل بالتزامه الصريح بعدم كراء العقار دون إذن الدائن المرتهن، مما يثير تساؤلات حول مدى قانونية هذا التصرف وأثره على حقوق الدائن.
ثانيا: الجزاء المترتب على الإخلال بالالتزام
بين القرار القضائي أن البند الثالث من عقد الرهن لم يحدد جزاء صريحا للإخلال بالتزام عدم الكراء، مما دفع المحكمة إلى تطبيق القواعد العامة في التعويض غير أن هذا النهج أغفل البعد الواقعي المتمثل في الإضرار بحقوق الدائن، وهو ما كان يستدعي البحث في مدى تأثير العقد المبرم على ضمانات البنك المرتهن.
الفقرة الثانية: تأثير الالتزام على حقوق الدائن المرتهن
يشكل الالتزام قاعدة جوهرية في تحقيق التوازن بين حقوق الأطراف المتعاقدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الدائن المرتهن. فحماية الضمانات الممنوحة لهذا الأخير تعتبر ضمانة قانونية أساسية لتأمين الوفاء بالدين، مما يعزز من استقرار المعاملات. كما أن إعمال قاعدة “العقد شريعة المتعاقدين” تجاه الغير يعكس أهمية احترام الالتزامات التعاقدية وعدم المساس بحقوق الدائن المرتهن.
وعليه، سنناقش مدى تأثير الالتزام على حقوق الدائن المرتهن من خلال محورين: (أولا): حق الدائن في حماية الضمانات الممنوحة له. (ثانيا): إعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين في مواجهة الغير.
أولا: حق الدائن في حماية الضمانات الممنوحة له
بناء على الفصل 1241[3] من ق.ل.ع، فإن أموال المدين تعد ضمانا عاما لدائنيه. لذلك، فإن تصرف المدين بإبرام عقد كراء يضر بحقوق الدائن يعد إخلالا بالقاعدة العامة التي تهدف إلى حماية حقوق الدائن المرتهن.
ثانيا: إعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين في مواجهة الغير
رغم أن الفصل 228[4] من ق.ل.ع ينص على أن الاتفاقات لا تلزم الغير، إلا أن هذا المبدأ يعرف استثناء في حالة الاتفاقات التي تهدف للإضرار بالدائنين، وهو ما يدعم مطالبة البنك ببطلان عقد الكراء.
المطلب الثاني: موقف الفقه والقضاء من إمكانية التصرف في الشيء المرهون
تعد حماية حقوق الدائن المرتهن أحد المبادئ الأساسية في القانون المدني، حيث يسعى هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين حقوق الدائنين وحرية التصرف بالنسبة للمدين. وفي هذا السياق، تتعرض التصرفات الضارة بحقوق الدائن المرتهن إلى رقابة قضائية صارمة لضمان عدم الإضرار بالمصالح المالية للدائنين.
ومن خلال هذا المطلب، سنعمل على دراسة موقف القضاء من هذه التصرفات عبر محورين أساسيين: في (الفقرة الأولى) سنتناول موقف الفقه من إمكانية التصرف في الشيء المرهونثم في (الفقرة الثانية) سنناقش القرار القضائي في ضوء اجتهادات محكمة النقض.
الفقرة الأولى: موقف الفقه من إمكانية التصرف في الشيء المرهون
نص المشرع المغربي في المادة 187 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية على أنه :”يبقى الملك المرهون تحت يد الراهن يستعمله ويستغله ويتصرف فيه دون المساس بحقوق الدائن المرتهن “.
وطبقا لما نص عليه المشرع المغربي في هذا الفصل فالمدين الراهن يستطيع أن يمارس سلطاته على العقار المرهون، والمتفرعة عن حق الملكية من استعماله واستغلاله.
وحق الاستعمال والاستغلال المخول للمدين الراهن لا يحد منه إلا عدم المساس بحق المرتهن أو الإنقاص منه[5]. وعلى اعتبار أن الرهن الرسمي كما سبق القول لا يحرم الراهن من التمتع بسلطات الملكية، فالراهن له الحق في استعمال العقار المرهون بأي وجه من أوجه الاستعمال كما كان يستعمله قبل الرهن، فإذا كان منزلا فله الحق في الأستمرار في السكن فيه وإذا كان أرضا فله أن يزرعها على أن حقه في الأستعمال يبقى مقيدا بقيد وحيد هو الحفاظ على الضمان[6] .
وتجدر الإشارة إلى أن للراهن الحق في استغلال الأرض بنفسه، أو بواسطة الغير وبالتالي الحصول على ما يغله العقار من ثمار سواء كانت طبيعية، أو صناعية، أو مدنية، كما له كذلك أن يغل ما يشاء عن طريق الاستغلال .
ومن أنواع الاستغلال كراء العقار وقبض أجرته أو تحويلها وذلك إلى أن يتم تبليغ محضر الحجز التنفيذي، حيث تصبح الثمار المدنية من ملحقات العقار المرهون ويستطيع الدائن أن ينفذ عليها[7]
وقد نص المشرع المغربي في المادة 187 من مدونة الحقوق العينية على أنه : “يبقى الملك المرهون تحت يد الراهن يستعمله ويستغله ويتصرف فيه دون المساس بحقوق الدائن المرتهن”.
وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته[8]أن الراهن يبقى مالكا للعقار وله كامل الحق في التصرف في العقار المرهون أو استعمال، أو استغلال وإذا كان بعض الفقه المغربي[9]يرى إمكانية التصرف في العقار المرهون بالبيع أو الهبة أو يعمل على رهنه مرة أخرى مادام لا يمس بحقوق الدائن المرتهن”
الفقرة الثانية: مناقشة القرار في ضوء قرارات محكمة النقض
شكلت محكمة النقض دورا أساسيا في توحيد اجتهاداتها، وهذا ما سوف نستشفه من خلال قرار أخر لمحكمة النقض والتي منعت من خلاله المدين التصرف في الشيء المرهون تصرفا يضر بدائنيه[10].
حيث أن منع التصرف في العقار المرهون في كلا القرارين، تم التشديد على أن المدين الراهن يمنع من التصرف في العقار المرهون بأي شكل من الأشكال دون موافقة الدائن المرتهن، سواء تعلق الأمر بنقل الملكية أو الكراء، لما لذلك من تأثير على قيمة العقار المرهون.
وهذا ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته[11]أن الراهن يبقى مالكا للعقار وله كامل الحق في التصرف في العقار المرهون أو استعمال، أو استغلال وإذا كان بعض الفقه المغربي[12]يرى إمكانية التصرف في العقار المرهون بالبيع أو الهبة أو يعمل على رهنه مرة أخرى مادام لا يمس بحقوق الدائن المرتهن”.
يتضح من مقارنة القرارين أن الاجتهاد القضائي المغربي يتجه نحو تشديد الرقابة على التصرفات التي يقوم بها المدين الراهن إذا كانت تخالف شروط عقد الرهن أو تؤثر سلبًا على قيمة العقار المرهون. ويؤكد القراران دور القضاء في ضمان احترام الالتزامات التعاقدية وحماية الضمانات المقدمة للدائنين، مع إيلاء أهمية قصوى لتحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة للأطراف.
في ضوء ما سبق، يمكننا استخلاص أهمية احترام الالتزامات التعاقدية، خاصة في الحالات التي تشمل ضمانات مالية مثل الرهن حيث أن العقود التي يتم إبرامها بين الأطراف يجب أن تراعي مصالح جميع المعنيين، خصوصا الدائنين الذين يعتمدون على هذه الضمانات لاستيفاء حقوقهم. كما أن محكمة النقض قد أظهرت حرصها على الحفاظ على هذه الحقوق عبر نقض القرار السابق وإعادة الملف للمحكمة الابتدائية لتبت فيه مجددا وفقا للقانون.
_ التشديد على الالتزام بالقوانين الخاصة بالرهون والعدم الاستناد للقواعد العامة
_إدخال تعديلات على قوانين الرهن العقاري بما يتماشى مع متطلبات حماية أطراف العقد
_ تطبيق القواعد القانونية التي تتماشى مع وضع أطراف العلاقة التعاقدية خاصة عند وجود طرف ضعيف





[1] قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1/561، في الملف التجاري عدد 647/3/1/2012، بتاريخ 04/12/2014. قرار غير منشور
[2] ينص الفصل 230 :”الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”.
[3] الفصل 228 الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون.
[4] الفصل 1241 أموال المدين ضمان عام لدائنيه، ويوزع ثمنها عليهم بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية
[5] محي الدين إسماعيل علم الدين، شروح التمويل العقاري ولائحته التنفيذية، النسر الذهبي للطباعة، طبعة 2002 ص 114.
[6] نوال أفقير، الرهن الرسمي في التشريع المغربي، رسالة ماستر، منشورة حول موقع https://www.droitetentreprise.com
[7] وهو ما نص عليه الفصل 475 من ق م م المغربي في فقرته الثانية على أن “… يمنع على المنفذ عليه بمجرد تبليغه الحجز أي تفويت في العقار تحت طائلة البطلان …وتعقل ثمار هذا العقار ومذاخيله عن المدة اللاحقة للتبليغ وتوزع بنفس المرتبة مع ثمن العقار نفسه”
[8] قرار في الملف المدني عدد 1625/91 بتاريخ 4 مارس 1992 منشور، أشارة له الطالبة الباحثة نوال أفقير م،س عبر الموقع https://www.droitetentreprise.com
[9] محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدر البيضاء، طبعة 1990 ص 463.
[10] قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 16 يناير 2014 في الملف التجاري 90/3/1/2012،منشور في موقع www.mahkamty.com
[11] قرار في الملف المدني عدد 1625/91 بتاريخ 4 مارس 1992 منشور، أشارة له الطالبة الباحثة نوال أفقير م،س عبر الموقع https://www.droitetentreprise.com
[12] محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدر البيضاء، طبعة 1990 ص 453.
تعليقات فيسبوك