الباحث محمد الشريف العمري خريج ماستر العلوم الجنائية والأمنية بتطوان كما يتابع دراسته في ماستر قانون الأعمال بتطوان
مقدمة:
يعتبر العدل أساس العمران كما يقول ابن خلدون في مقدمته وهذه النتائج لا تتحقق عبثا بل لابد من وجود سلطة قضائية مستقلة تسير وفقا للمبدأ التاريخي الذي نادى به مونتيسكيو وبالأسلوب الذي كرسته الديمقراطية المتقدمة.
والمغرب شأنه شأن جميع الدول المعاصرة، ومن حصوله على الاستقلال سعى إلى ترتيب الحقل القضائي والنهوض به في سبيل تحقيق الأمن على المستوى القانوني والقضائي وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وقد تحقق الكثير، وتعزز الاكثر بوثيقة دستورية شهدها ويشهد عليها البعيد والقريب كونها مرجعا متقدما لا يحتاج إلا لتنزيل سليم.
والجدير بالدكر فموضوع استقلالية القضاء شأن يتجاوز بكثير حدود القضاة أنفسهم إذ أنه في جوهره وثيق الصلة بقضية العدل وميزان الحرية في المجتمع
ففي الدول الديمقراطية قيمتي العدل والحرية تتأثران سلبا وإيجابا بمقدار ما هو متوفر من استقلالية القضاء، لذلك فننا حينما ندافع عن استقلالية القضاء ندافع عن أنفسنا في حقيقة الأمر.
فاستقلال القضاء يساوي تحقيق العدالة الجنائية وبتالي ضمان المحاكمة العادلة وعدم تحيز القضاء لأي جهة كيفما كانت، فالقاضي لا يمكن أن يمارس مهامه مطمئنا هادئا دون ضمانات تحصنه وتؤكد استقلاله إذ لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون، ولضميره وتجرده ضمانا لحرية الأفراد وإنصافهم وهذه الضمانة مقررة للقضاء بموجب دستور المملكة لسنة 2011 ويسهر المجلس الاعلى للسلطة القضائية على تطبيقها، باعتباره مؤسسة دستورية خولها المشرع تذبير شؤون القضاء والسهر على توفير الضمانات الممنوحة لهم في إطارا لقانون تكريسا لمبدأ استقلالية القضاء ولتحقيق عدالة فعالة ونزيهة.[1]
أهمية الموضوع:
يكتسي لموضوع الذي نحن بصدد دراسته أهمية كبرة سواء من الناحية العلمية او من الناحية العملية
وتتجلى الأهمية العلمية لموضوع المجلس الاعلى للسلطة القضائية، في كون هذا الموضوع يعتبر من المواضيع التي تفرض نفسها بإلحاح في مجال الدراسات القانونية، كما انه يلقي اهتماما واسعا من قبل العاملين في المجال القانوني والحقوقي، سواء أكانوا أساتذة في كلية الحقوق، أو محامين ….
أما من الناحية العملية فتتجلى في كون ضمان العدل بصفة عامة والمحاكمة العادلة بصفة خاصة رهين بمدى تمتع القضاة بالاستقلال وعدم الخضوع أو الانحياز لأي جهة كيفما كانت وهو ما يسعى إلى تحقيقه المجلس الاعلى للسلطة القضائية.
إشكالية الموضوع:
يطرح الموضوع الذي نحن بصدد دراسته اشكالية رئيسة مفادها:
إلى أي حد استطاع المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحقيق الامن القضائي وضمان المحاكمة العادلة؟
هذه الاشكالية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية من قبيل:
ماهي مكونات المجلس الاعلى للسلطة القضائية ؟ ماهي اختصاصاته؟ ماهي الضمانات التي يقدمها لتحقيق المحاكمة العادلة؟ كيف يساهم في تخليق الحقل القضائي؟
المنهج المعتمد:
اعتمدنا في دراستنا لهذا الموضوع على المنهج الاستنباطي والتحليلي.
