إعداد : محمد مراني العلوي
مقدمة
المالية العمومية دراسة متعددة الأبعاد، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، قانونية، وحتى نفسية للأنشطة والعمليات المالية والمحاسبية للأشخاص العمومية من دولة وجماعات ترابية وبنيات مرفقية ولتدخلاتها من اجل تأمين التدبير المالي والمحاسبي لإدارة المرافق العمومية .[1]
ويعتبر المال العام عماد النشاط الاقتصادي للدولة الحديثة، ولأجل حمايته من سوء التدبير ،فكرت الدول منذ القدم في اعتماد الرقابة عليه، ذلك ان الرقابة المالية ليست حديثة العهد وانما عرفتها مختلف الحضارات القديمة المتعاقبة كالحضارة الاغريقية والرومانية والمصرية، كما ان الحضارة العربية الإسلامية عرفت هي الأخرى مبدأ الرقابة المالية منذ النشأة الأولى لها وذلك من خلال احداث العديد من الأجهزة الرقابية .[2]
وتتضح أهمية الرقابة المالية من خلال توفر العديد من الأجهزة الرقابية التي تسهر على الحفاظ عليه، ونذكر المجلس الأعلى للحسابات كأعلى هيئة رقابية والتي عهد لها دستور 0211 بمهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية .
وتبعا لذلك ورغم تنوع الاختصاصات المسندة للبرلمان فان هذا الأخير بغرفتيه مجلس النواب ومجلس المستشارين من اليات تمكنه من مراقبة المالية العمومية، تتمثل في الأسئلة الكتابية والشفوية التي تعتبر من أهم الوسائل التي يتوفر عليها البرلمان من اجل متابعة النشاط الحكومي، على الرغم من أن مراقبة البرلمان للعمل الحكومي بين التشري ع والممارسة، قد أبرزت أن وسائل المراقبة محكومة بتقنيات فلسفة العقلنة البرلمانية [3].
وتأسيسا على ما سبق، يمكننا طرح الإشكالية المتمثلة في إلى أي حد يتفاعل المجلس الأعلى للحسابات في علاقته مع البرلمان، في ظل الاكراهات التي تواجهه وسبل الإصلاح المعتمدة لتجاوزها؟
ومن خلال هذه الإشكالية تتفرع الأسئلة التالية :
ماهي اختصاصات هذه الأجهزة الدستورية؟
ماهي تجليات ارتباط المجلس الأعلى للحسابات بالبرلمان؟
ماهي اكراهات العلاقة بينهما؟
ماهي سبل تجاوز هذه الاكراهات؟
وعليه، سنعتمد التصميم التالي :
المبحث الأول: الإطار العام لعلاقة البرلمان بالمجلس الأعلى للحسابات
المبحث الثاني: اكراهات العلاقة بينهما وسبل تجاو زها المبحث الأول: الإطار العام لعلاقة البرلمان بالمجلس الأعلى للحسابات
سنتناول من خلال هذا المطلا اختصاصات هذه الأجهزة الدستورية االمطلا الأولد، م بعد ذلك التطرق الى تجليات ارتباط المجلس الأعلى للحسابات بالبرلمان االمطلا الثانيد.
المطلا الأول: اختصاصات هذه الأجهزة الدستورية
لا ش ك أن فكرة الرقابة المالية لم تكن حديثة العهد، إذ مرت هذه الفكرة بمراحل تاريخية طويلة تبلورت عبرها اش كال ش تى، قبل أن تس تقر أخيرا كن ام مالي حديث له م س س اته المتخص ص ة على الش كل الذي نعرفه به ا اليوم. ويمكن القول إن الرقابة الس ياس ية التي يتولاها البرلمان، والرقابة القض ائية التي يتولاها المجلس الأعلى للحس ابات، تعد أهم وأبرز رقابة اللاحقة على المال العام .
س نتطرق من خلال هذا المطلا الى اختص اص ات المجلس الأعلى للحس ابات في االمطلا الأولد، م بعد ذلك سنتطرق الى اختصاصات البرلمان في الرقابة المالية االمطلا الثانيد.