خطة البحث
وعلى أساس ما سلف ذكره سنتطرق لموضوع المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال الوقوف على تأليف المجلس واختصاصاته ثم نعرج الحديث عن دور المجلس في تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: تأليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية واختصاصاته
المبحث الثاني: دور المجلس الأعلى في تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة
المبحث الأول: تأليف المجلس الاعلى للسلطة القضائية واختصاصاته
إن المجلس الاعلى للسلطة القضائية هو المؤسسة الدستورية التي خول لها المشرع تدبير شؤون القضاة والسهر على توفير الضمانات الممنوحة لهم في إطار القانون تكريسا منه لمبدأ استقلال القضاء و لتحقيق عدالة فعالة و نزيهة.
المطلب الأول: تأليف المجلس الاعلى للسلطة القضائية
تطبيقا لأحكام الفصل 115 من الدستور يتألف المجلس الاعلى للسلطة القضائية من:
– الرئيس الأول لمحكمة النقض, رئيسا منتدبا.
– الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
– رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض.
– أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم.
– ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم.
ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب وحضورهن داخل السلك القضائي وفق مقتضيات المادتين 23 و 45 من القانون التنظيمي.
– الوسيط.
– رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
– خمس شخصيات يعينها الملك مشهود لها بالكفاءة و التجرد و النزاهة و العطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الامين العام للمجلس العلمي الأعلى.
المطلب الثاني: اختصاصات ومهام المجلس الأعلى للسلطة القضائية
يعتبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية من المؤسسات الجديدة ومن بين أهم المؤسسات التي تضمنها دستور المملكة لسنة 2011 والتي يترأسها جلالة الملك باعتباره الضامن لاستقلال السلطة القضائية وفقا لمقتضيات الفصل 107 من الدستور، فضلا عن تركيبه المتألفة من أعضاء يعينون بناء على صفاتهم وليس بناء على ذواتهم، ولعل هذه التركيبة المميزة فسحت المجال لأشخاص خارج جسم القضاء مما جعلتها من أهم الضمانات التي يمكن أن تساعد على استقلالية هذه المؤسسة المهمة ،وقد يأتي التساؤل عن السياق الذي انشأ فيه هذا المجلس والذي جاء في سياق متغيرات عديدة سواء على المستوى الوطني أو الدولي واستجابة كذلك لهياة الإنصاف و المصالحة وهو ما يعكس الرغبة في القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد خلال فترات والتي تفرض إيجاد سلطة قضائية عادلة ومنصفة ترسي حكم القانون بواسطة أجهزة تتمتع بمعايير دولية من حيث النزاهة والاستقلالية والكفاءة وتمارس صلاحياتها بعيدا عن أي تأثيرات خارجية.[2]
وهذا لا يتأتى إلا بإسناد مجموعة من المهام و الاختصاصات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وجعل كل ما يتعلق بالحياة المهنية للقضاة من تعيين و ترقية و تأديب وكذا حماية استقلاله بيد هذه المؤسسة مع بقاء التدبير المادي والإداري منوطا بوزارة العدل وفي سياق الاختصاصات والمهام الموكلة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية فمنها ما هو دستوري ومنها ما هو تنظيمي، إلا أن كليهما يصبان في مهام واختصاصات واحدة ولبسط اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ارتأينا أن نقسم هذا المطلب إلى فقرتين الأولى تهم تدبير الوضعية المهنية للقضاة والمعايير المتعلقة بها على أن نخصص الفقرة الثانية لحماية استقلال القضاة.
الفقرة الأولى: تدبير الوضعية المهنية للقضاة والمعايير المتعلقة بها
لقد أنيط بالمجلس مجموعة من الإختصاصات والصلاحيات التي جميعها تصب في ضمان استقلالية القضاء وحمايتها، ونظرا لأهمية هذه الإستقلالية التي و إن كانت تظهر لنا أنها امتياز بالنسبة للقاضي وإنما هي حقيقة تكليف ومسؤولية وامتياز للمتقاضين والمواطنين بحيث أن ثقة المواطنين في القضاء لا يتأتى إلا إذا كان هذا الأخير مستقل في قراره وقناعاته ولا يتلقى بشأن مهمته أية أوامر.
وطبقا لأحكام الفصل 113 من الدستور يسهر المجلس على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ومن أجل ذلك يقوم بتدبير وضعيتهم المهنية وفق مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو المناصفة.[3]
-تعيين القضاة و المسؤولين القضائيين
وفقا لمقتضيات الفصل 57 من الدستور يوافق الملك على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية لمختلف محاكم الاستئناف و محاكم أولى درجة .
ويتم تعيين القضاة الجدد من طرف المجلس بناء على عدة معايير خصاص و حاجيات المحاكم بعد البث في الترقيات وطلبات الانتقال ،بطاقة التقييم التي تعدها المؤسسة المكلفة بتكوين القضاة إضافة إلى الوضعية الاجتماعية للقاضي و الرغبات المبينة في الاستمارات المعبأة من طرف القضاة.[4]
ويعينون القضاة في المسؤولية المحددة لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل ذلك
وإذا ما قارنا هذا المقتضى بما ورد في الفصل 84 من دستور المملكة لسنة 1996 نجد أن تعيين القضاة انتقل من يد الملك الذي يعتبر بمقتضى الدستور ضامنا لاستقلال القضاء إلى يد المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أصبح بمقتضى الدستور مؤسسة دستورية تشرف وتسهر على تدبير شؤون القضاة من تعيينات والانتقال واتخاد قرارات التأديب وكذا البث في الترقيات.[5]
- ترقية القضاة
بالركون للمادة 74 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية 100.13، يهيئ المجلس لائحة الأهلية للترقية برسم السنة الجارية و لا يسجل في هذه اللائحة من صدر في حقه عقوبة الاقصاء المؤقت عن العمل و يتم البث من طرف المجلس في هذه الطلبات داخل اجل 5 أيام من تاريخ توصله بها كما يمكن الطعن في قرار المجلس برفض تصحيح لائحة الأهلية للترقية أما الغرفة الإدارية بمحكمة النقض داخل أجل 7أيام من تاريخ التبليغ و تبت فيه داخل 15 يوما بقرار غير قابل لأي طعن .
ويتم ترقية القضاة بناء على عدة معايير منها ما يتعلق بالأقدمية في السلك القضائي والدرجة القضائية
- الحرص على إصدار الأحكام في أجل معقول
- جودة المقررات القضائية
- القدرة على التنظيم وحسن تدبير القضايا
- الدراسة القبلية الملفات والسهر على تجهيزها
- القدرة على التواصل
- القدرة على التأطير
- الحرص على المواكبة والتتبع والمواظبة
- انتقال و انتداب القضاة
تقوم الأمانة العامة للمجلس بإعداد لائحة الخصاص لمختلف المحاكم يتم نشرها بالمحاكم وبالموقع الإلكتروني للمجلس وبكل الوسائل المتاحة وتتلقى طلبات القضاة بشأنها ويراعي المجلس حسب المادة 77 من القانون التنظيمي
- حاجيات المحاكم
- رغبات القضاة المبينة في طلباتهم
- القرب الجغرافي
- الوضعية الاجتماعية للقاضي
- استقالة القاضي وإحالته إلى التقاعد
وفقا للمادة 82 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية يقوم الرئيس المنتدب للمجلس قبل منك شهر مارس من كل سنة بإعداد لائحة القضاة الذين سيلغون حد سن التقاعد أو ينهون فترة التمديد خلال السنة الموالية و يشعر القضاة المعينين بذلك غير أنه يمكن تمديد سن تقاعد القضاة بحيث يراعي المجلس في ذلك المصلحة القضائية، الأداء المهني للقاضي وخاصة خلال الخمس السنوات السابقة لبلوغه حد سن التقاعد ،القدرة الصحية للقاضي وموافقة المعني بالأمر .
- مسطرة التأديب
الأصل المقرر أن القاضي يتمتع باستقلالية في ما يتخده من قرارات و ما يتوافق وقناعاته القانونية، وهذا ما أكد عليه الفصل 109 من الدستور على أن القاضي لا يتلقى بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط، وفي مقابل هذه الإستقلالية من واجبه الحكم بكل استقلال و تجرد و حياد و نزاهة و شفافية وفقا لما يمليه عليه ضميره و وجدانه و قناعاته و أن يضع القطيعة مع اللامسوؤلية و ذلك بمجرد أدائه للقسم القانونية، وأن يبتعد عن الإغراءات التي قد تعرضه المساءلة التأديبية و الجنائية، إذ يعد حسب الفصل 109 أعلاه أن كل إخلال من القاضي بواجب الإستقلال والتجرد خطأ جسيما بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.