الفرع الأول: اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات
لقد عزز دستور 0211 من مكانة المجلس الأعلى للحسابات ومنحه الاستقلالية، واختصاصات لم يكن منصوص عليها في الدستور السابق حسا مقتضيات فص ول 141 الى 152 من الدستور وهي على النحو التالي :
أولا : تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الرشيدة والشفافية والمساءلة .
انيا: مراقبة وتتبع التصري ح بالممتلكات وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية .
الثا : مساعدة البرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، ويجيا عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشري ع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية .
رابعا : مساعدة الهيئات القضائية .
خامسا : نشر التقارير الخاصة والمقررات القضائية .
سادسا : يرفع تقريرا سنويا، يتضمن بيانا عن جميع أعماله، ويوجهه أيضا إلى رئيس الحكومة، وإلىرئيسي مجلسي البرلمان وينشر بالجريدة الرسمية .
سابعا : يقدم الرئيس الأول للمجلس عرضا عن أعمال المجلس ا لأعلى للحسابات أمام البرلمان ،ويك ون متبوعا بمناقشته .
امنا : المعاقبة عند الاقتضا ء، عن كل إخلال بالقواع د السارية على العمليات المذكورة .[4]
وفي هذا الإطار، يختص المجلس الأعلى للحسابات طبقا للمادة 3 من مدونة المحاكم المالي بما يلي :
- التدقيق والبث في حسابات الأجهزة العمومية التي يقدمها المحاسبون العموميون مع مراعاة الاختصاصات المخولة بمقتضى هذا القانون للمجالس الجهوية .
- التأديا المتعلق بالميزانية والش ون المالية .
- البث في طلبات الاستئناف المرفوعة ضد القرارات والأحكام الصادرة عن غرف المجالس وعن المجالس الجهوية للحسابات .
- مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج والمشاري ع العمومية .
- مراقبة استعمال الأموال العمومية .
- تتبع تنفيذ التوصيات التي تسفر عنها المهمات الرقابية .
- تدقيق حسابات الأحزاب السياسية .
- فحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية .
- مراقبة وتتبع التصاري ح الإجبارية بالممتلكات طبقا للقوانين والأن مة الجاري بها العمل مع مراعاة الاختصاصات المخولة بمقتضى هذا القانون للمجالس الجهوية .
قوم المجلس بصفة مستمرة بمهمة التنسيق والتفتيش ‘إزاء المجالس الجهوية .[5]
الفرع الثاني: اختصاصات البرلمان في الرقابة المالية
تعد المراقبة المالية مسألة مهمة بالنسبة للسلطة التشريعية، لأنها تشكل أحد مهامها الأساسية التي نص عليها الدستور في الفصل 52، وتتجسد هذه المراقبة أولا في التصويت على القانون المالي االميزانية السنويةد، بحيث يحق دستوريا للبرلمان أن يرخص للحكومة بتجديد طبيعة ومقدار موارد الدولة وتوزي ع النفقات العمومية، وتحقيق التوازن بين الموارد والنفقات، وتتجسد كذلك المراقبة المالية في متابعة تنفيذ بنود الميزانية بكيفية مستمرة في الاستخبار حول تدبير الم سسات العمومية والشبه العمومية .[6]
وتنقسم المراقبة السياسية التي يقوم بها البرلمان الى مراقبة سابقة على تنفيذ الميزانية، ومراقبة مزامنة لهذا التنفيذ، وأخرى لاحقة له.
وعليه، تعتبر مسألة مناقشة والمصادقة على القانون المالي بمثابة مراقبة سياسية سابقة على تنفيذ المال العام، وتعتبر هذه المسألة فرصة سانحة لأعضاء البرلمان لمراقبة تنفيذ الميزانية أو المال العام قبل الشروع في تنفيذه من قبل السلطة التنفيذية.[7]
إضافة الى ذلك ،فالتنفيذ المالي يخضع لمراقبة إدارية مزامنة، الا أن هذه الرقابة تعد غير كافية لحماية المال العام من الضياع، الأمر الذي دفع المشرع الى قرض رقابة سياسية مزامنة مستقلة عن السلطة التنفيذية، والتي تتمثل في الأسئلة الشفوية والكتابية لأعضاء البرلمان، حيث نص الفصل 141 من الدستور في فقرته الأولى يقدم المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، ويجيا عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشري ع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة .[8] والاختصاصات الموكولة للجان المالية بالبرلمان والمصادقة على القوانين المعدلة لقوانين المالية .
الى جانا المراقبة المواكبة، نجد أيضا المراقبة اللاحقة والتي لا تقل أهمية عن باقي مراحلالمراقبات، حيث يتم التصويت على قوانين التصفية التي تعد بمثابة خلاصة للعمل المالي الحكومي، والتي من خلالها يمكن تقييم إنجازات الحكومة، سواء على مستوى الموارد أو النفقات.
كما يجا الإشارة على أنه لا يوج د مانع من إحداث لجان التقصي كشكل من أشكال المراقبة اللاحقة، لأنه قد ت هر بعض المستجدات أو المستندات لوقائع مالية سابقة، وهذا لا يمنع السلطة التشريعية من تبني هذه التقنية المتميزة في مراقبة أموال الشعا .[9]
المطلا الثاني: تجليات ارتباط المجلس الأعلى للحسابات بالبرلمان
رغم الاختلاف البين في الاختص اص ات تربط بين البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات علاقة وطيدة وهو ما سنتطرق إليه من خلال تقديم تقرير حول تنفي ذ قانون المالية في االفرع الأولد، م بعد ذلك التطرق الى التصري ح العام بالمطابقة في االفرع الثانيد .
الفرع الأول: تقديم تقرير حول تنفيذ قانون المالية
تنحص ر العلاقة بين الس لطة التش ريعية والمجلس في قيام هذا الأخير برعداد تقرير حول تنفيذ قانون المالية، بعد أن يوجه له الوزير المكلف بالمالية ستة أشهر قبل انصرام الأجل. ويتضمن هذا التقرير المعلومات والو ائق الكفيلة بالس ماح له بتحليل ش روط تنفيذ قانون المالية، والتي تتعلق على الخصوص بما يلي :
- وض عية الاعتمادات النهائية المنبثقة عن قانون المالية للس نة المعنية والقوانين التعديلية مفصلة حسا الأبواب والفصول والمواد والفقرات .
- وضعية الاقتطاعات من الاعتمادات المخصصة لفصل النفقات الطارئة .
- وضعية تحويل الاعتمادات .
- وضعية الأوامر بالتحصيل .
- وضعية الالتزام بالنفقات .
- بيان تفص يلي لموارد الميزانية العامة ومرافق الدولة المس يرة بص ورة مس تقلة والحس اباتالخصوصية .
- وضعية الاعتمادات والاصدارات المتعلقة بالميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة والميزانيات الملحقة .
- الوضعية المتعلقة بتسيير الدين العمومي .
- القوائم التركيبية ووضعيات التسيير الوارد بيانها في النصوص التن يمية الجا ري بها العمل .
ويمكن للمجلس بالإض افة الى ذلك، أن يأمر بالقيام بكافة التحريات التي يراها ض رورية في عين المكان، لتحليل ظروف تنفيذ ميزانيات الوزارات والأجهزة الأخرى التي تس تفيد من الاعتمادات المسجلة بميزانية الدولة .[10]
الفرع الثاني: التصري ح العام بالمطابقة
ويتعلق الأمر بالو يقة المقدمة للبرلمان بمناسبة عرض مش ر وع قانون التصفية، والتي تعتبر من أدوات الاتصال الاجبارية بين المجلس والسلطة التشريعية، إذ يلتزم الأول بتقديمه إلى الثاني .
وفق أحكام المادة 20 من مدونة المحاكم المالية. التي جاء فيها” طبقا للفقرة الأولى من الفصل 141 من الدستور، يقدم المجلس مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة.