وحسب المادة 87 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن متابعة القاضي يتطلب بالضرورة إجراء الابحاث و التحريات القضاة المفتشون تحت إشراف المفتش العام للشؤون القضائية يتخذ المجلس بعد اطلاعه على تقرير القاضي المقرر مقررا بالحفظ أو إحالة القاضي المعني إلى المجلس إذا تبين له جدية ما نسب إليه ،و حسب المادة 92 من القانون التنظيمي بعد استشارة المذكورة في المادة 79 توقيف القاضي المعني مؤقتا عن مزاولة مهامه في حالة متابعة جنائيا و ارتكابه خطأ جسيم .
ويتم البث في الملفات التأديبية داخل أجل أقصاه 4 أشهر من تاريخ تبليغ الإحالة إلى القاضي المعني و يمكن تمديد هذا المجلس مرة واحدة لنفس المدة بقرار معلل.
وهكذا يتعرض للعقوبات التأديبية كل قاضي أهل بواجباته المهنية أو بالشرف أو بالوقار أو الكرامة طبقا لمقتضيات الفصل 58 من النظام الاساسي لرجال القضاء .
وتطبق على العقوبات التأديبية التالية:
- الدرجة الأولى:
- الإنذار
- التوبيخ
- التأخير عن الترقي من رتبة إلى رتبة لمدة لا تتجاوز سنتين .
- الحذف من لائحة الأهلية لمدة لا تتجاوز سنتين.
- الدرجة الثانية:
- الإنزال من الدرجة
- الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز ستة أشهر مع حرمانه من أي مرتب باستثناء التعويضات العائلية.
- الإحالة على التقاعد التلقائي أو الانقطاع عن العمل إن لم يكن للقاضي حق في راتب التقاعد.
- العزل مع حفظ الحقوق في التقاعد والحرمان منها.
ويتني الرئيس المنتدب إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية الأفعال المنسوبة للقاضي ثم يعين بعد استشارة الاعضاء المعينين بقوة القانون مقررا يجب أن تكون درجته أعلى من درجة القاضي المتابع.[6]
- الطعن في مقررات الوضعية الفردية
تطبيقا لأحكام الفصل 114 من الدستور تكون المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، وحسب نفس المادة أن هذه الطعون تقدم داخل أجل 30 يوما من تاريخ التبليغ إلى المعني بالأمر و لا يوقف هذا الطعن تنفيذ المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس غير أنه يمكن للغرفة الإدارية بمحكمة النقض أن تأمر بصفة استثنائية يوقف التنفيذ المقرر المطلوب إلغاؤه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة .
الفقرة الثانية: حماية استقلال القاضي
من البديهي أن من واجب القاضي نحو الدولة و المجتمع أن يحسن أداء رسالته في تحقيق العدالة ،وأن يحافظ على الحقوق و الحريات بطبيعة وظيفته تلقي على عاتقه أعباء ومسؤوليات ضخمة فضلا على أن رسالة القضاء تتطلب من القاضي أن يتصف بالإستقامة و النزاهة و أن ينهج في حياته النهج الذي يحفظ للقضاء هبته و كرامته و مكانته و مقابل هذه المهمة السامية التي يقوم بها القضاة فإن هناك واجبا يقع على الدولة تجاه القاضي، بأن تهيئ له أسباب الحياة الكريمة و المستوى المعاشي اللائق الذي يساعده على النهوض بواجبه المقدس بثقة واطمئنان.[7]
وقد نصت المادة 104 من القانون التنظيمي وتطبيقات لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 109 من الدستور يجب على كل قاض اعتبر أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر إلى المجلس بواسطة تقرير يودعه مباشرة بالأمانة العامة للمجلس أو بوجهه إليها بكل الوسائل المتاحة.