ويجيا عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشري ع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة. وفي هذا الإطار، يمكن للمجلس أن يدرج في برنامجه السنوي، بطلا من أحد مجلسي البرلمان، مهاما لتقييم تنفيذ المشاري ع والبرامج العمومية أو لمراقبة تدبير أحد الأجهزة الخاضعة لرقابته. يحيل المجلس على البرلمان التقرير المتعلق بتنفيذ قانون المالية والتصري ح العام للمطابقة بين الحسابات الفردية للمحاسبين والحساب العام للملكة، مع توجيه نسخة منها إلى رئيس الحكومة طبقا لأحكام المادة 66 من القانون التن يمي 132.13، ويرد المجلس على طلبات التوضيح المعروضة عليه من طرف رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين بمناسبةدراسة التقرير عن تنفيذ قانون المالية والتصري ح العام بالمطابقة اللذين يعدهما المجلس .[11]
فمن خلال هذا التصري ح يقوم المجلس برعمال مقارنة بين نوعين من الو ائق المحاسبية ،الحسابات الفردية للمحاسبين العموميين التي يقدمونها إلى المجلس والحساب العام للمملكة.
ويقدم بشأنها التوضيحات اللازمة والضرورية .[12]
المبحث الثاني: اكراهات العلاقة بينهما وسبل تجاوزها
سنتناول من خلال هذا المبحث اكراهات العلاقة بين الم سستين االمطلا الأولد، م بعد ذلك سنتطرق الى سبل تجاوز هذه الاكراهات في االمطلا الثانيد .
المطلا الأول: اكراهات العلاقة بين الم سستين
من خلال هذا المطلا سنتطرق هذه الاكراهات من حيث العلاقة الغامضة التي تربطهم االفرع الأولد، م بعد ذلك من حيث ضعف التنسيق الدائم بين البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات االفرع الثانيد .
الفرع الأول من حيث العلاقة الغامضة التي تربطهم
تختلف علاقة الهيئة العليا للرقابة على المال العام والم سسة التشريعية من دولة الى أخرى ،فهي تتراوح بين التعاون الو يق الى حد شراكة حقيقية كما هو الحال في النموذج الأم ريكي، وتعاون محدود وضيق كما هو الحال بالنسبة للمملكة المتحدة وألمانيا الفيدرالية، وتعاون عرضي انوي كما هو الامر في إيطالي ا واسبانيا . بالنسبة للمغرب فقد ظلت العلاقة بين الم سستين تتسم بالجمود والتعاون العرضي رغم تنصيص المشرع من خلال دستور 1226 على بذل المجلس للمساعدة للبرلمان الا ان طبيعة هذه المساعدة ظلت غامضة وغير واضحة ومنحصرة في تقديم التقارير حول تنفيذ قانون المالية والتصري ح العام بالمطابقة والرد على طلبات التوضيح المعروضة عليه من طرف رئيس مجلس النواب او المستشارين بمناسبة دراسة تقرير والتصري ح .[13]
غير انه ورغم الارتقاء بهذه العلاقة الا انها لم تحقق المقاصد المرجوة منها وذلك عائد الى مجموعة من الأسباب منها التأخ ر في اعداد تنفيذ قانون الميزانية وعدم تقديمها في وقتها مما يفوت على البرلمانيين تنويرهم بالمعطيات من اجل مساءلة الحكومة عن هفواتها وتقديم مقترحات من اجل تجويد صرف المال العام. كما ان التصري ح العام بالمطابقة أصبح عديم الأ ر من الناحية العملية لكونه يأتي متأخر ا جدا ن را لتجاهل الحكومة لأهمية قانون التصفية الذي يرفقبهذا التصري ح .