كما نصت المادة 105 من القانون التنظيمي أن المجلس يتلقى الإحالات المقدمة إليه من القضاة تطبيقا للمادة السابقة كلما تعلق الأمر بمحاولة التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة ويقوم عند الإقتضاء بالأبحاث و التحريات اللازمة بما في ذلك الاستماع إلى القاضي المعني و إلى كل من يرى فائدة في الإستماع إليه.
يتخذ المجلس الإجراء المناسب أو يحيل الأمر عند الإقتضاء على النيابة العامة إذا ظهر له أن الفعل يكتسي طابعا جرميا.
المبحث الثاني : دور المجلس الأعلى في تحقيق المحاكمة العادلة
يعتبر الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان. وهناك جملة من المعايير الدولية لضمان المحاكمة العادلة.
ولا يمكن الحديث عن محاكمة عادلة يشهد لها الجميع بالعدل والإنصاف إلا إذا توفر شرطان، أولهما الالتزام بإجراء المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها حسب المعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهذا ما تم تناوله في المطلب الثاني وثانيهما من الضروري أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة، و هذا ما سيتم تناوله في المطلب الاول.
المطلب الاول: استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية
إن جهاز القضاء بمقتضى الدستور الجديد للملكة لسنة 2011 أصبح يشكل سلطة ثالثة داخل الدولة إلى جانب الى جانب السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية ، بحيث لا تتدخل أي سلطة في إختصاصات السلطة الأخرى وهذا ما سيتم تفصيلها في هذا المطلب حيث سنخصص الفقرة الأولى ” إستقلال القضاء عن السلطة التشريعية ” و في الفقرة الثانية ” إستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية “
الفقرة الأولى : إستقلال القضاء عن السلطة التشريعية
إن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية يقتضي بالضرورة عدم تدخل كل من السلطتين في عمل بعضهما، على اعتبار أن السلطة التشريعية مكلفة دستوريا بسن قوانين ووضعها و كذا القيام بمراقبة عمل الحكومي عن طريق الأسئلة الكتابية او الشفوية او غيرها من الأليات التي وضعها الدستور لتحقيق هذه المراقبة بينما السلطة القضائية تختص في تطبيق القانون للفصل في المنازعات لحماية الحقوق و الحريات ، كما أن لها الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي وتنفرد أيضا بسلطة البت فيما إذا كانت أي مسألة معروضة عليها للفصل فيها و تدخل في نظام إختصاصها و في هذا السياق نستحضر تعبير الكاتب الفرنسي مونتسكيو ” إن الحرية تنعدم إن لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع لأن حرية أبناء الوطن و حمايتهما تصبحان تحت رحمتها مذام القاضي هو المشرع “.
الفقرة الثانية : إستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية
إن السلطة التنفيذية يتمحور إختصاصها حول إصدار القرارات الإدارية وأيضا الأهتمام بأعمال السيادة، وكذلك وضع السياسة الجنائية لأنها هي التي تسأل عنها أمام ممثلي الأمة و لذلك فلا يمكن لأي شخص يدخل في إطار السلطة التنفيذية أن يعطي تعليماته للقضاء لإصدار حكم معين في قضية ما او توجيهاته لتسيير القضية في تجاه معين و لا يحق لها أيضا عرقلة تنفيذ أحكام القضاء، وبدورها لا يحق للسلطة القضائية التدخل في أعمال السيادة أو إصدار قرارات إدارية أو توجيه أوامر للإدارة او الحلول محلها فيما يعتبر من إختصاصها.[8]
المطلب الثاني: ثنائية التحقيق كضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة
يشكل الحق في المحاكمة العادلة أحد الأعمدة الأساسية لدولة الحق والقانون وحماية الإنسان من التعسف والشطط والتحيز والاعتداء، وبالرجوع الى المادة 52 من قانون المسطرة الجنائية نستشف ان المشرع المغربي تبنى ثنائية التحقيق وذلك بجعل التحقيق على مستوى المحاكم الإبتدائية بالإضافة الى تواجدها بمحاكم الإستئناف، وذلك لما توفره من ضمانات قانونية للمتهم والمجتمع على حد سواء مما يساعد الى الوصول الى الحقيقة.
إن التحقيق الإعدادي مرحلة تتوسط البحث التمهيدي الذي تباشره الشرطة القضائية والتحقيق النهائي الذي تباشره المحكمة، ومن خلال مقتضيات المادة 83 يكون التحقيق إلزاميا في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي تصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة، وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث وكذا الجنح بنص خاص في القانون، ماعدا ذلك يكون اختياريا في الجنايات والجنح المرتكبة من طرف الأحداث.
الفقرة الأولى: إجراءات قاضي التحقيق
بعد إحالة القضية على قاضي التحقيق سواء من طرف النيابة العامة[9] أو عن طريق الإدعاء المباشر من طرف المتضرر تبدأ سلسلة من الإجراءات، حيث يناط للقاضي إجراءات التحقيق الإعدادي سواء تعلق الأمر بالإجراءات المتعلقة بالأشخاص أو الإجراءات المتعلقة بالأشياء، حيث نصت المادة 85 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الأولى على أنه ” يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون بجميع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة”.
أولا: الإجراءات المتعلقة بالأشخاص
البحث الإجتماعي: الزم المشرع المغربي قاضي التحقيق بموجب المادة 87 من ق.م.ج بإجراء بحث حول شخصية المتهم وحالته العائلية والإجتماعية، وهذا البحث يكون إلزاميا في الجنايات واختياريا في الجنح، كما أوكله أيضا بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة بتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، إذا كان سنه يقل عن عشرين سنة وكانت عقوبته لا تتجاوز خمس سنوات.
الفحص الطبي: خول المشرع لقاضي التحقيق إمكانية إجراء فحص طبي أو نفسي على المتهم( المادة 88 من قانون المسطرة الجنائية)
استنطاق المتهم ومواجهته مع الغير[10]: يطلب قاضي التحقيق من المتهم بمجرد مثوله أمامه بيان[11] اسمه العائلي والشخصي ونسبه وتاريخ ومكان ولادته وحالته العائلية ومهتنه ومكان إقامته وسوابقه القضائية، وله عند الاقتضاء ان يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم بما في عرضه على مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي، يشعر القاضي المتهم فورا بحقه في اختيار محام فإن لم يستعمل حقه في الإختيار عين له قاضي التحقيق بناء على طلبه ح ليؤازره وينص على ذلك في المحضر، يبين قاضي التحقيق للمتهم الأفعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح ويشار الى ذلك في المحضر.
ثانيا: الإجراءات المتعلقة بالأشياء
- إجراء التنقل: يحق لقاضي التحقيق ان ينتقل الى أي مكان لإجراء المعاينات المفيدة أو للقيام بتفتيش ويشعر بذلك النيابة العامة التي لممثلها الخيار في مرافقته، يساعده دائما في ذلك دائما كاتب الضبظ ( المادة 99 من قانون المسطرة الجنائية)
- إجراء التفتيش والحجز: يجري التفتيش في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا لإظهار الحقيقة، إلا ان على قاضي التحقيق تحت طائلة البطلان ان يتقيد بمقتضيات المواد 59 و60 و[12]62.
- إجراء إلتقاط المكالمات والإتصال: يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الإتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخد نسخة منها أو جزها (المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية)
ثالثا: أوامر قاضي التقيق
- الأمر بالحضور: عرفه المشرع المغربي في المادة 144من قانون المسطرة الجنائية بقوله” يقصد من الأمر بالحضور إنذار المتهم بالحضور أمام القاضي في التاريخ والساعة المبينبن في نص الأمر. [13]
يقوم بتبليغ الأمر بالحضور وتسليم نسخة منه الى المعني بالأمر عون قضائي أو ضابط أو عون للشرطة القضائية أو أحد أعوان القوة العمومية”
- الأمر بالإحضار: خصص المشرع المغربي المواد من 146 الى 151 من قانون المسطرة الجنائية للأمر بالإحضار وقد عرفته بأنه الأمر الذي يعطيه قاضي التحقيق للقوة العمومية لتقديم المتهم أمامه في الحال.