غير انه مع مجيء دستور 0211 قد وضح هذه العلاقة من خلال الفصل 141 منه حيث وسع من مجالها لتشمل جميع المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، كما نص على إجابة المجلس عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشري ع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة .[14]
وعلى مستوى الواقع فيمكن القول ان العلاقة بين المجلس والم سسة التشريعية عرفت تحسنا وتعزيزا للتعاون فعلى سبيل المثال خلال سنة 0215 قام المجلس ببرمجة أربع مهمات رقابية بناء على طلا من مجلس النواب، ويتعلق الامر بتقييم صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، تقييم صندوق دعم التماسك الاجتماعي، تقييم صندوق التجهيز الجماعي، وتقييم الصندوق الخاص الطرقيFSR. [15]
الا انه رغم هذا التحسن فان العلاقة لا زالت تعرف تو ر، ذلك ان المجلس تعرض لمجموع ومن الانتقادات من طرف البرلمانيين، اذ تم انتقاده على ما اعتبره البعض يتجاوز لاختصاصاته الدستورية، وخوضه في تقيين الاختيارات السياسية الم طرة للسياسات العمومية التي يبقى تقسيمها سياسيا من اختصاص البرلمان .
الفرع الثاني: من حيث اكراه تبادل المعلومات والو ائق
اصبح العمل الرقابي البرلماني يقوم بشكل كبير على مساعدة الأجهزة العليا للرقابة للقيام بمراقبة المالية العمومية، اذ تتطلا مهمة تقديم المساعدة من طرف هذه الأجهزة الاعتماد على تبادل الو ائق والمعلومات بطريقة منت مة، وقد سعى دستور 0211 الى توسيع نطاق ال وظيفة الاستشارية للمجلس الأعلى للحسابات، اذ لم تعد علاقته بالبرلمان مقتصرة على التقارير التقليدية المرافقة لقانون التصفية، بل يتعدى الامر ليشمل مختلف الو ائق المالية والمحاسبية التي يمكن ان يطلبها البرلمان/ واصبح من حق الأخير ان يطلا راي المجلس في أي قضية خاصة بمما رسة وظائفه او ان يعرض عليه أي و يقة تتعلق بالجوانا المالية والمحاسبية .[16]
الا انه قضية تبادل المعلومات والو ائق تطرح صعوبة من الناحية المالية، ففي ظل الازدواج الوظيفي للمجلس فانه لن يستطيع الإجابة عن كل طلبات المساعدة ن را لتعدد مهامه وشساعة اختصاصاته، وعليه فالتجربة المغربية ما زالت في حاجة الى المزيد من الوقت والى تراكم الممارسة من اجل التفكير في علاقة المجلس والبرلمان في سبيل انتاج وسائل لتبادل المعلومات والو ائق بصفة منت مة، بالرغم من ان المقتضيات الدستورية الجديدة تجعل المجلس الاعلى للحسابات “مستشارا” ماليا لدى البرلمان، وهو ما يعني ان مهمة تقديم المساعدة من طرف المجلس الأعلىللحسابات تقتضي استفادة البرلمان من كل و ائق هذا الأخير، وفي مقابل ذلك، ليس هناك مقتضيات تلزم البرلمان بضرورة إحالة و ائقه ونتائج اعماله على المحاكم المالية .
وأيضا تطرح قضية تبادل المعلومات والو ائق بين الأجهزة العليا للرقابة والبرلمان مسألة الواجا احترامها من طرف هذه الأجهزة للإجابة على جميع الأسئلة المتعلقة بمجال المالية العمومية ،حيث يشكل عنصر الآجال عاملا للنزاع والتنافس بينهما. ولتجاوز هذه الصعوبات المرتبطة بتبادل ال و ائق والمعلومات بين الأجهزة العليا والبرلمان، كرست التجربة احداث هيئة برلمانية متخصصة لتوفير المعلومة المالية وتسيير التبادل المنت م لها، ومن هنا فوجود جها ز للتعاون بين الأجهزة العليا للرقابة والبرلمان اضحى مسالة تقليدية في بعض الأن مة كالنمسا وبلجيكا.[17] المطلا الثاني: سبل تجاوز الإكراهات
سنتطرق من خلال هذا المطلا الى سبل تجاوز هذه الاكراهات من خلال التأكيد على منح ضمانات قانونية م سساتية االفرع الأولد، م إقرار تنسيق دائم بين الم سستين االفرع الثانيد .
الفرع الأول: منح ضمانات قانونية م سساتية
إن توف ر إرادة سياسية حقيقية تعد الضمانة الأساسية لتفعيل الرقابة المالية، وتمنح المزيد من الدعم للأجهزة الساهرة على ذلك، فوجود إرادة سياسية فعالة ورأي عام فعال شرطان أساسيان للدفع بعمل المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات إلى مزيد من الكفاءة الرقابية في التصدي للفساد والتبذي ر واختلاس الأموال العمومية. فالجهاز الذي يمكنه الاضطلاع بمس وليته الرقابية هو الجهاز الذي يتمتع بالآتي:
أ. الاستقلال الوظيفي :
وهو تخصيص مجموعة متجانسة من المس وليات يعهد بها إلى هذه الأخيرة لتباشرها ولايمكن لهذه الأجهزة القيام بهذه المس وليات إلا إدا توفرت لها سلطات وصلاحيات مناسبة في مواجهة الجهات الخاضعة لرقابتها. وهذا يعني قيام الأجهزة بالمهام المنوطة بها دون أدنى تأ ير أو تأ ر من قبل سلطة أو هيئة أخرى مهما كانت مكانة تلك السلطة أو الهيئة .
ب.الإستقلال المالي
يعني الضمانات القانونية التي تكفل للجهاز الأعلى للرقابة استقلالية مالية خاصة في وضع ميزانيته والتصرف فيها من حيث وضع الميزانية التقديرية أي يجا أن تتوافر للجهاز الرقابي حرية إعداد التقديرات ميزانيتها دون تدخل من أي سلطة أخرى. بالإضافة إلى التصرف في الميزانية، أي منح رئيس المجلس الأعلى للحسابات صلاحية وزير المالية في وضع التقديرات اعتمادات الميزانية وتوزيعها إلى بنود وكذلك في تعديل تلك الاعتمادات .
ج. الاستقلال العضوي :
يعني الاستقلال العضوي مدى استقلال الجهاز الأعلى للرقابة في التصرف في موارده البشرية ومدى خصوصية القواعد القانونية واللوائح التي تخص موظفي الأجهزة العليا للرقابة مقارنة بالأحكام العامة المتصلة بموظفي الدولة عموما سواء من حيث التعيين أو الترقية أو النقل أو المزايا المحلية والحصانات. [18]
الفرع الثاني : إقرار تنسيق دائم بين الم سستين
إن غياب التنسيق بين الأجهزة المكلفة بالرقابة شكل إحدى نقط الضعف الأساسية التي تأ ر بها ن ام الرقابة المالية بالمغرب .
ولضمان فعالية ومصداقية من ومة الرقابة والمحاسبة والميزانية، وضع الدستور الجديد نسقا متفاعلا ومتكاملا قوامه الوضوح والمس ولية والم سسية، وهكذا تم ربط رقابة المجلس الأعلى للحسابات برقابة البرلمان ورقابة القضاء، من خلال مد جسور التواصل والتفاعل الوظيفي، كما تم إلزامه بالتفاعل مع البرلمان في جميع المجالات المتعلقة بمراقبة المال العام، والرد على أسئلة واستشارات البرلمان، وكذلك من خلال تفعيل الوظيفة القضائية للمجلس الأعلى للحسابات الذي أصبح ملزما بنشر أحكامه القضائية، ولا سيما في ميدان التأديا المالي، والبث في الحسابات، ومن خلال تقديمة عرض أمام البرلمان حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات تتلوه مناقشة عامة.
وبالتالي يجا التنسق بين مختلف الأقطاب الرقابية الداخلية وكدا الأجهزة القضائية من محاكم إدارية وتجارية ومجلس أعلى من أجل محاربة الانغلاق المحدود، وكذا ضمان تجانس وفعالية أ كبر في عمل المحاكم المالية .[19]
خاتمة
ختاما ،فمن خلال التطرق الى موضوع علاقة المجلس الأعلى للحسابات بالبرلمان بصفة عامة ،والى تجليات ارتباطهما واكراهات العلاقة بينهما بصفة خاصة، يتضح ان المجلس الأعلى للحسابات يمارس مجموعة من الاختصاصات القضائية والإدارية، بالإضافة الى تقديم المساعدة الى البرلمان والحكومة وتفتيش المجالس الجهوية للحسابات .