- الأمر بإلقاء القبض والإيداع في السجن[14]: الأمر بإلقاء القبض عرفته المادة 154 الأمر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله الى المؤسسة السجنية المبينة في الأمر حيث يتم تسلمه واعتقاله فيها، أما الأمر بالإيداع في السجن فقد عرفته المادة152 على أنه أمر يصدره قاضي التحقيق الى رئيس المؤسسة السجنية كي يتسلم المتهم ويعتقله اعتقالا احتياطيا.
- الأمر بعدم الإختصاص: إذا تبين لقاضي التحقيق ان الأفعال المعروضة أمامه تخرج عن دائرة اختصاصه فإنه يصدر أمرا بعدم الاختصاص سواء أمام المحكمة الإبتدائية او محكمة الإستئناف فإنه يحيل ملف القضية على النيابة العامة داخل أجل 8 أيام من تاريخ صدوره هذا الأمر.
- الأمر بعدم المتابعة: حددت المادة 216الأسباب التي على أساسها يصدر قاضي التحقيق هذا الأمر وهي الأفعال التي لا تخضع للقانون الجنائي أو لم تعد خاضعة له أو أنه ليست هناك أدلة كافية ضد المتهم، أو ان الفاعل ظل مجهولا.
- الأمر بالإحالة الفورية على هيئة الحكم
الفقرة الثانية: الرقابة على أعمال قاضي التحقيق
بالرجوع الى الفقرة الأولى من المادة 222 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص صراحة على أنه يحق للنيابة العامة ان تستأنف لدى الغرفة الجنحية كل أمر قضائي يصدره قاضي التحقيق باستثناء الأوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا لمقتضيات المادة 196 من ذات القانون.
وتتجلى هذه الرقابة أيضا في اطلاع النيابة العامة في كل وقت على ملف التحقيق وكذلك لها ان تلتمس القيام بكل إجراء تراه مفيدا لإظهار الحقيقة، ويكون قاضي التحقيق ملزما بإطلاع النيابة العامة على الشكايات والمحاضر التي يتضمنها الملتمس لإجراء التحقيق حيث لا يجوز لقاضي التحقيق فتح التحقيق من تلقاء نفسه ما لم يتوصل بملتمس من النيابة العامة.
كما منح المشرع لرئيس الغرفة الجنحية أو من ينوب عنه حق الإشراف على حسن سير[15] مكاتب التحقيق التابعة لنفوذ محكمة الاستئناف، ويعمل على ان لا تتأثر المسطرة بأي تأخير غير مبرر.
بالإضافة الى الرقابة المخولة لرئيس الغرفة الجنحية على سير إجراءات التحقيق بوجه عام، ركز المشرع بوجه خاص على الرقابة التي يمارسها على صحة إجراءات الاعتقال الاحتياطي وذلك بدراسة البيان الذي يعرضه قاضي التحقيق كل ثلاثة أشهر والمتعلق بجرد القضايا الرائجة ويتم الإشارة من خلاله الى القضايا المتعلقة بالمتهمين المعتقلين احتياطيا.
يقوم رئيس الغرفة أو من ينوب عنه بزيارة المؤسسات السجنية[16] التابعة لنفوذ محكمة الاستئناف ويتحقق من حالة المتهمين المعتقلين احتياطيا، ويمكنه ان يطلب من قاضي التحقيق كافة البيانات اللازمة، ويوجه هذا الأخير لقاضي التحقيق التوصيات اللازمة إذا ظهر له ان لا مبرر للاعتقال الاحتياطي.
خاتمة:
لا شك أن الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، وانطلاقا من مرجعياته، قد نص على استقلالية القضاء والقضاة خدمة لحرية الإنسان وحقوقه أي ضمانة للمحاكمة العادلة، وتبعا لذلك، فاستقلالية القضاء تقتضي لزوما التنصيص على استقلالية القاضي لا كشخص بل كفاعل نبيل ترك له المشرع الدستوري، كلما تم المس باستقلاليته حق إحالة ذللك على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، باعتبارها هيئة عليا ضامنة للاستقلالية سلطة القضاء.
إن ضمان حصول استقلالية السلطة القضائية الذي شرط العدالة و المساواة، ولجم الشطط والتسلط، تجسد في المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكذا تشخيصه للوقوف على مكامن الخلل وصياغتها في شكل توصيات وتقارير من اجل العمل على تجاوزها بحثا عن الحفاظ على امن وسعادة المواطن المغربي وصونا لحقوقه، هذا دون نسيان تحملها مسؤولية اصدار أراء مفصلة بطلب من الملك او الحكومة أو البرلمان حول سير القضاء.
تم بفضل الله لا تنسى الدعاء للوالدين
لائحة المراجع
- الكتب:
- صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ضوء التجارب المقارنة، مصطفى التراب، الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
- المقالات والمجلات:
- مجلة المدونة القانونية الشاملة من إعداد الدكتور عبد الخالق الحجوجي خريج ماستر المهن القانونية و القضائية منشور بتاريخ 21 دسمبر 2020
- مقال بعنوان” استقلالية السلطة القضائية ” من إعداد محمد حملناش منشور في موقع دروس القانون .
- البحوث والاطروحات:
- نورة لصفر رسالة لنهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء ” مؤسسة قاضي التحقيق في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديدة” الرباط.
- عرض حول قراءة في القانون التنظيمي 106.13 المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاء ،ماستر القانون و الممارسة القضائية.
- المواقع الالكترونية:
- سفيان البوهالي ” مؤسسة قاضي التحقيق في النظام القضائي المغربي” تاريخ النشر الإثنين 04 ديسمبر 2017 ، الموقع الإلكتروني
- عرض بعنوان مؤسسة قاضي التحقيق في القانون الجنائي المغربي، تاريخ النشر 2 فبرابر 2022 الموقع الإلكتروني https://www.elkanounia.com/
- أيوب أكوجيل ” ضمانات المحاكمة العادلة من خلال قانون المسطرة الجنائية” تاريخ النشر النشر 22 يونيو 2020، الموقع الإلكتروني https://www.bibliodroit.com
- قراءة في الهيكلة الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من إعداد ياسين الكعبوش باحث بسلك الدكتوراه كلية الحقوق فاس، مجلة قانوناك الالكترونية.
– مقال بعنوان” استقلالية السلطة القضائية من إعداد محمد حملناش منشور في موقع دروس القانون .[1]
[2] – قراءة في الهيكلة الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من إعداد ياسين الكعبوش باحث بسلك الدكتوراه كلية الحقوق فاس ،مجلة قانوناك الالكترونية.
[3] – المادة 65من القانون التنظيمي رقم 100.13المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
[4] – المادة 69من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية 100.13
[5] – المادة 69من القانون التنظيمي 100.13 للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
[6] – عرض حول قراءة في القانون التنظيمي 106.13 المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاء ،ماستر القانون و الممارسة القضائية.
[7] – صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ضوء التجارب المقارنة ،مصطفى التراب ،الرئيس الأول بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء
[8] – مجلة المدونة القانونية الشاملة من إعداد الدكتور عبد الخالق الحجوجي خريج ماستر المهن القانونية و القضائبة منشور بتاريخ 21 دسمبر 2020
[9] – أيوب أكوجيل ” ضمانات المحاكمة العادلة من خلال قانون المسطرة الجنائية” تاريخ النشر النشر 22 يونيو 2020، الموقع الإلكتروني https://www.bibliodroit.com
[10] – نورة لصفر رسالة لنهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء ” مؤسسة قاضي التحقيق في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديدة” الرباط، صفحة 6
[11] – المادة 134 من قانون المسطرة الجنائية
[12] – المادة 101 من قانون المسطرة الجنائية
[13] – عرض بعنوان مؤسسة قاضي التحقيق في القانون الجنائي المغربي، تاريخ النشر 2 فبرابر 2022 الموقع الإلكتروني https://www.elkanounia.com/
[14] – سفيان البوهالي ” مؤسسة قاضي التحقيق في النظام القضائي المغربي” تاريخ النشر الإثنين 04 ديسمبر 2017 ، الموقع الإلكتروني
[15] – المادة 248 من قانون المسطرة الجنائية
[16] – المادة 249 من قانون المسطرة الجنائية
تعليقات فيسبوك