وعليه، فم اهر التعاون التي تجمع بين الم سستين الرقابيتين متعددة، اذ يمكن أن يستفيد البرلمان من المجلس الأعلى للحسابات باعتباره من أهم أجهزة المساعدة على المستوى الرقابي ،حيث أن هذا الأخير لديه إمكانية المشاركة في اشغال اللجان البرلمانية، كما يمكن للمجلس الأعلى للحسابات تدعيم اليات الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، فضلا عن إمكانية المجلس رفع تقاريره للبرلمان كآلية تفعل الدور الرقابي البرلماني .
وعموما، فرغم الإيجابيات التي تنتج عن العلاقة التي تربط بين هاتين الم سستين الا انها تعاني من مجموعة من الاكراهات التي تتطلا إصلاحات جدرية، وضرورة إقامة جسور متينة للتعاون والتنسيق مع باقي الهيئات الرقابية الأخرى .
[1] سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية، مطبعة العارف الجديدة، الرباط، الطبعة الثانية 9102، ص10.
[2] جمال السليماني، المحاكم المالية بالمغرب دراسة مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول وجدة،9112/9112، ص 10.
[3] رشيد المدور، العمل البرلماني في المغرب قضايا واشكالات، طوب بريس الرباط ،9112، ص 12.
[4] محمد سكلي، التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس- اكدال، سنة
9102/9109، ص 000/022.
[5] الظهير الشريف رقم 01101090 صادر في فاتح ربيع الاخر 0092 )02 يونيو 9119( بتنفيذ القانون رقم 29122 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، المادة
.12
[6] أمل العلوي الإسماعيلي، إشكالية أجهزة الرقابة المالية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، السنة
9112/9112، ص 29.
[7] أمل العلوي الإسماعيلي، مرجع سابق، ص 20.
[8] الظهير الشريف رقم 0100120 صادر في 92 من شعبان 0029 الموافق ل 92 يوليو 9100، الصادر بتنفيذ نص الدستور، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 0220 مكرر بتاريخ 92 شعبان 0029 الموافق ل 21 يوليو 9100 ، الفصل 002.
[9] أمل العلوي الإسماعيلي، مرجع سابق، ص 011/22.
[10] عبد العزيز الفركاني، اليات حماية المال العام في عمل المجلي الأعلى للحسابات بالمغرب دراسة قانونية مطابقة) 9112/9119(، رسالة لني لقانون الماليل شهادة الماستر، جامعة محمد الخامس، أكدال، سنة 9100، ص 22.
[11] الظهير الشريف رقم 01101090 صادر في فاتح ربيع الاخر 0092 )02 يونيو 9119( بتنفيذ القانون رقم 29122 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، المادة
.29
[12] عبد العزيز الفركاني، مرجع سابق، ص 22.
[13] محمد معاش، دور المجلس الأعلى للحسابات في حماية المال العام ومكافحة الفساد، رسالة ماستر في القانون العام، جامعة منحمد الأول وجدة ،
9102/9191، ص 002.
[14] لظهير الشريف رقم 0100120 صادر في 92 من شعبان 0029 الموافق ل 92 يوليو 9100، الصادر بتنفيذ نص الدستور، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 0220 مكرر بتاريخ 92 شعبان 0029 الموافق ل 21 يوليو 9100 ، الفصل 002.
[15] محمد معاش، مرجع سابق، ص 002.
[16] مريم بوطاهر، العمل البرلماني في النظام السياسي المغربي على ضوء الولاية التشريعية التاسعة، الإدارة العلمية لمجاة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية، سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة، العدد 00، 9102/9102، ص 920.
[17] مريم بوطاهر، مرجع سابق، ص 922.
[18] محمد سكلي، مرجع سابق، ص 029/020.
[19] محمد سكلي، مرجع سابق، ص 029.
تعليقات فيسبوك